أبرز الأخبارعالم عربي

مصر… الدخول الى النفق المظلم

هل انتهى طموح الاسلاميين بالسلطة في مصر؟ وهل انهت حركة السيسي – بغض النظر عن تسميتها – ذلك الطموح؟ سؤال يفتح الشهية على نوع خاص من الحديث ليس في تفاصيل ما جرى فقط، وانما في توقعات ما سيجري مستقبلاً، سواء على صعيد الدولة المصرية، وعلى ارض مصر، أو على صعيد الجماعة التي يجمع محللون على انها تلقت ضربة موجعة ليس من السهل التعافي منها والتي امتد ألمها الى اكثر من بلد عربي.

 رغم ان الحركة الاسلامية «جماعة الاخوان» تمتلك في يديها كماً من الاوراق التي تعتقد انها جاهزة للعب، الا ان تلك الاوراق ما زالت مبعثرة، وتحتاج الى وقت وجهد واجواء مناسبة لاعادة ترتيبها، ومن ثم استخدامها في ذلك المشروع الذي كان مشروعاً ملموساً، وقائماً قبل ان يضيع بسبب الاهمال والغرور وعدم القدرة على اللعب السياسي، وفقاً لاحد التصورات، ونتيجة لـ «مؤامرة» وانقلاب عسكري من خلال تصور آخر.
من هنا يمكن القول ان الاوراق التي يحتفظ بها الاسلاميون لم تعد بالفعالية عينها. ويمكن القول في اتجاه مضاد ان تلك الاوراق تعرضت لموجة من الامطار التي بللتها وافقدتها بعضاً من قيمتها.
وفي الخط عينه، هناك من يقرأ المشهد من زاوية الاصرار «الاخواني» على محاولة اصلاح ما فسد من اوراق، وترميمها وصولاً الى ما يشبه الحالة التي كانت قائمة قبل التطورات الاخيرة.
هنا يبقى السؤال قائماً: هل لدى «الجماعة» القدرة على ترميم تلك الاوراق التالفة؟
الجواب ليس بعيداً عن كم من الشكوك التي يجري تداولها على اكثر من صعيد، ما يعني ان رأس المال المتداول هو كم من الامل عند الفريقين: الاول، يأمل بالعودة الى السلطة والحكم. والثاني يأمل بالقدرة على احباط مشروع الآخر. وهو ما يعني «النفق المظلم» الذي دخلته «ام الدنيا»، والذي فتح الباب امام مصير مجهول.

 


مقولة الاخوان
من اطرف ما تم تسجيله من عناصر الازمة المصرية الدامية التي ادخلت البلاد الى نفق مظلم ما زال مبكراً جداً توقع نهاياته، ومن الصعب تلمس حدود الاضاءة فيه، تلك المقولة التي يرددها «اخوانيون» في مواقع شتى من الساحة العربية، وضمن اطار الساحة المصرية، والتي تشير الى ان ما حدث يخدم «المصلحة الاخوانية»، ويزيد من رصيد «الجماعة» في الشارع، ما يعني توظيفاً سياسياً للازمة، قد تتسع دوائره نحو اتهامات تطاول الطرف الذي يقدم نفسه كضحية، ولكن دون تبرئة الفريق الذي يرى نفسه منتصراً من خلال ميزان القوة بمفهومه التقليدي.
الفرضية التي تحولت بحكم تفاعلاتها الى نظرية سياسية تشير عناصرها الى ان استمرار مرسي في الحكم كان سيؤدي الى تأكيد فشل التجربة السياسية الاخوانية. وان انسحابه من المشهد بمثل ذلك الظرف يعزز تلك الرؤية، ويؤثر على المستقبل السياسي للحركة. اما الذي حدث والذي يوصف بانه «انقلاب عسكري» فقد اعطى العملية لوناً آخر، وقدم الحركة من زاوية انها حركة ناجحة، لكنها تعرضت الى «انقلاب» احبط مشاريعها.
وفي النتيجة – بحسب تلك القراءة – هناك اعتقاد بأن ما حدث عزز فرصة «الجماعة» في العودة الى الحكم، استناداً الى التعاطف الكبير معها، وبحكم حرصها على توظيف التجربة بكل حيثياتها وتفاصيلها توظيفاً ايجابياً استعداداً للخطوة اللاحقة. التي تعتبر – طبقاً لادبياتهم السياسية مشروعاً نضالياً متواصلاً الا ان نتائجه تأخرت بعض الشيء. فالقراءة الاخوانية تؤشر على ان العودة الى الحكم مؤكدة، سواء من خلال اتساع دائرة التعاطف والتأييد، او من خلال الفكر الاخواني الذي يضع المشروع ضمن اطار حتمية التحقق، بغض النظر عن الفترة الزمنية التي يحتاجها.

