مصر: الشعب يسقط حكم الاخوان ورئيس المحكمة الدستورية يتولى السلطة

هل انتهت حقبة «الاخوان» بمجرد بداياتها؟ وهل اثبتت جماعة الاخوان انها جماعة دعوية لا تجيد السياسة؟ ام انها تعرضت الى مؤامرة كما يحاول بعض رموزها الترويج لما يجري؟ اسئلة تتردد بقوة في ضوء ما يحدث على الساحة المصرية من انقلاب شعبي تلقفته المؤسسة العسكرية وقدمت الدعم اللازم له خشية ان تتطور الامور الى الاسوأ، وتحديداً الى مواجهات دموية وقودها ملايين المصريين الذين خرجوا الى الشارع، حيث ابلغت قيادات الجيش محمد مرسي بانه لم يعد رئيساً لمصر. الاسئلة، لا تتوقف عند حدود الدولة المصرية، بل تتعداها الى انظمة الحكم الاخوانية التي وصلت الى الحكم كنتيجة لـ «الربيع العربي»، والتي باتت تعاني من رفض شعبي، ومن تحفظات اقليمية ودولية.
بينما تواترت البيانات الرئاسية المعدة في مكتب الارشاد الاخواني في القاهرة، والصادرة باسم الرئيس محمد مرسي، شهدت اماكن اخرى لقاءات ازمة، خصصت لبحث التطورات، وفي مقدمتها رفض مرسي بيان الجيش، وتمسكه بموقعه الرئاسي، ودعوته قادة المؤسسة العسكرية لسحب بيانهم، واتهام ذلك البيان بانه تدخل في المسيرة الديمقراطية، وتأجيج للشارع. ترافق ذلك مع قرار جهاز الاستخبارات بمنع سفر مرسي، وعدد من قيادات الجماعة، اضافة الى المتهمين بالفرار من سجن النطرون عام 2011. ومن بين الممنوعين من السفر المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين محمد بديع ونائبه خيرت الشاطر والقياديان عصام العريان ومحمد البلتاجي.
المراقبون قرأوا الاحداث من زاوية ان مرسي قطع شعرة معاوية مع المؤسسة العسكرية، ومع الشارع المشتعل. فرغم تكرار الدعوة للمعارضة من اجل الحوار، جاء الرد مشتركاً من اكثر من مكان بأن دعوته جاءت متأخرة، ولغاية الاستهلاك الاعلامي بحكم انها لم ترتبط باية اجراءات عملية سابقة او آنية.
وبينما واصل مكتب المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين نشاطاته التحفيزية لانصار مرسي، ومن بينها دعوتهم لكتابة «وصاياهم» في اشارة الى الاستعداد للموت دفاعاً عن مقعد الرئاسة، واجراء اتصالات مع مجموعات جهادية في الداخل والخارج طالباً الدعم، عقد القادة العسكريون اجتماع ازمة استهلوه بأداء اليمين على الموت من اجل الدفاع عن مصر، وناقشوا الملف بكل تفاصيله، وصولاً الى خريطة طريق اتفق على اعلانها رسمياً، لتكون نافذة في الحال. والتقى بعض القادة مع ممثلين عن المعارضة، اضافة الى شيخ الازهر، وبابا الاقباط وبعض الساسة والخبراء.
من ابرز عناصر الخريطة التي اعلنها وزير الدفاع الفريق اول عبد الفتاح السيسي بحضور كل من بابا الاقباط وشيخ الازهر ومحمد البرادعي، ومجموعة من الشخصيات الوطنية، تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت، ويؤدي رئيس المحكمة الدستورية العليا اليمين أمام الجمعية العامة للمحكمة. وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة على أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة شؤون البلاد خلال المرحلة الإنتقالية الى حين انتخاب رئيس جديد.
وسيكون لرئيس المحكمة الدستورية العليا سلطة إصدار إعلانات دستورية خلال المرحلة الإنتقالية. ومن ابرز العناصر تشكيل حكومة كفاءات وطنية تتمتع بجميع الصلاحيات لإدارة المرحلة. وتشكيل لجنة تضم جميع الأطياف والخبرات لمراجعة التعديلات المقترحة على الدستور الذي تم تعطيله مؤقتاً، ومناشدة المحكمة الدستورية العليا سرعة إقرار مشروع قانون إنتخابات مجلس النواب والبدء في إجراءات الإعداد للإنتخابات البرلمانية.
حرب بيانات، لا بل حرب اجراءات حقيقية على الارض، ومشاريع مواجهات يعتقد انها تؤسس لما يمكن ان يزيد عن ازمة عادية، ملامحها، سقوط قتلى في ساحة جامعة القاهرة، وتشبث بمواقف متقاطعة، يمكن ان تكون ثورة جديدة، وسط تبادل الاتهامات بالمسؤولية عن ذلك. فالاخوان، اصحاب ذلك التجمع ينسبون القتل الى «الفلول»، ويحملونهم مسؤولية ما يجري. ويقرأون المشهد من زاوية انه محاولة لاعاقتهم عن السير في الديمقراطية. والمعارضة تتبرأ من تلك الاعمال، وترى انها مفتعلة، وهدفها تبرير التصعيد الذي رفعه مرسي كشعار لتشبثه بالسلطة. وبين هذه وتلك، حرب بيانات. حيث واصل الجيش تحذيره لاطراف الصراع، وشدد على ضرورة حدوث حل ينهي الازمة وينصف الشارع ويلبي عطشه الى الديمقراطية. بينما الرئيس مرسي اعلن رفضه تحذيرات الجيش وتمسك بما اسماه «الشرعية». الجيش من جهته شدد على مهمته الرئيسية بالحفاظ على امن الوطن، والدفاع عن سلامة المواطنين. كما شدد على تمسكه بتحذيراته وبالمهلة التي حددها، بينما مرسي رفض تلك التحذيرات ما يعني ان الحالة مرشحة للمزيد من التطورات التصعيدية.
كيف؟
قبل الدخول في تفاصيل المشهد المصري على مدى الايام القليلة الفائتة، يعتقد البعض ان التوقف يكون اجبارياً عند محطات الاخفاق الكبيرة والعديدة، ليس للرئيس محمد مرسي فقط، وانما لنظام حكمه ككل. فالعام الذي مضى اكد ان جماعة الاخوان المسلمين يمكنهم ان يكونوا خطباء مساجد، الا انه يصعب عليهم التعاطي مع ملفات سياسية كبرى وقيادة دول.
فقد سجل المراقبون كماً من الاخفاقات الكبيرة، التي يرى سياسيون انها تجاوزت الخطوط الحمراء، واثارت الاجهزة العسكرية والامنية التي كانت تتولى فعلياً ادارة كم من الملفات وتعطي هامشاً من الحركة للقيادات الاسلامية.
وفي مقدمة تلك الاخفاقات، احتضانه عدداً من القيادات الاسلامية وتنظيمات متطرفة، تصنف ضمن قوائم التنظيمات الارهابية. وبالتالي هناك من يرى ان هذا الموقف يبتعد كثيراً عن التفكير السياسي، ويندرج ضمن الاطار الاندفاعي، ويكشف عن جوهر التفكير للرئيس ولحزبه الذي تطور باتجاه ممارسات اقرب ما تكون الى الراديكالية.
وهو موقف اعتبرته المؤسسة العسكرية اساءة اليها، حيث ترى ان من حقها توجيه البوصلة في ما يخص مثل تلك المشاريع. وفي بعد آخر بدا وكأنه ورّط المرجعيات العسكرية التي ادارت جملة من الملفات بكفاءة عالية، ومن بينها ملف المفاوضات بين حركة حماس واسرائيل.
اخفاقات داخلية
وفي سياق مواز، سجل الاسلاميون اخفاقات كبرى في مجال التعاطي مع الملفات الداخلية، حيث بدا وكأنهم يسابقون الزمن من اجل «اخونة» مؤسسات الدولة وجميع اركانها، وبالتالي احتكار كل السلطات والبدء ببناء الدولة ضمن اسس اخوانية كاملة، واستثناء التيارات والتوجهات السياسية الاخرى، والتركيز على البعدين الطائفي والديني وفرز كل الامور تبعاً لذلك.
كل ذلك وغيره يمكن ان يكون من بين المسببات المباشرة وغير المباشرة لما حدث خلال الاسبوع الفائت، حيث تصاعدت حدة التوتر وسط مطالب بتنحي الرئيس واجراء انتخابات مبكرة. وهو المطلب الذي تمسكت الرئاسة برفضه، بحجة ان الرئيس يمثل «الشرعية». وان المطالبة بتنحيه تعتبر خروجاً على ثوابت الديمقراطية التي قامت عليها الثورة.
ميدانياً، تعاطى الشارع مع معلومات متناقضة حول ما يجري على الساحة. فمن تقارير تتحدث عن مشروع لترحيل مرسي الى الخارج، واخرى تتحدث عن توجه لمحاكمته، الى خريطة طريق تستجيب لمتطلبات الشارع، خصوصاً في المجالات الديمقراطية. وفي المقابل، هناك معلومات متسربة تتحدث عن رفض مرسي تقديم اية تنازلات، ورفضه القبول بانذار القوات المسلحة والتعاطي معه. وفي الوقت نفسه تصعيد على مستوى جماعة الاخوان المسلمين ومحاولات ربط الموقف المتشدد بالعقيدة. واعتبار ان الحكم «امانة» وانه «مشروع رباني» لا يحق لمرسي وغيره التنازل عنه. وبالتالي هناك فتوى بان الدفاع عنه واجب.
وبين هذه وتلك، هناك من يرى ان مرسي انحنى امام العاصفة ووافق على المطالب ولكنه طالب بحفظ ماء الوجه، وان يتم ذلك من خلال المشروع الذي عرضه الجيش والقائم على اساس التفاوض مع اطراف الخلاف من المعارضة، وصولاً الى اتفاقات تلتقي عند نقاط وفاقية قد لا تلتقي مع طروحات مرسي الاخواني، لكنها تضمن انسحاباً باقل الخسائر لمرسي الاخواني ولجماعته.
وبالتوازي، بدا واضحاً ان التحرك الغربي نشط في مجال حث مرسي على التخلي عن السلطة والانسحاب من المشهد امتثالاً لرغبة الشعب الذي احتشد بالملايين في العديد من الساحات وملأ ميدان التحرير بالكامل.
تلك هي الصورة في مصر، خلال الساعات التي سبقت موعد انتهاء المهلة التي حددها الجيش والبالغة 48 ساعة، وانتهت عصر يوم الاربعاء، وهي صورة يعتبرها البعض ثورة جديدة، ولكن بـ «نكهة» مختلفة.
«الربيع الثوري»
بصورة اخرى، هذه هي محصلة النقاشات التي تتسع دائرتها الى خارج اطار الساحة المصرية، وصولاً الى دوائر عديدة باتت معنية بتطورات الملف المصري، وسط قراءات تشير الى ان ما يجري يمكن ان يكون البداية الحقيقية لـ «الربيع العربي». وابعد من ذلك، هناك من يقرأ المستجدات من زاوية انها «الربيع الثوري»، او حتى «الربيع الحقيقي»، في اشارات اتهامية لما جرى سابقاً، وتلميحات بأنه كان بفعل فاعل. وان مجرياته انطوت على بعض الاخطاء التي يفترض ان موعد تصويبها حان. وان آليات التصويب هذه المرة مختلفة عما حدث قبل عامين او اكثر.
تلك القراءات تنطلق من مجريات الساحة المصرية، لكنها تمتد الى دول عدة تعاملت مع ما اطلق عليه «الربيع العربي»، وتوصلت الى صيغ ثورية اختلفت مع نفسها قبل ان تختلف مع ثوابت الديمقراطية التي جاءت بها. كما اختلفت مع الاطياف الاخرى قبل ان تحاول «نحت» اسلوب جديد في الحكم قوامه التفرد في كل شيء، ومحاولة بناء دولة لا تعترف الا بطيف واحد هو الطيف الحاكم باطاريه، الديني، والسياسي.
كما امتدت الى ساحات كان بعض اطيافها مستعدين للتعاطي مع الحكم وفقاً لمنظومة جاهزة، تم تصنيعها في انقرة، لتكون جاهزة للتصدير الى اية دولة عبرت مشروع«الربيع العربي». وبعد ان تم الترويج لها ولـ «نسختها» التركية باسلوب يقربها من المعجزات، ويجعل منها الدواء الشافي لكل «علات» الوطن.
وبمعزل عن تفاصيل ما كان سائداً من نقاشات موضوعها تشخيص الحالة، بدا واضحاً ان العديد من التجارب الثورية لم تأت بنتائج يمكن البناء عليها ديمقراطياً، الامر الذي اسس لحالة حراكية بلغت ذروتها مصرياً، ولا تزال في حالة غليان في بعض الاقطار. غير انها – وبتشخيص يرتقي الى مستوى القناعة – اسست للثورة الجديدة، ودفعت بالغرب نحو تغيير نظرته، وتعديل مخططاته للتعامل مع المنطقة. وبالتالي استبعاد الفرضية التي كانت قد بنت عليها تصوراتها بأن «اليمين» هو القادر على احداث التغيير، وان متطلبات الشرق الاوسط الجديد الذي تم التبشير به منذ ما يزيد عن عقدين من الزمان، والذي يقوم على فكرة التوازن بين «اليمينيين العربي والاسرائيلي». والتفكير بوجود اطياف وتيارات لا يمكن اغفالها، ويمكن ان تكون شريكة في عملية البناء الجديدة، اما بتأكيدها، او حتى برفضها.
في الموضوع المصري، اختارت المعارضة موعد الثلاثين من حزيران (يونيو) ليكون موعد الانطلاق للثورة الجديدة، ومن بوابة سحب الشرعية من نظام حكم الرئيس الاخواني محمد مرسي. ويبدو انها اعدت لذلك جيداً، حيث بدأت عمليات جمع التواقيع من ناخبين مسجلين في الجداول الانتخابية، ضمن اكبر حملة شهدتها البلاد، وادت الى جمع تواقيع 23 مليون مصري، يشكلون اكثر – بقليل – من نصف عدد الناخبين الاجمالي.
حجج الم
عارضة الدامغة
وبنت المعارضة مرافعتها على سلسلة من الاجراءات والممارسات التي قام بها الرئيس مرسي، وفي مقدمتها التفرد في السلطة، واقصاء جميع التيارات السياسية الاخرى. ومحاولة السيطرة على مؤسسات الدولة، من خلال «تفصيل» دستور، وقوانين اساسية، وتدخل في السلطة القضائية، ومحاولات للتدخل في الجيش والاجهزة الامنية بما يؤسس لدولة تحكمها جماعة الاخوان المسلمين تحديداً.
ومما ساعد في تكريس تلك الصورة، تخلي «الاخوان» عن شركائهم في الحكم من التيارات الاسلامية، وفي مقدمتهم التيار السلفي، المتمثل بـ «حزب النور» وغيره من الاحزاب، الامر الذي شكل حالة تفرد واضحة في كل مفاصل الدولة، ومشروعاً للهيمنة على الدولة، وتفصيلها «اخوانياً».
وما زاد من الحدة ايضاً، العناد الذي مارسه الرئيس مرسي، والحماية التي حظي بها من قبل الجماعة، التي شكلت مجموعات من الميليشيات واعطتها حق التدخل في كل مفاصل الحياة، تحت مسميات «التطوع» احياناً، وحماية الرئيس احياناً اخرى، وحماية المنشآت احياناً ثالثة. وعلى الرغم من الرفض القاطع لممارسات الحكم ايام مبارك، الا ان الشارع وجد نفسه امام مقاربات تلفت الانظار الى قواسم مشتركة بين نظامي الحكم في عهدي مبارك ومرسي، من ذلك تفرد حزب مبارك بالسلطة، يقابله تفرد جماعة الاخوان. وقيام مجموعات «البلطجية» بممارسات تصب في اطار نظام الحكم، تقابلها ميليشيات الاخوان التي لعبت وما زالت تلعب دوراً بارزاً في فرض الامر الواقع على باقي التيارات السياسية، وحشد جميع المقربين من الحزب الحاكم في مجالات قيادية محددة، الامر المشترك بين النظامين.
هذه المقارنات – كما اشارت تقارير اعلامية – اسعدت الرئيس السابق محمد حسني مبارك الذي يخضع للمحاكمة، ويقبع في السجن. فالتقارير تتحدث عن سعادة مبارك، وعن تحسن حالته النفسية في ضوء ظهور بعض الجوانب التي تفضله على مرسي ولو من قبيل المبالغة التي يلجأ اليها الشارع احياناً، والتي قد تكون قريبة جداً من الواقع. في المقابل، رفض مرسي كل المطالبات التي يجري التعاطي معها على مستوى المعارضة والتي يعتقد محللون انها نجحت في تأطير نفسها ضمن تيار او اكثر، وصولاً الى توحيد الرؤية، ووضع برنامج عمل محدد يقوم على جملة عناصر وهدف واحد يتمثل بمطالبة مرسي بالتنحي، واجراء انتخابات مبكرة.
واكثر من ذلك، واصل الرئيس اجراءاته التي تعزز عملية التفرد بالسلطة، وتعزز بناء الدولة الاخوانية، وسط معلومات تتحدث عن قرار «الجماعة» بضرورة استغلال الفرصة لتأكيد «اخونة الدولة» بغض النظر عن الاصوات التي تستنكر مثل تلك الممارسات، والتي تؤكد رفض الشارع لاي حل يتجاوز العملية الديمقراطية.
وفي هذا السياق اصدر الرئيس مرسي اعلاناً دستورياً حصّن قراراته من اي طعن، واخضع السلطة القضائية لهيمنة الرئاسة، بما في ذلك صلاحيته في فصل القضاة وتعيينهم، وقام بتعيين مجموعة من المحافظين من منتسبي الجماعة.
وهي الخطوات التي يؤكد معارضون انها شكلت علامة فاصلة في مسألة السعي لاطاحته ونظامه. والتي اسست للحالة التي تشهدها البلاد. واصطدم الشارع بكل اطيافه، المعارضة والتي كانت تقف على الحياد، بعناد الرئيس، وتشبث انصاره – الاخوان – بالسلطة، وبناء برنامج دفاعي يقوم على فكرة «تقديس» ممثل الجماعة. وظهر بعض الخطباء والوعاظ ممن يمارسون عمليات التقديس المكشوفة، والتي كان يمكن استغلالها ضد اي مسؤول آخر فيما لو صدرت عن غير الجماعة.
وفي المحصلة نجحت المعارضة في ترتيب اوراقها، بدءاً بعمليات جمع التواقيع، ومن ثم تحديد موعد النزول الى الشارع، وتحديداً الى ميدان التحرير بكل ما لذلك من رمزية ثورية. وبالتوازي حشد الملايين من المصريين في اكثر من مكان في العاصمة والمدن الاخرى. بينما حشدت الجماعة اعداداً غفيرة من الانصار دعماً للرئيس مرسي.
تدخل الجيش
المراقبون لمجريات الموقف يؤكدون ان الكفة كانت تميل لصالح المعارضة، التي حشدت اعداداً تزيد عن تلك التي احتشدت في المكان عينه واسقطت مبارك. اما الجيش الذي كان يتابع الخطوات والاجراءات اولاً بأول، والذي كشفت مصادره انه وان كان يمتلك البديل الاجرائي، الا انه لا يرغب بالتدخل الا في حالات الضرورة، فقد وجد ان الامور تسير في منحنيات صعبة، وان التدخل بات مطلباً ملحاً، تحت عنوان «ضرورة تلبية مطالب الشعب».
الا ان التدخل لا بد ان يكون مدروساً، وبصورة تعزز الديمقراطية ولا تسيء الى صورتها. وبحيث يكون التدخل بمثابة تصويب لاخطاء ارتكبت وليس لتكريس اخطاء جديدة. ومن هذا المنطلق وجه الجيش ومن خلال قائده، الذي يشغل منصب وزير الدفاع في الحكومة بياناً امهل فيه «جميع الاطراف» فترة 48 ساعة من اجل الاستجابة الى مطالب الشعب. وهو البيان الذي وصفه محللون بانه متوازن، وان من صاغه نجح في الابتعاد عن اي طرف، والانحياز بالكامل لمطالب الشعب. والتي يعتقد انها معروفة بالكامل لكل الناس. واللافت هنا، الرفض الاخواني للمطالب التي قدمتها اطياف المعارضة واشار اليها الجيش في بيانه.
ففي بيان اصدرته الرئاسة، رفض مرسي بيان القوات المسلحة الذي انذره بتدخل الجيش اذا لم تتحقق مطالب الشعب. وقال بيان رئاسة الجمهورية أن «البيان الصادر عن القيادة العامة للقوات المسلحة لم تتم مراجعة رئيس الجمهورية بشأنه». ورأى ان بعض العبارات الواردة فيه تحمل من الدلالات ما يمكن أن يتسبب في حدوث «إرباك للمشهد الوطني المركب». واصفاً الدولة المصرية بانها «ديمقراطية – مدنية – حديثة»، وانها أهم مكتسبات ثورة 25 يناير المجيدة. وشدد على ان مصر «لن تسمح بكل قواها بالعودة إلى الوراء تحت أي ظرف من الظروف».
وفي الوقت نفسه، اعلن تحالف من احزاب وتجمعات اسلامية عدة، اطلق على نفسه اسم «التجمع الوطني لدعم الشرعية» دعوته الى تظاهرات ومسيرات مؤيدة للرئيس محمد مرسي في عدد من ميادين الجمهورية، بشكل فوري.
خريطة التدخل
القوات المسلحة من جهتها، ابدت جهوزية عالية للتعاطي مع الاحداث تبعاً لتطوراتها. ففي الوقت الذي سربت معلومات عن استعدادها للانتشار في المواقع الضرورية كافة، وان بعض فرقها تلقت تدريبات خاصة على هذه العمليات المفترضة، اشارت مصادر متابعة الى انها وضعت خريطة للتدخل تقوم على جملة من المحاور. ابرز هذه المحاور، عدم الاشتباك مع انصار مرسي الذين تسربت معلومات عن انهم يبحثون على مستوى القيادة احتمال المواجهة مع أي طرف بما في ذلك الجيش. في حين كشفت تقارير استخبارية عن قيام مرسي شخصياً باجراء اتصالات من مكتبه الخاص مع «جماعات جهادية» في الداخل والخارج. ومن تلك المحاور، اتخاذ الاجراءات لتجميد الدستور النافذ، وحل مجلس الشورى، والدعوة الى اجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
الى ذلك اشارت مصادر متابعة الى ان قوات خاصة على اهبة الاستعداد منذ ايام للتحرك سريعا لحماية المتظاهرين من أي هجوم. وتشعر القوات المسلحة بقلق من وجود عناصر متشددة بين الإسلاميين ومعارضيهم بما في ذلك عناصر في جهاز أمن الدولة ممن عملوا في عهد الرئيس السابق حسني مبارك. وبالتوازي، قالت الرئاسة المصرية أن مرسي استقبل عصر الثلاثاء، رئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل والفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع والانتاج الحربي، حيث عرض السيسي رؤية القوات المسلحة المتمثلة بانه ليس امام التيارات السياسية سوى الاتفاق على حلول توافقية للازمة. وان البديل في حال عدم الاتفاق هو تدخل الجيش. وبينما لم يفصح مباشرة عن عناصر التدخل، اشارت مصادر على اطلاع تام بان الخريطة التي تبني عليها القوات المسلحة تدخلها تقوم على مشروع تعليق العمل بالدستور، وحل مجلس الشورى. اما الخطوة الثالثة فتتمثل بتسمية مجلس انتقالي يشرف على كل تلك الاجراءات، او تسمية رئيس حكومة جديد بدلاً من الحكومة التي تعتبر بحكم المستقيلة. والتي ستتولى ادارة الامور في تلك المرحلة.
احمد الحسبان