باتريسيا كاس حين تغني إديث بياف
وكان ختامها مسك مع «باتريسيا كاس تغني اديث بياف…» نعم، اختتمت مهرجانات بيت الدين فعالياتها بحفل كان لافتاً استقطابه الجمهور الأكبر بين كل حفلاتها لهذا العام، حيث نفدت بطاقاته كلها قبل موعد الحفلة بأسابيع، فأطلّت المغنية الفرنسية ذات الصوت الرخيم على اللبنانيين لليلة واحدة عبر عرض تجول به منذ العام 2011 على عدد من عواصم العالم تحت عنوان «باتريسيا كاس تغني اديث بياف»، ارادته تحيّة تقدير للفنانة الفرنسية العالمية الراحلة في الذكرى الخمسين لرحيلها.
في رحاب ذاك القصر الشهابي التاريخي العريق كان اذاً الموعد الكبير مع المغنية الفرنسية صاحبة الصوت الأجش وباقة منتقاة من ريبرتوار ايقونة الغناء الفرنسي امام جمهور واسع «فرانكوفوني الهوى» غصت به مدرجات مسرح بيت الدين جامعاً معاً معجبي باتريسيا كاس من جيل الشباب وعشاق إديث بياف من جيل أكبر عمراً.
الصلاة… افتتاحاً
كاس التي جابت منذ العام 2011 وحتى اليوم 45 دولة بهذا العرض لتحط أخيراً وليس آخراً في بيت الدين، للإحتفاء بمرور 50 سنة على وفاة اسطورة الغناء الفرنسي، توجهت الى جمهورها اللبناني في بداية العرض موضحة انها استمعت إلى أرشيف بياف الضخم الذي يضم ما يزيد على 430 أغنية، واختارت منها 21 اغنية لتتقاسمها مع جمهورها، منها ما يحكي عن الحب او الحزن عن الفراق او الألم او الفرح، «بعضها تعرفونه والبعض الآخر أقل شهرة».
وبزي باريسي يعيدنا الى الزمن الجميل، زمن بياف والاربعينيات، وحذاء عالي الكعب، ظهرت كاس مفتتحة الحفل وهي راكعة، تصلي، مع الاغنية المؤثرة «يا إلهي، يا إلهي، اترك لي حبيبي قليلاً… يوماً، يومين، أو ثمانية أيام». فرقة موسيقية صغيرة رافقتها على المسرح، وراقص واحد، وشرائط مصورة كانت تعرض على شاشة ضخمة شكلت خلفية المسرح، تعكس اجواء الاغنيات المختارة.
النساء دائماً افضل
بدت كاس منذ بداية اطلالتها متحررة، خفيفة، مرحة تتحرك ببساطة ورشاقة على المسرح، تتواصل مع جمهورها بخفة دم وطرافة مع انتهاء كل اغنية، تشكره بدلع “merci” وتستدرجه للغناء معها، تثني على غناء السيدات، يرافقنها غناء افضل من الرجال، تعطي الرجال الفرصة، لكن عبثاً، يصيبونها بالإحباط، «النساء دائماً افضل» تستخلص.
ورغم الرطوبة العالية التي جعلت ارض المسرح مبتلاً وأدت الى انزلاقها وهي ترقص، حافظت كاس على خفة حركتها فبدت كفراشة تتنقل وان اضطرت لاحقاً الى خلع حذائها وسط ضحك وتصفيق جمهورها وقفشاتها الطريفة. خلعت حذاءها وتابعت استعراضها، تتنقل، ترقص، تتمايل، تدندن، وامام جمهورها تبدل ملابسها، لكل اغنية اجواؤها ولباسها، الترانشكوت اولاً ثم فستان السهرة الاسود، ثم تنتعل الجزمة، ثم المعطف الشتوي، وباسلوبها الخاص جداً، وبتوزيع جديد، تغني أجمل ما غنته اديث بياف، لباريس، للحب، للحزن، للفراق وايضاً للفرح، اغنيات شهيرة اثارت حماسة الجمهور، ومنها ما هو اقل شهرة لكنها فرضت اصغاءً رائعاً وتصفيقاً كبيراً.
مع اصدقاء بياف
واستعراض كاس لتراث بياف لم يخل من محطات تمثيلية، محطتان: اولاهما مع صديق بياف الممثل الفرنسي آلان دولون الذي يظهر على الشاشة العريضة في شريط مصور مع كاس مجسدة دور بياف. كاس تشكر آلان، اراد هو ايضاً تكريم صديقته الراحلة بالمشاركة في هذا العرض. ومشهد مسرحي آخر تسترجع فيه كاس الدور المسرحي الوحيد الذي لعبته اديث بياف في مسرحية للأديب الفرنسي الشهير جان كوكتو.
على مسرح بيت الدين، فجرت باتريسيا كاس الذاكرة والحنين في تلك الليلة الندية من شهر آب (اغسطس)، بإستعادة أغنيات ذاع صيت معظمها في العالم برمّته من اغنية «الغريب»، الأولى التي سجلتها إديت بياف الى «بادام» فالى «قريباً تكون قد مرت ثلاث سنوات» التي أدتها ببراعة، فالى الاغنية الخالدة “La Vie en Rose” التي انشدتها بمرافقة الجمهور، وكانت محطة مع اغنية «قصة حب جميلة» حيث ارتدت كاس قفازات الملاكمة لإرتباط هذه الاغنية بقصة حب عاشتها بياف مع الملاكم العالمي الفرنسي مارسيل سيردان، الذي توفي إثر حادث تحطم طائرة وهو آتٍ لرؤيتها في باريس. ومسك الختام، توارت كاس عن المسرح لدقائق وعادت بفستان ابيض وهي تغني اغنية بياف الشهيرة “Non rien de rien.. Je ne regrette rien”، وبهذه الاغنية الرائعة ومع تصفيق الجمهور الحاد اسدل الستار على موسم مهرجانات بيت الدين للعام 2013.