حديقة حيوانات من نوع آخر في أيام بيروت
تضع غاليري ايام بيروت في متناول محبي وعشاق الفن الفريد والمميز، ابتداءً من اخر آب (اغسطس) الجاري، ولغاية العاشر من تشرين الاول (اكتوبر) المقبل، حديقة حيوانات حضرية مستحدثة من نوع اخر مختلف، اعدها رسماً ونحتاً واخراجاً الفنان والمهندس المعماري اللبناني الشهير نديم كرم.
في هذا المعرض الفردي الذي اطلق عليه «حديقة الحيوانات الحضرية» يستخدم الفنان الرسم والنحت لتطوير شخصياته ورواياته، عائداً في الكثير من الأحيان الى رمز «السحابة» كوسيلة لتمثيل الحرية والهروب في مشهد متغير، وهو المعروف على اي حال بمنحوتاته التي تعرض في الأماكن العامة والتي يستخدمها في سبيل أنسنة المساحات الحضرية، ويشجع نديم كرم من خلال اعماله عموماً على التفاعل مع المنحوتات العمومية التي يخلقها مشيراً اليها بـ «الألعاب الحضرية» ويدعو الناس الى أخذ الفضاء المحيط بهذه الأشكال السريالية بعين الاعتبار والى لمسها وتسلقها، واتخاذها كجزء لا يتجزأ من منظر المدينة الحي.
اساطير وقصص خيالية
حين نتأمل معرض نديم كرم نرى انه يشتمل على مجموعة من القطع الكريستالية والتي يضيف الفنان من خلالها المزيد من التطوير على الأفكار الموجودة في مداخلاته المعمارية الضخمة في جميع أنحاء العالم، ذلك بعد ان قلص حجمها كي يتيح للمشاهد القيام بتجربة حميمة مع شيء، بدلاً من مصادفة في فضاء حصري فسيح. ويروي كرم قصصه من خلال الأشكال الزاهية الألوان والمستعارة في تكوينها من الأساطير والقصص الخيالية.
ويقدم كرم أيضاً في المعرض مجموعة من المنحوتات الصغيرة المصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ، معتمداً في ذلك على مفرداته من الشخصيات والرموز المتكررة، فتظهر الأجساد المكوّنة لهذه المجموعة بمنظورها الجانبي، وقد تشكلت بعمل معقّد في الشبك المعدني، مما يمنحها شعوراً من الخفة كما هو الحال في منحوتات «فتاة الأحلام » (2013)، التي تملك أجنحة في مكان الأذرع رافعة إياهم للطيران، وفي «زوجان» (2013)، يركض جسدان مبتهجان في انسجام تام بينهما تتشابك أياديهما في حين يقف «فيل» (2013)، بفخر وصلابة. اما الأشكال الراسخة في إطار هذه المنحوتات فتدعو المشاهد الى كشف الغطاء عن الشخصيات والروايات المخبأة داخل البيئة الأكبر لها.
ولعل اكثر ما يلفت هنا هي طريقة الاخراج، ذلك ان نديم كرم يحرص كثيراً على وضع كل فئة من المنحوتات في اطارها المناسب، وهو يقول انه ينكب على دراسة معمقة للمكان الذي يطلب اليه مشروع مدني فيه فيأخذ في عين الاعتبار الطرقات والاصوات والارصفة وارتفاع المباني والروائح… بمعنى اخر هو يدرس ثقافة المدينة كي تكون المنحوتات التي يصممها متناسبة معها.
الانفتاح هو الرسالة
الحقيقة ان المتابع لفن كرم يعرف ان فكرته الأساسية التي ينطلق منها هي ان يتعرف على ثقافة المكان الذي هو فيه ويحمل اليه ثقافات اخرى اكتسبها خلال واسفاره هو القائل «الوقت يحرك المدن وانا احرك المدينة بالحلم» الا ان هدفه الأكبر يبقى الانفتاح، وهي الرسالة التي يحاول نشرها في العالم من خلال اعماله، فمن يذكر سرب التماثيل المتنقل الذي عرضه في مناطق مختلفة من بيروت وفي منطقة سوليدير يعرف ذلك تماماً. المهم برأيه «ان نخرج من الحدود التي يحاولون ان يربطونا بها، فلنتجاوز حدود البلد والديانة ونتعلم ثقافة جديدة ونخلق هوية جديدة مختلفة».
هذا ويضم المعرض العديد من اللوحات الجديدة لكرم، بما في ذلك لوحات تستند الى الشكل الرمزي للفيل، والى استكشاف مواضيع «المحارب الثقافي» و «حديقة الحيوانات الحضرية»، كما يتضمن عرضاً مسبقاً للعديد من المنحوتات الضخمة الجديدة في برج ساحة البلاتين خارج الغاليري خلال فترة من المعرض، حيث ستكون هذه المنحوتات الكبيرة جزءاً بارزاً من معرض كرم المقبل في أيام غاليري القوز والذي سيتم افتتاحه في دبي يوم الثلاثين من أيلول (سبتمبر) المقبل.
وفي التفاصيل سينطلق معرض جديد للفنان في دبي عنوانه «الغيمة التي تسير» وسيضم 99 شكلاً جديداً يمكن ان نعثر عليها بحسب رؤية نديم كرم داخل الغيمة التي تسير، وسيقدم في هذا المعرض الذي سيستمر حتى 28 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، نسخة جديدة طموحة وغامرة من خلال عرض الأشياء عبر الغيمة أو السحابة، حيث سيعرض الفنان كما اسلفنا «99» من الأعمال المطبوعة التي تصوّر مجموعات خيالية مؤلفة من عناصر مأخوذة من الحياة الواقعية اندمجت مع شخصياته المستوحاة من اللعبة الحضرية.
وسيتم تزيين جدران المعرض بالمطبوعات وجعل هذه العناصر تتدلى من السقف وخلق حلم «السماء» عبر الفضاء. ويتضمن العرض أيضاً أعمالاً جديدة أخرى تشمل عرض المنحوتات، «المحارب الثقافية – 1»، «هانيبال» و«الفيل» (2013)، وتعرض شخصية بارزة تحمل صولجاناً مع رمز سحابة يقف بفخر على قمة منحوتة بشكل معقد يشبه الفيل، والغيمة التي تسيرهي شكل سريالي من العالم الآخر يخرج منها كتلة من الريش الأبيض او أزرار اللؤلؤ.
بث الحياة في المدن
مما لا شك فيه ان فن نديم كرم يشكل متعة للنظر ومرتعاً خصباً للخيال لأنه يعمد الى بث الحياة في المدن الجامدة فيعطيها روحاً جديدةً وطاقةً متدفقةً ويخلق فيها ثقافة مختلفة منفتحة على الكون بكليته لان الفنان يؤمن بأن المكان والزمان بإندماجهما يولد الحدث، ولا شك في ان خلفيته الهندسية ساعدته كثيراً في هذا المضمار، خصوصاً ان الطموحات الفنية تتطلب ركائز هندسية كي تصبح واقعاً قابلاً للتنفيذ.
والى جانب خلفيته كمهندس معماري، بدا نديم كرم متأثراً ايضاً بحضارات كثيرة في فنه منها الحضارة الافريقية بشكل غير مباشر (ولد في السنغال وقضى فيها سنواته الاولى) وبالحضارة اليابانية (عاش هناك 10 سنوات) وبجذوره اللبنانية المتوسطية، خصوصاً ان لبنان هو ملتقى الحضارات والديانات.
اشارة الى ان نديم كرم ولد عام 1957 في السنغال، يعيش ويعمل حالياً في بيروت، وأسس عام 1996 أتيليه هابسيتوس «Hapsitus» وهو تجمع للمهندسين المعماريين والمصممين اللبنانيين الشباب الذين يطمحون الى خلق مفردات حضرية أصيلة، من خلال الأعمال الفنية التركيبية الضخمة والأعمال المعمارية للعديد من المدن حول أنحاء العالم، ظهرت أعمال كرم في العديد من المعارض الفردية والمشتركة حول العالم.
كوثر حنبوري