في زمن تفشي الأوبئة… التطعيم أيضاً أمان!
هل تتذكرون اعلان: لقحوا أطفالكم لا ينفع الندم؟ كان رناناً. والرسالة القديمة تتجدد: يا عالم يا بشر لقحوا أطفالكم لا تنفع كلمة: لو!! ألم تسمعوا من قبل بأن كلمة «لو» عمرها ما بنَت بيتاً؟ بيدكم اذاً أنتم أن تحموا عملياً فلذاتكم، بالتطعيم، من ثلاثين مرضاً! فالتطعيم ليس مجرد ابرة ووخزة بل أمان أكبر وعافية أكثر وحياة أصح!
إذا قلنا الحقيقة كاملة يقولون: ولماذا تُثيرون الرعب في النفوس وفي العقول؟ وإذا سكتنا يقولون: لا عذر لمن أدرك الحقيقة وتخلى عنها!
نتكلم أو نصمت؟
صحيح أن السكوت يكون أحياناً من الماس غير أنه إذا ارتكب في فعلٍ له علاقة بالصحة يُصبحُ إثماً! إغفالُ أن في لبنان اليوم حالات حصبة وحالات شلل هو إثمٌ! لسنا طبعاً نتهم لكننا نُعلن أنه يُعدّ، في المعادلات الطبية العالمية، ظهور حالة حصبة واحدة أو شلل واحدة، وباء! وفي لبنان، للأسف، أكثر من حالة!! فُتح الموضوع… ماذا في التفاصيل؟
هل نحن محصنون؟
الجمعية اللبنانية لطب الأطفال شرّعت الباب على هذا الموضوع بالتنسيق مع «أم أس دي». وفَتحُ الباب يحتاج أحياناً الى محطة، فأتى أسبوع التطعيم العالمي، الواقع بين 24 نيسان (ابريل) والثلاثين منه، ليُشكل المحطة – المدخل نحو دق ناقوس التطعيم. والسؤال الأول الذي يتبادر: التطعيم يُنقذ حياة 2،5 مليون انسان سنوياً… فهل نحن محصنون؟
الطبيب برنار جرباقة، رئيس قسم طب الأطفال في مستشفى أوتيل ديو، والطبيب عماد شكر، رئيس قسم حديثي الولادة في مستشفى رفيق الحريري الجامعي، وخزا على الأرجح آلاف آلاف الأطفال بطعمٍ خلال مسيرتهم الطويلة، وسمعا استغاثات الصغار وشاهدوا دموعهم تنزل وهم يستنجدون بأبٍ وأمٍ يُبعدان عنهم شبح الإبرة التي تُغلف الطعم… هي بضع لحظات صعبة ربما على الأطفال لكن إذا لم تحصل فاللحظات تلك قد تتحول الى مسيرة حياة صعبة… والخيار بين الحالتين ليس طبعاً صعباً!
استراتيجية
ما يُطمئن في لبنان هو أن نسبة التطعيم تصل الى 85 في المئة. يعني نسبة الجهل في الموضوع لا تزيد عن 15 في المئة. لكن هل هذا يكفي؟ التطعيم يحتاج بحسب الدكتور شكر الى استراتيجية واضحة، فالفكرة الأساسية منه كانت عدم وقوع المرض أو محاربته قبل وقوعه، أما الهدف منه فله عناوين عدة بينها: الوقاية وإلغاء مرض معين في بيئة معينة في منطقة جغرافية معينة. وفي هذا الإطار تبين ان الحماية الفردية وحدها ليست فعالة. الحماية يُفترض ان تكون شاملة، لهذا نقول، والكلام الى شكر: ان التطعيم يتطلب استراتيجية وطنية واضحة. وتبين ايضاً ان كلفة إعطاء اللقاح الى ستين في المئة من الأطفال يبقى أقل من كلفة وجود نسبة اثنين في المئة من الأمراض التي قد تتأتى عن عدم التطعيم! فلنأخذ مثلاً فيروس الروتا الذي هو أحد أكثر أنواع الفيروسات المسببة للإسهال المعوي انتشاراً بين الأطفال الرضع في العالم. انه يُصيب كل الأطفال في الشرق الأوسط أكثر من مرة واحدة قبل سنتهم الخامسة. وأكثر من خمسين في المئة من الأطفال الذين يسكنون غرف المستشفيات أياماً وأياماً سنوياً بسبب التهابات في المعدة والأمعاء، إنما يدخلون بسبب إصابتهم بفيروس الروتا تحديداً. هؤلاء يدخلون ويخرجون تحت علة الإسهال وقلة قليلة منهم (أو من أهاليهم بالتحديد) تعرف ان هذا الإسهال سببه كان فيروساً يمكن مواجهته بطعمٍ.
فيروسٌ آخر ما زال اسمه غريباً بعض الشيء على كثير من الأهالي هو فيروس الورم الحليمي. كثيرون تحدثوا عنه، بحسب الدكتور جرباقة، خلال العامين الماضيين لكنه ما زال بالنسبة الى الكثيرين مجهولاً، ربما لأن ما قد يدخل في آذان البعض اليسرى قد يخرج من آذانهم اليمنى! وربما لأن من يعمل على رفع الوعي لم ينجح، أقله حتى هذه اللحظة، في نشره حيث يجب. هذا الفيروس، يشرح جرباقة، واحد من أكثر الفيروسات النسائية انتشاراً، تُصاب به ثماني نساء من كل عشر نساء مرة واحدة على الأقل في حياتهن. وبعض سلالات هذا الفيروس يُعرض النساء لخطر الإصابة بسرطان عنق الرحم. وفي كلام أدق 99 في المئة من حالات سرطان عنق الرحم سببها هذه السلالات. والحلّ؟ تطعيم البنات قبل ان يقمن بعمل جنسي. منظمة الصحة العالمية أعلنت وجوب ان يحصل التطعيم قبل سن الحادية عشرة اما هنا، في بلادنا العربية، فالاستجابة ضئيلة. اننا، كما غالباً، ندير الأذن الطرشاء الى هكذا دعوات بحجة ان مجتمعنا محافظ والفيروسات التي لها علاقة بأعضائنا الجنسية قد تُصيب غيرنا اما نحن، وبناتنا، فلا!
والذكور ايضاً معرضون
سمعنا كثيراً عن هذا الموضوع والكلام فيه وعنه كان دائماً يتوجه الى نون النسوة لكن ما رأيكم في ان الرجل ايضاً قد يُصاب بفيروس الورم الحليمي البشري؟! سبعة في المئة من الذكور، بحسب الدكتور جرباقة، معرضون. يعني من حق الأطفال الذكور ان يأخذوا هم أيضاً الطعم ضد الفيروس. هذا من جهة ومن جهة اخرى لن نتمكن من تأمين الحماية الكاملة من هذا الفيروس إلا إذا لقحنا البنات والصبيان ضده كما سبق وحصل مع الحصبة الألمانية. لهذا أصبح هذا الطعم إلزامياً للذكور ايضاً في كثير من الدول بينها أستراليا وأميركا… ويستطرد جرباقة بالقول: هناك 750 حالة وفاة يومياً بسبب جرثومة سرطان عنق الرحم وها قد مات وأنا أتكلم 17 شخصاً في أقل من نصف ساعة! هذا في العالم اما في لبنان فيتم تشخيص 180 امرأة مصابة سنوياً.
في عين الوباء
وما دمنا تطرقنا الى الحصبة نسمع أخباراً عن إصابات تحصل بين صفوف اللاجئين السوريين الى لبنان… فهل أطفالنا معرضون للعدوى؟ هل نحن في عين الوباء؟
حالة حصبة واحدة في منطقة جغرافية واحدة تعني، في المفهوم الطبي العام، وجود وباء! هذا الكلام صدر عن الدكتور برنار جرباقة الذي يتخوف جدياً من انهيار الوضع الصحي السوري وتأثيره على الوضع الصحي اللبناني! وهي المرة الاولى ربما التي نسمع فيها عن تأثير ما يحصل في سوريا على دول الجوار صحياً وليس فقط أمنياً. فهل علينا حقاً أن نخاف؟ يجيب جرباقة: «الانهيار في سوريا، مهما كان شكله، سيتسبب بارتباك في لبنان. ووجود مليون لاجىء سوري بلا حماية من الحصبة في لبنان سيجعل كل اللبنانيين معرضين»، ويشرح: الوباء هو الوحيد القادر على اختراق كل الحدود بلا تأشيرة ولا جواز سفر. ثمة حالات حصبة بين السوريين وهذا معناه ان الاطفال اللبنانيين غير الملقحين عرضة للإصابة. وهناك انتشار لما يُسمى في سوريا «حبة حلب» التي نعرفها هنا باسم مرض اللشمانيا وتنتقل الى الإنسان عبر لسعة البعوضة ونخشى جدياً من انتشار هذه الحبة بين صفوف الأطفال اللاجئين ما يجعل أطفالنا عرضة. وهذا يجعلنا كأطباء أطفال، والكلام الى جرباقة، نفتح عيوننا أكثر ونطالب بتأمين اللقاحات المطلوبة الى الأطفال السوريين أيضاً لحماية أطفالنا وكل الأطفال.
التطعيم إذاً من التدابير الطبية التي تنقذ حياة ملايين البشر من ثلاثين مرضاً معدياً في العالم وتساعد على تقوية الجهاز المناعي. ويكفي ان نعرف ان معدلات شلل الأطفال انخفضت في العالم بنسبة 99 في المئة. تُرى لو كان الوعي موجوداً قبل ثلاثين عاماً لنجت غادة من شللها؟ تهز شقيقتها رأسها وتلمع عيناها وهي تسمع.
يبقى أن نعرف أنه عند تطعيم عدد كاف من البشر ضد مرض ما فإن معدلات انتقال المرض تتراجع، حتى بين الأشخاص الذين لم يحصلوا على التطعيم والذين يحصلون هم أيضاً على حماية غير مباشرة من خلال ما يُعرف بالمناعة الجماعية…. لقحوا إذاً أطفالكم (وبسرعة) فالندم ما نفع يوماً!.
نوال نصر
فيروس الورم الحليمي…
– تبلغ المعدلات العالمية لانتشار فيروس الورم الحليمي 11،7 في المئة بين الإناث.
– سُجل أكثر من نصف مليون حالة جديدة على المستوى العالمي عام 2008.
– تمثل حالات هذا النوع من السرطان 2،3 في المئة من جميع حالات السرطان في لبنان.
– تم تشخيص 180 حالة جديدة لسرطان عنق الرحم في لبنان عام 2011 إضافة الى 886 حالة من التآليل التناسلية.
– تموت 800 سيدة في العالم يومياً نتيجة الإصابة بسرطان عنق الرحم.
– يحل هذا النوع السرطاني في المراكز الثلاثة الأولى لأكثر أنواع السرطانات انتشاراً بين الإناث في المراحل العمرية الصغيرة في 85 في المئة من دول العالم.
– يبلغ عدد الوفيات السنوية في العالم نتيجة سرطان عنق الرحم 300 ألف حالة.
وأرقام في فيروس الروتا…
– مليونا حالة يتم حجزها للعلاج في العالم بسبب هذا الفيروس.
– 25 مليون زيارة للعيادات الخارجية تحصل سنوياً.
– 111 مليون حالة التهاب معوي حاد.
– 40 في المئة من الذين يدخلون المستشفيات بسبب الاسهال الحاد يعانون من فيروس الروتا.
– تصل نسبة الوفيات السنوية بسبب هذا الفيروس الى عشر حالات من كل مئة الف طفل ما دون الخمس سنوات.
– ترتفع نسبة الوفيات في العراق الى 4723 حالة وفاة مقابل كل مئة الف مصاب.
– 48 في المئة من الاطفال اللبنانيين تحت سن الخامسة ممن دخلوا المستشفيات كان بسبب إصابتهم بفيروس الروتا.