افتتاحية

من يصدق بعد التعهدات الاميركية؟

مجلس الامن وجد في الاساس لحل المشاكل التي تنشأ بين الدول، وبصورة خاصة منع تعدي دولة على اخرى ورفض الاحتلالات بالقوة. غير ان الدول الكبرى عطلت عمل هذا المجلس قبل ان يولد، اذ منحت نفسها امتيازات، تستخدمها عند الحاجة، لمنع صدور قرار لا يتوافق مع مصلحتها، واهم هذه الامتيازات حق النقض الفيتو، الذي استخدمته الولايات المتحدة مراراً وتكراراً لحماية التعدي الاسرائيلي على الفلسطينيين وعلى عدد من الدول العربية، واستخدمته روسيا لمنع حل الازمة السورية التي سقط من جراء استمرارها اكثر من مئتي الف قتيل، كما استخدمته روسيا ايضاً لحماية تعدياتها على اوكرانيا، والحلقة تطول في هذا المجال.
في الاسبوع الماضي صوت مجلس الامن ضد مشروع قرار عربي يدعو الى انهاء الاحتلال الاسرائيلي، ووقف بناء المستوطنات، وسقط بالضربة القاضية لعدم حصوله على الاصوات التسعة اللازمة لاقراره. وكانت الولايات المتحدة واقفة بالمرصاد ومستعدة لاستخدام الفيتو، في حال حصول القرار على الاصوات اللازمة. فأي فائدة تبقى لهذا المجلس المشلول الارادة بفعل هيمنة الدول الكبرى على قراراته؟ ولماذا لا يحل ويعاد انشاؤه بحلة جديدة تساوي بين جميع الدول الاعضاء، بعد ان وقف الى جانب من يخالف قراراته فيعتدي ويحتل؟
والمعيب الاكثر ان الدول المعارضة للمشروع اطلقت التبريرات التي تدين مطلقيها وتعكس مدى تناقضهم.
مشروع القرار الفلسطيني كان يطالب بانسحاب اسرائيل من الاراضي التي احتلتها عام 1967. فهل ان مجلس الامن هو مع الاحتلال؟
السفيرة الاميركية في الامم المتحدة سامنتا باورز، قالت ان هذا القرار يعزز الانقسامات وليس التوصل الى تسوية. مضيفة ان هذا النص لا يعالج الا مخاوف طرف واحد. ودافعت عن الموقف الاميركي الذي يشجع على اجراء محادثات مباشرة بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي.
فمن هي الجهة التي عرقلت المفاوضات، التي نادت بها الولايات المتحدة، ومن هي الجهة التي تحدت العالم وواشنطن بالذات واستمرت في بناء المستوطنات، وهدفها عرقلة المفاوضات وقطع الطريق على اي حل، لان الحل السلمي ينهي اسرائيل وينهي ابتزازها لعدد من الدول؟ ومن حمى الاعتداءات الاسرائيلية وكان اخرها تدمير غزة؟
هل استطاعت الولايات المتحدة ردع اسرائيل عن بناء المستوطنات رغم انتقادها لهذه السياسة الاستيطانية العدوانية؟
هل استطاعت الولايات المتحدة ان ترغم اسرائيل على السير بالمفاوضات وفق الاسس التي وضعتها الولايات المتحدة نفسها للوصول الى حل سلمي ينهي الاحتلال والعدوان؟
لماذا كل هذا التناقض في المواقف؟ اليست الولايات المتحدة هي من قال بدولتين تعيشان جنباً الى جنب بامان وسلام؟ فلماذا تراجعت ووقفت تحمي المعتدي الاسرائيلي، الذي هو في نظرها دائماً على حق، حتى وهو يظلم ويعتدي ويقتل ويدمر؟
من يصدق بعد، التعهدات الاميركية طالما ان حكومة واشنطن خاضعة للنفوذ الصهيوني؟ ايتهما اقوى الولايات المتحدة ام اسرائيل؟ فلماذا كل هذا الخضوع المذل لحفنة من الصهاينة تاريخهم مشهور بالعدوان والاجرام؟
نتانياهو وحده رحب برفض مجلس الامن للقرار الفلسطيني، واشاد بمجلس الامن الذي حمى عدوانه وشجعه على الاستمرار في سياسته التعسفية. ولكن انتابه القلق عندما وقع الرئيس الفلسطيني محمود عباس قرار الانضمام الى المحكمة الجنائية الدولية ودعاها الى رفض انضمام فلسطين الى عضويتها.
نتانياهو يخشى في حال قبول فلسطين عضواً في المحكمة ان تفتح هذه المحكمة بطلب فلسطيني ملف العدوان الاسرائيلي الاخير على غزة وتدين الدولة العبرية بجرائم حرب، وهي على مر السنين ارتكبت مئات جرائم الحرب ولا من يحاسبها، الامر الذي يشجعها على التمادي في عدوانها.
اي قيمة تبقى لهذا المجلس المسمى مجلس الامن، طالما ان قراراته غير حرة وخاضعة للنفوذ الاسرائيلي عبر الولايات المتحدة والدول الاخرى التي تتمتع بـ «حق» النقص الفيتو؟
ان هذا المجلس اصدر الكثير من القرارات التي تدين اسرائيل، فهل استطاع ان ينفذ قراراً واحداً منها؟ وهل عاقب اسرائيل على تعنتها؟
حلوا هذا المجلس واعيدوا انشاءه وفق اسس جديدة، وحرروه من النفوذ والطغيان، وعندها فقط يستطيع ان يعيد الامن ويحمي السلام في العالم.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق