رئيسيلبنان

هل تطيح صناديق الرصاص صناديق الاقتراع؟

«باي باي انتخابات»… هذه هي حصيلة «توازن الرعب» بين «الستين»، الذي لم يدفن و«الارثوذكسي» الذي لن يبصر النور. فالانقسام الذي يراوح مكانه في شأن قانون إنتخاب توافقي، بات يهدد مصير الاستحقاق الانتخابي برمته.

بين عدم تجرؤ احد على الاعلان صراحة عن لا قدرة ولا رغبة في اجراء الانتخابات في موعدها، وسعي الجميع لـ «التبرؤ» من تحمل مسؤولية ارجاء الاستحقاق حتى اشعار آخر، كان من الواضح ان غياب «القابلة» الوطنية او الاقليمية – الدولية يحول دون ولادة قانون جديد للانتخاب.
رئيسا الجمهورية ميشال سليمان والحكومة نجيب ميقاتي عمدا الى الاجراء «الطبيعي» في توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة قبل انتهاء المهلة الدستورية. وما هو غير طبيعي كان استمرار «تمترس» اطراف الصراع خلف مشاريع محسومة النتائج سلفاً، مما افقدها القدرة على صوغ القانون – التسوية.
ورغم ان الدخان الابيض لم يتصاعد من المساعي الماراتونية للتوافق على قانون جديد، فإن الوقت لم يفت بعد، وربما تشكل خطوة سليمان – ميقاتي حافزاً للإسراع في التفاهم على «جنس» القانون الذي من شأنه إنقاذ الانتخابات المقررة في حزيران (يونيو)، وإلا فـ … المجهول.
فمن فشل في التوافق على القانون – المخرج لن ينجح بالضرورة في الاتفاق على مرحلة الـ «لا إنتخابات»، كالتمديد ومدته وآلياته وشكله الدستوري، وهو الامر الذي قد يفقد البرلمان شرعيته والحكومة اهليتها ويضع رئيس الجمهورية تالياً في عين العاصفة التي تفتح لبنان على فوضى عارمة في ظل الاهوال الاقليمية المتلاطمة من حوله.
أنصار «الارثوذكسي» اخذتهم احلام «الغلبة» حين ظنوا ان في امكانهم لي اذرع الآخرين عبر قانون يجعلهم خارج السلطة، وربما خارج اللعبة السياسية. وأنصار «الستين» تصرفوا على طريقة «عصفور باليد ولا عشرة على الشجرة»، فلم يتزحزحوا الى المنطقة الوسط، وتالياً وجد الجميع أنفسهم في… المأزق.
ربما كان وراء هذه اللعبة الجهنمية «مايسترو ما» ادار دفة المناورات وصولاً الى إطلاق رصاصة الرحمة على اي تسوية من النوع الذي يضمن إنقاذ الاستحقاق الانتخابي، وحفظ عملية تداول السلطة «على علاتها» ومنع تقهقر حال المؤسسات و«بقاياها» في البلاد التي ملت مفهوم «الساحة» وتحن الى عودة الدولة.
وثمة من يعتقد بأن قوى 14 اذار التي أُخرجت عنوة من السلطة تريد الانتخابات، لأنها اذا فازت تعود الى الامساك بزمام المبادرة وإذا خسرت فلن تخسر شيئاً لا تملكه، اما قوى 8 اذار فلا تريد إنتخابات الا اذا ضمنت الفوز بها لأنها تتجنب خسارتها سلطة تقبض عليها بالإكراه.
وإذا صحت هذه «الفلسفة» في مقاربة الاستحقاق الانتخابي، فإن الشكوك حيال اجراء الانتخابات تكون في محلها، ما دام الصراع المفتوح يتجاوز «تقنيات» قانون الانتخاب ليطاول معادلة السلطة لمن؟
والقطبة غير المخفية في الصراع الصاخب حول قانون إنتخاب برلمان 2013 – 2017، هو ان من يمسك بالغالبية في المجلس النيابي يمسك بالحكومة، وتكون له الكلمة المرجحة في اختيار رئيس الجمهورية المقبل. ومن هنا فإن الايام الفاصلة عن خواتيم المهلة الدستورية في ملاقاة إستحقاق حزيران (يونيو)، ستكون ميداناً لتدافع خشن يشبه القتال بـ «السلاح الابيض».
هذا الواقع الدراماتيكي يترنح فوق صفيح امني ساخن، شكل مصدر ايحاءات تؤشر الى «الحاجة» لتأجيل الانتخابات، وهو اخذ يعبر عن نفسه بالكلام عن ان الاستقرار اهم من الانتخابات وان الامن اولاً، مما يوحي بأن «صناديق الاقتراع» قد تذهب ضحية الخشية من «صناديق الرصاص».
ولعل الاحداث المتوالية التي تشهدها الحدود اللبنانية – السورية شمالاً وشرقاً، والتوترات الجوالة من عاصمة الشمال (طرابلس) الى عاصمة الجنوب (صيدا) من شأنها توفير «الأسباب الموجبة» لمن يريد التضحية بالاستحقاق الانتخابي تحت وطأة «فزاعة» الامن السائب وخطر الانزلاق نحو الفوضى من شدة الاحتقان السياسي والمذهبي.

عضّ أصابع
وكانت لعبة «عضّ الاصابع» الدائرة حول قانون الانتخاب اتخذت منحى أكثر «حساسية» مع توقيع رئيسي الجمهورية والحكومة مرسوم دعوة الهيئات الناخبة وفق قانون الستين.
فبهذه الخطوة الكبيرة، وإن كانت تقنية ومن باب «الواجب الدستوري»، بدا سليمان وميقاتي وكأنهما وضعا جميع الاطراف المتصارعين على «جنس» قانون الانتخاب امام مسؤولياتهم في الذهاب سريعاً الى اتفاق ربع الساعة الاخير وإلا فان قانون «الستين» عاد «الى الحياة» بعدما كانت القوى المسيحية مدعومة من حزب الله ورئيس البرلمان اعلنوا انه «دُفن».
وجاء توقيع رئيسي الجمهوري والحكومة على مرسوم دعوة الهيئات الناخبة ليضع الاستحقاق الانتخابي امام سيناريوهات عدة منها:
– ان تنجح الاتصالات في بلوغ تفاهم على قانون جديد قبل نفاد المهل الدستورية وهو الامر الذي لا يقطع توجيه الدعوة الى الهيئات الناخبة الطريق عليه.
– ان تجري اطاحة قانون الستين داخل مجلس الوزراء من خلال تكتل رافضي هذا القانون بوجه تشكيل الهيئة العليا للاشراف على الانتخابات، الامر الذي يجعله مشوباً بثغرة تعرّضه والانتخابات للطعن.
< ان يتمّ الردّ على خطوة سليمان – ميقاتي بالضغط على الرئيس بري للدعوة الى جلسة للهيئة العامة للتصويت على مشروع اللقاء الارثوذكسي رغم الفيتو السني والدرزي عليه مع ما يمكن ان يستتبع ذلك من طعن به من رئيس الجمهورية بحال تمريره.
– ان دعوة الهيئات الناخبة وفق قانون الستين لا تعني بالضرورة ان الانتخابات ستجري في مواعيدها الدستورية، باعتبار ان اي توافق على قانون جديد غيره سيستدعي حكماً تأجيلاً تقنياً لأشهر قليلة، كما ان استمرار اللا تفاهم، ولا سيما في ظل «الخط الاحمر» المرسوم من  معارضي الستين على إجراء الانتخابات على اساسه، يشي باحتمالات تطيير الاستحقاق النيابي برمّته.
وسرعان ما كشفت الوقائع التي رافقت توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة عن ان ثمة أزمة كانت تعتمل بصمت وبعيداً عن الاضواء بين كل من رئيسي الجمهورية والحكومة من جهة ورئيس مجلس النواب من جهة اخرى متأثرة بالانقسامات الحادة التي نشأت عن تصويت اللجان النيابية المشتركة على مشروع اللقاء الارثوذكسي الذي يرفضه سليمان وميقاتي رفضاً قاطعاً.
ومع ان توقيع المرسوم لم يكن مفاجئاً اذ سبق لميقاتي ان اعلن قبل ايام الاتجاه الى هذا الاجراء كخطوة دستورية ملزمة، فان قوى 8 آذار ومن بينها بري، اتخذت من الموقف الذي أعلنته السفيرة الاميركية مورا كونيللي بعد زيارتها لرئيس البرلمان، ستاراً اضافياً لتفجير الفصل التصعيدي الجديد عبر رفض هذه القوى خطوة التوقيع ووصْفها بـ «اليوم الاسود في تاريخ السلطة التنفيذية» واعتبارها استباقاً للجهود التوافقية الجارية، راسمةً ظلال التشكيك حول خطوة سليمان وميقاتي، وكأنها امتثال للضغط الاميركي لاجراء الانتخابات حتى في ظل قانون الستين وفي مواعيدها.

رد 8 اذار
ولعله من باب ممارسة الضغوط في مواجهة خطوة سليمان وميقاتي، حمَل البيان الذي صدر بعد اجتماع نواب 8 آذار «الطارىء»، غداة دعوة الهيئات الناخبة، إشارة الى اتجاه للردّ على الخطوة المذكورة بحضّ بري على عقد جلسة عامة للبرلمان للتصويت على الارثوذكسي. لكن العامل الجديد في هذا السياق كان ان توفير الاكثرية لهذا المشروع لم يعد مضموناً في وقت كانت تجري جهود كثيفة للتوافق بين قوى 14 آذار بكاملها والحزب التقدمي الاشتراكي على وضع مشروع جديد مختلط وطرحه كبديل عن كل المشاريع السابقة.
وفي موازاة ذلك، دخل عامل جديد مهم على خط الازمة تمثل في اعلان الرئيس ميقاتي صراحة وللمرة الاولى انه مع حكومة حيادية للاشراف على الانتخابات، وانه لن يكون رئيس حكومة تشرف على الانتخابات لانه مرشح لها، الامر الذي اعتُبر تطوراً من شأنه ان ينعكس سلباً وبقوة اضافية على وضع الحكومة المفكك في وقت تتصاعد التباينات والخلافات بين ميقاتي وفريقه الوزاري والوزراء الجنبلاطيين من جهة، والفريق الوزاري لقوى 8 آذار من جهة اخرى، وهو ما تجلى في الجلسة الصاخبة للحكومة التي التأمت على «وهج» توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، مما وضع البلاد امام تسابق حقيقي بين مسارات التأزم، ما لم تبرز في اللحظة الاخيرة مفاجأة تحول دون اطاحة موعد الانتخابات فيما بدا ان حظوظ تأجيلها ارتفعت الى مستوى قياسي ولا سيما بعدما اعتبر إعلام 8 آذار ان رئيسي الجمهورية والحكومة بتوقيعهما مرسوم دعوة الهيئات الناخبة انما وقعا على قرار تأجيل الانتخابات.
وترافق هذا السقف المرتفع، مع نقاش محتدم في مجلس وزراء ما بعد توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، اذ اكد الرئيس سليمان خلال الجلسة «ان التوقيع واجب دستوري يمليه القانون النافذ»، معلناً ان «ذلك لا يعني اطلاقاً التمسك بقانون الستين بمقدار ما يعني التزام الواجبات والمسؤوليات التي ينص عليها الدستور والقوانين ذات الصلة»، مجدداً دعواته السابقة لاقرار قانون انتخاب جديد انطلاقاً من مشروع القانون الذي أقره مجلس الوزراء وأحيل على مجلس النواب.
وبعد كلمة سليمان انقسمت آراء الوزراء بين مؤيد لخطوة رئيسي الجمهورية والحكومة ومعارض لها، حيث برزت مواقف حادة في المضمون ومداخلات لوزراء من حزب الله وامل والتيار الوطني الحر اكدت ان لا انتخابات في ظل قانون الستين واعتبرت ان ما حصل ستكون له آثار سياسية سلبية مع استبعاد اي احتمال للتوافق على قانون انتخاب، ورافضين محاولة «التسلل» لإحياء الستين.
و
في حين تحدث الوزير جبران باسيل عن عملية «سطو» على حقوق المسيحيين بقانون الستين، ردّ عليه الوزير وائل ابو فاعور معتبراً ان الارثوذكسي فيه «ذبح» للبلد معتبراً«ان السطو جنحة والذبح جريمة».

بيان شديد اللهجة
وفيما كان مجلس الوزراء مجتمعاً كان نواب 8 آذار يلتقون في مقر البرلمان لتحديد الخطوة التالية بعد توقيع سليمان وميقاتي. وقد اصدروا بياناً شديد اللهجة اعتبر ان «توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة يوم اسود في تاريخ السلطة التنفيذية تجسد بتجاوز الارادة الوطنية عموماً والمسيحية خصوصاً الرافضة لقانون الستين، ولاعادة إحيائه علماً بأنه طبق لمرة واحدة وانتهى»، مشيراً الى «دعوة الهيئات الناخبة وفق القانون الميت والمرفوض وطنياً الذي لن يمر»، ولافتاً الى «ان مصادرة صلاحية مجلس النواب عبر الجزم بان صيغة اللقاء الارثوذكسي لن تمر، هو تطاول على دور السلطة التشريعية واستباق للنتائج التي سيخرج بها المسار التشريعي وتجاوز لمبدأ فصل السلطات».
جاءت هذه الوقائع «الصاخبة» في اللحظة التي طُرح فيها سؤال: الاولوية لمَن، للانتخابات او للاستقرار؟
وفي ظلّ المراوحة ضمن المأزق التي كانت لا تزال تطبع المفاوضات الصعبة في محاولة للتوافق على قانون جديد للانتخاب بالتزامن مع التوترات الامنية المتنقلة ومظاهر اللا استقرار، بدا «المزاج» السياسي قبيل خطوة سليمان وميقاتي أكثر ميلاً لترجيح كفة الانحياز الى الاستقرار اولاً على حساب انتخابات تُجرى في ظل لا توافُق.
وقد برزت 3 اشارات لافتة اوحت بان الاستحقاق النيابي  «في خطر» وهي:
– اعلان الرئيس بري وعلى نحو لافت: «ان الأمن أولوية قبل الانتخابات وقد تصبح الاخيرة عنصر تفجير اذا جرت وفق هذه المناخات. أنا قدمت مشروعاً على أساس انه تسوية لكنهم لم يقبلوا به ولم يقدموا لي بديلاً. وما زلت أنتظر وأنتظر»، داعياً الى النظر في «الوضع الامني المقلق  كثيراً، فالفتنة تحمل رؤوساً سامة وتطلّ في اكثر من مكان، والغبار العربي الذي يسمى ربيعاً يغطي سماء البلد، وربما تحول الامر عواصف تمطر فلتاناً وفوضى اذا لم تدرك القوى السياسية هذا الخطر الداهم. كثيرون ويا للأسف يفكرون في الانتخابات ويحسبون كل شيء انتخابياًً، الامر الذي يهدد هذا الاستحقاق».
–  تأكيد وزير الداخلية مروان شربل، خلال اعلانه نتائج الانتخابات البلدية الفرعية انه «اذا خُيرتُ بين عدم الاستقرار واجراء الانتخابات، انا افضل المحافظة على الاستقرار وعندما يتفق الجميع على قانون الانتخاب نشعر عندها بان الوضع الامني يتحسن لان الامن اصبح بيد السياسيين».
– التداول مجدداً بتقارير ديبلوماسية عن ان دول الاتحاد الأوروبي باتت تستطلع الآليات الواجب اتباعها لتأجيل الانتخابات في لبنان بما يضمن التمديد للبرلمان الحالي لمدة عامين في حال استمر تعذر التفاهم على قانون الانتخاب الجديد، وان هؤلاء يعتبرون الاولوية للاستقرار في لبنان على إجراء الانتخابات على أساس قانون غير توافُقي وفي ظل انقسام حاد يُخشى ان يفضي الى دفع البلاد نحو الفوضى «القاتلة»، وانهم يشترطون التفاهم على آلية التأجيل التي يمكن أن تتجاوز التمديد للبرلمان الى التمديد لرئيس الجمهورية ميشال سليمان كأمر واقع لا مفر منه، اذ ان ولايته تنتهي بعد نحو سنة من انتهاء ولاية البرلمان في 20 حزيران (يونيو) المقبل.

فزاعة الأمن
وما عزّز المخاوف من «تطيير» الانتخابات بالذرائع الامنية عودة الوضع في صيدا الى دائرة المعاينة بعدما برزت خشية من انها ستكون «الخاصرة الرخوة» التي تتسلل منها الفوضى الأمنية.
ولأن الجميع تهيّبوا ان يكرّر التاريخ نفسه من صيدا فتشكّل مدخلاً لـ «الفتنة» هي التي انطلقت منها الشرارة الاولى للحرب الاهلية العام 1975 باغتيال معروف سعد في 26 شباط (فبراير) من العام نفسه، ووفاته في 6 اذار (مارس)، تضافرت كل الجهود السياسية والأمنية لمنْع انفجار الوضع اللبناني من بوّابة الجنوب في يوم «انتفاضة الكرامة» التي أطلقها إمام مسجد بلال بن رباح في صيدا الشيخ احمد الاسير في الاول من اذار (مارس) بوجه حزب الله وشقق سكنية تابعة له في منطقة عبرا وصفها بأنها «مراكز عسكرية مشبوهة».
ساعات «عصيبة» من «الأعصاب المشدودة» عاشها لبنان الذي شخصت أنظاره على عاصمة الجنوب التي تشهد منذ ايام جولة جديدة من «المواجهة» التي أعلنها الاسير قبل نحو تسعة اشهر مع حزب الله و«المشروع الايراني النجس» وضد «هيمنة السلاح» والتي تخللها اعتصام مفتوح على المدخل الشمالي لعاصمة الجنوب في حزيران (يونيو) الماضي استمرّ نحو شهرين استتبعه بعدها باكثر من اعتصام «جوال» في مناطق عدة، بينها وسط بيروت دعماً للثورة السورية، مروراً بالاحتكاك الميداني بين الجانبين في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي الذي افضى الى مقتل ثلاثة اشخاص بينهم مرافقان للاسير، وصولاً الى اثارة قضية الشقتين (في عبرا) القريبتين من مسجد بلال بن رباح وظهور إمامه بالسلاح بعدما تحدث عن موكب مسلّح لحزب الله كان يحاول اقتحام المسجد.
كل العيون كانت على صيدا ذات الجغرافيا السياسية – المذهبية الحساسة باعتبار ان المدينة ذات الغالبية السنية ومسقط رأس آل الحريري، هي ايضاً بوابة الجنوب ذات الغالبية الشيعية. والسؤال الوحيد الذي ارتسم كان: ماذا سيفعل الاسير بعد خطبة الجمعة واذا كان سيعمد الى محاولة اقتحام الشقتين اللتين أقرّ حزب الله بانهما مركزان للمقاومة موجودان منذ الثمانينيات اي منذ الاحتلال الاسرائيلي و«قبل بناء مسجد بلال بن رباح»، راسماً حولهما «خطاً احمر بالعريض» أبلغه بوضوح الى كبار المسؤولين اللبنانيين وعبّر عنه بوضوح امينه العام السيد حسن نصر الله في اطلالته يوم الاربعاء حين حذّر «ما تجربونا».
الا ان الاتصالات الرفيعة التي أُجريت مع الاسير مترافقةً مع إجراءات امنية غير مسبوقة في تاريخ صيدا التي تحوّلت «ثكنة عسكرية» انتشرت فيها قوات النخبة من الجيش (مغاوير) وقوى الامن الداخلي (الفهود) اضافة الى اعلان عبرا «منطقة عسكرية» لا يمكن الدخول إليها الا بموجب تصاريح امنية ساهمت في جعل اي انزلاق امراً صعباً، ولا سيما في ضوء مواكبة مجلس الأمن الفرعي في الجنوب «اليوم الصيداوي» باجتماع اكد «منع أي ظهور مسلح والتعامل بحزم مع أي محاولة لخرق هذه التدابير»، مشيراً الى اتفاق على أن يكون إعتصام الأسير داخل مسجد بلال بن رباح حصراً.

وصية الاسير
غير ان الاسير، الذي كانت معلومات اشارت الى انه كتب وصيّته وسلّمها لمناصريه واعلن انه نوى الاستشهاد واتخذ قراره بذلك «دفاعاً عن كرامة صيدا واهلها مصراً على سلمية تحركه»، طلب من مناصريه بعد صلاة الجمعة التوجه سلمياً الى امام المبنى حيث تقع الشقتان وإكمال الطريق الى ان يوقفهم الجيش اللبناني، الامر الذي فُسِّر في اطار تجنُّب المواجهة مع القوى الامنية التي أقامت منطقة عازلة بين مسجد بلال بن رباح والشقتين، على قاعدة تأجيل المواجهة والسعي الى «إنهاك» العناصر الامنية تباعاً عبر سلسلة التحركات التصاعدية التي بدأها وشملت ايضاً مناطق في بيروت مثل الطريق الجديدة.
وكان السيد نصرالله اعلن في الإطلالة التلفزيونية التي نفى فيها كل الشائعات عن وضعه الصحي وعن استهداف نائبه الشيخ نعيم قاسم بانفجار في جديدة يابوس، وفي اشارة ضمنية الى الأسير: «يريدون اختراع معركة اعلام ويافطات ومعركة شقق ومعركة مجمعات، السؤال لأهل صيدا: ألا يوجد عقلاء وحكماء ومن يتحمل المسؤولية؟ ألا يوجد دولة تتحمل المسؤولية؟ هل المطلوب جرّنا الى قتال؟ كل الشواهد تدل على ذلك ونحن نصبر. أقول إن هناك أشخاصاً يجب أن يتحملوا مسؤولياتهم ونحن حريصون جداً جداً جداً حتى ينقطع النفَس، ولكن لا أحد يقوم بحسابات خاطئة معنا، لا نريد الدخول الى منزل أحد ولا الى مسجد أحد ولا نريد أن نهدد أحداً، ونحن مشغولون للاحتفاظ بجهوزيتنا لمواجهة اسرائيل ولا أحد يأخذنا الى مكان آخر أو يقوم بحسابات خاطئة معنا».
ومن خلف «الغبار» الصيداوي، أطلق الجيش السوري الحر أقوى تحذير الى حزب الله منذ تصاعُد التوتر بين الجانبين على خلفية تورط الحزب في القتال في القصير ضمن اطار ما قال انه «دفاع مشروع عن النفس» يقوم به سكان عدد من البلدات السورية التي يسكنها لبنانيون (شيعة) «هاجمهم مسلحون وحاولوا تهجيرهم» وما أعقب ذلك من تفاعلات ليس أقلّها التقارير عن بدء الردّ الميداني من الجيش الحر على مواقع للحزب في الهرمل (البقاع) «متهَمة» بإسناد مقاتليه وعناصر الجيش النظامي السوري بالنار (في ريف حمص) ثم الحديث عن مخطط عسكري يعدّ له نظام الرئيس بشار الأسد مع حزب الله ويقضي بتطهير ريف حمص الجنوبي الغربي لتأمين ممرّ آمن يربط المنطقة الشيعية في البقاع الشمالي اللبناني مع المنطقة العلوية في شمال غرب سوريا.
فقد اعلنت القيادة المشتركة للجيش السوري الحر إطلاق «صفارة الإنذار والتحذير من مخاطر وانعكاسات الحملة العسكرية الواسعة التي يحضر ويعدّ لها حزب الله وجنّد لها آلافاً عدة من مقاتليه وأنواعاً وأجيالاً متعددة من الأسلحة الثقيلة في منطقة بعلبك – الهرمل والمناطق الحدودية مع سوريا وبشكل خاص من جهة ريف حمص والقصير بغية القيام باجتياح عسكري واسع للمنطقة يصل مداه الى حوض العاصي في ريف حماة وبعض مناطق الساحل السوري».
واكد الجيش الحر في بيان صدر عن إدارة الإعلام المركزي في القيادة المشتركة له وقوى الحراك الثوري «ان ذلك سيُعتبر بمثابة إعلان حرب مفتوحة من ميليشيا مسلحة على سوريا والشعب السوري (…) -.

فؤاد اليوسف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق