«سوريا كممر بري ايراني الى حزب الله»!
يتحدث الخبير في الشؤون الشرق اوسطية فريدريك هوف عن خطة ايرانية لسوريا، من شقين: «الخطة – أ» هي محاولة الحفاظ على (الرئيس بشار) الأسد في السلطة، على رغم ان طهران ليس لديها أوهام حول كفاءته وصفاته القيادية. اما «الخطة – ب» فهي تحطيم سوريا، لكن مع استثناء واحد يكمن في ان تحافظ ايران على نوع من ممر بري الى حزب الله في لبنان». ويرى انه «ما دامت ايران واسرائيل على خلاف، سيكون من الضروري بالنسبة الى طهران الحفاظ على صواريخ حزب الله وقوة الصواريخ في لبنان كرادع ضد اسرائيل».
قد يكون السفير فريدريك هوف، من الديبلوماسيين الاميركيين الاكثر انخراطاً في الشأنين اللبناني والسوري، تأسيساً على الادوار التي اداها خلال الاعوام الخمسة الاخيرة، من مستشار للمبعوث الخاص جورج ميتشل بشأن قضايا السلام العربية – الإسرائيلية التي تندرج في إطار اختصاصه بالتركيز على القضايا المتعلقة بسوريا وإسرائيل وبين اسرائيل ولبنان، الى انضمامه إلى وزارة الخارجية في نيسان (أبريل) 2009 بعدما شغل منصب الرئيس والمدير التنفيذي لشركة AALC المحدودة، وهي شركة مختصة باستشارات الأعمال الدولية والتمويل ومعروفة سابقاً باسم أرميتاج وشركائهم المحدودة. ثم عينه الرئيس الاميركي باراك اوباما بدرجة سفير، مستشاراً خاصاً للمرحلة الإنتقالية في سوريا، مترئسا ً«خلية الإشراف على المرحلة الانتقالية في سوريا». لكنه ما لبث ان قدم استقالته لأسباب قال انها شخصية. ويشغل راهناً منصب باحث زائر في المجلس الأطلسي في مركز رفيق الحريري لمنطقة الشرق الأوسط.
النفط والغاز والمياه
على رغم خروجه الرسمي من الديبلوماسية الاميركية، تردد في واشنطن على نطاق ضيق، ان وزيرة الخارجية الاميركية السابقة هيلاري كلينتون أعادت تكليفه، مباشرة اثر استقالته، بملف ترسيم الحدود البحرية اللبنانية – الفلسطينية، والتنقيب عن النفط والغاز. وبات يحمل، بشكل غير رسمي، ملفاً محدداً بين لبنان وعدد من الدول الإقليمية والغربية، يتعلق بوضع خريطة جديدة للحدود المائية الجنوبية للبنان. الملف تحرك فعلياً إثر تطورين اثنين: اولهما تقدم لبنان جدياً في عمليات مسح ثروته الغازية البحرية، وثانيهما المقاربة الاسرائيلية المترددة لملفها النفطي والغازي.
سعى هوف في آخر زياراته اللبنانية الى تخلّي لبنان عن الخريطة الرسمية لحدوده البحرية الجنوبية، وتبنّيه خطاً حدودياً جديداً يتمثل في تنازله عن حوالي 300 كيلومتر مربع نهائياً لإسرائيل، وترك حوالي 292 كيلومتراً مربعاً أخرى عالقة في منطقة متنازع عليها.
يتناول هوف الصراع اللبناني – الاسرائيلي، على انه «مسائل عالقة تتناول الاختلافات الممكنة حيال «الخط الازرق»، وحدود 1923 الدولية والنزاع حول مزارع شبعا والغجر. الا ان الامر الفريد في الخلاف الاخير هو انه يتناول المياه. وهو يمثل بذلك فرصة للبلدين للافادة في شكل كبير من هذه الهدية الالهية. وما يجعل الحل ممكناً هو اننا لا نتعاطى عملياً مع حدود رسمية. بالمعنى التقني القانوني لا يملك لبنان واسرائيل حدوداً متفقاً عليها ولن يحصل ذلك حتى يوقع الطرفان الورقة نفسها التي تحدد الحدود براً وبحراً. وما يمكن ان يحصل في البحر سيكون مؤقتاً ويمكّن البلدين من المضي قدماً في استثمار هذه الموارد وتطويرها. وحين تحصل المحادثات حيال التطبيع الديبلوماسي، يمكن عندها التوصل الى خط نهائي بحراً».
علاقته بلبنان
في احدى اطلالاته، يحذر هوف من التأثير المباشر للصراع في سوريا على الوضع في لبنان، مشيراً الى ان استمرار القتال في سوريا يعني «ازدياد ازمة اللاجئين السوريين تفاقماً، والتي سيصاحبها تعمق الانقسامات الداخلية». يضيف: «ستتراجع السياحة اللبنانية، وسيبقى القطاع المصرفي اللبناني تحت مراقبة (أميركية) دقيقة» كي لا يستخدم لمصلحة النظام السوري او ايران. وأعرب عن اعتقاده بأن مصلحة لبنان تقتضي ان تكون سوريا دولة مستقرة تحترم استقلال لبنان وتتعامل معه ندياً.
ويتخوف من ان يؤدي استمرار الصراع في سوريا الى «انتقاله الى لبنان واثارة اضطرابات واسعة».
اذاً، يعرف هوف لبنان منذ ان كان ملحقاً عسكرياً في السفارة الاميركية، ثم في عمله في مكتب وزير الدفاع مديراً لمكتب الأردن ولبنان وسوريا والشؤون الفلسطينية.
في بيروت، شارك، قبل شهر، في مؤتمر مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في الجيش عن «العالم العربي 2013 ديناميات التغيير، التحديات في الامن والاقتصاد والادارة السياسية».
الجسر اللوجستي
اثناء لقاء تم في الثالث من ايار (مايو) مع «جمعية السياسة الخارجية» الاميركية، يضع هوف مقاربة للموقف الراهن في سوريا ومحيطها، وارتباطاته اللبنانية والايرانية، وخصوصاً بالنسبة الى واقع «حزب الله» الاستراتيجي في الصراع الحاصل سورياً والتأثير الايراني عليه.
يرى هوف انه «مع انتهاء (نظام الرئيس العراقي الراحل) صدام حسين، اصبح لايران استخدام واحد لسوريا، اذ هي باتت الجسر السياسي واللوجستي لحزب الله في لبنان. ايران تعتبر الرئيس السوري بشار الاسد من اقران الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله؛ وهو على استعداد للعمل كشريك لها، شيء كان يراه الأسد الاب امراً مستحيلاً. «الخطة – أ» لايران هي محاولة الحفاظ على الأسد في السلطة، على رغم ان طهران ليس لديها أوهام حول كفاءته وصفاته القيادية. اما «الخطة – ب» فهي تحطيم سوريا، لكن مع استثناء واحد يكمن في ان تحافظ ايران على نوع من ممر بري إلى حزب الله في لبنان. وما دامت إيران وإسرائيل على خلاف، سيكون من الضروري بالنسبة الى طهران الحفاظ على صواريخ حزب الله وقوة هذه الصواريخ في لبنان كرادع ضد إسرائيل».
ويقول: «إيران ربما تدرك أن أي خليفة لحكم العائلة المتماسكة في سوريا، من شبه المؤكد أنه سيقوم بتغيير علاقات سوريا مع ايران وحزب الله، الامر الذي لن يروق للقيادة الايرانية. هذا هو السبب الذي جعل إيران تلتزم التزاماً كبيراً بالنظام من حيث مقاتلي قوة القدس، وهذا هو السبب الذي أمرت من اجله طهران (السيد) نصرالله ان يتدخل مقاتلو حزب الله في الكفاح لإنقاذ نظام الأسد، على رغم ان السياسة الرسمية للبنان هي الانفصال او النأي بالنفس عن الصراع في سوريا».
ويرى انه «في السياق السوري هناك فقط عامل واحد تأخذه إيران في الاعتبار: المرشد الأعلى والحرس الثوري الايراني. هم على استعداد للقتال حتى آخر سوري للحفاظ على الجسر الخاص بـ «حزب الله». فهم يرون أن الانتفاضة ضد حكم عائلة في سوريا تحد للأمن القومي للجمهورية الاسلامية وامر خطير جداً، طالما أن احتمال المواجهة العسكرية مع إسرائيل موجود فان ايران ترى في الحفاظ على الكوادر القيادية لحزب الله وقدراته العسكرية على انه مصلحة وطنية أساسية».
آفاق الحزب
ويلفت الى أنه «على رغم وجود صلة واضحة في هيكلية حزب الله كقوة ردع في السياق النووي الايراني، وكقوة التدخل الأجنبي في سوريا، لا تؤثر ديناميات الأزمة السورية بالضرورة في مسار المفاوضات النووية. ومع ذلك، فإن العكس قد يكون صحيحاً. في الواقع، إذا تمكنت طهران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي بالإضافة إلى ألمانيا (P5+1) من الوصول إلى مساكنة بالتراضي في الشأن النووي، سيقلل ذلك من حدة التوتر بين إيران وإسرائيل، وقد تميل إيران إلى التخلي أو تقليص المهمة المكلفة في دعم شخص في سوريا تكنّ له القليل من الاعتبار أو الاحترام. من ناحية أخرى، إذا كان نظام الأسد سيحرق الجسر البري بين إيران وحزب الله في لبنان قبل أن يتم التوصل الى تسوية نووية، سيتم ترك (السيد) نصرالله في منصب القائد العسكري لجماعة مسلحة تسليحاً جيداً، لكن من دون آفاق حقيقية لإعادة الإمداد في الوقت المناسب، او حتى في حال وقوع معركة كبيرة. ليس من قائد يريد أن يكون في هذا الموقف. وتهدف جهود إيران في سوريا الى إنقاذ (السيد) نصرالله وكوادره القيادية من الوقوع في هذه المعضلة».
تفانٍ
وعن تقويمه للمصالح المشتركة لإيران وروسيا في سوريا، يشير الى انه «على رغم الاحتجاجات الروسية، يبدو ان لموسكو وطهران مصلحة مشتركة واحدة أساسية: الحفاظ على نظام الأسد». ويعتبر ان «دافع طهران واضح: إنقاذ الشريك الأصغر الذي هو أكثر من مفيد في موضوع حزب الله. اما دوافع روسيا فهي قابلة للنقاش، وخصوصاً بين الروس والمتخصصين في الشأن الروسي. فمن ناحية، وقعت موسكو اتفاقاً في جنيف في حزيران (يونيو) 2012 مع الأعضاء الأربعة الدائمين الآخرين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وضع إطاراً للانتقال الى التفاوض في سوريا، من شأنه أن تحل مكان نظام الأسد حكومة وحدة وطنية انتقالية بالاتفاق بين الحكومة السورية والمعارضة وعلى أساس الرضا المتبادل، مع الاشارة الى ان عملية الفيتو المتبادل من شأنها أن تستبعد مشاركة العائلة الحاكمة في حكم سوريا. هذه الحكومة الجديدة، وفقاً لشروط جنيف، ستتمتع بسلطات تنفيذية كاملة من النظام».
ويخلص الى ان «تغيير النظام السوري سيكون سلمياً، مما يؤمن الانتقال الى احوال مستقرة، مع الحفاظ على الهياكل الرئيسية للدولة لكنها ستكون في تصرف الحكومة الانتقالية بدلاً من الشركات العائلية. ومع ذلك فقد ذهبت روسيا تدريجياً بعيداً من صيغة جنيف، مما حدا بالبعض إلى استنتاج أن الرئيس (الروسي فلاديمير) بوتين ليست له مصلحة في التعاون مع الغرب لتغيير الأسد. ربما يرى تناقضاً كبيراً بين التردد الذي يظهره الغرب في ما يتعلق بسوريا من جهة، والتفاني الواضح من إيران وحزب الله للحفاظ على نظام الأسد من جهة أخرى. ربما يقارب بوتين معالجة الوضع السوري باعتباره حرباً بالوكالة إلى أن يتحقق النصر إلى حد كبير من خلال جهود طهران وشريكها اللبناني، وبالتأكيد سيحظى بإنتصار كامل إذا نجحت إيران وحزب الله في تحقيق ذلك».
طلال عساف