سياسة عربية

المواجهات تتواصل في محيط بنغازي، و«الثني» يطلب من القاهرة دعماً عسكرياً

مواجهات من جهة، وحوار من جهة اخرى.
هذا هو الاطار العام للمشهد الليبي الذي يعتقد محللون انه ما زال متفجراً، وان الحوار الذي يجري برعاية دولية لم يفلح – حتى اللحظة – في كسر اطر الازمة المستعصية على الحل. ولا في تقريب وجهات النظر في ما يخص القضايا الخلافية الكبيرة، التي تتعزز بتدخلات خارجية، وبدعم خارجي يمتد الى جميع المجالات.

المواجهات، التي تخلف المزيد من القتلى والجرحى، تتركز في محيط بنغازي. الا انها لا تتوقف عند حدود تلك المدينة الملتهبة، وانما تتعداها الى كل ركن من اركان الارض الليبية. وفي حين تبدو المواجهات منحصرة بين تكتلين بارزين، تقف خلف كل منهما حكومة وجيش وبرلمان، الا ان المدقق في التفاصيل يرى ان الساحة بمجملها تشهد مواجهات، وان بعض التكتلات الصغيرة تسهم بشكل لافت في رفع منسوب القتل، وارفع من مستوى التأزيم الذي بلغ مديات غير مسبوقة.
ففي واحد من المشاهد الدموية المثيرة، قتل سبعة من جنود الجيش الليبي وأصيب أكثر من 60 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة في تفجيرين ومعارك بين الجيش وقوات اسلامية ضمن مجلس شورى ثوار بنغازي، في محيط مطار بنينا الدولي، في الضاحية الجنوبية الشرقية لمدينة بنغازي.
وقال مصدر عسكري إن سيارتين مفخختين وضعتا داخل الحي السكني وانفجرتا عقب مرور مواكب للجيش بجانبهما. وافاد متحدث باسم القوات الخاصة إن ثلاثة جنود قتلوا خلال الانفجار بينما قتل أربعة اخرون في التعامل مع القوات المتقدمة. واضاف المتحدث أن 62 جريحاً سقطوا خلال الانفجارين والاشتباكات ونقلوا جميعهم إلى مستشفى «المرج» على بعد 100 كلم شرق بنغازي.

السيطرة على المطار
وتسعى الميليشيات الإسلامية منذ مطلع ايلول (سبتمبر) للسيطرة على المطار الذي يضم مدرجا للطائرات المدنية وقاعدة جوية. ومنذ تموز (يوليو، تدور معارك يومية بين الميليشيات التي باتت تسيطر على القسم الأكبر من مدينة بنغازي والقوات الأمنية الموالية للواء المتقاعد من الجيش خليفة حفتر.
ونادراً ما يعلن أي من الطرفين خسائره في المعارك.
ويقود حفتر منذ 16 ايار (مايو الماضي حملة عسكرية باسم «الكرامة» تهدف بحسب قوله إلى «اجتثاث الإرهاب في بلاده»، لكنه وجد نفسه في مواجهة ائتلاف الكتائب والمقاتلين الإسلاميين وخصوصاً أعضاء جماعة أنصار الشريعة الذين شكلوا عقب الحملة مجلسهم المسمى بـ «شورى ثوار بنغازي».
وكان المتحدث باسم رئاسة الأركان العامة للجيش العقيد أحمد المسماري وعد بأن يوقف الجيش عملياته العسكرية بمناسبة عيد الأضحى واستجابة لقرار وقف اطلاق النار الذي أصدره «حوار غدامس» بين الفرقاء السياسيين ورعته الأمم المتحدة، الا ان شيئا من ذلك لم يحدث.
وفي الاثناء، أفادت تقارير صحفية، أن المواجهات المحتدمة في منطقة بنينا أسفرت عن مقتل قائد ميداني كبير في قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر. وبالتزامن وصل الى العاصمة المصرية القاهرة، رئيس الوزراء في الحكومة التي عينها البرلمان الليبي المجتمع في طبرق عبدالله الثني.
وقالت المصادر المحلية إن المعارك الدائرة بين مجلس شورى ثوار بنغازي وقوات حفتر أدت إلى مقتل «محمد المدهاك الشلماني»، وهو واحد من أهم القادة في قوات اللواء المتقاعد. وبحسب مصادر بمجلس شورى ثوار بنغازي شنت كتيبة من مقاتلي المجلس هجوماً مسلحاً على سيارتين عسكريتين يستقلهما عدد من جنود قوات حفتر على الطريق الرابطة بين منطقتي الرجمة وبنينا.

اغتيالات مستمرة
ومن جهة أخرى، أفادت مصادر محلية أن مسلحين مجهولين اغتالوا جنديين في الجيش الليبي، ويأتي ذلك ضمن موجة اغتيالات مستمرة استهدفت مدنيين وعسكريين ورجال أمن في بنغازي ودرنة أودت بحياة 250 شخصاً، وفق منظمة هيومن رايتس ووتش.
وبلغت حصيلة القتلى والجرحى بين قوات حفتر وقوات مجلس شورى ثوار بنغازي خلال اليومين الأخيرين 16 قتيلاً، ونحو 15 جريحاً من الطرفين، مع تواصل المواجهات العنيفة بين الطرفين في منطقة بنينا وأجزاء من منطقة مرتفعات الرحمة قرب بنغازي.
ويؤكد مجلس شورى ثوار بنغازي أن قوات المجلس ما زالت تسيطر على أجزاء واسعة من منطقة بنينا وتتهيأ للسيطرة على قاعدة بنينا الجوية التي تتمركز داخلها قوات حفتر.
من جهة أخرى، ذكرت مصادر حكومية ليبية أن عبدالله الثني، رئيس الحكومة الانتقالية التي عينها البرلمان الليبي المجتمع في طبرق، بدأ زيارة رسمية هي الأولى له إلى القاهرة، على رأس وفد وزاري رفيع المستوى بدعوة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وقالت مصادر ليبية ومصرية متطابقة إن المحادثات بين الثني وكبار المسؤولين المصريين تطرقت إلى تعزيز الجهود المشتركة وتنسيق المساعي الأمنية والعسكرية لضبط الحدود.
وأشارت المصادر إلى أن الثني سعى خلال اللقاء لطلب مساهمة مصر في إعادة تأهيل القوات التابعة لحكومته وتدريب عناصرها.
وكانت مصادر محلية في مدينة طبرق شرقي ليبيا قد قالت للجزيرة إن باخرة محملة بمدرعات وكميات كبيرة من السلاح والذخيرة آتية من أحد الموانىء المصرية قد رست في ميناء طبرق.
وأضافت المصادر أنه جرى تفريغ الباخرة ونقل محتوياتها إلى معسكرات تابعة لقوات حفتر في المنطقة الشرقية من ليبيا. وتحمل الباخرة شحنة من الأسلحة والذخائر والعربات والمدرعات.
ويستمر النزاع السياسي والقتال في عدد من المناطق في ليبيا رغم أن مبعوث الأمم المتحدة بيرنارديو ليون أكد مؤخراً أن الأطراف المتقاتلة اتفقت على الدخول في عملية سياسية لإنهاء الأزمة في البلاد، مشيراً إلى أن الجهة التي لا تلتزم بوقف إطلاق النار ستفرض عليها عقوبات.

المحكمة الدستورية
الى ذلك، أرجأت الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا في ليبيا إلى وقت لاحق من هذا الشهر البت في القضية التي رفعها ثلاثون عضواً بمجلس النواب للطعن في دستورية انعقاد جلساته بمدينة طبرق شرقي ليبيا، وكذلك للطعن في شرعية بعض قراراته.
وقالت وكالة الأنباء الليبية إن الدائرة الدستورية في المحكمة قررت تأجيل النظر في الدعوى إلى يوم 20 تشرين الأول (اكتوبر) الحالي. ويفترض أن يكون قضاة الدائرة قد ضموا جميع الطعون المقدمة في قضية واحدة، وحجزها للحكم.
ونظرت الدائرة الدستورية في طعون أخرى في القرارات المنبثقة عن جلسات النواب المجتمعين في طبرق، والتي من أبرزها طلب التدخل الدولي، وحل الدروع التابعة لرئاسة أركان الجيش الليبي، وإقالة رئيس أركان الجيش عبد السلام جادالله العبيدي، ومحافظ مصرف ليبيا المركزي الصّدّيق الكبير.
وقالت الوكالة الليبية إن الدائرة الدستورية استمعت إلى مرافعة عدد من محامي الطاعنين في دستورية عقد جلسات مجلس النواب في طبرق، وما صدرت عنه من قرارات ومخالفته للإعلان الدستوري وتعديلاته.
ويرى النواب المقاطعون لجلسات مجلس النواب أن انعقاد جلسات المجلس في طبرق – وليس في بنغازي كما نصت على ذلك التعديلات التي أُدخلت على الإعلان الدستوري- فضلاً عن القرارات الصادرة عنه في ما يخص الوضع الداخلي، يخالف ذلك الإعلان الدستوري.
ومن وجهة نظر المعارضين لمجلس النواب، فإن عدم استلام المجلس مهامه بشكل قانوني من المؤتمر الوطني العام يتعارض وشرعية انعقاد جلساته وقراراته.
يشار إلى أن المؤتمر الوطني العام قرر نهاية آب (أغسطس) الماضي استئناف جلساته، وبرر قراره بعدم احترام مجلس النواب الإعلان الدستوري. وفي أيلول (سبتمبر) الماضي, أقال المؤتمر حكومة تسيير الأعمال برئاسة عبدالله الثني، وصادق على حكومة «إنقاذ» برئاسة عمر الحاسي.

حكومة جديدة
من جهته أعاد مجلس النواب خلال الشهر الماضي أيضاً تكليف الثني بتشكيل حكومة جديدة، وقد أقر لاحقاً تشكيلة الحكومة التي تجتمع في أقصى شرقي ليبيا. يشار إلى أن حكومة الحاسي مدعومة من مختلف فصائل الثوار، في حين تلقى حكومة الثني دعماً على الميدان من قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
في سياق مواز، اعلنت الرئاسة السودانية «الاربعاء» ان الرئيس السوداني عمر البشير وجّه دعوة لزيارة الخرطوم الى رئيس الوزراء الليبي عبدالله الثني، بينما تشهد العلاقات بين البلدين توتراً، بعد اتهام السودان بإرسال طائرة اسلحة لدعم مجموعات مسلحة تقاتل الحكومة الليبية.
وقال السكرتير الصحافي للبشير عماد سيد احمد لوكالة فرانس برس ان الرئيس السوداني «وجّه الدعوة لرئيس الحكومة الليبية إلى زيارة الخرطوم، والتباحث حول العلاقات الثنائية»، موضحاً انه «ترك امر تحديد تاريخها لرئيس الحكومة الليبية».
وكان الثني اتهم الخرطوم في ايلول (سبتمبر) الماضي بارسال طائرة محملة بالاسلحة والذخائر لدعم مجموعات مسلحة تقاتل حكومته. ونفت الخرطوم ذلك، وقالت ان الطائرة تحمل ذخائر ومواد غذائية لقوات مشتركة سودانية – ليبية تحرس الحدود بين البلدين. واستدعت الخارجية السودانية القائم بأعمال السفارة الليبية في الخرطوم للاحتجاج على الامر. وكرر احد قادة الجيش الليبي في الاسبوع الماضي الاتهامات التي نفتها وزارة الخارجية السودانية من جديد، واستدعت القائم باعمال سفارة ليبيا للمرة الثانية خلال اسبوعين.

ا. ح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق