ليبيا: «ثورة جديدة» في الذكرى الثانية للثورة
بعد عامين على انطلاق الثورة الليبية التي اطاحت العقيد القذافي يتوقف المحللون عند حالة غير مسبوقة من التذمر من سوء الاوضاع الحياتية سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً وغيرها. وبالتوازي، من عجز السلطات التي تدير الامور، بما في ذلك الهيئات المنتخبة، من عدم القدرة على احداث الاصلاحات المطلوبة.
حالة التذمر تلك تترافق مع قدر كبير من الفوضى التي تدب في مختلف انحاء البلاد، والى المدى الذي يظهر الاوضاع وكأنها حالة من الفوضى، ومن تعدد المرجعيات تبعاً للمناطق المختلفة، وكذلك تبعاً للاوضاع الامنية في مناطق الجوار.
وفي هذا الصدد، يتوقف المحللون عند ما تواجهه السلطات الليبية من انتقادات لعجزها عن انجاز اصلاحات في الذكرى الثانية لانطلاق الثورة. حيث تتضاعف الدعوات الى التظاهر في 15 شباط (فبراير) ويذهب بعضها الى حد المطالبة بـ «ثورة ثانية».
وتبعاً لذلك، وضعت السلطات اجهزة الامن في حالة استنفار لمنع وقوع اي تجاوزات بمناسبة الاحتفال بالذكرى الثانية لـ «ثورة السابع عشر من – شباط فبراير»، حيث تتراوح المطالب ما بين نفي مسؤولي النظام السابق، واطاحة النظام الجديد مروراً بحل الميليشيات المسلحة واصلاح التعليم العالي.
وفي هذا الصدد دعا بيان وزع في طرابلس مؤخراً الى انتفاضة شعبية وعصيان مدني من اجل اطاحة النظام. وحث البيان الليبيين على تخزين المواد الغذائية والوقود تحسباً لشلل قد يصيب البلد اعتباراً من 15 شباط (فبراير).
وتناقلت مجموعات ليبية عدة على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام هذه الدعوات التي انطلقت من بنغازي – شرق، وبعضهم من انصار النظام الفدرالي في شرق البلاد ومنظمات من المجتمع المدني.
واعتبر ناشطون سياسيون ان الدعوات الى التظاهر مبررة بتراكم المشاكل، واشاروا الى غلاء المعيشة وارتفاع معدل البطالة بين الشبان. واضافوا ان هذه التحركات لها ايضاً مبررات سياسية بمطالب تتعلق بالنظام الفدرالي والاحتجاج على قرارات وخيارات الجمعية والحكومة.
اعتصام ومسيرات
واعتبرت الناشطة السياسية زهية عطية ان الامر سيكون اعتصاماً ومسيرات احتجاج سلمية لادانة فشل الجمعية الوطنية في تحقيق تقدم في ملفات مثل المصالحة الوطنية وتقاسم الموارد وصياغة الدستور. وعقدت السلطات التي تخشى تجاوزات كالتي تحصل حالياً في الجارة مصر بمناسبة الذكرى الثانية للثورة المصرية «في 25 شباط – فبراير»، اجتماعات عدة لتنظيم الاحتفالات المقررة في 17 شباط (فبراير) الجاري وخصوصاً للاستعداد على الصعيد الامني لتظاهرات الخامس عشر من شباط (فبراير).
واعرب وزير الداخلية الليبي عاشور شوايل عن مخاوفه من ان تفقد حركة الاحتجاج في 15 شباط (فبراير) طابعها السلمي، مؤكداً في الوقت نفسه حق كل مواطن في التعبير عن رأيه السياسي. واشترط عمر بوشلالة العضو في تنسيقية منظمات المجتمع المدني ان تظل التظاهرات سلمية كي تشارك فيها منظمته. واضاف: «يجب ان تتناول المطالب تصحيح مسار الثورة وليس الاحتجاج على الجمعية او الحكومة وهما مؤسستان شرعيتان انتخبهما الشعب.
واتهم مسوؤلو منظمات عدة بينها الحركات الاسلامية، انصار النظام السابق بالوقوف وراء تلك الدعوات الى التظاهر وقالوا انهم يحاولون بث الفوضى واستمرار انعدام الاستقرار في البلاد. واكدوا ان المؤسسات شرعية ولا مبرر للطعن فيها.
الى ذلك، اعلن المؤتمر الوطني الليبي انه صوت لصالح انتخاب اللجنة المكلفة صياغة الدستور بالاقتراع المباشر. وقال المتحدث باسم البرلمان عمر حميدان ان القرار حظي بتأييد 87 صوتاً من أصل 97 عضواً من أعضاء المؤتمر كانوا حاضرين في الجلسة. واضاف ان المؤتمر سيشكل خلال الأيام القليلة المقبلة لجنة لإعادة هيكلة المفوضية العليا للانتخابات التي ستتولى الإشراف على انتخاب لجنة الستين التي ستكون بواقع عشرين عضواً عن كل منطقة من المناطق الثلاث: الشرقية والغربية والجنوبية. وصرح رئيس حزب العدالة والبناء المنبثق عن الاخوان المسلمين محمد صوان ان قرار المؤتمر مطابق لموقف الجماعة. واعتبر ان انتخاب اللجنة التأسيسية يضمن الاستقرار عبر توافق بين مختلف اطياف البلاد داعياً المؤتمر الى تسريع تشكيل المفوضية العليا للانتخابات ليصبح للبلاد دستور على وجه السرعة.
وفي مطلع كانون الثاني (يناير) قاطع نواب الائتلاف الليبرالي الرئيسي الذي يملك 39 مقعداً من المقاعد الثمانين المخصصة للاحزاب السياسية داخل المؤتمر الوطني العام الذي يضم 200 عضو، الجلسات احتجاجاً على تأخر تشكيل اللجنة التأسيسية. وكان الائتلاف يطالب بلجنة تأسيسية منتخبة. وعلى الدستور التطرق الى قضايا اساسية من نظام الحكم الى لغة البلاد الرسمية ووضع المرأة والاقليات ودور الشريعة. والقرار الذي اتخذه المؤتمر يأتي في حين تواجه السلطات التي تتعرض لانتقادات لعجزها من اجراء الاصلاحات، دعوات للتظاهر في 15 شباط (فبراير).
المؤسسة العسكرية
في السياق عينه، أعلنت رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي أن المؤسسة العسكرية منضوية تحت المؤتمر الوطني العام والحكومة المؤقتة باعتبارهما السلطة التي أفرزتها إرادة الشعب الليبي الحر في اختيار ممثليه. وقالت رئاسة الأركان في بيان لها: إن المؤسسة العسكرية بعيدة عن التجاذبات والخلافات الإيديولوجية والجهوية والسياسية، وتعمل في إطار من المهنية، مشيرة إلى أن عمليات التجريح التي طاولت تلك المؤسسة وقادتها تصبّ في إطار الأطماع والمصالح الشخصية والفئوية الضيقة على حساب الوطن وقيم الثورة. ودعا البيان العسكريين من ضباط وضباط صف وجنود إلى الالتزام بالأوامر العسكرية وفقاً لهرمية القيادة، بما يكفل قيام الجيش بمهامه المناطة به، واستخدام السلاح في الإطار الوظيفي، وضمن القوانين والتشريعات النافذة. وحظر البيان إقامة أية تشكيلات عسكرية خارج إطار المؤسسة العسكرية، ودعا إلى الانضمام إلى الجيش وفقاً للمعايير والضوابط المختصة. كما أكدت رئاسة الأركان على أهمية المجتمع المدني ومؤسساته في بناء الدولة وما تستلزمه المرحلة من رأب للشروخ الاجتماعية وجمع السلاح وتحقيق الوفاق الوطني، معربة في هذا الصدد عن ترحيبها بملاحظات وآراء ومقترحات مؤسسات المجتمع المدني التي تتناول المؤسسة العسكرية بمهنية ونقد بناء يسهم في الارتقاء بالجيش الليبي. ودعت إلى تسليم المعتقلين العسكريين إلى النيابة العسكرية للنظر في الاتهامات الموجهة إليهم، وحثت في الوقت نفسه العسكريين الذين يشتبه في ارتكابهم جرائم على تسليم أنفسهم إلى القضاء العسكري وضمان الحماية الكاملة لهم والمعاملة الحسنة
طرابلس – «الاسبوع العربي»