دمشق… حكومة للمناطق المحررة قيد التشكيل

في تفاصيل العلاقة بين الثورة السورية والولايات المتحدة وبعض الدول الغربية هناك احساس بتغيرات جذرية في المواقف والقناعات، ومن ثم في الممارسات التطبيقية، فخرج الحديث عن اطار العتاب الى الشكوى، ومن اطار الهمس الى الحديث المعلن، ومن التلميح الى مجالات التصريح. ما يعني ان الامور دخلت في مجال الازمة المركبة التي ادت الى حشر المعارضة في زاوية «ضيقة»، عنوانها نوع من انعدام الثقة، على خلفية شعور الثوار بـ «الخذلان» بحكم تخلي واشنطن – تحديداً – عن وعودها التي قطعتها بتقديم الدعم وصولاً الى بلوغ الهدف المتمثل باطاحة النظام.
مع ان الثورة تتحدث عن انتصارات كبرى، وعن مناطق محررة، الا ان التقارير تتحدث عن ارتفاع في وتيرة العنف ضد مواقع الثوار، وعن تحول في المواجهة قوامه استخدام الصواريخ في قصف المواقع والاحياء السكنية بحجة انها تؤوي مجموعات من الثوار.
مؤخراً، شهدت البلاد جملة من التطورات، تمثلت باطلاق الجيش السوري مجموعة صواريخ سكود على اهداف مدنية في مدينة حلب. وفي المقابل، دانت الولايات المتحدة بشدة القصف بالصواريخ على المدينة، والذي أدى إلى مقتل العشرات. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الاميركية فيكتوريا نولاند في بيانها إن حكومة الولايات المتحدة تدين بأشد العبارات القصف بالصواريخ على حلب، وآخر هذه الهجمات اطلقت خلالها صواريخ سكود على حي في شرق المدينة. وأسفرت ثلاثة صواريخ ارض – ارض استهدفت احد احياء حلب، عن مقتل 58 شخصاً من بينهم 36 طفلاً في حصيلة جديدة نشرها المرصد السوري لحقوق الانسان. وارتفعت حصيلة القتلى بعد انتشال جثث نساء واطفال من الركام في اليوم التالي. وبحسب ناشطين فان هذه الصواريخ من نوع سكود اطلقت من قاعدة 155 العسكرية في منطقة دمشق. وتعذر تأكيد هذه المعلومات لدى مصدر مستقل. واكد المصدر ان الجيش شن هذا الهجوم في محاولة لاستعادة السيطرة على احياء في شرق حلب باتت تحت سيطرة شبه تامة للمعارضة المسلحة.
واعتبرت نولاند أن هذه الهجمات الدامية تمثل «آخر مظاهر وحشية النظام وانعدام التعاطف مع الشعب السوري الذي يدعي تمثيله». واضافت المتحدثة باسم الخارجية الاميركية أن نظام الاسد «فاقد للشرعية ويبقى في الحكم فقط بالقوة المتوحشة».
تنديد بالصمت الدولي
في المقابل، أعلنت المعارضة السورية تعليق مشاركتها في سلسلة لقاءات في الخارج تنديداً بـما اسمته «الصمت الدولي على الجرائم» المرتكبة بحق الشعب السوري، غداة القصف الصاروخي على حلب. وقال: «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» انه يعتبر هذا الصمت «مشاركة في الذبح المستمر للشعب منذ عامين». واضاف البيان أنه احتجاجاً على هذا الموقف الدولي فقد قررت قيادة الائتلاف تعليق مشاركتها في مؤتمر روما لاصدقاء سوريا، وعدم تلبية الدعوة لزيارة روسيا والولايات المتحدة. وحمل الائتلاف في بيانه القيادة الروسية مسؤولية خاصة أخلاقية وسياسية لكونها لا تزال تدعم النظام بالسلاح، مطالباً شعوب العالم كافة باعتبار الأسبوع الممتد من 15 إلى 22 آذار (مارس)، والذي يصادف الذكرى الثانية لانطلاق الثورة السورية، أسبوع حداد واحتجاج في كل أنحاء العالم.
وكان من المقرر أن يتوجه احمد الخطيب في غضون الاسابيع المقبلة الى موسكو. كما تلقى دعوة الى واشنطن من مساعد وزير الخارجية الاميركي وليام بيرنز خلال الاجتماع الاخير لمجموعة اصدقاء الشعب السوري في 12 كانون الاول (ديسمبر) في المغرب. وكان المتحدث باسم الائتلاف وليد البني صرح في وقت سابق بأن الزيارة الى واشنطن معلقة فقط، وان المعارضة تنتظر من واشنطن مواقف تطابق ما تقوله عن دعمها للديموقراطية. واضاف أن الولايات المتحدة قوة قيادية في العالم كما هي فرنسا وبريطانيا والاتحاد الاوروبي لكنهم لم يتمكنوا من وقف المجازر بحق الشعب السوري. وفي القاهرة، قال المتحدث باسم الائتلاف الوطني السوري المعارض وليد البني ان المعارضة اتفقت على ضرورة تشكيل حكومة لتدبير الامور في المناطق المحررة، لافتاً الى ان الائتلاف سيجتمع في الثاني من اذار (مارس) في استنبول لتحديد هوية رئيس هذه الحكومة واعضائها.
وبالتزامن، يواصل الائتلاف السوري المعارض اجتماعاته في القاهرة لبحث الطرح الذي تقدم به رئيسه احمد معاذ الخطيب لجهة اجراء حوار مباشر مع ممثلين للنظام السوري «لم تتلطخ ايديهم بالدماء». في المقابل، أعرب المعارض الإسلامي السوري عماد الدين رشيد رئيس المكتب السياسي لحزب التيار الوطني السوري عن رغبة الحزب في اقامة دولة مدنية، مشدداً على أن التشدد من أي جهة مرفوض. وقال رشيد إن الحزب يريد دولة مدنية، مؤكداً ان حزبه يمثل الإسلام الوسطي ويتخوف من التشدد أياً كان مصدره.
وفي الوقت نفسه جددت دمشق انتقادها للاخضر الابراهيمي بعد دعوته الدول المتحالفة مع النظام السوري الى الضغط عليه من اجل بدء الحل السياسي، مؤكدة ان الرئيس بشار الاسد لا يناقش شكل النظام السياسي والمسائل الداخلية مع اي احد غير سوري.
خلافات
ميدانياً، أدت فكرة الحل السياسي للأزمة السورية في اجتماعات القاهرة إلى نشوب خلافات بين أعضاء الهيئة، حيث رأى البعض أنه لا بديل عن الحل العسكري. وقال ممثل الائتلاف السوري لدى دول مجلس التعاون الخليجي أديب أفششكني إنه سيتم التصويت بين الأعضاء على مبدأ القبول بالحل السياسي أم لا. وأوضح أفششكني أن عدداً غير قليل من أعضاء الائتلاف رفضوا التصويت على النقاط الثماني التي أقرتها الهيئة السياسية للائتلاف في اجتماع القاهرة كـ «محددات لأي مبادرة سياسية لحل الأزمة». ورأوا أنه لا بديل عن الحل العسكري. وأشار إلى أن عدداً غير قليل من أعضاء الائتلاف رأوا خلال اجتماع أن الحديث عن المبادرات السياسية لحل الأزمة مضيعة للوقت. ووافق أعضاء الائتلاف السوري المعارض يوم الخميس الفائت على إجراء مفاوضات مع الحكومة تفضي إلى إنهاء الأزمة، لكنهم أصروا على تنحي الرئيس بشار الأسد من منصبه، وعدم إشراكه في أي صفقة. ويتزامن اجتماع المعارضة وموافقتها على المفاوضات المشروطة مع توجه وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، إلى موسكو لإجراء محادثات مع المسؤولين الروس، أقوى حلفاء النظام في دمشق. وتنص الوثيقة، التي عرضها الائتلاف السوري للنقاش، على أن بشار الأسد لن يكون طرفاً في أي اتفاق، ولا بد أن يحاكم، إلا أن الوثيقة لا تشير صراحة إلى شرط تنحيه عن السلطة. إلى ذلك، صرّح مارتن نسيركي الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أن مهمة المبعوث الأممي والعربي الخاص إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي ومساعديه، مددت حتى نهاية العام الحالي
دمشق – «الاسبوع العربي»