سياسة لبنانيةلبنانيات

الفراغ يخيم والتعطيل يتمدد والضائقة المعيشية بلغت الذروة والمسؤولية غائبة

بري بدأ الاعداد لطاولة حوار واوقف الدعوات الى جلسات نيابية بعد فشل المجلس النيابي

ايام قليلة ويقفل العهد على فراغ شامل، وتعطيل في جميع الميادين، وازمات حياتية كارثية لم يتحمل مثلها اي شعب في العالم. فالمجلس النيابي مشلول ومعطل وعاجز عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية متخلياً عن دوره وواجباته، والحكومة هي حكومة تصريف اعمال، ويحاول البعض الطعن بشرعيتها خلافاً لأي نصوص قانونية او دستورية، ولكن الدستور في لبنان اصبح غب الطلب يفسرونه وفق مصالحهم.
رئيس الجمهورية استقبل امس رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي في زيارة قام بها الى بعبدا وصفت بانها وداعية، قبيل مغادرة الرئيس ميشال عون عائداً الى منزله في الرابية، بع حكم دام ست سنوات. وفي دردشة مع الصحافيين قال الرئيس عون انه طلب من رئيس الحكومة وضع تشكيلة تحترم المعايير والعودة الى القصر لاصدار المراسيم. الا ان الخلافات العميقة بين الرئيس ميقاتي والتيار الوطني الحر، تسد طريق التشكيل. ويصف الرئيس المكلف مطالب التيار بانها تعجيزية، فهو اي التيار يريد حكومة تكون تحت سيطرته، ليواصل الهيمنة من خلالها، فيما يقول التيار انه يريد حكومة تحترم الميثاقية والمعايير وفق تفسيرات مختلفة ومتناقضة. فكل طرف يفسرها وفق مصالحه، وهكذا وصلت الامور الى طريق مسدود، رغم كل الوساطات والضغوط التي تمارس من هنا وهناك، لحلحلة العقد. الا ان المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، الذي يقوم بوساطة مدعومة من حزب الله، لم يفقد الامل وهو لا يزال يتوقع ولادة حكومة في الساعات الاخيرة لنهاية العهد فهل تصح التوقعات؟
الرئيس نبيه بري مل المسرحية التي يقوم بها النواب في ساحة النجمة، والدخول اليها مجاناً، عدل عن توجيه الدعوات الى ممثلي الشعب الذين تخلوا عن القيام بواجباتهم، او على الاقل قسم منهم يمارس التعطيل ويؤمن سقوط النصاب فيفرط الانتخاب. وهذا امر لم يسبق في الماضي ان شهدناه في انتخابات رئاسة الجمهورية. لقد كان الرؤساء يقضون ست سنوات بالتمام والكمال وكانت المجالس النيابية تنتخب رئيساً جديداً قبل انتهاء المهلة الدستورية المخصصة لذلك؟ فلماذا تبدلت الامور ومن بدلها؟ نترك الجواب للمواطنين. المهم ان الرئيس بري سيستعيض عن الجلسات النيابية الفاشلة، بطاولة حوار بدأ الاعداد لها وهو يجري الاتصالات بشأنها، على ان تعقد بعد مغادرة رئيس الجمهورية قصر بعبدا. لقد شهدنا سلسلة طاولات حوار لم تفض ولا واحدة منها الى نتيجة، اذ كان المتحاورون يتفقون على امور معينة وما ان يغادروا حتى ينقلبوا على ما سبق ووافقوا عليه. فهل يكون الحوار هذه المرة مختلفاً، فيثمر ويؤدي الى الاتفاق على رئيس انقاذي بكل ما للكلمة من معنى، ام ان الفراغ سيحكم البلاد طويلاً، وقد عودتنا المنظومة على هذا النمط المدمر من الحياة السياسية.
اما الوضع المعيشي الذي يقفل العهد عليه فكارثي ومدمر، فقد سقطت كل الخدمات التي يفترض بالدولة ان تؤمنها الى الشعب. فانهارت الكهرباء كلياً عن المنازل والمصانع والشركات وحتى عن المرفأ والمطار والمسؤولون غير المسؤولين، واقفون يتفرجون، لقد وعدوا المواطنين بالمن والسلوى من الغاز المصري والتيار الاردني. فجاء الجواب من البنك الدولي المفترض ان يمول المشروع، فقال نائب الرئيس لشؤون منطقة الشرق الاوسط، ان الاصلاحات التي طلبها البنك للسير بالمشروع لم ينفذ منها شيء ولا تزال بعيدة. فلا اجري تدقيق في حسابات شركة الكهرباء، ولا تشكلت الهيئة الناظمة، ولا رفعت التعرفة. ان هذا الامر ليس غريباً على المنظومة. فهي تعد بالاصلاحات ولا تنفذها.
ووضع المياه ليس افضل حالاً. اسابيع تمر ولا قطرة مياه وخزانات المنازل فارغة جافة وقد لجأ المواطنون الى الاستعانة بالصهاريج والمياه الملوثة التي تساهم في نشر الكوليرا على نطاق واسع. وهل نتحدث عن الغلاء الفاحش الذي فاق كل التصورات، في ظل غياب كامل للمسؤولية التي يفترض فيها ان تجول وتراقب الاسواق وتوقف الجشعين عند حدهم؟ يرتفع سعر الدولار فتهب الاسعار، وعندما ينخفض، تبقى عند المستوى الذي اوصلوها اليه فلا تتراجع ليرة واحدة. كل ذلك والحرب على هؤلاء هي حرب تصريحات فارغة لا تؤثر ولا تعطي اي نتيجة. فيستمر المتاجرون بحياة الناس في سياساتهم المدمرة.
الصورة تبدو قاتمة وشديدة السواد. الفراغ يتمدد. فالادارات الرسمية معطلة، والقضاء مضرب ومتخل عن مهامه، والمسؤولون متلهون بخلافاتهم، ولا يلتفتون الا الى مصالحهم الخاصة وقد شهد العالم كله بهذا الواقع المرير، والشعب متروك تحت رحمة المتاجرين بلقمة عيشه التي يعجز عن تأمينها في ظل البطالة المستشرية وانتشار الامراض وغياب الادوية وكل الخدمات التي يفترض بالدولة تأمينها. فالى متى هذا الظلم، ومتى يتحرك هذا الشعب النائم ليدافع عن حقوقه وعن ابسط مقومات الحياة فيما البلاد سائرة الى الانهيار الكامل والشامل؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق