رئيسيسياسة عربية

القرار الاوروبي هل يعطل الحوار ويؤجل التشكيل ام يسرع الحل؟

هل يشكل تجاوب الاطراف السياسيين مع دعوة الرئيس ميشال سليمان المتكررة لاستئناف الحوار مخرجاً للمأزق بعد قرار الاتحاد الاوروبي ادراج الجناح العسكري لحزب الله على لائحة الارهاب الاوروبية، وهل يوفر تشكيل حكومة تمام سلام المساحة لتلاقي اللبنانيين وانخراطهم في مؤسسات الدولة وتقديم مصلحة لبنان على مصالح الاخرين؟

دأب الرئيس ميشال سليمان على دعوة الاطراف الى استئناف الحوار بعد ان توقف عام 2011 في ظل حكومة الوحدة الوطنية التي ترأسها سعد الحريري، وقاطع العماد ميشال عون اجتماعات الحوار، ثم تبعه ممثلو 8 اذار، بعدما قدم الرئيس سليمان تصوره للاستراتيجية الوطنية للدفاع ووضع اسس اعلان بعبدا في 11-6-2012 التي تقوم على تحييد لبنان عن الصراعات الاقليمية والدولية. ومع الانقلاب السياسي لقوى 8 اذار على حكومة الوحدة الوطنية وعلى اتفاق الدوحة وتشكيل حكومة اللون الواحد برئاسة نجيب ميقاتي التي اعتبرتها 14 اذار بانها حكومة حزب الله، قاطعت القوات اللبنانية جلسات الحوار لاسباب امنية بعد تعرض الدكتور سمير جعجع لمحاولة اغتيال في معراب وشعوره بعدم احراز اي تقدم على صعيد الحوار في ما يتعلق بسلاح حزب الله، بعدما اعلن مسؤولو الحزب ان السلاح خارج النقاش لانه سلاح شرعي، وفق ما ورد في البيان الوزاري في معادلة: الشعب والجيش والمقاومة. يومها توقف الحوار ورفض ممثلو 14 اذار المشاركة فيه مشترطين استقالة حكومة ميقاتي وعودة الاوضاع الى ما كانت عليه قبل الانقلاب السياسي. وتوقف الحوار مع رفض حزب الله بحث سلاحه في جلسات الحوار انطلاقاً من التصور الذي وضعه الرئيس سليمان للاستراتيجية الدفاعية. وبذلت جهات خارجية عربية وغربية جهوداً لاستئناف الحوار، الا انها لم تفلح بسبب تمسك الاطراف بمواقفها وشروطها. وكانت اندلعت المواجهات في سوريا واتسع الشرخ بين الاطراف.
امام هذه التطورات ايدت 8 اذار دعوة سليمان الملحة الى الحوار، واشترطت 14 اذار للعودة اليه استقالة حكومة ميقاتي والمباشرة بتنفيذ قرارات الحوار السابقة لجهة المحكمة الدولية والغاء السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وتنظيمه داخلها، الى ترسيم الحدود مع سوريا وبحث موضوع سلاح حزب الله في ضوء الاستراتيجية الدفاعية وحصرية السلاح بيد قوى الشرعية.

دعوة الى الحوار
ومع التطورات في المنطقة، لا سيما في سوريا، وتورط حزب الله في المعارك وانقسام اللبنانيين بين مؤيد للنظام وداعم للمعارضة، وبعد استقالة حكومة ميقاتي تزامناً مع المستجدات والتغييرات والتطورات في تركيا ومصر، وتكليف السعودية بالملفات العربية والسعي لمعالجة الاوضاع، دعا الرئيس سليمان في اطلالتين خلال الافطار الرئاسي وفي تخريج الطلاب في جامعة القديس يوسف اليسوعية، بمناسبة الذكرى المئوية لقيام الجامعة، الى الحوار كوسيلة للاتفاق والبحث في التصور للاستراتيجية الوطنية للدفاع، والافادة من سلاح المقاومة. وطرح الرئيس سليمان في احدى جلسات الحوار جملة اسئلة من شأن الاجابة عليها توضيح العديد من الهواجس. وحملت قوى 14 اذار على سلاح حزب الله بعد اعلان الامين العام للحزب حسن نصرالله عن انخراط مقاتلي الحزب في المعارك في سوريا الى جانب النظام لمنع سقوطه، لان سقوطه يستهدف الحزب وينعكس على وضعه. وتلقف نصرالله مبادرة الرئيس سليمان في اطلالة اتسمت بالهدوء والايجابية ومد اليد، داعياً الى الحوار الان قبل تشكيل الحكومة. وعزا وزير في الحكومة هذا التحول الى ان نصرالله كان على علم بالقرار الاوروبي لادراج الجناح العسكري للحزب على اللائحة الاوروبية للارهاب، وكان على معرفة بان التغييرات التي طرأت في مصر وتركيا وقطر لن تصب في صالح المشروع الذي يؤيده والمتمثل بالمحور الايراني – السوري. وابدت اوساط بعبدا ارتياحها لتجاوب نصرالله السريع مع الدعوات التي اطلقها الرئيس سليمان، واخرها خلال الافطار الرئاسي للبحث في المشاكل السياسية ضمن حوار جدي مسؤول، وفي مقدمها الاستراتيجية الوطنية للدفاع، انطلاقاً من التصور الذي اعده الرئيس سليمان وقدمه الى طاولة الحوار. وسارعت قوى 14 اذار الى الترحيب بالدعوة للحوار، واشترطت ان يكون بعد تشكيل الحكومة لئلا يتم الربط بين نتائج الحوار والتشكيل، على ان يتم طرح موضوع سلاح حزب الله انطلاقاً من تصور الرئيس سليمان. واعتبرت القوات ان «من جرب المجرب كان عقله مخرب»، واعتبرت قوى 14 اذار انه لم يعد بمقدور الحزب المكابرة ورفض طرح سلاحه للبحث حول طاولة الحوار، بعدما سقطت عنه تسمية سلاح المقاومة وتحول الى سلاح ميليشياوي شيعي تابع لايران، يأتمر بأمر الحرس الثوري، وسلاح له اجندة ايرانية ووظيفة خارجية ولم تعد وظيفته المقاومة بعدما تورط في سوريا وفي الداخل واستخدم لاغراض سياسية لارهاب السياسيين، كما يقول نائب في المستقبل. ويركز نواب قوى 14 اذار حملتهم على الحزب وسلاحه منذ تورطه في المعارك في سوريا ورفض القيادة الانصياع الى طلبات الرئيس سليمان بالعودة الى الوطن وسحب المقاتلين من سوريا لتجنب استدراج الحريق السوري الى الساحة اللبنانية واشعال نار الفتنة.

كسر الاصطفافات
على رغم انقسام الاطراف السياسية حول دعوة الرئيس سليمان، تقول اوساط بعبدا ان الخطوة عادت وحركت قنوات التواصل بين الاطراف في محاولة لكسر الاصطفافات السياسية. فبادر الرئيس نبيه بري الى دعوة الرئيس الحريري للعودة والترشح لرئاسة الحكومة، وفسرت اوساط قوى 14 اذار المبادرة بانها مفخخة ومناورة اطلقها بري لـ «زكزكة» سلام لرفضه التجاوب مع مطالبه في التشكيل وتمسكه بالمعايير التي وضعها منذ التكليف اي حكومة من 24 وزيراً، مؤلفة من ثلاث ثمانات (8 لقوى 14 و8 لقوى 8 و8 للرئيسين سليمان وسلام والنائب وليد جنبلاط) من دون ثلث معطل ومع مداورة في الحقائب واعتماد اعلان بعبدا اساساً للبيان الوزاري لجهة حياد لبنان والتزام سياسة النأي بالنفس وسقوط معادلة: الشعب والجيش والمقاومة، بعد مشاركة الحزب في الحرب في سوريا. وامام كل هذه المتغييرات والتطورات والموقف الاوروبي زار وفد من تيار المستقبل السعودية للتشاور مع الرئيس الحريري في كل هذه المستجدات والعودة بالموقف الذي يتناسب مع التطورات ومع موقف الرئيس سليمان الذي ايده البطريرك الماروني في الكلمة التي القاها خلال القداس الذي ترأسه في عنايا لمناسبة عيد القديس شربل، بحضور الرئيس سليمان وقد «اتهم الفريقين السياسيين بانهما يمعنان في الانقسام ويعطلان قيام المؤسسات الدستورية ويشلان عملها». وتوقف المراقبون امام النبرة العالية للراعي، ونقل عنه احد الزوار انه يشن حملة عنيفة على القوى السياسية لانها لا يهمها الا مصالحها وهي لا تولي مصالح وشؤون الناس اي اهتمام.
وكانت وردت الى مسؤولين معلومات مفادها ان الساحة اللبنانية هي تحت المراقبة الدقيقة وان كان الوضع هشاً. وان عواصم القرار تعنى بالشأن اللبناني وهناك استعجال لمساعدة الجيش لحماية الاستقرار، وهذا ما انطوى عليه اتصال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند من دعم لجهود سليمان والجيش للحفاظ على سياسة النأي بالنفس، والتزام القوى السياسية تعهداتها في اطار اعلان بعبدا. واشارت المعلومات الى ان الحرب في سوريا طويلة ولم يتم الاتفاق بعد على عقد جنيف – 2. ويدعو المسؤولون القوى السياسية الى التزام سياسة النأي لابعاد الحريق السوري عن الساحة مع تدفق النازحين السوريين والفلسطينيين وقد بلغت الاعداد ارقاماً مذهلة تتحفظ المراجع المعنية عن الكشف عنها، في الوقت الذي بدأت عواصم غربية تحركاً لوضع صندوق دولي لمساعدة لبنان الذي لا يزال يستقبل النازحين السوريين في حين اقفلت الحدود الاردنية  والتركية في وجه النازحين السوريين الذين قد يتضاعف عددهم اذا استمرت المواجهات العنيفة واذا لم يتم التوصل الى صيغة لوقف العنف.

القرار الاوروبي
وفي الوقت الذي كان الوسط السياسي منشغلاً بمتابعة دعوة الرئيس سليمان الى الحوار ومواكبة حراك الرئيس تمام سلام لتشكيل الحكومة والعمل على تفكيك العقد التي تعترض التأليف، صدر عن وزراء الاتحاد الاوروبي قرار بادراج الجناح العسكري لحزب الله على اللائحة الاوروبية للارهاب رغم طلب الرئيس سليمان من هذه الدورة عدم اتخاذ القرار لصون الاستقرار. وفور صدور القرار استدعى سليمان رئيسة بعثة الاتحاد الاوروبي السفيرة انجيلينا ايخهورست
واستفسر منها عن خلفيات وابعاد القرار والآلية التنفيذية والخطوات اللاحقة وهل ان الامر ينطوي على عقوبات؟ واوضحت ايخهورست ان هناك آلية سيتم الاعلان عنها لتنفيذ القرار للتمييز بين العسكري والسياسي داخل حزب واحد. واكدت السفيرة دعم الاتحاد جهود الرئيس سليمان وتأييد الدعوة التي وجهها الى القادة لاستئناف الحوار لمناقشة الاستراتيجية الدفاعية. كذلك دعم جهود سلام لتشكيل الحكومة. وامل سليمان ان يعيد الاتحاد النظر في القرار من منطلق الحرص على عدم اتخاذ قرارات متسرعة وصون الاستقرار في لبنان وتثبيت الخيارات السياسية التي تبحث في اطار هيئة الحوار وتتناول بشكل اساسي مندرجات اعلان بعبدا، والتصور الرئاسي للاستراتيجية الدفاعية. واعلن رئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي التزام لبنان الشرعية الدولية مع المحافظة على افضل العلاقات مع دول الاتحاد الاوروبي. ورأت اوساط سياسية ان القرار قد يعطل انتاج السلطة وربما احدث خللاً في الداخل واضطراباً، وطرحت تساؤلات كثيرة حول المرحلة المقبلة وكيفية التعاطي مع الحزب. ويقول نائب عوني: ليست المرة الاولى التي يدرج فيها الحزب على لائحة الارهاب فقد سبقت واشنطن اوروبا بادراجه على اللائحة الاميركية للارهاب بعدما فشلت الولايات المتحدة واسرائيل في ادراجه على اللائحة الدولية للارهاب في الامم المتحدة، كما يقول نائب في قوى 8 اذار. وعلى رغم الخطوة الاميركية استمر التعاطي مع الحزب وايدت واشنطن حكومات شارك فيها.

اشارات ايجابية
يقول وزير مطلع ان الحزب سيتعاطى مع القرار بليونة واعطى نصرالله الاشارة الايجابية من خلال اطلالته الاخيرة باعتماد سياسة مد اليد، وقد يتجه نحو الانفتاح في اطار استكمال مبادرته الاخيرة، ومبادرة الرئيس بري في اتجاه الرئيس الحريري مما حمل بعض المراقبين على توقع مواجهة القرار من خلال سياسة الانفتاح والاتجاه نحو الاطر الديبلوماسية، والعمل من خلال التوافق المحلي. الا ان مصادر مراقبة تتوقع تصعيداً قد يتجلى بتمسك الحزب بمطالبه وشروطه في التأليف ولن يتهاون او يساير لانه اذا لم يشارك في الحكومة يكون كمن يوافق على عزله وهو الذي يتحكم باللعبة. وتدعو قوى في 14 اذار الحزب الى العودة للدولة لانها الضمانة الحقيقية وليس السلاح «وان اللبنانيين وحدهم يستطيعون حمايته متى قرر اعتماد اللغة السياسية والعودة الى الوطن، وان اللحاق بسوريا وايران سيؤدي بالحزب ولبنان الى ما نعاني منه، كما يشكل الموقف الاوروبي هزة ضمير لقيادة الحزب لاعادة النظر في مواقفها واعتماد قراءة واقعية للتطورات».
وفي غياب المعلومات تسأل اوساط مطلعة: كيف يمكن لسلام ان يشرك الحزب في الحكومة بعد القرار الاوروبي وقبل اعلانه سحب مقاتليه من سوريا، ومن يميز بين العسكري والسياسي؟ وكيف يمكن لقوى 14 اذار ان تجلس مع الحزب حول طاولة الحوار اذا لم يقدم الاخير خطوات تنازلية، اهمها وقف تورط مقاتليه في الحرب في سوريا؟ وللاجابة على هذه التساؤلات يقول ديبلوماسي: يجب ترقب ما يجري في المنطقة لا سيما على صعيد العلاقات السعودية – الايرانية بعد فشل س. س. وانتظار قيام مظلة جديدة تحمي لبنان، محورها السعودية عربياً وفرنسا غربياً وقد بدأت الاخيرة اتصالات مع ايران بشأن لبنان وفق ديبلوماسي غربي.

فيليب ابي عقل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق