حسبناها مزحة، أو ربما شائعة مضخمة! لكن الأرقام الصادرة عن مديرية قوى الأمن الداخلي نفضت كل الشكوك. فعدد الموقوفين من النازحين السوريين بين آذار (مارس) 2011 و18 نيسان (ابريل) 2013 بلغ 5444 موقوفاً سورياً من أصل 32 ألفاً و320 موقوفاً، اي ما نسبته 16،8في المئة. والتهمة؟ نشل، سلب، اغتصاب وصولاً إلى القتل! أرقام تصدم خصوصاً اذا عرفنا أن عدد النازحين وصل الى المليون وقد يتخطاه ليصل الى المليونين… فهل ثمة من يشكك بعد بقرار رفع بعض البلديات يافطات تتضمن تحذيراً للعمال الأجانب من التجول بين الثامنة ليلاً والخامسة فجراً؟! ولماذا افترض هذا البعض أن الحفاظ على أمن المواطن بات يندرج في اطار التمييز العنصري؟! ومن قال ان هذه الأرقام لا تستحق تدابير استباقية تنطلق من أمن المواطن اولاً، وهو أمن فوق كل اتهام.
صفة مجرم أو نشال أو معتد لا تشمل حتماً كل النازحين السوريين. فالتمايز وارد وبقوة لكن التدابير الإستباقية تشمل الجميع من دون استثناء. من هنا يمكن أن نفهم قرارات بعض بلديات لبنان وعلى رأسها بلديتا بطشيه – بعبدا ووادي شحرور العليا في اتخاذ المبادرة في إصدار قرار يتضمن بلاغاً بمنع تجول العمال الأجانب بين أولى ساعات الليل والفجر. المبادرة انسحبت على بلديات أخرى لكنها بقيت محصورة في مناطق المتن. وهذا ليس مستغرباً إذا اطلعنا على الأرقام التي تشير إلى ارتفاع معدل الجريمة في لبنان. وبحسب إحصاء لقوى الأمن عن عدد الموقوفين السوريين في الجرائم الواقعة على الأراضي اللبنانية منذ آذار (مارس) 2011 وحتى 18 نيسان (ابريل) 2013، فقد بلغ العدد الإجمالي لهؤلاء 5444 موقوفاً سوريا من أصل 32 ألفاً و320 موقوفاً. اي ما نسبته 16،8في المئة. ويتوزع الموقوفون السوريون على الشكل الآتي: قتل 122 موقوفاً ، سلب 105 موقوفين، سرقة 1543، ضرب 328، مخدرات 379، إغتصاب 35، جرائم مختلفة 2932 موقوفاً. ويشكل السجناء السوريون في سجن رومية ما نسبته 10 في المئة من إجمالي عدد السجناء هناك.
مشاغبات وانفلات وشكاوى
قرار بلديتي بطشيه – مرداشة ووادي شحرور العليا والسفلى بمنع تجول الأجانب بعد الساعة الثامنة والنصف صنفه البعض في خانة التمييز العنصري ، فكيف يفسره رئيس بلدية بطشيه – مرداشة وما هي خلفيات القرار؟
على ضوء المشاغبات كانت تخترق منازل اهالي البلدة وحرماتهم، يرفض رئيس البلدية ميشال الخوري اي نقاش حول هذا القرار مؤكداً أن هذا التدبير اتى لحماية البلدة واهلها، خصوصاً ان البلدية لديها ضابطة عدلية وسلطة محلية، مع اشارته الى موقف وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل الذي سبق وأعلن أنه بحسب قانون البلديات في لبنان لا يحق للبلدية التعرض للصلاحيات التي تمنحها القوانين لدوائر أمن الدولة كمنع التجول مثلاً، «لكننا من أكثر الأشخاص التصاقاً بواقع الناس وندرك حجم معاناتهم أكثر من أي مسؤول آخر في وزارة الداخلية».
«قبل الثورة السورية كانت بلدة بطشيه – المرداشه تعيش بأمان وسلام. حتى الورش السكنية التي كانت تضم عدداً من العمال السوريين كانت مضبوطة في المفهوم الأمني من خلال تسجيل أسماء العمال السوريين. لكن بعد اندلاع الثورة تغير الوضع»، يقول الخوري موضحاً: «الكل صار يشكو من «انفلات» الوضع نتيجة الممارسات التي سجلتها البلدية بناء على شكاوى الأهالي ومنها: سرقات بالجملة لا سيما الملابس المعلقة على حبال الغسيل، تحرش بالفتيات والنسوة، وعمليات نصب واحتيال وانتهاكات اخلاقية وإجتماعية. حتى عمليات إحصاء العمال السوريين في الورش لم تعد تجدي نفعاً لأن التصريح عنهم ليس دقيقاً، هذا عدا عن تخفي البعض ومحاولة البعض الآخر القيام بأعمال غير شرعية وقانونية تحت جنح الظلام، مما حرم سكان القرية الخروج من منازلهم بعد الساعة السابعة ليلاً». ولفت إلى أن «الحرس البلدي تمكن من توقيف عدد من العمال السوريين الذين كانوا يجولون في الشوارع ليلاً من دون حيازتهم اي أوراق ثبوتية، واحالهم إلى مفرزة بعبدا، لكن لا ندري إذا كان يتم توقيفهم أو يصار إلى إخلاء سبيلهم بعد ساعات»؟!
منع التجول ليلاً
إنطلاقاً من هذا الفلتان الذي بدأ يهدد أمن الأهالي وسلامتهم اتخذت بلدية بطشيه قراراً بمنع تجول العمال الأجانب من الساعة التاسعة والنصف ليلاً وحتى الرابعة والنصف فجراً. ويؤكد الخوري أن هذه الخطوة لاقت استحساناً وارتياحاً لدى الأهالي كما أعطت نتائج إيجابية على مستوى الأمن بحيث انحسرت موجة السرقات والتعدي على حرمات الناس، إضافة إلى توقف عمليات النشل والسرقة. وكل من يخرق القرار ويسير في المنطقة من دون أن يحمل اوراقاً ثبوتية يتم توقيفه من قبل الحرس البلدي. أما الذين يملكون أوراقاً ثبوتية فلا يتم توقيفهم «لأن الهدف هو حماية أمن المواطنين وليس إذلال كل عامل أجنبي». وأوضح أن هذا القرار سيبقى ساري المفعول بغض النظر عن الإتهامات التي ترددت إلى مسامعهم: «فعندما يصل الأمر إلى حد تهديد أمن الناس وتعرض بناتنا للإغتصاب. فلا مجال للسكوت وألف مرة تهمة «عنصري» ولا مرة ألله يرحمو».
قرار بلدية بطشيه انسحب على جارتها وادي شحرور العليا، فعدد النازحين السوريين وصل إلى الألف في مقابل 3000 يشكلون مجموع عدد سكان بلدة وادي شحرور العليا بحسب رئيس بلديتها سامي أبو مراد. ويقول: «القرار اتخذ بعد تكاثر موجة السرقات وتسجيل عملية اغتصاب في حق شاب لا يتجاوز عمره الخامسة عشرة كان يعاني تخلفاً عقلياً. هذا عدا عن التحرش بالفتيات». المهم أن الخطوة أثبتت إيجابياتها بدليل أننا عدنا نتلمس عودة الحياة إلى طبيعتها ليلاً ولم يعد هناك خشية من التجول أو الخروج من المنازل ليلاً.
امننا فوق كل اعتبار
يميز أبو مراد بين العمال السوريين الذين كانوا يتواجدون في ورش البناء قبل اندلاع الثورة وبدء عملية النزوح والقادمين حديثاً إلى البلدة فـ «غالبية العمال السوريين الجدد لا يدركون قانون اللعبة، مما تطلب تدخلاً مباشراً لوضع حد لكل الممارسات غير القانونية والأخلاقية. وبين اتهامنا بالعنصرية على خلفية قرار منع التجول الذي فرضناه بين التاسعة ليلاً والخامسة فجراً وضمان أمن وسلامة أبناء البلدة نقول إن الأمن اولوية، خصوصاً أن البلدة مفتوحة على الخارج من قبل منافذ عدة». ولفت إلى أن هناك تجاوزات تحصل لجهة عدم التصريح عن أعداد النازحين، علماً بأن وزارة الداخلية أصدرت تعميمياً بضرورة إحصاء البلديات لأعداد النازحين كل في نطاق عملها. لكن كيف يمكن لبلدية لا يتخطى عدد حراسها الخمسة أو العشرة من دخول «خربة» يقطنها ما لا يقل عن 50 نازحاً سورياً؟! وكيف يمكن إخلاء دباغة مهددة بالسقوط إذا لم تستجب الجهات الأمنية المختصة لنداءاتنا بالمؤازرة؟ الوضع أكثر من صعب لكننا مصرون حتى النهاية على قرار منع التجول حتى تستعيد البلدة جوها الطبيعي الذي كانت تنعم فيه قبل النزوح السوري».
وفي بسكنتا… تراجعت الجريمة
ويبدو ان قرار البلدتين المتنيتين انسحب ايضاً على بلدة بسكنتا التي تعودت على حركة العمال السوريين في ورش البناء والمحال التجارية لكن الممارسات التي بدأت تشهدها البلدة من عمليات نشل وسرقة وتجاوزات أخلاقية وإجتماعية، على ما يقول أحد أعضاء مجلسها البلدي، فرضت إعلان قرار منع التجول. واللافت أن هذا القرار الذي شجعه الأهالي وصنفه بعض «الغيارى» بالعنصري أثمر نتائج عملية على الأرض بحيث انخفض معدل الجريمة وسمح بإجراء إحصاء عدد لا يستهان به من النازحين الموجودين في المنطقة بعدما كانت الغالبية تتهرب أو تتلكأ عن ذلك».
خطوات استباقية والاّ…
خطوات إستباقية كان لا بد منها «بلدياً» حتى لا يصبح الامن ذاتياً بامتياز. يكون أو لا يكون. المسألة لا تزال تحت السيطرة لا سيما في المناطق البقاعية المتاخمة للحدود السورية، علماً بأن أعداد النازحين فيها تخطى الخطوط الحمراء ووصل في مدينة زحلة إلى 6،17 في المئة من مجموع أعداد النازحين بحسب النائب السابق إيلي ماروني . لكن المشكلة متفرعة في رأيه: فـ «موضوع النازحين بات يشكل عبئاً على الحياة الإجتماعية والإقتصادية. لكن البعد الأمني هو الأكثر خطورة. فنسبة الجريمة ارتفعت منذ بدء الثورة السورية وتوافد النازحين السوريين إلى المناطق اللبنانية بحسب تقارير قوى الأمن الداخلي سجلت 800 حالة إغتصاب وقتل وسرقة ارتكبت على أيدي نازحين سوريين».
إنسانياً يؤكد النائب ماروني أن لا أحد قادراً على المزايدة علينا في مسألة التعاطي مع ازمة النازحين السوريين.. «لكن المسألة تجاوزت حدود المنطق، ولا يمكن أن نسمح باستباحة أرضنا وانتهاك كرامات شعبنا من دون ان نفكر بحجم قدراتنا الإستيعابية لعدد النازحين». ويضيف: حالياً هناك مليون نازح سوري أي سوري في مقابل كل 3 لبنانيين. وهذا العدد مرجح للتزايد عندما تبدأ معركة دمشق.عندها قد يصل العدد إلى المليونين لا سيما في مناطق البقاع الواقعة على تخوم الحدود السورية. وهذا ما يفسر في رأيه قرار بعض البلديات في فرض منع تجول العمال السوريين ليلاً. ولفت إلى أن «البلديات مخولة بحسب الصلاحيات المعطاة لها في تطبيق قرارات من شأنها حماية المواطن. وكل بلدية تتلكأ على غرار بلدية زحلة تتحمل مسؤولية نتائج تقاعسها وعدم الإهتمام بأمن أبنائها».
لكن ماذا لو وصل العدد إلى المليونين؟! يجيب ماروني: «يجب الإسراع في اتخاذ الموقف المناسب وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من خلال إعلان حال الطوارىء البلدي بالتعاون مع كل الفعاليات. وطرح فكرة تحويل لبنان إلى جسر عبور آمن للنازحين لبلوغ دول عربية أخرى. وإلا على اللبنانيين أن يرحلوا ويتركوا الساح للنازحين السوريين». وختم معلقاً على اتهام البعض قرار البلديات بمنع تجول العمال الأجانب ليلاً بالعنصري: «إذا كان الهدف حماية أمن المواطن ومصلحة البلد فألف أهلاً وسهلاً باتهام مماثل».
بحمدون النائية
قد يكون الموقع الجغرافي سبباً في إعلان بعض البلديات قرار منع تجول العمال الأجانب لكن الإستثناء موجود، والدليل بلدة بحمدون – المحطة المعروفة بموسمها الإصطيافي وحركة الخليجيين والكويتيين فيها، فهل ستتأثر الحركة هذه السنة بوجود النازحين السوريين؟
رئيس البلدية أسطا ابو رجيلي أكد أن النازحين السوريين في بحمدون هم من المستأجرين ولا يوجد مطلق أي نازح يعيش في خربة أو كاراج أو تخشيبة. أما العمال فليسوا حديثين والبلدة تعودت على احتضانهم وعمالتهم خصوصاً أنهم يخضعون للقانون». وماذا عن الشواذات والتجاوزات؟ يجزم أبو رجيلي أن شرطة الحرس البلدي و«المخبرين» الموزعين في الأحياء والشوارع وورش العمل يكفلون الأمن. لكن قد يحصل بعض الخروقات لا سيما بين النازحين. وهنا تتدخل شرطة الحرس البلدي فتعمل على توقيف المخلين بالأمن وإحالتهم إلى المراجع الأمنية المختصة. ولفت إلى أن موسم الإصطياف لن يتأثر مطلقاً بحركة النزوح لأن السوري استأجر من اللبناني وقد يضطر إلى الرحيل وإخلاءالشقة في موسم الصيف لأن قيمة الإيجار ترتفع بنسبة تتجاوز الثلث. ومنهم من يرجح بقاءهم نظراً إلى قدراتهم المعيشية العالية. في كل الأحوال، يضيف أبو رجيلي: أنا ضد القرار الذي صدر عن بعض البلديات علماً أنني أقدر وأحترم خصوصيات كل منطقة. والحمدلله أن الأمن عندنا لا يزال مضبوطاً بفضل الشرطة والحرس البلدي».
خلية امنية!
في الثالث من كانون الثاني (يناير) الماضي تمّ تشكيل خلية أمنية، أوكلت رئاستها إلى العميد بيار سالم، مهمتها إحصاء اعداد النازحين السوريين وتنتهي عند حدود حمايتهم ومراقبتهم أمنياً. ووفق إحصاءات الأمن العام يعمل في لبنان نحو 400 ألف سوري، وقد دخل إلى لبنان نحو 600 ألف آخرين، ما يعني أن لدينا نحو مليون سوري مقيم في لبنان، سواء كانوا نازحين أم رجال أعمال أم عمالاً. ويضاف إلى هذا الرقم عدد آخر ممن دخلوا بطريقة غير شرعية. وبعد التعميم على البلديات بضرورة إحصاء عدد النازحين، رفعت الأخيرة لافتات وزعتها في نطاقها، تدعو السوريين إلى ملء استمارة محددة والحصول بموجبها على «إيصال» بملء الاستمارة. ويكون الوافد من سوريا قد حصل على إقامة بموجب دخوله الشرعي إلى لبنان، تجدّد بعد فترة. إشارة إلى أن الحكومة اللبنانية اتخذت قراراً بعدم ترحيل أي سوري دخل بطريقة غير شرعية إلى الأراضي اللبنانية، وبالتالي يكون عليه أن يتقدم لملء استمارة معينة واتباع الإجراءات الصحيحة لتحويل إقامته إلى شرعية.
يبقى أن المبادرة التي اتخذتها بعض البلديات جاءت في مكانها طالما أن الأمن أولوية وكذلك كرامات الناس. فعسى أن تتمثل البلديات الأخرى بهذا القرار مع الأخبار الواردة عن وصول عدد النازحين السوريين إلى المليونين. تنفستم الصعداء؟.
جومانا نصر