افتتاحية

«انجازات» الحكومة وجيوب المواطنين

رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، اعرب عن استيائه مؤخراً من التصريحات التي تقول ان الحكومة لم تنجز، وفي اعتقاده انها انجزت الكثير. ولن نناقشه في ذلك، بل نشير الى ان الحكومة وهي تتصرف وفق الدستور بالحد الادنى، كان عليها اتمام اتفاقها مع صندوق النقد الدولي، من خلال تنفيذ الاصلاحات وهي مطلب لا يقتصر على رغبة الصندوق فحسب، بل الاوساط الداخلية والدول الداعمة للبنان، لانها باب الخلاص من هذه الازمات الكارثية التي لا تحصى، والتي يعاني منها لبنان. ومع ذلك لم يتحقق منها شيء. وهنا لا بد من الاشارة الى ان المجلس النيابي يتحمل المسؤولية هو ايضاً، لانه لم ينفذ ما هو مطلوب منه، واقر قوانين بعضها اعيد اليه والبعض الاخر رفضه الصندوق ولا غرابة في ذلك فهذا المجلس لا يقوم بالمهام الاساسية التي حددها الدستور وابرزها انتخاب رئيس للجمهورية، فكيف ببقية المطالب؟
لو فرضنا ان الحكومة ترد على المنتقدين، بانها حكومة تصريف اعمال وصلاحياتها محدودة بالحد الادنى، ولا يمكنها القيام باكثر، ولو سلمنا جدلاً بذلك، وهذا غير صحيح، لان مصدر حقيقي كبير يقول ان الحكومة اذا طال امد تصريف الاعمال، تصبح فاعلة وبكامل صلاحياتها باعتبار انه لا يجوز تقييد مسار البلد مدة طويلة. فتصريف الاعمال يفترض ان يكون لايام معدودة، اذا سلمنا جدلاً بذلك هناك ابسط واجبات الحكومة، وهي السهر على حياة المواطنين، وتخفيف الاعباء عنهم. فماذا فعلت لتثبيت سعر صرف الدولار، ووقف هذه القفزات الجنونية، التي جرفت بطريقها جميع اسعار السلع والمواد الغذائية، فارتفعت نسبة الفقر، وتدنى مستوى معيشة اللبنانيين الى حدود غير مسبوقة، في ظل فلتان مخيف للاسعار في السوبرماركت والمحلات التجارية، حتى الصغيرة منها التي كان المواطن يلجأ اليها للحصول على حاجياته ولو بالحد الادنى. التصريحات والتهديدات انهالت كالسيل، ولكنها بقيت كلاماً في الهواء، واثبت بعض التجار والمافيات انهم اقوى بكثير من السلطة التي عجزت عن مواجهتهم ووضع حد لجشعهم؟
والمؤسف اكثر ان الحكومة في كل مرة تواجه مشكلة تسارع الى حلها على حساب جيوب المواطنين، فهي الوسيلة الاسهل، خصوصاً وان الشعب الذي اغرقته الازمات حتى كاد يختنق، لم يعد يتحرك. وهذا امر مستغرب، يثير التساؤلات، هل لان لبنان فرغ من شبابه وهجرتهم المنظومة فتوزعوا على بلدان العالم يبحثون عن حياة كريمة، ولم يبق على ارض الوطن سوى المسنين غير القادرين على الحركة؟ يعلن موظفو القطاع العام الاضراب، فتشل الادارة وتتعطل اعمال الناس، فتعمد الحكومة الى استرضائهم باقرار زيادات على اجورهم وترفع بدل النقل والتعليم والاستشفاء بالوف المليارات، وعند الحساب تكتشف انها لم تؤمن التمويل اللازم، فكيف ستسدد هذه الحقوق؟ انها بكل بساطة، ودون ان تلجأ الى وسائل كثيرة متوفرة لديها، كالاملاك البحرية وغيرها الكثير ولا مجال لتعدادها، تمد يدها الى جيوب الناس، من خلال فرض المزيد من الضرائب، حتى اغرقت المواطنين باعباء لم تعد لديهم القدرة على تحملها. ففي فترة اشهر قليلة مثلاً قفز سعر الدولار الجمركي من 8 الاف ليرة الى 90 الف ليرة، اي ما يقارب سعر السوق السوداء. ومع ذلك تكتشف ان كل هذه الضرائب لن تغطي المبالغ التي اقرتها، فتعمد الى طبع المزيد من العملة، حتى فقدت الليرة اللبنانية كامل قدرتها الشرائية فاغرقت المواطنين في الفقر والجوع، ورفعت نسبة التضخم حتى احتل لبنان المرتبة الاولى في العالم، واسقط في اسفل لائحة النهوض. وهي لم تتعلم من الطريقة السيئة التي عالجت بها سلسلة الرتب والرواتب والتي ساهمت الى حد بعيد في انهيار الاقتصاد، بل عادت الى المعالجات عينها، بحيث بات الخبراء يتوقعون اننا واصلون الى قعر الهاوية. فهل يجوز بعد كل ما تقدم ان نتحدث عن انجازات؟

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق