رئيسيسياسة عربية

فلسطين… مفاوضات سلام وسط حقل ألغام

استماتة اميركية واضحة على احراز تقدم في مهمة كيري الى المنطقة، تمثلت بقيام الوزير الاميركي باكثر من زيارة مكوكية بين العاصمة الاردنية عمان، وكل من رام الله وتل ابيب، اضافة الى بعض العواصم الاخرى. لكن ما هو الموضوع؟ وهل يعني وجود تقدم فعلي في عملية السلام؟ وهل يملك الوزير الاميركي صلاحيات تؤهله للضغط على اطراف العلاقة من اجل بحث ملفات جوهرية، وتدخل في صلب المفاوضات؟

الجواب قد لا يكون مشجعاً، فكل ما سعى الوزير الى تحقيقه هو اقناع طرفي المعادلة بالعودة الى طاولة المفاوضات. فوسط صيغة احتفالية، اعلن الوزير الاميركي جون كيري ان مهمته نجحت، وان طرفي المعادلة سيجتمعون خلال الاسبوع الحالي في واشنطن ايذاناً باطلاق عملية السلام المتوقفة منذ اعوام عدة.
الاحتفالية التي تعامل بها كيري مع الحدث، قوبلت بردود باردة من قبل طرفي المعادلة. فقد اعلن كيري انه جاء الى المنطقة والتقى مجموعة من المسؤولين في اسرائيل والسلطة الفلسطينية والاردن. كما التقى في العاصمة الاردنية عمان عدداً من وزراء الخارجية العرب المكلفين متابعة ملف عملية السلام، والذين استمعوا الى المشروع الاميركي بمحاوره الثلاثة: الامني والسياسي والاقتصادي، وبالمحاور التفصيلية العشرة.
ومع تأكيدات الوزراء العرب على ضرورة عدم مغادرة كيري المنطقة دون تحقيق تقدم في مهمته، الا ان ما قدموه كان متواضعاً، حيث جددوا التأكيد على عدم الممانعة في اجراء مبادلة في الاراضي، ما يعني مرونة في مجال المطلب الخاص بـ «حدود 1967».
وهم بذلك يذكرون بقرار عربي اتخذ على المستوى الوزاري في الجامعة العربية. لكنهم شددوا على دعمهم الجانب الفلسطيني في مطالبه المشروعة، وطالبوا كيري بالضغط على اسرائيل من اجل القبول بالعودة الى طاولة المفاوضات، ولكن ضمن اسس تضمن حقوق الفلسطينيين، ولا تغفل الجهود التي بذلت سابقاً، والاتفاقات التي ابرمت عبر السنين السابقة.
اعلان كيري عن اتفاق لاستئناف المفاوضات، كان موضع تشكيك لدى العديد من الاطراف، خصوصاً الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي. ففي الوقت الذي اصرت اسرائيل على رفضها لما اعتبرته «شروطاً مسبقة»، تمسك الجانب الفلسطيني ببعض ثوابته، التي لا يرى انها تندرج ضمن التعريف الاسرائيلي. وانما هي نوع من اثبات الجدية، وتأكيد على حسن النوايا. ومن هنا بدا واضحاً ان العملية كانت محكومة بكم من الهواجس التي تؤسس لتفجير العملية قبل ان تبدأ.

لجنة مصغرة
على سبيل المثال، لم يحسم اجتماع القيادة الفلسطينية الذي اعقب اجتماع كيري، ومغادرته الاراضي الفلسطينية عائداً الى بلاده، قرار استئناف المفاوضات، وسط نقاش عاصف حذرت معظم مداولاته من مغبة العودة إليها دون تلبية المطالب الفلسطينية، بوقف الاستيطان ومرجعية حدود 1967، والإفراج عن الأسرى المعتقلين في سجون الاحتلال قبل اتفاق أوسلو.
ونقلت وسائل اعلام عن عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واصل أبو يوسف ان الاجتماع أحال أمر البت في قرار استئناف المفاوضات إلى لجنة مصغرة، تضم ممثلي الفصائل وبعض الشخصيات الوطنية.
الى ذلك، اكد متابعون لمجريات الجولة المكوكية التي قام بها كيري، أن «المقترحات الأميركية التي عرضت على الجانب الفلسطيني كانت مجرد أفكار ضمن المسارات الأمنية والسياسية والاقتصادية». وتدور تلك المقترحات، حول «حل الدولتين»، وبحث ملفي الأمن والحدود، وإطلاق سراح 250 أسيراً أمنياً في سجون الاحتلال بعد العودة إلى المفاوضات، وتحسين الأوضاع الاقتصادية في الأراضي المحتلة ضمن خطة اقتصادية عنوانها «إجراءات حسن النية». وكانت حركة فتح قد طالبت كيري بإدخال تعديلات على مقترحه لإعادة إطلاق المفاوضات مع اسرائيل. ومن أبرزها أن يعلن الوزير الاميركي عن دعوته الى المفاوضات على أساس مبدأ الدولتين على حدود العام 1967».
الى ذلك، توالت ردود الفعل المقللة من شأن ذلك الاتفاق، والتي تشكك في امكانية نجاحه. فقد رحّب المراسل الدبلوماسي لصحيفة هآرتس بالنجاح، الذي حققه كيري في ما سمّاه «حرب استنزاف» مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس، لكنه خلص الى التأكيد على أنه «إذا كان نجح في تحريك جبال لاستئناف المفاوضات، فإن المرحلة الأصعب بدأت الآن». مضيفاً: إن انعدام الثقة بين الطرفين لا يزال كبيراً، والهوة بين نتانياهو وعباس لا تزال عميقة جداً. وكانت الرئاسة الفلسطينية رحّبت بالاتفاق بحذر، وقال المتحدث باسمها نبيل أبو ردينة انه توجد تفاصيل معينة ما زالت بحاجة إلى إيجاد حل لها، وإذا ما سارت الأمور على ما يرام، فإن الوزير كيري سيوجّه الدعوة إلى صائب عريقات وممثل عن الجانب الإسرائيلي للقائه في واشنطن لإجراء محادثات أولية خلال الأيام القليلة المقبلة.

تشكيك
في المقابل، أبدت أطراف فلسطينية تشكيكاً بفرص نجاح المحاولة الأميركية الجديدة، انطلاقاً من التجارب الفاشلة الكثيرة منذ اتفاقيات أوسلو العام 1993. وأعلنت حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية برئاسة النائب مصطفى البرغوثي رفضها العودة إلى المفاوضات مع إسرائيل من دون مرجعية واضحة ومحددة، تكون حدود الرابع من حزيران (يونيو) لعام 67 أساساً لها، وتقرّ بها إسرائيل، ووقف الاستيطان في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس. كما اعتبرت الحركة أن «تجربة عشرين عاماً من المفاوضات كافية لأن تظهر أن الخطأ كان في توقيع اتفاق أوسلو قبل وقف الاستيطان، مما رفع عدد المستوطنين في الأراضي المحتلة من 150 ألفاً إلى 600 ألف مستوطن». بينما يتمسك نتانياهو بأن المطالبة بوقف الاستيطان تعني شرطاً مسبقاً للمفاوضات.  ويؤكد ان كل ما يمكنه القيام به هو إبطاء حركة بناء المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة طيلة فترة المفاوضات. في السياق عينه، قالت صحيفة هآرتس العبرية عبر موقعها الالكتروني ان احد اسباب موافقة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو هو الطريقة الحادة التي تحدث بها وزير الخارجية الاميركي جون كيري معه. وقالت الصحيفة نقلاً عن مسؤولين اميركيين واسرائيليين شاركوا في المحادثات ان كيري ابلغ نتانياهو بشكل حاد خلال اللقاء الاخير معه ان اسرائيل ستواجه حملة دولية لازالة الشرعية عنها اذا ما استمر الجمود والتعنت بشأن موضوع الاستيطان.

عواصم – «الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق