مناورة وغارة فاستنفار… ثم حرب؟
تحركت الحدود اللبنانية – الاسرائيلية، بداية مع المناورة التي اجراها الجيش الاسرائيلي بعنوان «مواجهة مخاطر تهدد اسرائيل بصواريخ حزب الله المتطورة وربما الكيميائية بالقرب من الحدود مع لبنان»، ومن ثم في اثر الغارات الاسرائيلية على اهداف سورية، في وقت تتحدث تقارير عن استنفار «حزب الله» وحداته في الجنوب، ربطاً بمجموعة مخاطر، منها ما يتعلق بالمقاربة الاسرائيلية للمسألة السورية، واستطراداتها اللبنانية، ومنها ما يعود الى ما يستشعره الحزب من محاولة عزل وتضييق دولي – محلي. وبين السطور تتحرك لبنانياً، روسيا والولايات المتحدة الاميركية، في مسعى لاحتواء اي تدهور غير محسوب او منظور.
تسببت المناورة المفاجئة التي اجراها الجيش الاسرائيلي في منطقة الشمال خلال الاسبوع الاول من ايار (مايو)، ومن ثم الغارات الاسرائيلية الصاروخية ضد اهداف سورية، بنقاش حاد في تل ابيب حول احتمال نشوب حرب مع لبنان، خصوصاً انها اتت على خلفية وضع بعض المراكز البحثية احتمال التدهور المفاجىء في المنطقة، في مقدمة الاحتمالات السياسية والعسكرية المرتبطة بالازمة السورية.
واثارت الغارة على سوريا والتي سبقها استدعاء 2000 جندي احتياطي للمشاركة في المناورة عند الحدود الشمالية مع لبنان، حال قلق بين الإسرائيليين.
وكان الجيش الاسرائيلي قد استدعى وحدة كاملة من الاحتياط تضم اكثر من 2000 جندي، للتدريب على احتمال تدهور سريع في منطقة الشمال يؤدي إلى حرب ضد لبنان. وقال الجيش: «إن التدريب يحاكي قواعد المعركة استناداً لخطط عسكرية، تعتمد على معلومات استخبارية حول الأوضاع في المنطقة، ولبنان خصوصاً».
وفي سياق متصل، أعلنت المتحدثة باسم القوة الدولية المعززة في الجنوب، أنطوانيت ميداي، أن «الجيش الإسرائيلي أحاط قوات «اليونيفيل» علماً بالتدريب العسكري الذي اجراه في المنطقة الواقعة إلى الجنوب من الخط الأزرق». وأكدت أن «الجيش الإسرائيلي أبلغ قيادة «اليونيفيل» أن هذا التدريب معد سلفاً، وليس له صلة بأي تطورات حدثت اخيراً في لبنان أو في المنطقة»، مشيرة إلى أن «اليونيفيل» نقلت هذه المعلومات إلى الجيش اللبناني».
صواريخ وكيميائي
وكان رئيس أركان الجيش الاسرائيلي، بيني غانتس، قد اختار عنواناً مثيراً للتدريبات المفاجئة، مشيراً الى انها لـ «مواجهة مخاطر تهدد اسرائيل بصواريخ حزب الله المتطورة وربما الكيميائية بالقرب من الحدود مع لبنان». وحرص على لقاء جنود الاحتياط قبل بدء التدريبات لرفع معنوياتهم.
وتم استدعاء أكثر من ألفي جندي احتياطي بشكل مفاجىء لمواجهة سيناريو تدهور سريع يلزم الجيش بدخول لبنان، وهذه أكبر مناورة تجرى منذ 7 اعوام. وعلى رغم انها أحيطت بأجواء من الهلع، قال قادة اسرائيليون انها «لا تعني تدهوراً فعلياً نحو حرب جديدة مع لبنان».
بالتزامن، اجرى سلاح المشاة تدريبات في مناطق وعرة للقتال في ظروف معقدة، تحت الارض وفي اقتحام المباني المحصنة.
في موازاة ذلك، حذر ضابط كبير في قسم العمليات في الجيش الاسرائيلي من المخاطر المتصاعدة على الجبهة الشمالية، وتحديداً تجاه لبنان، مشيراً إلى أن التهديد من «حزب الله» يتصاعد وينذر باحتمال تدهور سريع، وهو ما يدفع الجيش إلى تكثيف مناوراته العسكرية. ولفت إلى أن الحزب أنشأ أنفاقاً وممرات، تحت القرى والمناطق المسكونة في لبنان، من أجل جر قوات الجيش للقتال هناك.
وأضاف: «ان التهديد من تحت الأرض في المنطقة أو القاطع اللبناني تطور بشكل كبير خلال الاعوام الأخيرة».
ونقل الموقع الاسرائيلي الاخباري «اسرائيل ديفينس»، المتخصص في الشؤون العسكرية والامنية، عن الضابط الاسرائيلي قوله: «إن الوضع الراهن في جنوب لبنان يشير إلى وجود فرق كبير وهائل بين حجم البناء تحت الأرض، الذي واجهه الجيش خلال حرب لبنان الثانية، وهذا الذي سنواجه في المعركة المقبلة، التي ستكون أكبر بكثير». واشار الى ان الجيش الاسرائيلي استخلص العبر من حرب لبنان الثانية، لافتاً الى أن تجهيزاته والاستعداد في الوقت الراهن أفضل بكثير من تلك التجهيزات التي كانت في السابق.
وأفاد الموقع أن وحدات متخصصة في حرب العصابات لدى كتائب المشاة في الجيش الاسرائيلي ستخضع خلال الفترة القريبة المقبلة لتدريبات ومناورات تحاكي مواجهات في مناطق معقدة، ومن بينها التدرب على التوغل في الأماكن المبنية واختراق مبان محصنة، كما ستخوض الوحدات تدريبات داخل قرية عربية وهمية في قاعدة التدريبات التابعة لقيادة المنطقة الشمالية في «اليكيم»، ومن بينها التدرب على القتال في منشآت تحت الارض، تتضمن تحصينات ومغارات وما شابه.
مخاطبة اسرائيل
يبدو ان التطورات الاسرائيلية هي احد العناصر الاساسية التي حتمت اطلالة الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله في الثلاثين من نيسان (ابريل) الماضي، والتي جاءت بعد ايام من اعلان اسرائيل اسقاطها طائرة من دون طيار، ونفى «حزب الله» اي علاقة له بها.
وقدمت هذه الاطلالة التلفزيونية غير المبرمجة مسبقاً، أولوية مخاطبة إسرائيل على اي اولويات اخرى، بما فيها المسألة السورية، وضمّنها تحليلات عدة لموضوع الطائرة، غلب عليها طابع أن هناك من يريد توريط الحزب في حرب مع إسرائيل، وهو لا يريد ذلك.
وكانت تقارير اعلامية قد تحدثت عن «استنفار في صفوف قوات «حزب الله» استعداداً لاي تطورات عسكرية في المنطقة، جاء ذلك غداة اجتماع مغلق بين الموفد الرئاسي الروسي ميخائيل بوغدانوف بالسيد نصرالله، تم خلاله تنسيق المواقف لنصرة دمشق والرد على اي عدوان اسرائيلي». ولفتت الى ان بوغدانوف نقل رسالة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فيما ذكر بيان لمكتب العلاقات الاعلامية في حزب الله ان اللقاء تناول «الاوضاع والتطورات السياسية في المنطقة وخصوصاً في لبنان وسوريا».
وذكرت التقارير ان «الحديث تركز على الاستعدادات العسكرية، واعلن الحزب استنفار قواته تحسباً لعدوان اسرائيلي، وهو لا يريد ان يؤخذ على حين غرة». وتحدثت عن حرب في غضون فترة غير طويلة، قد تشمل لبنان وسوريا وربما ايران.
حزم
تأتي هذه التقارير اثر زيادة مطّردة في التصريحات حول مشاركة الحزب في القتال الى جانب قوات النظام في سوريا في المعارك ضد المجموعات المعارضة المسلحة، وعن سقوط مقاتلين له في الميدان.
ويعتبر مصدر في قوى الثامن من آذار (مارس) ان «حزب الله يدرك المخاطر التي تحوط به، داخلياً على خلفية التعثر السياسي في مسألة تأليف الحكومة ربطاً برغبة اطراف في محاصرته واقصائه عن الحكومة الجديدة، لكنه يقدّم المخاطر الخارجية على اي خطر آخر، في ضوء ازدياد الحملة الغربية – المحلية عليه والاتهامات المساقة ضده، من الاسلحة الكيميائية الى الحرب السورية، لذا فضّل السيد نصرالله ان يكون واضحاً في تصويب البوصلة السياسية والمقاومتية، فقدّم التهديد الاسرائيلي – الدولي على التهديدات الاخرى على رغم اهميتها كلها، بإعتبار ان اطلالته هي اطلالة ردعية وتحذيرية من مغبة ان تقوم اسرائيل بمغامرة ما، لاعتقادها بأن الحزب في موقع الضعيف على خلفية مشاركته في الاحداث السورية».
ويتوقع مصدر سياسي مراقب ان تظهر قيادة «حزب الله» المزيد من الحزم في ما خص المسألة السورية، وخصوصاً بعد دخول اسرائيل رسمياً على خط هذه المسألة، من خلال الغارات التي شنتها، في وقت اعلن وزير الاعلام السوري عمران الزعبي ان «العدوان تزامن مع تحقيق الجيش تقدماً ضد الإرهاب». واتهم «الإرهابيين التكفيريين وجبهة النصرة والقاعدة بالتنسيق مع إسرائيل بالإعداد لهذا القصف».
ويرى المصدر ان هذا الربط السوري بين الغارة الاسرائيلية والتطورات السورية الداخلية، معطوفاً على اعلان اسرائيل نفسها عن ان «هدف الغارات على سوريا هو الرد على إيران ومنع تعاظم قوة حزب الله»، يسمح باستنتاج بسيط بمفاعيل معقدة، مفاده ان «حزب الله الذي يرى في الدخول الاسرائيلي، على حد سواء، استهدافاً له ولمحور المقاومة والممانعة، ونصرة المعارضين السوريين، لن يتوانى عن اتخاذ كل ما من شأنه رد هذا الاستهداف، بما فيه زيادة عملياته السورية وربما التحضير لرد امني – استخباري ضد اسرائيل، وهو الامر الذي دفع حكومة تل ابيب الى تشديد امن سفاراتها وبعثاتها الديبلوماسية حول العالم».
واشنطن تتحرك
ولفتت، في السياق التهدوي والاستيعابي، جولة قام بها وفد اميركي ديبلوماسي على الحدود الجنوبية في السابع والعشرين من نيسان (ابريل)، خصصها لاستطلاع نقاط النزاع بين لبنان واسرائيل على الخط الازرق قبالة بلدتي العديسة وكفركلا بعد الاعتراف الاسرائيلي بضم اراضٍ لبنانية في بلدة العديسة الى مستعمرة مسكاف عام القريبة.
وجال الوفد في الخط الازرق وتوقف قبالة مستعمرتي المطلة ومسكاف عام عند بوابة فاطمة حيث استطلع النقاط المتنازع عليها. كما استطلع منطقة الغجر اللبنانية المحتلة.
وسبق لصحيفة «معاريف» الاسرائيلية ان تحدثت قبل عامين عن هذا القضم الاسرائيلي لأراض لبنانية. واثار اللواء عبد الرحمن شحيتلي، رئيس الوفد اللبناني الى اللقاء الثلاثي الدولي – اللبناني – الاسرائيلي الذي ينعقد شهرياً في الناقورة، هذا الامر، مطالباً بالانسحاب من الجزء اللبناني المحتل لبلدة العديسة.
ويرى مراقبون ان هذه الاعتراف الاسرائيلي «يؤكد وجود شوائب تتعلق بترسيم الخط الازرق الذي يحتاج الى التصحيح كي يعود الى لبنان حقه في استرجاع ارضه المحتلة قبالة العديسة وكفركلا والغجر وغيرها من النقاط على طول الخط».
ويلفت هؤلاء الى ان «التحرك الديبلوماسي – الامني الاميركي يرمي الى تطويق اي احتمال لتدهور الاوضاع عند الحدود اللبنانية – الاسرائيلية، اذ ان واشنطن تأخذ في الاعتبار ان هذا التدهور احتمال قائم، ربطاً بمجموعة عوامل، تبدأ من التصريحات والمقاربات الاسرائيلية المتواصلة منذ حرب تموز (يوليو) 2006 المهددة بإجتياح بَري واسع للجنوب، ولا تنتهي بتطورات المسألة السورية المفتوحة على كل الاحتمالات، بما فيها احتمال التدخل العسكري الواسع الاسرائيلي و/او الدولي على خلفية اتهام النظام بإستخدام السلاح الكيميائي ضد معارضيه».
طلال عساف