رئيسيسياسة عربية

٣ ملايين تركي يسيسون احتجاجاتهم ويطالبون باقالة اردوغان

هل اخطأ رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان عندما حاول تسويق تجربة حزبه في الحكم الى دول الربيع العربي؟ وهل بدأ يدفع ثمن ذلك الترويج الذي قام على اساس ان لديه «وصفة جاهزة» يمكن تطبيقها، وبالغ في التقديم لتلك التجربة من زاوية «انجازات خرافية» حققها بحكم نزاهته من جهة، وادارته للدفة الاقتصادية من جهة اخرى؟

سؤال يطرح بقوة في ضوء التطورات الاخيرة ليس فقط على مستوى دول الربيع العربي فقط، وانما في مجال التطورات التركية ذاتها، ومن بوابة فلسفية تفترض مبدأ الشراكة في الغنم والغرم.
فأردوغان اراد ان يكون شريكاً في الغنم الناتج عن الربيع العربي. لكنه وجد نفسه امام غرم يعتقد محللون انه سيدفع جزءاً من كلفته. من ذلك، ان حزب العدالة والتنمية التركي، الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، بدأ عمليات عزل لمعارضيه، تماماً كما فعل الإخوان المسلمون في مصر، وأدى بهم ذلك في نهاية المطاف إلى اطاحة الرئيس الاخواني المنتخب محمد مرسي.
وبصورة اخرى، يعتقد محللون ان الانقلاب الذي اطاح مرسي، أثار خضة كبيرة ترددت اصداؤها لدى أنجح أحزاب الشرق الأوسط، أي حزب أردوغان. فما حدث في مصر كان بالغ التأثير على حزب العدالة والتنمية في تركيا، وتحديداً على أردوغان. فقد أحبط الانقلاب المصري خطة العدالة والتنمية في تصدير نسخته من الإسلام الديمقراطي الشعبوي إلى الشرق الأوسط، بعد أن رأى تراجع الأحزاب الإسلامية المنتخبة عقب الثورات في مصر وتونس، والتي كانت تسير على خطاه. وفي الوقت نفسه، عمق ازمة داخلية ما كان لها ان تمتد الى هذا المدى لولا التطورات التي شهدتها الساحة المصرية.

بين مصر وتركيا
بدون مقدمات، هناك من يجد ربطاً بين التطورات التي تشهدها الساحة المصرية، وتلك التي حدثت على خلفية مشروع «تقسيم» وسط العاصمة اسطنبول. فتطورات مصر ابعدت الرئيس محمد مرسي عن الحكم، بينما تطورات «تقسيم» أسست لحالة رفض بدأت دائرتها تتسع في ضوء معلومة تشير الى ان عدد المحتجين وصل الى ثلاثة ملايين تركي، في ثمانين مدينة، وان هذا الكم من المحتجين بدأوا عملية تسييس احتجاجاتهم، واطلقوا عملية تحشيد واسعة ورفعوا شعاراً يطالب باقالة اردوغان من الحكم. بينما زاد البعض على تلك المطالبة التأكيد على رفض حكم الاسلاميين.
التظاهرات تميزت بامتدادها الى العديد من المدن التركية، وبتغيير في الشعارات المرفوعة، الامر الذي اضاف ابعاداً تحليلية اخرى الى ما كان قائماً، ودفع بالمتابعين الى قراءة المشهد من زوايا سياسية تضاف الى العامل التراثي لمنطقة «تقسيم». وتواصلت الاحتجاجات على مدى ايام عدة، ولم تقتصر على يوم واحد، واكتسبت زخماً واضحاً من جميع النواحي، مقابل تحشيد امني واضح. فقد أعلنت الجمعية الطبية التركية، ان مواجهات الاثنين الفائت، والتي شملت مدناً عدة في البلاد، أسفرت عن مقتل شخص واصابة ثلاثة آلاف بجروح متفاوتة.
وبينت الجمعية أن من بين المصابين 26 شخصاً وضعهم الصحي حرج. وأن عدد المصابين في إسطنبول بلغ 1485 مصاباً، خمسة منهم بحالة حرجة. وفي أنقرة أصيب 800 اثنان منهم بحالة حرجة وفي منطقة ازمير 800 جريح وفي منطقة أضنة 110 جرحى.
واشتكى متظاهرون من ان القوة والعنف المفرطين اللذين يستخدمهما رجال الشرطة ضد المتظاهرين غير مسبوقين». وتأتي هذه الأنباء في الوقت الذي تستمر الاحتجاجات في عدد من المدن التركية وفي مقدمتها مدينة إسطنبول والعاصمة أنقرة. وهناك تقارير تتحدث عن تنامي الحراك الاحتجاجي في ثمانين مدينة من بينها مدينتا موغلا وانطاليا.
ومنعت الشرطة مجموعة من المتظاهرين من التوجه إلى البرلمان ومكاتب رئيس الوزراء في انقرة. وكانت منظمة العفو الدولية «أمنستي» حثت السلطات في تركيا على اتخاذ خطوات عاجلة لمنع سقوط المزيد من القتلى والجرحى والسماح للمتظاهرين بممارسة حقوقهم الأساسية وذلك بعد إشارتها إلى ارتفاع عدد القتلى الى شخصين على الأقل، وجرح أكثر من ألف متظاهر خلال مصادمات يوم واحد، ما يعني ارتفاع العدد التراكمي للجرحى.
وبينما استمرت المواجهات بين المتظاهرين وشرطة مكافحة الشغب، خلال احتجاجات وصفت بانها من أكبر التحديات التي تواجه الحكومة في تركيا خلال 10 سنوات من حكمها، استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق مئات المتظاهرين الذين تجمعوا في ساحة «تقسيم»، مركز التظاهرات التي دفعت بواشنطن إلى التعبير عن قلقها من ارتفاع عدد المصابين.
الى ذلك طالب رجب طيب أردوغان المحتجين بوقف تظاهراتهم على الفور، ملوحاً بقيام الشرطة بـ «واجبها» ومؤكداً «أن ساحة «تقسيم» لا يمكن أن تترك لعبث المتطرفين». وتعهد اردوغان بالمضي قدماً في المشاريع التي أثارت الاحتجاجات العنيفة والتي تشمل اقتلاع أشجار قرب ساحة «تقسيم» لإعادة بناء ثكنة أثرية تعود الى الفترة العثمانية وجعلها مركز تسوق. وذكرت وسائل اعلام محلية أن مخزون الغاز المسيل للدموع بدأ ينفد لدى شرطة اسطنبول حيث كانت رسائل أجهزة اللاسلكي تحذر الوحدات وتطلب منها «الاقتصاد» في استخدامه.

وضع لا يحتمل
في مسار آخر، اعلن اردوغان امام حزبه انه كان من واجبه «تطهير» ساحة «تقسيم» وحديقة جيزي في اسطنبول، باعتبارها اخر معقل للمتظاهرين الذين يطالبون باستقالته. واصفاً الوضع هناك بانه «لا يحتمل». ورفع اردوغان من حدة لهجته واصفاً المتظاهرين بـ «الارهابيين»، ومشدداً: «لن نتخلى عن هذه الساحة للارهابيين»، في اشارة الى اعلام وشعارات بعض الحركات السياسية المحظورة التي رفعت في «تقسيم». ومذكراً بأن الحديقة والساحة ليستا «ملكاً خاصاً» للمتظاهرين. وفي خطابه، دافع اردوغان عما قامت به الشرطة التركية داعياً المعارضين الى انتظار موعد الانتخابات البلدية في اذار (مارس) 2014، وقال: «اذا كنتم لا تريدون رؤيتنا في الحكم فان الحل موجود، وهو الانتخابات». وفي المقابل، أعلنت اثنتان من كبرى النقابات التركية اضراباً عاماً يوم الاثنين الفائت في كل انحاء تركيا تنديداً باعمال العنف التي ارتكبتها الشرطة بحق المتظاهرين المناهضين لرئيس الوزراء رجب طيب اردوغان، وفق ما صرح به المتحدث باسم نقابة «كيسك». وقال المتحدث باكي جينار: «ان الاضراب سيشمل الاطباء والمهندسين والمهندسين المعماريين واطباء الاسنان. ودعت النقابتان ايضاً الى وقف «فوري» لأعمال العنف هذه».
وكانت النقابتان أضربتا غداة تدخل الشرطة لاخلاء ساحة «تقسيم» من المتظاهرين. ويضم الاتحاد النقابي للعمال الثوريين «ديسك»، 420 الف عضو، فيما يضم الاتحاد النقابي لموظفي القطاع العام «كيسك»  250 الف عض.

اسطنبول  – «الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق