سياسة عربية

الخرطوم تميل نحو التهدئة وجوبا تتجه للتصعيد الداخلي

مع استمرار الازمة بين الجانبين في دولتي السودان، بدا واضحاً ان حكومة الخرطوم بدأت تميل نحو التهدئة على الصعيدين الداخلي والخارجي، بينما تتكشف الازمات الداخلية في دولة الجنوب التي باتت اكثر ميلاً نحو التصعيد الداخلي، الامر الذي تسبب بحدوث ازمة سياسية امتدت تأثيراتها الى الحدود المشتركة مع دولة الشمال.

محاولات التهدئة الشمالية طاولت بعض اطياف المعارضة، وتمثلت بصدور مراسيم عفو عام اصدرها الرئيس السوداني عمر البشير، الذي لا يزال ملاحقاً على الصعيد الجنائي الدولي، ويصطدم بمعارضة قوية في الداخل، لكنه يمسك بنظام امني قوي يستطيع من خلاله فرض ارادته، وتسيير الامور بالصيغة التي يعتقد انها تضمن له ولنظامه الامن والامان.
في تلك الاثناء، اشارت تقارير اعلامية الى ان مسلسل النكبات السودانية تواصل. فاضافة الى الخلافات السياسية بكل تفاصيلها، شهدت البلاد موجة فيضانات ادت الى تشريد مئات الآلاف من السودانيين، والى مقتل المئات منهم، ما ضاعف من حدة الازمة التي تعيشها البلاد منذ عقود.
فقد قضى مئات الاشخاص في منطقة الخرطوم بسبب الفيضانات التي اجتاحت وما زالت تجتاح البلاد، فيما اعلنت الامم المتحدة عن وصول عدد المنكوبين الى 150 الفاً وهو عدد مرشح للزيادة، في العديد من المناطق المتضررة، اضافة الى 240 جريحاً. ويتواجد اكثر من نصف المنكوبين في ضواحي العاصمة الخرطوم وفقاً لمكتب تنسيق العمليات الانسانية في الامم المتحدة.
وبحسب هيئات تطوعية فان العديد من الاشخاص فقدوا منازلهم وباتوا ينامون في العراء. وقال مكتب تنسيق العمليات الانسانية في الامم المتحدة في بيان له انه يتوقع هطول امطار جديدة في الايام المقبلة وان تقديرات عدد الاشخاص المنكوبين قد تزيد اذا استمر المطر. وتشير التقديرات الاولية لمكتب التنسيق الى ان الامطار الغزيرة والفيضانات الحقت منذ الاول من اب (اغسطس) اضراراً بـ 26 الف مسكن. وقدمت الامم المتحدة ومنظمات غير حكومية خيماً واغطية ومياهاً صالحة للشرب لمساعدة المنكوبين بحسب تنسيق العمليات الانسانية. وهذه اسوأ فيضانات تشهدها العاصمة السودانية منذ سنوات لكن مناطق ريفية من البلاد تعرضت ايضاً بين حزيران (يونيو) وتشرين الاول (اكتوبر) 2012 لفيضانات اسفرت عن 270 الف منكوب وألحقت اضراراً بـ 36 الف مسكن بحسب ارقام الامم المتحدة.

زيارة الخرطوم
سياسياً، وبينما اعلنت جوبا ان رئيسها سلفا كير ميارديت يستعد لزيارة الخرطوم في نهاية الشهر الحالي لإجراء مباحثات مع الرئيس السوداني عمر البشير، تواصل الازمة الجنوبية تفاعلاتها. وقال الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية في جنوب السودان، ماكويل ماوين: إن الزيارة سوف تتيح بحث سبل تطوير العلاقات الثنائية بين الدولتين. وأضاف الناطق، في تصريح صحافي: إن وزير خارجية جنوب السودان برنابا بنجامين سوف يزور الخرطوم قريباً للتنسيق مع وزير الخارجية السوداني بشأن أجندة الزيارة، وتحديد موعد قمة الرئيسين البشير وسلفا كير. كما تبحث الزيارة سبل حل كل القضايا الخلافية العالقة بين الدولتين، وفي مقدمتها ملف أبيي وآليات حل الخلافات حول المناطق الحدودية المتنازع عليها، إضافة إلى ملفات النفط والأمن والمواطنة والقضايا ذات الاهتمام المشترك.
وبالتزامن، طالب وزير الدفاع السوداني عبد الرحيم حسين بوقف الحرب في ولايات جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، معبراً عن أمله في تضافر الجهود وتنسيق المواقف وتوحيد الأهداف من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في بلاده وفي دولة جنوب السودان. جاء ذلك في برقية تهنئة لوزير الدفاع الجديد في جنوب السودان كوال منيانق جوك، هنأه فيها بتولي المنصب الجديد، واعرب عن امله في تذليل الصعاب التي تواجه عملية السلام بين الطرفين. وتوترت العلاقات بين السودان وجنوب السودان مؤخراً على خلفية تبادل الاتهامات بدعم المتمردين المعارضين كل منهما للأخرى، ما دفع الرئيس السوداني عمر البشير إلى وقف ضخ النفط من الجنوب عبر أراضي بلاده. وما زالت هناك قضايا عالقة بين الدولتين منذ انفصال دولة الجنوب عام 2011، وهي تتعلق بالحدود وعائدات النفط ومنطقة أبيي.

وزراء جدد
وكان سلفاكير قد طوى احدى الصفحات الخلافية في دولته الجديدة عندما اقال الحكومة، وشكل بديلاً لها. ومن بين الوزراء الجدد حاكم ولاية جونقلي المضطربة (شرق) كول مانيانغ الذي تولى حقيبة الدفاع. ومن بين الغائبين الكبار نائب الرئيس السابق رياك مشار الخصم السياسي للرئيس كير والذي اقيل في 23 تموز (يوليو) مع الوزراء الاخرين، وباقان اموم الذي تم تعليق مهامه كأمين عام للحزب الحاكم، الحركة الشعبية لتحرير السودان.
وكان الرئيس كير عيّن برنابا بنجامين الذي كان يشغل حقيبة الاعلام في الحكومة السابقة وزيراً للخارجية. وفي خطوة متقدمة للحل السياسي للازمة المتفاقمة بين طرفي السودان، اعلنت حكومة  الجنوب عن إستراتيجية دبلوماسية جديدة تهدف إلى تقوية العلاقات مع الحكومة السودانية على ثلاثة مستويات. وقال المتحدث باسم خارجية جنوب السودان ماوين ماكول إنه في إطار التعايش السلمي والالتزام الكامل بتطبيق اتفاقية التعاون، فإن حكومة جنوب السودان تؤكد استعدادها لتعميق الصداقة وتوسيع التعاون وتعزيز التنسيق مع حكومة السودان على المستويين الإقليمي والدولي ومباشرة بين البلدين. وبحسب الاستراتيجية فإنها تتمثل بإقامة علاقات جيدة مع الدول المجاورة بدءاً بالسودان، وبحيث يكون التواصل مع السودان على المستوى الأفريقي عبر اتفاقية التعاون المشترك والمستوى الوزاري. ونبه ماكول إلى أن الحكومة السودانية استجابت مؤخراً بصورة طيبة للجهود الدولية والإقليمية الرامية الى احتواء الخلافات بين البلدين وسمحت للنفط بالانسياب الى الأسواق العالمية عبر أراضيها.
الى ذلك، افرجت السلطات السودانية عن الرئيس السابق لاجهزة الاستخبارات السودانية القوية صلاح غوش  بموجب عفو رئاسي بعد اتهامه مع ضباط اخرين بمحاولة انقلاب كان يمكن ان يحكم عليه لو ادين فيها بالاعدام، بحسب ما اعلن محاميه.
وكان غوش اهم المسؤولين السياسيين الذين تم توقيفهم في تشرين الثاني (نوفمبر) في اطار التحقيق في محاولة مفترضة للقيام بانقلاب عسكري ضد الرئيس البشير الذي يحكم السودان منذ 24 عاماً. في المقابل دعا رئيس الوزراء السوداني الاسبق الصادق المهدي في خطاب القاه في ام درمان أمام الآلاف من انصاره، نظام الرئيس عمر البشير الذي يحكم السودان منذ 1989، الى الرحيل مشدداً في الوقت نفسه على نبذ العنف واعتماد العمل السلمي لتغيير النظام.
واعلن زعيم حزب الامة المعارض امام حشد غير عادي ضم الآلاف في ام درمان، المدينة التوأم للخرطوم والتي يفصل بينها وبين العاصمة نهر النيل، ان حزب الامة “قرر التعبئة من اجل رحيل النظام  الذي وصفه بأنه نظام «الاستبداد والفساد».

عواصم – «الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق