مَن المستفيد من تعريض علاقات لبنان مع دول الخليج لـ «امتحان صعب»؟

لم تكن تنتهي أزمة، حتى تبدأ أخرى، ولم يكن ينطفىء ملف حتى يطفو على السطح ملف آخر. هكذا توالدت الأزمات على خط علاقة لبنان مع دول الخليج، واضعة مصالح «البلد الصغير» الحيوية مع هذه الدول امام «اختبار» غير مسبوق ولّد مخاوف من ارتدادات على الرعايا اللبنانيين الذين يعملون في دول مجلس التعاون وهم بعشرات الآلاف.
بينما كانت العاصمة اللبنانية منهمكة في مساعيها لامتصاص «غضبة» المنامة ازاء مواقف رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب العماد ميشال عون عن الوضع في البحرين والتي قوبلت بـ «استياء» خليجي عام عبّر عن نفسه في «تضامن» دول مجلس التعاون مع البحرين بوجه ما وصفته بـ «التصريحات اللا مسؤولة» من عون، برز تطوّر غير مسبوق تمثّل في رفع صورة في عدد من المناطق تسيء الى العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز.
وفي حين سارعت القوى الامنية الى ازالة هذه الصور المشوّهة للعاهل السعودي وطلب النائب العام التمييزي اللبناني القاضي حاتم ماضي من قسم المباحث الجنائية المركزية إجراء التحقيقات لمعرفة ناشري هذه الصور التي جاءت على شكل «ورقة لعب»، فان هذا التطور الذي استنكره عدد من نواب 14 آذار والشخصيات بدا امتداداً للحملة التي برزت على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تناولت خادم الحرمين الشريفين شخصياً على خلفية الكاريكاتور الذي نُشر في صحيفة «الوطن اون لاين» عن البطريرك الماروني الكاردينال بشاره بطرس الراعي والذي عادت الصحيفة واعتذرت عنه.
تصريحات عون
كما لم تُسقط دوائر مراقبة الارتباط بين الصورة الساخرة التي نُشرت للملك السعودي والتفاعلات التي أحدثها تطرُّق عون عبر قناة «العالم»الايرانية الى ما وصفه بـ «الثورة”» في البحرين معتبراً أن «مطالب المحتجين عادلة ومشروعة»، وهو الموقف الذي احتجت عليه البحرين قبل ان «تغطيها» بالكامل دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي سلّمت القائم بأعمال السفارة اللبنانية في المملكة العربية السعودية منير عانوتي مذكرة احتجاج رسمية من دول المجلس.
وقد ثمّن السفير السعودي في لبنان علي عواض عسيري «مسارعة النائب العام التمييزي القاضي حاتم ماضي الى الطلب من الأجهزة الأمنية فتح تحقيق لمعرفة الجهة التي تقف وراء رفع الصورة التي تمس بمقام الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز في بعض المناطق»، معتبراً «ان هذا العمل مستنكر ورخيص ويعبّر عن الجهة التي قامت به حصراً».
واستغرب «صدور مثل هذه الاعمال التي نثق بأنها لا تعبّر عن الاخلاق والخصال العالية التي يتميز بها الأشقاء اللبنانيون، كما ان العلاقات الأخوية العميقة التي تربط الشعبين الشقيقين اللبناني والسعودي أسمى من ان يتعرض لها بعض المتهورين لأن الجميع يعرفون ان الملك عبدالله بن عبد العزيز يكن للبنان ولشعبه ما يكنه لبلاده ومواطنيه، ومواقفه ومبادراته الأخوية الكثيرة تجاه لبنان تعبّر عن محبته لهذا البلد العزيز وابنائه».
مذكرة احتجاج خليجية
ولم يحجب هذا الملف، الانظار عن ارتدادات «النقمة» البحرينية ازاء تصريحات العماد عون. فبعد احتجاج المنامة الذي كانت ابلغته الى القائم بالاعمال اللبناني لديها ابرهيم عساف، اجتمع الامين العام لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الدكتور عبد اللطيف الزياني في مكتبه بمقر الأمانة العامة في الرياض بالقائم بأعمال السفارة اللبنانية في المملكة العربية السعودية منير عانوتي حيث سلمه مذكرة احتجاج رسمية من دول المجلس عبّرت فيها عن «استنكارها الشديد للتصريحات اللامسؤولة التي أدلى بها النائب ميشال عون لقناة «العالم» في 12 شباط (فبراير) الجاري والتي تحدث فيها عن مملكة البحرين وأوضاعها الداخلية بشكل مضلل ومسيء يعكس رؤى ومصالح وارتباطات باتت معروفة للجميع ولا علاقة لها بالحقيقة أو بالواقع المعاش في مملكة البحرين. كما أنها تتعارض مع الروابط والعلاقات الأخوية والتاريخية التي تربط لبنان بدول مجلس التعاون وتعبر عن مصالح ضيقة وطموحات شخصية ولا تصب في مصلحة لبنان والأمة العربية».
وأكدت المذكرة «دعم دول المجلس وتأييدها للمشروع الإصلاحي للملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين وإشادتها بتوجيهه باستكمال حوار التوافق الوطني في محوره السياسي، خصوصاً ان الحوار هو السبيل الأمثل للتوافق على رؤية مشتركة تضع مصلحة البحرين ومواطنيها فوق كل اعتبار». واذ أعربت عن الأمل في «أن يفضي الحوار المرتقب إلى التوافق المأمول»، اكدت «وقوف دول المجلس إلى جانب مملكة البحرين ومساندتها في كل الخطوات والمبادرات التي تتخذها قيادتها الحكيمة من أجل دفع مسيرة الاصلاح والتقدم والنماء».
وجاء موقف دول مجلس التعاون غداة محاولة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي سكب مياه باردة على هذه القضية من خلال اتصاله بنظيره البحريني الشيخ خليفة بن سلمان حيث اكد له أن لبنان «يحترم سيادة البحرين على أراضيها، وقرارات قياداتها ولا يتدخل في شؤونها الداخلية»، لافتاً الى أن «بعض المواقف التي صدرت عن قيادات لبنانية تعبر عن آراء شخصية ولا تمثل وجهة نظر الحكومة اللبنانية».
كما عبّر ميقاتي عن تقدير «لبنان للبحرين قيادة وشعباً في مسيرتها النهضوية ودورها الرائد على الصعد كافة، عربياً ودولياً»، موضحاً عبر مكتبه الاعلامي انه تم الاتفاق على «زيارة قريبة» سيقوم بها للمنامة