نشاط سياسي ونضالي
من هنا يمكن استباق النتائج اعتقاداً بان «الجماعة» ترى انها تمارس نشاطاً سياسياً الى جانب النشاط النضالي، وضمن اطار السعي لضمانات تتعلق بمبدأ النزاهة في المرحلة المقبلة. لكنها تعتمد مبدأ «تضخيم المطالب» املاً بالحصول على ما هو اقل منها نتيجة للمفاوضات، حيث يشير هذا العلم الى ان المفاوضات فن، اساسه التشبث بالمواقف الكبيرة تمهيداً لاطلاق عملية التفاوض، وبحيث تكون التنازلات متواضعة من الناحية الواقعية. غير ان تفاصيل المشهد الراهن تبدو في غاية التعقيد، والقناعات بصعوبة تلك التفاصيل، تفضي الى ما يكون «مشروع حرب اهلية» »بداياتها الآلاف من القتلى والجرحى – بحسب تقارير اخوانية – والمئات بحسب تقارير رسمية حاولت التقليل من شأن الخسائر التي وقعت اثناء عملية فض الاعتصام، وفي المواجهات اللاحقة، حيث عمت المواجهات مدناً وقرى على امتداد الساحة المصرية.
وفي قراءة مختلفة بعض الشيء، هناك من يرى ان طرفي المعادلة سعيا الى تصعيب المشهد، ورفع منسوب الخسائر فيه. فمن جهة – بحسب تلك القراءة – اراد الجيش تقديم نفسه من زاوية القوة والحسم، وعدم التساهل في عملية فض الاعتصام مهما بلغ حجم الخسائر. وبالتالي بدا ان قراره نهائي ولا رجعة عنه. وفي المقابل بدا المعتصمون – بحسب خطة وضعتها الجماعة – واقرها مكتب الارشاد- مصممين على خوض المواجهة مهما كلف الثمن، ومهما بلغ حجم التضحيات. ويبدو ان هذا القرار ترك اثراً على التعاطي الاعلامي مع التفاصيل الميدانية للعملية وبالتالي على صورة المشهد العام للخطوة التي اثارت الرأي العام العالمي والمحلي والاقليمي. والتي تعاطت معها اطراف اعلامية بدا واضحاً انها تحمل مواقف مسبقة، وانها منحازة الى هذا الفريق او ذاك.

ازمة صعبة
التركيز على ما حدث، لم يغفل البعد الاخر في العملية، وتحديداً في مجال التركيز على ما سيحدث مستقبلاً. فالازمة – بحسب متابعين – ما زالت متواصلة، وتحكمها تطورات يراها البعض غاية في الصعوبة. وكما يؤكد محللون فإن ما فات – رغم صعوبته – يعتبر بسيطاً جداً مقارنة بما هو آتٍ، خصوصاً من زاوية الكيفية التي سيتم بها التعاطي مع المشهد بكل تفاصيله. هنا يجري توظيف بعض الرسائل التي يطلقها كل طرف، والتي تصب في معظمها باتجاه التصعيد الاجرائي، والتأزيم في الممارسات التفصيلية. على سبيل المثال، اطلقت جماعة الاخوان ومن معها من انصار الرئيس المعزول محمد مرسي، والذين يطلقون على انفسهم تسمية «انصار الشرعية» رسالة مفادها انهم على استعداد للموت من اجل اعادة مرسي باعتباره يمثل الشرعية. وقدم البعض منهم نفسه كراغب في تنفيذ عمليات انتحارية من اجل تحقيق ذلك الهدف. ومن اجل احباط المشروع الانقلابي الذي يراه الجيش انتصاراً للشرعية الشعبية. وفي المقابل سربت الحكومة المؤقتة معلومة عن مشروع لحل جماعة الاخوان المسلمين واعتبارها منظمة غير شرعية. وهي الخطوة التي اثارت ردود فعل واسعة، تخطت مناصري العملية التي اقصت الاخوان من الحكم.
وواصلت الحكومة عملية ملاحقة واعتقال الرموز القيادية في الجماعة، واحالت بعضاً منهم الى المحاكمة. حيث القت السلطات المصرية القبض على المرشد العام للجماعة محمد بديع برفقة قياديين بالحركة و ستة من حراسه ومساعديه في شقة سكنية في شارع الطيران قرب منطقة رابعة العدوية، حيث اعتصم انصار جماعة الاخوان المسلمين لأكثر من شهر. وتم اقتياد بديع ومرافقيه الى أحد الاجهزة الامنية تمهيداً للتحقيق معهم، ومن ثم ترحيلهم الى سجن طرة. وبحسب مصدر امني فإن الحرس الخاص ببديع لم يكونوا مسلحين ولم يقاوموا السلطات الامر الذي شكل مفاجأة للجميع. ووفقاً للمصدر، كان بديع يختبىء في تلك الشقة طوال فترة الاعتصام الذي استمر نحو 50 يوماً. وكان يدير العمليات من خلال تلك الشقة التي استخدمها غرفة عمليات اولاً، ومخبأ من الجيش لاحقاً.
من جهتها، أعلنت جماعة الاخوان المسلمين المصرية عن ملء الفراغ الذي تركه اعتقال بديع. فقد تسلم نائب المرشد العام للجماعة محمود عزت منصب المرشد بشكل مؤقت، عقب اعتقال بديع.

ردود الفعل
ردود الفعل تمثلت بأن هكذا خطوة، وعلى الرغم من انها تبين اصرار المؤسسة العسكرية ومن تمثلهم على قطع جميع خيوط التواصل مع الجماعة. وان المواجهة معهم تكاد تكون ابدية. الا انها تعني دفع الجماعة الاسلامية التي جربت الحكم، واستمتعت بميزاته ستتمسك بالعمل – تحت الارض – من اجل تنفيذ مشروعها الذي تصوره على اساس انه مشروع لـ «الحكم الاسلامي» وتروج الى ان العمل عليه واجب يرتقي الى مستوى الصلاة والصوم. الى ذلك، اتسعت دائرة الاهتمام بالتطورات على الساحة المصرية. ودخلت في مجالات تفصيلية. فبينما ادلت جميع الدول العربية بدلائها في تلك الازمة، وحددت معظمها مواقفها مما يجري في «ام الدنيا»، ارسلت العديد من الدول الغربية موفدين الى مصر بحثاً عن مخرج للازمة، وعن حلول لها. وهي الخطوة التي قرأتها مصر من زاوية التناقض في المواقف. فمن جهة تبدي اوروبا نوعاً من العداء للتنظيمات الاسلامية وترى ان مصالحها تتقاطع مع وجود هذه التنظيمات في الحكم. ومن جهة اخرى تبدي رغبة بالظهور في مظهر من يتمسك بالعملية الديمقراطية، مهما كانت نتائجها.

موقف عربي
اما في مجال النتائج، فقد كشفت التطورات عن موقف عربي رافض لمسايرة الغرب في ما يخص موقفها المعلن، ومؤكد على امكانية التوصل الى معالجة عربية لتطورات الموقف بعيداً عن السياسة الغربية التي بدت على قدر كبير من التناقض مع النفس ومع الرؤية العربية.
وامام هذا المشهد، خصوصاً تواتر بيانات ورسائل التأييد التي وجهتها دول عربية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية وابوظبي والاردن وغالبية دول الخليج العربي، عقد وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي اجتماعاً عنوانه تدارس تطورات الموقف هناك. وجاء الاجتماع غداة تصريحات كشفت عن موقف واضح للمملكة العربية السعودية ادلى بها وزير خارجيتها الأمير سعود الفيصل بعد عودته من باريس قال فيها: إن الدول العربية مستعدة لتعويض المساعدات، التي تهدد الدول الغربية بقطعها عن مصر.
وكان الأمير السعودي التقى الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند وابلغه رسالة سعودية واضحة تجاه أي موقف أوروبي يزعزع أمن واستقرار مصر. وجاء الموقف السعودي مدعوماً بموقف مصري قوي صدر عن وزير خارجيتها نبيل فهمي رداً على التحذيرات الأوروبية حين قال مستبقاً أي محاولة لاستخدام المساعدات كأداة ضغط، ان بلاده ستراجع هذا الملف لترى ما هي المساعدات التي يمكن استخدامها للضغط على مصر وما اذا كانت هذه المساعدات ذات نوايا طيبة وذات مصداقية.
ويبدو ان هذا الموقف، دفع بالاوروبيين الى قراءة المشهد من جديد، وسط معلومات غير مؤكدة تشير الى دراسة امكانية اغلاق قناة السويس امام الملاحة من والى الدول التي ترغب بمعاقبة مصر على موقفها الاخير من نظام مرسي.
وكان مبعوث الاتحاد الأوروبي برناردينو ليون قال إن الخيارات المرجح بحثها تشمل خفض حزمة المنح والقروض التي تعهدت بها أوروبا خلال العام الماضي وقدرها خمسة مليارات يورو (6،7 مليار دولار) إلى جانب حظر السلاح على الجيش المصري.

خطاب العاهل السعودي
يقول دبلوماسيون: إن حكومات الاتحاد الأوروبي منقسمة إلى حد بعيد بين الذين يؤيدون اتخاذ موقف قوي لدعم المبادىء الديمقراطية في مصر، والذين يقولون إنه يجب على الاتحاد الأوروبي أن يحافظ على حياده وقدرته على القيام بدور الوسيط في المستقبل.
وقال دبلوماسيون في الاتحاد الأوروبي إن الاتحاد قد يستخدم ايضاً امكانية تعطيل اتفاق موسع للتعاون مع مصر للضغط على الحكومة. وتشمل بنود الاتفاق الذي يعود إلى عام 2001 شروطاً للتجارة الحرة في السلع الصناعية وترتيبات ميسرة للتجارة تشمل المنتجات الزراعية. الى ذلك، وصف مراقبون خطاب العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز خلال الأسبوع الماضي بشأن التطورات في مصر بمثابة التحذير الأقوى للغرب منذ قرار العاهل السعودي الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز قطع النفط تزامناً مع حرب تشرين (اكتوبر) 1973 التي خاضتها كل من مصر وسوريا ضد إسرائيل.
ولقي الخطاب تأييداً رسمياً من دول عربية عديدة. فقد جاء التأييد في بدايته من أبوظبي ثم المنامة ولحقت به عمّان والرباط ثم الكويت، حيث ايدت هذه الدول الموقف السعودي في مساندة مصر بمكافحة «الإرهاب».
وبحسب محللين جاء الخطاب العربي الذي يمكن اعتباره «شبه موحد»، مستنداً الى معطيات مفادها ان استمرار الوضع على ما كان عليه، وبقاء مرسي في السلطة لفترة حكمه كاملة سيؤدي حتماً الى تقسيم البلاد الى كانتونات بعضها سياسي وبعضها طائفي. وفي هذا السياق يشار الى بدايات تحويل منطقة سيناء الى امارة اسلامية، حيث تشير التقارير الى ان الاحداث الجارية هناك راهناً تصب في هذا الاتجاه. وان نظام مرسي كان يغض النظر عن بعض الممارسات التي تجري، ويقدم التسهيلات لبعض الاطياف الامر الذي يعزز ذلك المشروع الخطير، والذي قد يمتد الى مناطق اخرى ، ولكن ليس من الزاوية عينها.
وتخلص التحليلات التي كشفت عنها مصادر سياسية عربية رفيعة الى ان الموقف العربي يناصر الدولة المصرية ولا يناصر طرفاً دون آخر. وانه ينحاز الى مصلحة الدولة ولا يناهض جماعة الاخوان. وهو الموقف الذي تتحدث عنه جميع الاطراف العربية بدءاً من السعودية وانتهاء بكل الدول التي اعلنت عن الموقف عينه.
وسط تلك الاجواء، يبدو التوتر واضحاً على الساحة المصرية، وتتواصل عمليات التحشيد المتبادل، ما يعني ان «مشوار الازمة طويل». وان النفق الذي دخلته البلاد لا يزال في بداياته.
ويبقى السؤال: ما هي المحطة التالية من محطات الازمة؟.

احمد الحسبان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق