أبرز الأخبارسياسة عربية

ايران توجه رسائلها الدولية من لبنان و«حزب الله» ينفذ

تسارعت الاحداث في لبنان في الاونة الاخيرة بعد استقالة حكومة نجيب ميقاتي وتزامنت مع تطور الاحداث في سوريا والمنطقة، وخصوصاً في العراق، وارتفاع منسوب الخوف من اندلاع فتنة سنية – شيعية تنطلق شرارتها من لبنان، مع مشاركة  مقاتلي حزب الله في المواجهات في سوريا، ودعوة العلماء والمشايخ السلفيين «الى الجهاد لنصرة اخوتنا السنة في سوريا» في واجب جهادي بعد اصدار تكليف شرعي سني بدعوة الشباب القادر للتوجه الى سوريا.

سرعان ما ارفقت الدعوات الاعلامية الى الجهاد بمواقف متريثة بعدما نقلت اوساط وزارية الى العلماء السلفيين ان هناك خطوة قد يقدم عليها حزب الله بعدما ضمن حماية القرى الشيعية ومقام السيدة زينب بابعاد الثوار عن هذه الاماكن وبذلك يكون مقاتلو حزب الله حققوا الهدف من مشاركتهم، وقد تبين ان تورط الحزب في المعارك في سوريا قد يدفع بالحريق السوري الى داخل لبنان وفق الخشية التي ابداها مبعوث الرئيس الروسي ميخائيل بوغدانوف امام المسؤولين والاطراف اللبنانيين الذين التقاهم على مدى اربعة ايام، انهاها بزيارة الامين العام لحزب الله حسن نصرالله في الضاحية، واستمع الى وجهة نظره حول التطورات المحلية والاقليمية، ونقل اليه موقفاً روسياً رسمياً بوجوب «سحب مقاتلي حزب الله من سوريا»، خشية ان يتمدد الحريق السوري الى لبنان. وان روسيا قد تكون في موقف الضعف خلال المفاوضات مع الولايات المتحدة الاميركية وقد تعزز هذه الخطوة الموقف الاميركي، وبالتالي يفترض انسحاب المقاتلين قبل القمة الاميركية – الروسية وفق احد الديبلوماسيين. كما شدد بوغدانوف على التزام الاطراف اعلان بعبدا بعد الاشادة بالدور الحكيم الذي يلعبه الرئيس ميشال سليمان، والجهود التي يبذلها، والدعم المطلق الذي يحظى به من السلطة الروسية، وفق ما انطوت عليه الرسالة التي نقلها بوغدانوف من بوتين الى سليمان. ودعا بوغدانوف الاطراف الى التقيد بسياسة النأي بالنفس عن تداعيات التطورات في سوريا، كما اكد على مساعدة لبنان في شتى المجالات وتعزيز وتوطيد العلاقات بين البلدين.

الطائرة «المكتومة القيد»
جاءت زيارة بوغدانوف الى لبنان غداة اسقاط سلاح الجو الاسرائيلي طائرة من دون طيار «مكتومة القيد» كانت تحلق فوق اسرائيل. وفي الوقت الذي اتهمت اسرائيل حزب الله بانه مسؤول عن الطائرة التي كانت ستطلق صواريخ على اهداف نفطية، نفى حزب الله مسؤوليته عن الطائرة خلافاً لما فعل عند اطلاق طائرة «ايوب» بعد توقيع اعضاء هيئة الحوار، بمن فيهم ممثل الحزب النائب محمد رعد على اعلان بعبدا، وتردد في اوساط ديبلوماسية ان الطائرة ايرانية الهوية، والوظيفة تحمل رسائل الى المجتمع الدولي والى الولايات المتحدة لتؤكد طهران على حضورها الفاعل ووجودها في البحر الابيض المتوسط وانها قادرة على تغيير المعادلة وممارسة الضغط على الغرب. وكثرت التحليلات والتفسيرات لاطلاق الطائرة الان في غمرة التطورات في المنطقة، وفي ظل الفراغ على صعيد الحكومة بعد استقالة حكومة نجيب ميقاتي وسعي الرئيس المكلف تمام سلام الى تشكيل حكومة حيادية للاشراف على الانتخابات المفترض ان تجري خلال هذا العام ووفق الاصول، ولكن تبين ان قوى 8 اذار تريد صفقة شاملة تضمن الاتفاق على تشكيل الحكومة وقانون الانتخاب واجراء الانتخابات ورئاسة الجمهورية عام 2014، تماماً كما حصل في مؤتمر الدوحة عام 2008.
ويقول وزير سابق: كما حاولت سوريا وايران عبر حلفائهما في لبنان عام 2007 منع اجراء الانتخابات الرئاسية عبر ممارسة الضغط على الغرب وعلى بعض الدول العربية لفرض فك الحصار عن سوريا منذ عام 2005، بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والمقاطعة التي فرضها الغرب وبعض العرب على سوريا، نتيجة لحرب تموز (يوليو) 2006 والعزلة التي وجدت سوريا نفسها فيها، يحاول المحور السوري – الايراني الان وعلى رغم التفكك الذي تتعرض له سوريا ان يمارس ضغطاً على الغرب عبر استخدام الساحة اللبنانية، وتحديداً حزب الله، كورقة ضغط شرقاً تحت عنوان: واجب جهادي لحماية القرى الشيعية والاماكن الشيعية المقدسة، وجنوباً تحت عنوان: المقاومة ضد اسرائيل عبر الطائرة «المكتومة القيد»، كل ذلك للرد على العودة السعودية الى لبنان عبر تكليف تمام سلام تشكيل الحكومة، ومنعاً لعودة 14 اذار الى السلطة.
وسط هذه الاحداث المتسارعة وانشغال لبنان بتأليف الحكومة لتكون لديه سلطة مسؤولة في هذا الظرف، تسأل اوساط س
ياسية عما اذا كان الرئيس ميشال سليمان سينجح في حمل الاطراف على التزام اتفاق بعبدا الذي وقعوا عليه بتحييد لبنان عن الصراعات الاقليمية والدولية، وتنفيذ سياسة النأي بالنفس عن تداعيات الازمة السورية قولاً وفعلاً، وهل سيتمكن الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط من عدم ربط تشكيل حكومة تمام سلام بما يجري في سوريا؟ وهل سيتمكن سلام من تأليف الحكومة التي يريد وفق المعايير التي وضعها؟

تخوف 14 اذار
تعتبر اوساط 14 اذار الخرق السوري الاخير في البقاع خطيراً جداً كونه حصل بعد تهديد الجيش السوري الحر عبر بيان اذاعه بقصف المناطق اللبنانية، اذا لم يسحب حزب الله عناصره التي تقاتل الى جانب النظام. وقد يدفع «الجيش الحر» الساحة اللبنانية الى مواجهات تؤدي الى انهيار الاستقرار واشعال الفتنة، خصوصاً ان التطور الذي حصل في البقاع حمل المشايخ السلفيين على دعوة الشباب ومن يرغب في نصرة السنة في سوريا للدفاع عن اخوانهم. واعلن الشيخ احمد الاسير قيام كتائب المقاومة الحرة لمواجهة اي اعتداء من «عناصر حزب ايران في لبنان»  كما اسماه الاسير اي حزب الله. واعتبر وزير الداخلية ان التطورات الاخيرة قد تنقل المعارك من سوريا الى لبنان بعد انقسام اللبنانيين بين مؤيد للنظام ويقاتل الى جانبه، ومناصر للمعارضة ويقاتل الى جانبها، لافتاً الى ان مواقف البعض من المواضيع السياسية، لا سيما من موضوع الانتخابات قانوناً واجراء، ومن الحكومة، بات مرتبطاً بالتطورات الاخيرة. ويقول وزير في حكومة نجيب ميقاتي ان الاخير استشعر بهذه الخطوة ولم يفلح في ابعاد كأس الفتنة فاستقال. وتبين من التطورات الاخيرة ان هناك ارادة اقليمية، وتحديداً ايرانية لاستخدام الساحة اللبنانية لبعث رسائل سريعة الى العرب والغرب الذي لا ينفك يعلن ان الامن في لبنان خط احمر ويدعو الى المحافظة على الاستقرار. وتعدد اطراف سياسية في قوى 14 اذار المحطات الاساسية وترابطها مع بعضها  في المواجهة الاقليمية والدولية والتي لها تأثيرها ومضاعفاتها على الساحة. ومن هذه المحطات:
– زيارة الامين العام لحزب الله حسن نصرالله الى ايران واجتماعه مع مرشد الثورة علي خامنئي وتوزيع الخبر مع صورة تجمعهما عبر وسائل اعلام الحزب وايران. وتقول اوساط 14 اذار انها ليست المرة الاولى التي يزور فيها نصرالله ايران ويجتمع مع خامنئي، غير ان نشر الخبر هو لتأكيد «الالتزام والتبعية» لمرشد الثورة وتنفيذ ما يطلبه والتقيد بتعليماته، وهذا واضح من خلال تنفيذ عناصر الحزب ما تأمره به قيادة الحرس الثوري.
– لقاء الرئيس بشار الاسد مع وفد الاحزاب المؤيدة للنظام السوري، بعد تأخير تحديد الموعد ليتزامن مع زيارة نصرالله، والتقدم الذي احرزه النظام على الارض بدعم روسي – ايراني يعزز ورقة التفاوض بين الروس والاميركيين في حزيران (يونيو) خلال القمة. ويحجز الروس والايرانيون موقعاً لهم قبل القمة التي يتم خلالها تقاسم النفوذ في المنطقة. واشاد الرئيس بشار الاسد امام الوفد بالزعامات المارونية: البطريرك الماروني بشاره بطرس الراعي والعماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية دون سواهم. وانتقد سياسة النأي بالنفس. واستغربت اوساط وزارية حصول مثل هذا اللقاء الان متسائلة عن المغزى من الخطوة من قبل اطراف لبنانية في الوقت الذي تتعرض مناطق الحدود من الشمال الى البقاع لخرق شبه يومي؟!
– اطلالة الرئيس بشار الاسد التلفزيونية الاخيرة وربط مصير دول الجوار لسوريا بأزمتها وهي: العراق والاردن وتركيا ولبنان. وركز على تأثر الساحتين اللبنانية والعراقيةوغيرهما بما يجري في سوريا بمعنى ان هذه الساحات لن تكون مستقرة اذا سقطت سوريا، وقد تشهد غلياناً.
– تأكيد حزب الله على مشاركته في المعارك في سوريا تحت عنوان «واجب جهادي» واعتبار الضحايا الذين وقعوا في المواجهات «شهداء الوطن»، ورفض سياسة النأي بالنفس واعلان بعبدا. واعتبر ان موافقته على اعلان بعبدا «تسامح لغوي وثبات سياسي» وان المرونة في مواقفه الاخيرة هي تكتيكية وظرفية لتقطيع الوقت من دون ان تكون مؤشرات لتحول عميق في استراتيجية الحزب، وهي لمنع الفتنة.

تحسين الشروط
تعتبر اوساط دبلوماسية ان تكبير حجم هذه المحطات وتضخيم الاضاءة عليها في هذه المرحلة ليسا الا من قبيل تحسين الشروط وتعزيز موقع النظام والتأكيد على انه يحظى بدعم اقليمي. وان استمرار المؤامرة على سوريا قد يفجر الوضع في دول الجوار لا سيما في لبنان والعراق، خصوصاً ان خطف المطرانين في حلب وتسليط الاضواء على مشاركة القاعدة مع جبهة النصرة وكذلك مشاركة عناصر شيشانية واخرى من دول عربية وغيرها تحت عنوان «جهادي» اضافة الى ما قاله ايمن الظواهري مؤخراً… كلها اشارات تعتبرها مصادر دبلوماسية تصب في خانة تقوية دعم نظام الاسد.
وتسأل اوساط في قوى 14 اذار: هل يذهب حزب الله الذي يلعب على حافة الهاوية باتجاه اسرائيل لابعاد نار الفتنة بعد بروز حركة سنية لافتة بالدعوة الى نصرة السنة في سوريا، خصوصاً في القرى الحدودية القريبة من الشمال كتلكلخ حيث يوجد لبنانيون سنة؟ واستغرب المشايخ السلفيون تحرك الدولة على اثر قصف الجيش الحر المناطق اللبنانية، وتجاهلها قصف جيش النظام المناطق في عكار وحتى عرسال وقد وجدوا فيه انحيازاً فاضحاً الى جانب الحزب والنظام، مما حملهم على اطلاق الدعوة الى نصرة السنة اسوة باقدام الحزب على نصرة الشيعة والنظام، كما تقول اوساط المشايخ. وبدأ الغليان في الشارع السني بعد بيان الجيش السوري الحر بنقل المعارك الى قلب لبنان، اذا لم يوقف الحزب تدخله في المعارك في سوريا الى جانب النظام.
وتحمّل اطراف في قيادة 14 اذار الحزب مسؤولية دفع البلد باتجاه الفتنة، بعدما تحول من عنوان المقاومة الى ميليشيا مذهبية مكلفة بدور اقليمي من ايران، وفق ما يقول الشيخ الاسير، ويضيف ان الحزب فقد الغطاء الذي كان يحظى به بلجوئه الى يافطة المقاومة.
واعتبر النائب مروان حمادة ان الحزب اوجد شبعا جديدة له في سوريا بعدما استخدم ورقة تحرير شبعا لتبرير استمرار المقاومة. ويقول عضو في الامانة العامة لقوى 14 اذار ان الكلام عن الممانعة والمقاومة لم يعد يقنع احداً، وباتت هذه العناوين لاهداف وادوار اقليمية يقوم بها الحزب الذي يجر البلد الى الفتنة. وتؤكد اطراف في هيئة الحوار ان ما يقوم به الحزب ليس سوى انهاء لسياسة النأي بالنفس واسقاط لاعلان بعبدا والقضاء عليه، ودفع البلد الى المواجهة ومحاولة ربطه بالازمة السورية.
ويسعى الرئيس ميشال سليمان من خلال حركة الاتصالات التي يجريها محلياً وخارجياً الى تعزيز التزام لبنان بسياسة النأي بالنفس عن الازمة السورية وتحييده عن الصراعات الاقليمية والدولية، ومنع امتداد النيران السورية الى الداخل اللبناني. ويقول احد المراقبين انه اذا شعر الحزب بان نار الفتنة  اقتربت من الاشتعال وان الانفجار واقع لا محال، فانه قد يستعجل عندها الخطوات لاطفاء الحريق ومنع الانفجار، لانه لا يحتمل مثل هذه المواجهات التي لا يمكن لاحد تحديد اطارها ولجمها وحصرها بمكان.

تشكيل الحكومة
اما في الشأن الحكومي ففي الوقت الذي يحاول بري وجنبلاط فصل تأليف الحكومة عن الازمة السورية، وحتى عن مصير قانون الانتخاب والسعي الى التمديد لمجلس النواب، تحرز مساعي سلام تقدماً وسط اجواء ايجابية مع قبول تدريجي لقوى 8 اذار برؤية سلام، بعدما كشفت مصادر سياسية عن ان الاطراف السياسية وافقت على المعايير والبحث يدور حول الحصص ليصار لاحقاً الى اسقاط الاسماء على الحقائب التي يتولى سلام توزيعها، رافضاً المحاصصة والحصرية ومصراً على المداورة.
فهل يسبق تأليف الحكومة الانفجار الامني واشتعال نار الفتنة ام ان النيران السورية قد تلتهم الاستقرار في لبنان؟ وهل اقنعت نصائح بوغدانوف الحزب لحمله على تغيير بنك اهدافه وسط مخاوف جدية من اشتعال الفتنة في المنطقة، وما يجري في العراق يعزز هذه المخاوف؟.

فيليب ابي عقل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق