رئيسيسياسة عربية

فتاوى النار اللبنانية

استأثر اعلان الاندماج بين «جبهة النصرة» السورية و«القاعدة» في العراق على اهتمام استخباري – سياسي واسع، نظراً الى التداعيات المحتملة التي ستنتج عن تشكل خريطة جهادية جديدة في سوريا ومحيطها، وخصوصاً في لبنان، بالتزامن مع انطلاق فتاوى «الجهاد السني اللبناني» في سوريا، رداً على ما تعتبره قوى سلفية، العمليات العسكرية التي يخوضها «حزب الله» في القصير ومناطق سورية اخرى.

ثمة من يعتقد ان الاندماج بين القاعدة في سوريا ونظيرتها في العراق، سيفرض تداعيات خطرة على حال الاستقرار في الإقليم، لا سيما أنه سيثبت أن «الموجة الجهادية» التي انطلقت عقب اندلاع الربيع العربي تتسع وتزداد قوتها يوماً بعد يوم، من دون ظهور مؤشرات على احتمال انحسارها، لا بل ان ما ظهر من رأس جبل الجليد يدعو الى القلق البالغ، اذ ان المجموعات الجهادية لم يعد عملها يقتصر على سوريا، بل هي تفعّل ساحات النصرة في جوارها، وخصوصاً في العراق ولبنان حيث مساحات التماس الطائفي والمذهبي – اللاهبة بإستمرار – تشكل ارضاً خصبة وحاضنة طبيعية لهذه المجموعات، مما يسهل عملها، في سوريا اليوم، وفي المحيط والجوار بعد الفراغ من ارض الشام.

خريطة جديدة
يتحدث تقرير بحثي عن إعلان زعيم «دولة العراق الإسلامية» أبو بكر البغدادي اندماج «جبهة النصرة» التي تقاتل في سوريا ضد نظام الرئيس بشار الأسد مع تنظيم «القاعدة في العراق» تحت اسم جديد هو «الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام»، فيشير الى ان هذا الاعلان هو «بداية تشكل خريطة جديدة للتيارات الجهادية داخل سوريا ودول الجوار»، خصوصاً العراق ولبنان. ويكتسب هذا التطور أهمية وزخماً خاصين، لا سيما أنه تزامن مع تجديد «جبهة النصرة» البيعة لزعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، الذي دعا المجموعات الجهادية في سوريا إلى التوحد والتنسيق في ما بينها. ولا شك في أن الاندماج بين فرعي القاعدة في العراق وسوريا، إضافة إلى مبايعة «جبهة النصرة» في سوريا للظواهري، سينتجان تداعيات مهمة، سواء على صعيد الأزمة في سوريا أو على مستوى حال الاستقرار في دول المنطقة، كما أنه سيفرض تغييرات رئيسية على خريطة التيارت الجهادية المنتشرة في الإقليم».
ويلخص التقرير التغييرات المتوقعة بالآتي:

سوريا: نقطة جذب
1- «ستتحول سوريا، في ضوء هذه التطورات، «نقطة جذب» لعناصر التيارات الجهادية، خصوصاً في ظل تزايد احتمالات إقدام الفصائل الجهادية الموجودة في سوريا على تأسيس قواعد جهادية خاصة بها، على غرار ما حدث في أفغانستان, وهو ما يمكن أن يفرض تداعيات سلبية كثيرة، لا سيما أن هذه القواعد ستتمرد على القرار المركزي مع مرور الوقت وتصبح تالياً خارج السيطرة، فضلاً عن أن التيارات الجهادية لن تتخلى عنها بسهولة. كما أن التدفق المستمر للجهاديين إلى سوريا سيجعل المواجهات العسكرية بين القوات النظامية والمعارضة تأخد طابعاً دينياً وطائفياً أكثر مما هو عليه في الوقت الراهن، بالنظر الى أن كثيراً من العناصر الجهادية التي ستنتقل إلى سوريا لن تحارب من أجل «دعم المطالب الديمقراطية للشعب السوري»، وإنما بهدف «الجهاد» ضد العلويين وحلفائهم، في إشارة إلى إيران و«حزب الله» اللبناني».
2- سينعكس الصراع السياسي والعسكري في سوريا، الذي تجاوز عامه الثاني، بشكل أو بآخر، على دول المنطقة، لا سيما أن العناصر الجهادية تتدفق إلى سوريا عبر الحدود «الرخوة» مع دول الجوار التي يبدو أنها ستتأثر سلبياً، في ظل حرص هذه التيارات على الاحتفاظ بوجود لها في الدول التي تمر بها، لتنشر فكرها من خلاله وربما تمارس الجهاد عبره. اذ بدأت تركيا، التي تعتبر إحدى أهم نقاط العبور المتاحة أمام الجهاديين لدخول سوريا، تعاني من الوجود القاعدي على أراضيها، خصوصاً بعد تكرار محاولات تنفيذ عمليات إرهابية، حيث أعلنت السلطات التركية اخيراً القبض على أربعة أشخاص من عناصر تنظيم «القاعدة» قالت إنهم تلقوا تدريبات عسكرية في معسكر باكستاني، وإنهم كانوا يخططون لاستهداف الأماكن المزدحمة في إسطنبول.

توسع جهادي
3- ربما يؤدي الاندماج بين فرعي القاعدة في العراق وسوريا إلى حدوث تغييرات رئيسية في خريطة التيارات الجهادية المنتشرة في الإقليم، لا سيما أن هذا التطور الجديد سيدفع العديد من التيارات الجهادية إلى محاولة التواصل بشكل قوي مع تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، لأن التعاون مع تيار جهادي قريب من زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، سيضفي، على الأرجح، مكانة خاصة لهذه التيارات، كما أن ذلك سيكسب عناصرها الخبرة ويوفر لها المساعدات اللازمة وقت الأزمات، على غرار ما حدث من قبل عندما سارع العديد من التيارات الجهادية للالتحاق بـ«الجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبيين».
4 وربما يضاعف ذلك من احتمالات إقدام هذه التيارات الجهادية على محاولة تنفيذ عمليات نوعية في بلادها، حتى تثبت للتيارات الأخرى أنها أهل للتحالف مع تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام». فضلاً عن أن ثمة تيارات جهادية سوف تحاول تكرار التجربة من خلال الاندماج مع نظيراتها، سواء داخل الدولة نفسها أو في دول الجوار، (ولبنان منها)، حتى تتمكن من تحقيق أهداف أكبر، واكتساب أرضية جديدة.

الجهاد من لبنان
5- يأتي لبنان في مقدمة الدول التي يمكن أن تتأثر بتداعيات الصراع الدائر في سوريا، لا سيما مع اتجاه الجهاديين في لبنان إلى مساندة قوى المعارضة السورية، بعد توافر مؤشرات عن مشاركة عناصر من «حزب الله» في المواجهات العسكرية إلى جانب القوات النظامية السورية، على نحو سيزيد من حدة التوتر الطائفي في لبنان، وهو ما يعكسه إعلان إمام مسجد بلال بن رباح الشيخ أحمد الأسير، تشكيل «كتائب المقاومة الحرة» انطلاقاً من صيدا، حيث أكد وجوب «الجهاد في سوريا، من قبل كل مستطيع، لا سيما من أهل لبنان»، ودعا «كل من يرى أنه مهدد من حزب الله الشيعي إلى تشكيل خلايا من 5 أشخاص لكل سرية، ليكون جاهزاً للدفاع عن نفسه».
كما أعلن الشيخ سالم الرافعي من طرابلس إرسال «الدعم من رجال وسلاح لاخوتنا اهل السنّة في القصير»، وطلب «من جميع شباب السنّة الجهوزية التامة لارسال اول دفعة للواجب الجهادي في القصير».
وكانت تقارير اعلامية قد اشارت الى ان «إقتراحاً عرض على الرافعي قبل إصدار الفتوى، يتمثل بعقد مؤتمر صحافي تعلن فيه أدلة قطعية على إنخراط الحزب في القتال، من ضمنها مواقع سيطرته وعدد المقاتلين له في سوريا، فضلاً عن أسماء القتلى الذي تخطوا الأربعين»، لافتة إلى ان «القادة الإسلاميين في لبنان يمتلكون الوثائق كاملة التي تؤكد مشاركة حزب الله بألفي مقاتل في سوريا، يوجدون بقوة في القصير»، ومؤكدة أن «موقف القادة الإسلاميين الرافض لإطلاق الفتوى ينطلق من أن الشعب السوري يحتاج إلى السلاح والمال والدعم الإعلامي، ولا يحتاج إلى الرجال والمقاتلين».

اعتراض
ويلاحظ مراقبون للحراك السلفي أن «فتاوى الأسير والرافعي للجهاد في سوريا لم تحظ بتأييد الجميع، كون الانخراط في القتال تترتب عليه تحديات لبنانية متعلقة بنقل الصراع إلى لبنان»، وان «الدعوة للقتال إعلامية بما يتخطى القدرة الفعلية على حشد المقاتلين إليها، بحكم إحكام النظام سيطرته على الحدود، وسيطرة حزب الله على منافذ أخرى، وهدفت الفتوى الى تهدئة الرأي العام الإسلامي الغاضب من إنخراط حزب الله في قتل الشعب السوري».
وحفلت منتديات الكترونية سلفية بالتعليقات على هذه الفتاوى التي «تخفي خلف طياتها الكثير». في بعضها اسئلة عن «التوقيت، ولمصلحة من نقل المعركة إلى الأراضي السورية، وما سر سكوت الحكومة اللبنانية عن هذه الفتاوى ولماذا يتم طلب أسماء المتقدمين للجهاد، وأين التنظيم لهذه الفتاوى، وكيف تكون طرق الإمداد للمجاهدين وهم في حمص في حاجة للإمداد أصلاً»؟
في الاجابة عن هذه التساؤلات، تقول التعليقات السلفية انها «بسيطة جداً فلو عدنا إلى الوراء عشرة اعوام اي إلى غزو الولايات المتحدة الاميركية للعراق وسيناريو مأساة المجاهدين العرب لرأينا المؤامرة بوضوح، ولكن هذه المرة على نطاق ضيق وهو النطاق اللبناني. ثم إن نقل المعركة إلى سوريا يخدم حزب الله والحكومة اللبنانية، لأن الحكومة ستستفيد أمنياً من قوائم الأسماء التي سيقدمها المشايخ الى الأمن. وستفيد حزب الله لأنه يعرف تلك المناطق في حمص كما يعرف لبنان، بينما لا يتوافر هذا الشرط للمتطوعين».
وفي المنتديات الجهادية ان «توقيت هذه الفتاوى يأتي بسبب الرعب الأمني الحقيقي من ازدياد الوعي الجهادي للشباب في لبنان وخوفاً من الإنفجار الداخلي، بسبب الضغط في الساحة اللبنانية والناتج عن تداعيات تدخل حزب الله في الثورة السورية لمصلحة النظام».

محفزات تفجيرية
ويخلص التقرير البحثي الى ان «الصراع السوري يحمل في طياته مُحفِّزات عدة لتفجير الصراع في لبنان، وعلى رأسها انخراط قوات حزب الله في دعم النظام السوري، واتهامات الأخير للتيارات السنية في لبنان بتهريب الأسلحة الى قوات الجيش السوري الحر. ولعل التوترات الحدودية بين الدولتين التي نشبت في الفترة الأخيرة تؤكد مستوى التداخل بين وتيرة الصراع في سوريا والاستقرار السياسي والأمني في لبنان، إذ شهدت المنطقة الحدودية سقوط قذائف سورية، وتكررت تلك الحوادث، حيث طاولت ما لا يقل عن 20 قرية حدودية، وهو ما تواكب مع تهديدات النظام السوري بقصف التجمعات المسلحة في عمق الأراضي اللبنانية إذا لم يتوقف تدفق المسلحين عبر الحدود لدعم الجيش السوري الحر، بل وقيام طائراته الحربية بقصف مناطق قرب مدينة عرسال الحدودية. بالطبع، انتج هذا التوتر تداعيات مباشرة على الاستقطاب السياسي الداخلي في لبنان بين قوى الرابع عشر من آذار (مارس) بقيادة تيار المستقبل وقوى الثامن من آذار (مارس) التي تضم «حزب الله» والتيار الوطني الحر بزعامة ميشال عون، وهو ما أدى في النهاية إلى استقالة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، وتكليف النائب تمام سلام تشكيل حكومة جديدة».

طلال عساف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق