سياسة عربية

الكويت: مؤتمر دولي يخصص مليار دولار لمساعدة السوريين

بمشاركة 59 دولة ومنظمة اهلية دولية، استضافت الكويت الاسبوع الفائت مؤتمراً عالمياً لدعم المدنيين السوريين، خصوصاً منكوبي الاحداث الدائرة هناك والتي شردت وهجرت الملايين منهم.

المؤتمر الذي شارك فيه قادة دول ومسؤولون رفيعون من عشرات الدول لم تكن نتائجه بمستوى الطموح. بينما تنوعت مناقشاته ما بين السياسة والاقتصاد، لكنها ركزت على سبل مساعدة الشعب السوري المنكوب، قبل ان تقفز الى مسألة «اعادة اعمار سوريا»، رغم انه مشروع مؤجل الى حين، ومرتبط بتطورات الموقف هناك.
فقد بلغ مجموع التبرعات التي اعلن عنها خلال المؤتمر حوالي المليار دولار، مع ان الرقم المستهدف هو مليار ونصف المليار دولار. تبرعت بالجزء الاكبر منها كل من المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة والكويت. في حين اخفت دولة قطر حجم تبرعها ولم تكشف عنه في المؤتمر واكتفت بالحديث عن مشروع لاعادة اعمار سوريا. وهي الخطوة التي فتحت باب الاجتهاد حول مغازي الحديث عن اعادة الاعمار قبل ان ينحسم الملف وقبل ان تصل الثورة الى مداها. فقد أعلنت الكويت والامارات والسعودية في مؤتمر المانحين الدولي الذي تستضيفه الكويت عن تقديم 300 مليون دولار من كل دولة كمساعدة للسوريين الذين يعانون مباشرة من النزاع الدامي المستمر منذ 22 شهراً، ما يعني ان حجم المساعدات التي قدمتها الدول الثلاث وصلت الى تسعماية مليون دولار، بينما كانت حصيلة باقي التبرعات مائة مليون فقط. كما أعلنت البحرين عن تقديم مساعدات بـ 20 مليون دولار لصالح الشعب السوري، فيما تعهدت المانيا بتقديم عشرة ملايين يورو.
وشاركت 59 دولة في المؤتمر إلى جانب وكالات عدة تابعة للامم المتحدة ومنظمات غير حكومية، فيما يهدف المؤتمر الذي استمر يوماً واحداً إلى جمع 1،5 مليار دولار لصالح المدنيين السوريين النازحين، والذين يعانون مباشرة داخل الاراضي السورية.

الواقع الانساني
خلال المؤتمر الذي ركز على الواقع الانساني للشعب السوري وصف الامين العام للامم المتحدة بان كي مون الوضع في سوريا بأنه «مأساوي»، ودعا إلى تقديم المساعدات بشكل عاجل محذراً من أنه في حال الفشل في جمع الموارد اللازمة، فإن المزيد من السوريين سيموتون. ودعا بان كي مون طرفي النزاع في سوريا إلى «وقف القتل»، واشار إلى أنّه استناداً إلى تقارير الامم المتحدة، اسفر النزاع عن تدمير نصف المستشفيات وربع المدارس في سوريا، فضلاً عن الاضرار الجسيمة التي لحقت بالمنشآت الحيوية الأخرى. واعتبر كي مون أن المساعدة الانسانية لا يمكن أن تحل الازمة التي هي بحاجة إلى حل سياسي.
من جانبها، قالت منسقة المساعدات الانسانية في الامم المتحدة فاليري اموس: إن ثلاثة ملايين سوري نزحوا داخل الاراضي السورية، فيما يحتاج 2،3 مليون سوري على الاقل لمساعدات اساسية عاجلة. وقالت اموس إنه سيتم تخصيص 519 مليون دولار من الاموال التي ستجمع في المؤتمر للمناطق الاكثر تأثراً بالنزاع. ويفترض أن يخصص قسم آخر من المساعدات لاكثر من 700 الف سوري لجأوا إلى الدول المجاورة، خصوصاً لبنان والاردن، فيما تتوقع الامم المتحدة أن يصل عدد هؤلاء إلى 1،1 مليون نسمة في حزيران (يونيو).
وقال مفوض الامم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين انطونيو غوتيريش امام المؤتمر: إن عدد اللاجئين المسجلين في الدول المجاورة لسوريا بلغ 712 الف شخص، الا أنه قدر عدد السوريين الذين غادروا بلادهم بمليون شخص. والقى العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني والرئيس اللبناني ميشال سليمان اللذان يستضيف بلداهما قسماً كبيراً من النازحين السوريين، كلمتين شددا فيهما على ضرورة مساعدة البلدين على تحمل اعباء استضافة اللاجئين. وقال الملك عبدالله الثاني: «إن الاردن استقبل مئات الآلاف وتحمّل ما هو فوق طاقاته وامكانياته». من جانبه، اكد الرئيس اللبناني أن بلاده بحاجة إلى 370 مليون دولار لتلبية احتياجات اللاجئين السوريين في لبنان. واذ اكد أن حدود لبنان ستظل مفتوحة، قال إنه لا يسع لبنان الا أن يدعو المجتمع الدولي إلى تقاسم الاعباء معه، مشيراً خصوصاً إلى الأعباء المادية أو امكانية استيعاب بعض النازحين في دول عربية أخرى، وانما ليس على قاعدة الترحيل.
وتعهدت منظمات خيرية خلال المؤتمر بتقديم 182 مليون دولار كمساعدات للمدنيين السوريين الذين يعانون من النزاع الدامي. وأعلنت عن هذه الوعود الهيئة الخيرية الاسلامية العالمية التي نظمت المؤتمر بمشاركة 77 منظمة كويتية واقليمية وعالمية. وبدورها أعلنت المفوضية الاوروبية أنها ستقدم 100 مليون يورو اضافي لمساعدة السوريين المتضررين من النزاع. وغاب عن هذه القمة أي ممثل للنظام السوري أو المعارضة. من جانبه، أعلن الرئيس الاميركي باراك اوباما عن مساعدة اضافية بقيمة 155 مليون دولار للاجئين السوريين الذين يواجهون «وحشية» نظام الرئيس بشار الاسد. وقال اوباما في شريط فيديو نشر على يوتيوب: «أريد التحدث مباشرة الى الشعب السوري».

اعادة اعمار
وفي المؤتمر غابت قطر عن إعلان دعمها، واكتفت بدعم آخر، وفكرة جديدة مضمونها  إقامة مؤتمر دولي لإعمار سوريا «ما بعد الأسد». وقالت قطر في كلمتها في المؤتمر عبر وزير الدولة للشؤون الخارجية خالد العطية: إن الهدف من الدعوة لمؤتمر الإعمار هو بناء «سوريا الجديدة». وقال العطية إن الهدف من ذلك هو حشد الدعم لتمويل عمليات البناء والإعمار، وإعطاء الشعب السوري في هذه المرحلة مؤشرات قوية على أن المجتمع الدولي سيقف معه، ويشد أزره بعد إسقاط النظام، واستكمال النصر، وبناء المدارس والمستشفيات والمصانع والمؤسسات الخدمية والاقتصادية التي دمرتها قوات النظام السوري.
اما مشاركة كل من الأردن ولبنان في المؤتمر، فتهدف إلى دعم الدول الحاضنة لمخيمات النازحين، وهو ما طالب به العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في كلمته في المؤتمر. كما طالب بإنشاء صندوق لدعم اللاجئين في الدول العربية. وطالب بالحرص على دعم الدول التي تستقبلهم، وقال إن هذا الصندوق سيكفل الدعم والإمكانيات للدول التي تستقبل اللاجئين السوريين حتى تتمكن من الاستمرار في تقديم الخدمات الإنسانية لهؤلاء اللاجئين، معتبراً أن الأردن يستقبل الآلاف من اللاجئين السوريين وتحمّل في سبيل توفير الخدمات الانسانية والأساسية لهؤلاء ما هو فوق طاقاته وإمكانياته.
والأمر ليس بعيداً عن الرئيس اللبناني ميشال سليمان، الذي أشار إلى أن تكلفة استقبال اللاجئين السوريين تتجاوز الـ «380 مليون دولار» آملاً الا يأتي الدعم فقط عن طريق تقديم المساعدة المالية والمادية المتناسبة مع الإحتياجات، بل كذلك عن طريق النظر في إمكان إقرار برنامج «تقاسم متكافىء للأعباء»

 

الكويت – «الاسبوع العربي»


مصر… على شفير الهاوية والانفجار

عادت مصر الى قلب العاصفة، مواجهات بين المتظاهرين، ورجال الامن، وانصار الاحزاب الاسلامية، الحاكمة، اجبرت الرئيس محمد مرسي، الى اختصار زيارته الى المانيا والعودة لمتابعة الاحداث عن كثب، بينما كانت مؤسسة فيتشر تخفض مرتبة السندات المصرية، ويرفض اكثر من الف من رجال الامن، النزول الى الشارع، لمواجهة الاضطرابات للنقص في التجهيزات.

من هنا تبدأ مآسي مصر المتكررة والمتجددة: انعدام الامن – الذي حول منذ اشهر شوارع مصر وساحاتها، الى امل الثوار الاخير. وملاذهم، والى صف امامي لعنف اعمى، مجنون، الى مملكة قاتمة السواد، تتنفس عبرها مجتمعات، قمعت على مدى سنين طويلة، فتستغل الفوضى، لتفرغ ما فيها من مشاعر غضب واحاسيس، تقضي على كل شيء، كما في رواية البير كامو: الطاعون، بالمزيد من التظاهرات والمزيد من الاضطرابات.
ولم يعد هناك، من يحصي عدد المشاركين في التظاهرات، وما اذا كانت مليونية ام اقل، في القاهرة، وفي سائر المدن المصرية، بينما تحول ميدان التحرير، من رمز لثورة شجاعة، الى ساحة لانتفاضة دائمة، متواصلة. من دون قيادة ولا هدف، الى زاوية فوضوية تمددت في سرعة الى ابواب القصر الجمهوري، في الضاحية الشرقية للعاصمة، طريق هليوبوليس. واحاطت قوى الامن بمحيط القصر بكثافة، ولكن من دون عدوانية، مع اوامر بعدم التدخل، الا عند الضرورة. الشعارات التي اطلقت كانت سياسية. طالب بعضها، باستقالة محمد مرسي، الرئيس المنتخب من الاخوان المسلمين، والمتهم مع حركته، بخيانة الثورة، ولكنه لم يكن للحراك اي هدف سوى الاعتراض، من دون اية قيادة واي توجه.

لعبة شد حبال
قادة المعارضة، انفسهم، الذين كانوا دعوا المصريين الى يوم اعتراض اخر، طلبوا من المتظاهرين تجنب العنف، ولكن القاهرة، وبورسعيد، والاسماعيلية والسويس، تشبه منذ 24 كانون الثاني (يناير) ساحات حرب، اكثر منها مدناً. عشرات القتلى سقوط توتر مرتفع، كان من المفروض في احزاب المعارضة توقعه، عندما استمرت في لعبة شد الحبال مع الحكومة ودفعت بالشباب للنزول الى الشارع.
ولا يقل الاخوان المسلمين عنها هواية، وعدم شعور بالمسؤولية، وعجز عن ضبط النفس والاوضاع. فالعسكر، كانوا تدخلوا، وكذلك الازهر، واعلى القيادات لاقناع الجميع بالعودة الى الحوار، ولكن يبدو، انه ليس في استطاعة احد، ام انه ليس من مصلحته، وقف حراك الشارع.
وكما حصل قبل سنتين، تواجد الجيش المصري، في اماكن التوتر، ولكنه لم يتدخل. فالاوامر هي اليوم، كما كانت قبل سنتين، بعد ان اوكل محمد مرسي شؤون الامن، الى القوات المسلحة، بـ «عدم اطلاق النار» على الناس فتركوا «الاعتداءات» الى الشرطة حتى الآن.
كما لو ان الجنرال عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع والقائد الاعلى للجيش، والرجل القوي الجديد، ينتظر بعد ان اعلن، منذ ايام ان البلاد تقف على شفير الهاوية. فوقته سيأتي، وساعته ستدق عاجلاً ام آجلاً. وبدعوة من اكثرية تتزايد بين المصريين، الذين تعبوا  من هذه الفوضى والذين يطمحون الى العيش في هدوء ونظام.
انه نموذج، شبه عادي، فقد وقعت الشرطة في الفخ، عندما عمدت، امام القصر الجمهوري، الى تعرية احد المتظاهرين، وسحله. وسقط 78 جريحاً، فاعرب الرئيس مرسي عن المه، ودعا الى دعم القوانين، بضمانات «تمنع تعذيب المواطنين والحاق اضرار جسدية بهم، من قبل رجال الامن»: والتزام حقوق الانسان.
وبينما دعا وزير الداخلية، محمد ابرهيم، الى التحقيق في الحادثة، طالبت المعارضة باستقالته. وانضم الجميع الى التحذير الذي اطلقه قائد الجيش من وقوف مصر على شفير الهاوية.

ظاهرتان
تميزت احداث الذكرى الثانية لولادة الثورة على نظام حسني مبارك، بظاهرتين:
الاولى: حركة مقاومة شعبية عرفت باسم «المجموعة السوداء»: شباب لا ينتمون الى اي تنظيم معارض، يضع اعضاؤه عصبة سوداء على رؤوسهم، شاركوا في تأزيم اجواء التظاهرات، فرموا الحجارة على رجال الشرطة، الذين ردوا بقنابل مسيلة للدموع، وتحولت علامة العصبة السوداء الى علامة مميزة والى رمز، تسعى الحكومة الى محاربته، باحالة جماعته الى المحاكمة. وحمّل المدعي العام طلعت عبدالله، الذي تطالب المعارضة بتنحيته، هذه الجماعة مسؤولية اعمال العنف التي اجتاحت مصر.
وكانت ظاهرة العصبة السوداء ولدت في اوروبا، بين السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وسيلة مفضلة من كل انواع مجموعات الناشطين، سواء ضد النووي ام الفوضويين. وبدأت في الظهور في شوارع القاهرة في الاسابيع الاخيرة، مستغلة اجواء عدم رضى شعبي متزايد، على الاصلاحات الاسلامية الاتجاه التي يطلقها الرئيس الاخو اني، محمد مرسي.
احد المقربين من هذه الجماعة. احمد عمر (22 سنة)، يعتبر ان هذه الجماعة ليست سوى موجة يركبها النظام، ليفرغ فيها كل المشاكل التي يواجهها، وكان احمد عمر، دخل السجن خمس مرات في ايام الاضطرابات، ضد نظام حسني مبارك، ويعتبر ان هذه الجماعة تشكل مفتاحاً للولوج الى مستقبل الثورة، بتصميمها على المحافظة على وحدة خطها، ولن يكون من السهل على النظام المصري، التخلص منها.
وكان احد اعضاء المجموعة السوداء سرق سيارة مصفحة للشرطة قادها الى ميدان التحرير، واحرقها، خلال الاسبوع الماضي، اشارة الى انتماء الجماعة الى الحركة الاعتراضية المصرية.

التحرش والاعتداء الجنسي
والظاهرة الثانية، كانت عودة ظاهرة التحرش والاعتداء الجنسي على النساء في ميدان التحرير، وكانت احدى ضحايا هذه الممارسة، في تظاهرات الاسبوع الماضي، ضد حكم الاخوان، صحافية، تنشط في الشارع، منذ الثورة على حسني مبارك واستمرت ضد تسلط محمد مرسي، واكدت لنا على الهاتف، ان حوالي 15 رجلاً اعتدوا عليها (عمرها 40 سنة)، على مدى 40 دقيقة، ولم يستمع احد من مئات الآلاف الذين تجمعوا في الميدان، لان تكتيك الطغمة، يقضي بالاحاطة بالضحية بينما ينفذ احدهم جريمته. وهكذا دواليك، بالدور. وقالت على الهاتف: «شعرت وكأنني اموت، ممزقة الثياب، واغمي علي، الى ان استفقت في احد المستشفيات نقلتني اليه سيارة اسعاف!
وتصر، على ان النساء يبقين امل ميدان التحرير بالرغم من الاعتداءات الوحشية التي يتعرضن لها، والتي ليس في استطاعة احد ان يدعي انها لا تحصل وانها من بنات خيال عملاء اجانب للاساءة الى الرجل المصري.
وتقدمت الزميلة بشكوى الى القضاء باسمها واسم 19  امرأة اخرى، تجرأن مثلها، بينما تفضل الاكثرية من النساء السكوت، خوفاً ام حياء ولا تنتظر الزميلة المصرية ان تؤدي مبادرتها التي شجعها زوجها عليها، الى اعتقال الفاعلين، وانما الى كشف ما يحصل في الميدان، رمز الثورة، بعد ان تحولت القاهرة، الى عاصمة عربية، للتحرش الجنسي، حيث يقدر المركز المصري لحقوق الانسان، ان نصف عدد نسائها، يتعرضن لمثل هذه الاعمال يومياً، وان 83 في المئة، من نساء القاهرة يتعرضن للتحرش الجنسي، مرة واحدة على الاقل، في حياتهن، ولعل الذين شاهدوا فيلم «البوسطة» يذكرون شيئاً مما يحصل.
والجديد، كما في قصة البوسطة، هو تكاثر عدد اللواتي يرفعن الصوت، شكوى واستنكاراً واشارت احصاءات مواقع انترنيتية، الى وقوع 51 حالة في الاسكندرية، و9 في اسيوط، و776 في القاهرة، منذ اندلاع الثورة وفي ساحات هذه الثورة.
وتشدد الزميلة، التي تخضع حالياً، لعلاجات نفسية، ان مصر، هي شيء اخر، غير هذا الذي حصل لها، ولكن حان الوقت للتعمق في الداخل، في الدهاليز التي تغذي الغرائز الدينية، وتقول: ان الديموقراطية ليست مجرد تأسيس احزاب وانتخاب، وطلب اصلاحات، ولكنها كذلك الشجاعة، والشجاعة بالنسبة الى نساء مصر، هي الامل، الذي يبقى شعار الديمو قراطية.

الاستقرار
ويبقى ان مصر لن تستطيع تخطي 30 سنة من الحكم الاستبدادي، بآخر تسلطي وان كان اسلامياً، وديمقراطي الواجهة. فان اكبر الدول العربية، هي حاجة ماسة وسريعة الى الاستقرار الى حل سياسي مصداق، وديموقراطي صحيح، ينتج عن حوار وطني غير موجود، يتجسد في دستور منفتح جامع وموحد، ولا يشكل الدستور الذي جرت الموافقة عليه في كانون الاول (ديسمبر) الماضي، باكثرية اقل من ثلث الناخبين، لا يشكل هذا الحل، ولا البرلمان الذي سينتج عنه.
فتحقيق هذا الاستقرار، يحتاج الى وقت، قدره رئيس الحكومة المصرية، هشام قنديل، عندما قال في منتدى دافوس الاقتصادي «ان استقرار ثورة مثل ثورتنا يحتاج الى ثماني ام عشر سنوات».
وكان هشام قنديل، فاجأ الجميع، عندما احتفل بالعيد الثاني للثورة المصرية، في منتدى دافوس، بين رجال الاعمال والمستثمرين الغربيين، وليس في القاهرة، في قلب مصر المشتعلة، لانه اعتبر ان وجوده هناك «اكثر فائدة لمصر، فالمنتدى، هو افضل واجهة لنشرح للعالم، احتياجاتنا، لان المال الذي تحتاج اليه استثماراتنا، موجود هنا». واردف قنديل: «ان الخبز، والحريات والعدالة الاجتماعية، والكرامة الانسانية، كانت شعارات ثورة ميدان التحرير، انني هنا لاشرح ذلك».
وتحدث مطولاً، الى كريستين لاغارد، رئيسة صندوق النقد الدولي، حول قرض 4،8 مليار دولار، توقف البحث حوله، من دون ان يستأنف جدياً.

اصلاحات
وجاءت الاحداث تعيق التقدم، اضافة الى مطالبة صندوق النقد الدولي، عشية انتخابات عامة، يريدها النظام المصري، اجراء اصلاحات اقتصادية قاسية، بدءاً من تخفيض الدعم لاسعار الوقود والخبز والمطلوب من رئيس حكومة مسؤول عن سياسة محمد مرسي الاقتصادية، ان يرضي صندوق النقد الدولي، ولا يغضب الناخب المصري، فرأى ان بعض الاصلاحات المطلوبة، يمكن تنفيذها الآن، وتأجيل اخرى، ولم تكن احداث الايام الاخيرة، واردة في الحساب .
وكان قنديل، وافق قبل ذهابه الى دافوس، على اصدار شهادات استثمار اسلامية، اعتبرها البعض، كناية عن زكاة دولية. وفي حين شكك علماء الازهر، بالتزامها قروض الشرع، اعتبرها اقتصاديون علمانيون، من بقايا «القرن التاسع عشر».
وفي خصوص الاستقرار، رأى احد قادة المعارضة المصرية، عمرو موسى، الامين العام السابق للجامعة العربية: «ربما كان قنديل على حق في ما يتعلق بالاستقرار السياسي، ولكنني اعتقد ان ثماني ام عشر سنوات، هي كثيرة بالنسبة الى الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، ليس في استطاعة مصر ان تتحمل مثل هذا الوقت، ان البلاد على شفير الهاوية والانفجار » 

 

ج. ص


العراق: المالكي والمنتفضون عليه… مواجهات على كل المستويات

المتظاهرون والمحتجون المعارضون العراقيون لرئيس الوزراء نوري المالكي يواصلون حراكهم وتحركاتهم للشهر الثاني على التوالي مطالبين برحيل رئيس الوزراء نوري المالكي الذي يتشبث بمركزه مستخدماً كل الوسائل للحفاظ على الحكم رغم تصعيد المعارضة التي تطالب باخراج الجيش من الفلوجة والموصل وسواهما من المدن العراقية.

يجهد المتظاهرون في العراق لتحقيق ثلاثة امور اساسية هي:
الاول: ان اليأس والقنوط لم يدخلا الى نفوسهم بعد، وان الرهان على قرب تسلل الوهن الى صفوفهم لم يتحقق بدليل انهم نجحوا نهار الجمعة ما قبل الماضي في تسيير تظاهرات تجاوز عدد المشاركين فيها مئات الآلاف في المحافظات الثلاث (نينوى، الانبار وديالى) وبغداد، فبددوا بالتالي كل ما تأمل به حكومة بغداد، وهو ان يكون عامل الوقت سلاحاً ضد التظاهرات والاعتصامات المفتوحة.
الثاني: ان المحتجين عبروا عملياً الى المرحلة الثانية من حراكهم، اذ بات شعار «ارحل» الموجه الى المالكي شخصياً شعاراً دائماً ومستمراً ولم تعد المسألة تتوقف عند حدود المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات او تعديل بعض الانظمة المتصلة بقانون «المساءلة والعدالة». وهذا الامر يعني بشكل او بآخر ان المحتجين صاروا امام تحديات جديدة وامام اشكال اكثر تصعيداً من الحراك والتعبير.
الثالث: ان المحتجين بدأوا يسعون ليكون لحراكهم بعد دولي واقليمي، اذ استقبل الاب الروحي للحراك الشيخ عبد الملك السعدي ممثلين عن مفوضية الامم المتحدة في العراق،  ودعا صراحة الى ان تأخذ المنظمة الدولية دوراً اكبر في الوقوف على رأي المعارضين والمعتصمين وفي التأثير على مجرى الاوضاع المضطربة في الساحة العراقية.
وهذا ان دل على شيء، فإنما يدل على ان المحتجين والمعترضين ما برحوا في طور التصعيد وليس الجنوح الى الدخول في حوار يفضي الى تسوية مع الحكومة العراقية وعدم التجاوب مع اطر الحوار والحل المتعددة التي ابتدعتها الحكومة. وانهم ايضاً مستعدون للذهاب في حراكهم واحتجاجهم الى حد تدويل المسألة العراقية برمتها.

شعار تصعيدي
وكدليل على رغبة المحتجين في التصعيد رفعهم اخيراً شعار اخراج الجيش العراقي من الفلوجة والموصل وسواهما من المدن العراقية التي يمكن اعتبارها جزءاً من المدن المنتفضة في وجه حكومة المالكي.
وفي المقابل، فإن المالكي واصل السير على نهج سياسة الترغيب والترهيب التي اتبعها منذ بداية الحراك قبل نحو شهر ونصف الشهر، بغية امتصاص غضب المحتجين وخفض منسوب حراكهم واحتجاجهم.
ففيما واصلت لجنة تقصي الحقائق النيابية برئاسة النائب الاول لرئيس مجلس النواب العراقي خالد عطية مهمتها مطالبة بسحب الجيش العراقي الى خارج الفلوجة، فإن اللجنة الخماسية المشكلة من القوى والائتلافات الاساسية التي تشارك في الحكومة والتي يرأسها ابرهيم الجعفري واصلت مهمتها ايضاً في اجراء المزيد من الاتصالات والحوارات.
وفي الآونة الاخيرة، لجأت الحكومة العراقية الى اسلوب جديد بغية استيعاب حراك المحتجين اذ اتصلت بشيوخ عشائر ووجهاء في وسط وجنوب العراق من اجل اقناع اقرانهم في المحافظات والمدن المشاركة في الانتفاضة، بإنهاء اعتصامهم والاستجابة لمطلب الحوار والتلاقي مع الحكومة في بغداد.
والمعلوم انه كانت للمالكي سابقاً محاولات على هذا المستوى اذ اتصل بزعماء عشائر ووجهاء يقيمون في الاردن بغية الاضطلاع بدور في التهدئة وفتح قنوات اتصال وحوار بين الحكومة والمعترضين.

رد المالكي
وفي مقابل تلك السياسة المرنة التي تفصح عن رغبة معلنة بالبقاء على اقنية اتصال مع المحتجين، كان للمالكي في مجال التصعيد والكباش مع المحتجين شأن آخر يتصف بالسلبية والتصلب، اذ بادر خلال الاسبوع الماضي الى منح وزراء القائمة العراقية الذين اعلنوا مقاطعتهم لجلسات الحكومة تضامناً مع المحتجين اجازة اجبارية وكلف زملاء لهم بإدارة شؤون وزاراتهم بالنيابة.
والواضح ان هذا الاجراء السلبي من جانب المالكي من شأنه ان يبدد جهوداً بذلت في خلال الايام القليلة الماضية لجمع المالكي بأقطاب من «القائمة العراقية» بغية العمل على ترطيب الاجواء بينهما وتمهيداً للمساهمة في تسوية الازمة المتفاقمة اخيراً على الساحة العراقية.
والمعروف ايضاً ان «القائمة العراقية» لم تجنح اصلاً منذ بداية الازمة الاخيرة ضد حكومة المالكي بالكامل، فهي حاولت في البداية الاضطلاع بدور الوسيط مع المحتجين للوقوف على مطالبهم وتهدئة حركة احتجاجهم، فكان نتيجة ذلك الاعتداء على موكب نائب رئيس الوزراء العراقي (احد اقطاب القائمة العراقية) صالح المطلك، ثم اغتيال احد اقطاب القائمة العراقية النائب عفان العيساوي ابان توجهه الى احد مراكز احتجاج المحتجين في الانبار.
ورغم ان وزراء القائمة العراقية اعلنوا مقاطعة جلسات حكومة المالكي حتى تلبية المطالب التي يرفع لواءها المتظاهرون والمحتجون، فإن ذلك لم يعد الاعتبار بالكامل لهذا الاطار السياسي لدى المحتجين الذين صار لهم قيادة مختلفة من خارج الاطر السياسية التقليدية وبدا ان لهم «اجندة» سياسية خاصة.

استعداء «الصحوة»
وامعاناً من المالكي في متابعة نهج الضغط على خصومه حلفاء الامس، بادر الى سحب افراد الحراسة الرسمية من حول احد ابرز زعماء مجالس الصحوة في محافظات الوسط العراقية، الشيخ احمد ابو ريشة. والمعلوم ان ابو ريشة هو من عائلة احد مشايخ عشائر كانت قدمت العديد من افرادها واحدهم شقيق الشيخ ابو ريشة ضحايا في مواجهة تنظيم «القاعدة» ابان الفترة التي سيطر فيها على مساحات واسعة من المحافظات ذات الثقل السني، وقد كان لتضحيات هذه العشائر التي شكلت مجالس الصحوة دور كبير في اسقاط هيمنة هذا التنظيم على محافظات من العراق، مما مهد لاعادة هذه المحافظات الى تحت سيطرة الحكومة المركزية في بغداد وغيرت بشكل جذري مجرى الصراعات والمواجهات في الساحة العراقية، مما ادى الى قلب المعادلات.
والمعروف ايضاً ان الشيخ احمد ابو ريشة اعلن انحيازه الى جانب حركة المحتجين والمعارضين في الآونة الاخيرة ومعه اعلن العديد من مجالس الصحوة في محافظات الوسط انضمامها الى هذا الحراك الاحتجاجي المستمر، مما افقد حكومة بغداد العديد من ركائز واشكال حضوره القوي في وسط اجتماعي جعل بينه وبين الحكومة المركزية وسيطاً، وهو عبر تسوية سياسية اعاد هذه المحافظات الى كنف الشرعية العراقية، وانهى خروجها عليه وذلك وفق شروط وانظمة معينة وانماط بالغة التعقيد والحساسية.
وفي كل الاحوال، بدا جلياً ان المحتجين وجدوا في مجالس الصحوة وزعماتها عضداً قوياً كون هؤلاء لم يجدوا اصلاً صيغة تفاهم حاسمة مع الحكومة المركزية، التي لم تستجب بالمطلق لشروطهم ومطالبهم، ولا سيما مسألة جعل عناصر الصحوة جزءاً من قوات الامن العراقية بكل ما يعني ذلك من واجبات على السلطة وحقوق لهؤلاء العناصر.

العراق الجديد
وفي الوقت عينه، واصل المالكي اعتبار ما يحصل في ساحته من اضطرابات بأنه جزء لا يتجزأ من خطة واسعة لا تريد الاستقرار لا للعراق ولا لدول اخرى مثل سوريا ومصر والبحرين، ويبغي ابقاء هذه الدول في حال ارباك، لكي تخرج عن دورها المحوري لمصلحة مشروع تشارك فيه تركيا وتستفيد منه اسرائيل.
واكد المالكي مجدداً، ان «العراق الجديد يرفض التدخل من اي دولة في الدنيا»، واضاف: «لا نتدخل في شؤون الدول الاخرى»، واعتبر ان «هناك عناصر مخابرات من دول اقليمية في المناطق التي تجري فيها تظاهرات (في العراق)»، مؤكداً انه «لا يوجد سجين سياسي او صحافي او نقابي في العراق».
ورأى ان «السياسة العراقية المعمول بها هي سياسة الاستيعاب وامتصاص الازمات»، وان «الدستور العراقي يحتاج الى تعديل وهو تضمن فقرة تتعلق بالتعديل»، مضيفاً ان «الذين يرفعون الشعارات الطائفية سينتهون الى لا شيء لانه لا احد يقبل بهم في العراق»، واضاف: «اذا تمردت فصائل اخرى لاعادة القاعدة فسيكون هناك حل امني».
ولعل الفقرة الاخيرة من تصريح المالكي توضح انه بات لديه خشية من عودة تنظيم القاعدة الى الساحة العراقية بتسهيل من المحتجين.
وفي غضون ذلك، فإنه برزت خلال الاسبوع الماضي تداعيات وتأثيرات «الانتفاضة» التي بدأت ضد المالكي وحكومته على الوضع الشيعي العراقي الذي يشكل السند والظهر للمالكي، اذ بدا واضحاً ان ثمة انقساماً ضمنياً غير مرئي داخل هذا الوضع حيال المالكي نفسه، وحيال مسألة طرحتها «القائمة العراقية» وهي اقالة المالكي وقيام التحالف الوطني العراقي بتسمية بديل عنه بعدما صار شخص المالكي عنوان الازمة.
فلقد تبين ان ثمة اطرافاً في هذا الائتلاف بدأت تأخذ هذا المطلب على مأخذ الجد وتتداول به على اساس انه مادة اساسية لسحب البساط من تحت اقدام المحتجين، وبالتالي سحب احد ابرز ذرائعهم لتطويل امد حراكهم.

انتقادات مرجعية النجف
وما رسخ في هذا الاعتقاد صدور انتقادات من جانب مرجعية النجف على المسلكية السياسية للعديد من الاطراف في العملية السياسية في العراق، ومنها الحكومة وهو امر يعد تطوراً جديداً على خطاب هذه المرجعية التي كانت اكتفت حتى الامس بالدعوة الى النظر بشكل جدي في مطالب المحتجين والاجابة على المشروع منها، فقد اتهم ممثل المرجع الاعلى علي السيستاني احمد الصافي اطرافاً سياسية لم يسمها بـ «النفاق السياسي والعيش على الازمات»، وقال: «ليس هناك من خيار امام السياسيين الا الخروج من الازمة بكلمة موحدة، وهذا لن يتحقق الا بالحوار الجاد والنافع»، لافتاً الى ان «الكثير من المشاكل كانت يسيرة الحل، لكن هناك اطراف سياسية تعودت العيش على فتات الموائد ودائماً ما تثير الفرقة وعدم الثقة والكذب تحدث شرخاً بين السياسيين وتحول دون حل المشكلات».
ودعا احد مراجع النجف الاربعة الكبار بشير النجيفي الى عدم انتخاب اي قائمة لديها وزير ولو واحد يمثلها في الحكومة الحالية، معتبراً ان «الذين جاءوا الى الكراسي خدموا جيوبهم ولم يخدموا الشعب».
ومهما يكن من امر فإنه بدا في الآونة الاخيرة ان طهران بعثت برسالة الى قادة الطيف السياسي القريب منها بدعم حكومة المالكي وبالعمل على اجهاض محاولات سحب الثقة منهم وعدم وضع خطوط حمراء على ترشيحه لولاية ثالثة.
وفي هذا الاطار يتم بذل جهود لاقناع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ليعود الى حظيرة التوافق مع المالكي وانهاء القطيعة معه

 

ابرهيم بيرم


عدن: خفر السواحل يضبط شحنة صواريخ ارض – جو ايرانية الى الحوثيين

على مدى الاسبوع الفائت شهدت اليمن اجراءات امنية مشددة، على خلفية نشاطات سياسية ودبلوماسية مكثفة محورها متابعة تطبيق العملية الانتقالية للسلطة تبعاً للمبادرة الخليجية. فاضافة الى قيام امين عام مجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني بزيارة الى العاصمة اليمنية صنعاء، عنوانها متابعة اجراءات الانتقال السلمي للسلطة في اليمن، قام وفد من مجلس الامن الدولي بزيارة الى العاصمة اليمنية تحت العنوان عينه.

تحولت مختلف انحاء اليمن ومنها المناطق التي سيزورها الوفد الدولي والمسؤول الخليجي الى مناطق امنية ساخنة بحكم الترتيبات التي اتخذت، لكنها كانت اكثر صرامة في ما يخص الوفد الدولي المكلف باجراء دراسة على الارض لجميع تفاصيل العملية الانتقالية من جهة، والعقبات التي تواجه الملف بكل تفاصيله من جهة ثانية.
في تلك الاثناء بدت الساحة السياسية والامنية اليمنية منشغلة بحدثين كبيرين: اولهما احتجاز تنظيم القاعدة مجموعة من الرهائن الاجانب، وقيام مجموعات عسكرية بعملية تحرير المحتجزين الامر الذي ترجم على شكل عملية عسكرية لا يستهان بها. والثاني الكشف عن شحنة اسلحة ايرانية مرسلة الى الحوثيين حيث اكدت الحكومة اليمنية رسمياً ان الشحنة المكونة من صواريخ ارض – جو ومواد متفجرة مصدرها ايران ومرسلة الى الانفصاليين الحوثيين في شمال البلاد.
ميدانياً، اقامت قوات الامن والجيش حواجز تفتيش داخل صنعاء وعند مداخلها فيما تم منع حمل السلاح بما في ذلك السلاح المرخص. وافادت وكالة الانباء اليمنية ان وزارة الداخلية اعلنت منع التجوال بالدراجات النارية التي غالباً ما تستخدم في هجمات وعمليات اغتيال، وبعدم حمل السلاح المرخص وغير المرخص في امانة العاصمة على مدى ثلاثة ايام متواصلة هي الفترة التي سبقت الزيارة واثناءها.

الزياني في اليمن
وبالتزامن، وصل الامين العام لمجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني الى اليمن للمشاركة في الاجتماعات التي يعقدها وفد مجلس الامن لمناقشة عملية الانتقال السياسي «الصعبة» في اليمن. واجرى الوفد محادثات مع الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومة الوحدة الوطنية التي شكلت بموجب اتفاق انتقال السلطة الذي رعاه مجلس التعاون الخليجي، والذي اسفر عن تنحي الرئيس السابق علي عبدالله صالح في شباط (فبراير) 2012. وبحث الوفد الصعوبات التي تواجه عقد مؤتمر للحوار الوطني بموجب اتفاق انتقال السلطة الذي كان يتعين عقده في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، والذي تأخر بسبب تحفظات الحراك الجنوبي الذي يطالب بعض مكوناته بالفدرالية بينما تطالب اخرى بانفصال المنطقة التي كانت دولة مستقلة حتى 1990. في هذه الاثناء، قتل جنديان يمنيان و16 من عناصر تنظيم القاعدة في العملية التي شنها الجيش اليمني في وسط البلاد ضد عناصر من التنظيم يشتبه في احتجازهم ثلاث رهائن غربيين، في محافظة البيضاء.
ووفقاً لاحد اعيان القبائل قتل ستة عشر عنصراً من مسلحي القاعدة في أربع غارات جوية شنها سلاح الجو اليمني على مواقع كانوا يتمركزون فيها في منطقة قريبة من بلدة المناسح بمديرية ولد ربيع شرق مدينة رداع وسط اليمن.
من جانبه قال مسؤول محلي في محافظة البيضاء ان جنديين قتلا في انفجار سيارة مفخخة استهدفت موقعاً للجيش بالقرب من رداع. واضاف المصدر ان سيارة مفخخة اخرى استهدفت موقعاً اخر للجيش في القطاع نفسه لكنها لم توقع ضحايا. وقتل 11 عسكرياً في هجوم بسيارة مفخخة نسب الى تنظيم القاعدة في المحافظة نفسها. ومن جهة ثانية، قال المسؤول القبلي ان قوات الجيش تمكنت من تحرير 13 جندياً كان مسلحو القاعدة احتجزوهم في البلدة عينها.
وتدور مواجهات بين قوات الجيش ومسلحين مفترضين من القاعدة في المناطق الواقعة شرق وجنوب شرق مدينة رداع التابعة لمحافظة البيضاء وسط اليمن وذلك في إطار حملة عسكرية تشترك فيها أربعة من الوية الجيش ضد عناصر القاعدة وذلك بعد أن فشل وسطاء قبليون في إقناع مسلحي القاعدة واثنين من قادتهم من عائلة الذهب بتسليم أنفسهم إلى السلطات والإفراج عن ثلاث رهائن هم فنلنديان احدهما امرأة، ونمساوي. وتشتبه السلطات بان الرهائن الذين اختطفوا في 21 كانون الاول (ديسمبر) في صنعاء، محتجزون في المناسح. وتنفي عائلة الذهب احتجاز الرهائن الذين تقول مصادر قبلية انهم في مأرب، الى الشرق من المنطقة، حيث يتمركز تنظيم القاعدة.

اسلحة ايرانية
في سياق مواز، أعلن اليمن أن شحنة الأسلحة التي تم ضبطها خلال الأسبوع الماضي مصدرها إيران ووجهتها الى المتمردين الحوثيين الشيعة. وأكد مصدر أمني أن القارب الذي تم ضبطه كان محملاً بصواريخ أرض – جو من طراز سام – 2 و3. وذكرت وكالة الانباء اليمنية الرسمية أن القارب الذي تم اعتراضه بمساعدة من البحرية الاميركية في بحر عمان في 23 الشهر الماضي «مصدره إيران وكان محملاً بصواريخ ارض – جو من طراز سام – 2 و3». وكانت السلطات اعلنت اعتراض قارب في المياه الاقليمية لكنها لم تذكر شيئاً عن مصدره. واضافت الوكالة أن طاقم القارب المكون من ثمانية يمنيين مكلفين انزال الحمولة بشكل خفي يخضعون للتحقيق حالياً.
من جهته، أوضح مصدر أمني أن وجهة القارب هي «مرفأ المخا» على البحر الاحمر، وأن الشحنة للمتمردين الحوثيين في صعدة. وذكرت وزارة الداخلية اليمنية الأسبوع الماضي أن قوات خفر السواحل والامن اليمنية بالتعاون مع البحرية الاميركية اعترضت سفينة تحمل على متنها أسلحة دخلت بطريقة غير شرعية المياه الاقليمية اليمنية في البحر العربي. واكتشف خفر السواحل على متن السفينة صواريخ ارض – جو تُحمل على الكتف وتُستخدم لاسقاط الطائرات العسكرية والمدنية، اضافة الى متفجرات من نوع سي – 4 وقذائف ومعدات تُستخدم لصناعة المتفجرات المحلية مثل الكبسولات المتفجرة الكترونياً والتفجير الموقوت بجهاز التحكم عن بعد، والتي يمكن وضعها في لاصق على السيارات. وقال البيان إن قوات خفر السواحل والامن اليمنية تأمل في تحديد نقطة ابحار السفينة التي كانت ترفع اعلاماً مختلفة ومزيفة، وذلك بعد عمل تقويم معدات ملاحة السفينة، وكذلك سجلات القيد التي تم العثور عليها على متن السفينة.
وكانت السلطات اليمنية اعلنت قبل ذلك أنها ضبطت في مرفأ عدن شحنة جديدة من الأسلحة آتية من تركيا تتألف من بنادق اوتوماتيكية، وذلك بعد شهرين من ضبط شحنة أسلحة مشابهة في مرفأ عدن آتية من تركيا ايضاً ومخبأة في حاويات تم التصريح عن حمولتها على أنها مواد غذائية. واعلنت الخارجية التركية على الاثر أنها فتحت تحقيقاً في المسألة مؤكدة أن انقرة لم تصرح بارسال مثل هذه الشحنة من الأسلحة الى دول تتعاظم فيها مخاطر النزاع ويمكن أن تتسبب بوقوع المزيد من القتلى

 

صنعاء – «الاسبوع العربي»


تنسيق سعودي – مغاربي للتعامل مع مستجدات المنطقة

اكثر من محطة تواصل سعودي – مغاربي توقف عندها المتابعون على مدى ايام الاسبوع الفائت. فبينما قام وزير الخارجية السعودي بزيارة الى كل من تونس والجزائر، والتقى مع كبار المسؤولين في الدولتين، تلقى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز اتصالاً هاتفياً من العاهل المغربي الملك محمد السادس.

هي محطات تؤشر على نشاط سياسي ودبلوماسي مكثف، يعتقد محللون انه تجاوز اطار العلاقات الثنائية الى البحث التفصيلي في مجالات تعاون غير تقليدية في قطاعات عديدة ابرزها تنسيق المواقف في ما يخص ملفات المنطقة والعالم. فبعد جولة قام بها رئيس الدبلوماسية السعودية وزير الخارجية الامير سعود الفيصل الى كل من تونس والجزائر، تلقى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز اتصالاً هاتفياً من العاهل المغربي الملك محمد السادس، جرى خلاله بحث العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تطويرها. وبحسب بيان صدر في العاصمة السعودية الرياض جرى خلال الاتصال استعراض تطورات الأوضاع على المستويين الإقليمي والدولي، الا ان البيان لم يتطرق الى التفاصيل.
الى ذلك قام الامير سعود الفيصل بزيارة الى العاصمة الجزائرية الجزائر، حاملاً رسالة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز الى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة. وعقد الأمير الفيصل جلسة مباحثات مع وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي تم خلالها بحث مجالات التعاون الثنائي بين البلدين في مختلف المجالات وسبل تطويره بما يجسد إرادة قيادتي البلدين وطموحات الشعبين الشقيقين في بناء تعاون متكامل يقوم على الثقة والإحترام المتبادل والمصلحة المشتركة. وبحسب بيان رسمي، ثمن الجانبان الجهود المبذولة من قبل مسؤولي البلدين لترجمة ما جرى الإتفاق بشأنه سابقاً، وأعربا عن ارتياحهما للخطوات التي تم إنجازها في مسار العلاقات الثنائية. وعقب انتهاء المباحثات، قال الامير الفيصل ان زيارته تشكل فرصة لبحث الاحداث الراهنة في المنطقة العربية.

فرصة للتشاور
واوضح ان هذه الزيارة تمثل فرصة للتشاور بين البلدين والتفاهم حول مختلف القضايا التي تهم العلاقات الثنائية والتطرق ايضاً الى الاحداث الراهنة في المنطقة العربية. واكد الفيصل تطابق وجهات النظر بين الجانبين الجزائري والسعودي  لترقية التعاون بين البلدين لفائدة الامة العربية والاسلامية جمعاء. ويشار الى ان السعودية تدعم بقوة المعارضة السورية المسلحة ضد نظام الرئيس السوري بشار الاسد، في حين تدعو الجزائر التي ترتبط بعلاقات تقليدية مع دمشق، الى حوار بين النظام والمعارضة والى مصالحة وطنية.
وفي موضوع آخر، وضمن السياق عينه، قام الوزير السعودي بزيارة الى تونس شارك خلالها في أعمال الدورة الثانية للجنة المتابعة والتشاور السياسي السعودية – التونسية. وبدأ الوزير السعودي بطمأنة الجانب التونسي بان السعودية لن تسمح لـ «بن علي» بالتدخل في الشأن التونسي. وقال الفيصل خلال لقائه رئيس المجلس التأسيسي التونسي مصطفى بن جعفر أن المملكة لن تسمح لبن علي بالتدخل لا في الشأن السياسي الداخلي السعودي ولا في الشأن التونسي، ولن تسمح له ايضاً بالإدلاء بأي تصريحات إعلامية.
ولفت الفيصل إلى أن السعودية أجرت مسحاً شاملاً لممتلكات الرئيس التونسي الذي هرب إليها منذ أكثر من عامين ولم تعثر على أية ممتلكات له على أراضي المملكة.
وشدّد الفيصل أثناء اللقاء على دعم المملكة لعملية الانتقال السياسي التونسي وعزمها على دعم الاقتصاد التونسي، مشيراً في السيّاق عينه إلى أن صندوق التنمية السعودي خصّص أكبر نسبة من إسهاماته لتونس مقارنة ببقية الدول العربية. من جهته، عبّر بن جعفر للوزير السعودي عن صعوبة المرحلة الاقتصادية التي تمرّ بها تونس خلال فترة التحوّل الديمقراطي، مشيراً إلى أهميّة دعم الدول الشقيقة والصديقة وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، للاقتصاد التونسي خلال هذه الفترة.

مرحلة جديدة
وخلال المباحثات الرسمية، ألقى وزير الخارجية التونسي رفيق عبد السلام كلمة أكد خلالها حرص بلاده على تأسيس مرحلة جديدة في علاقاتها مع المملكة، هدفها الارتقاء بالمصالح المشتركة وتحقيق تطلعات البلدين لدعم علاقاتهما. وأكد عبد السلام أن تونس تسعى لإقامة قواعد جديدة للتبادل التجاري وجلب الاستثمارات، خصوصاً الى المناطق الداخلية المحرومة، مبيناً أن بلاده تعد المملكة في طليعة البلدان التي تأمل تونس في مساعدتها. واستعرض مجمل القضايا العربية والدولية ذات الاهتمام المشترك. ثم ألقى الأمير سعود الفيصل كلمة أكد فيها عمق العلاقات والروابط التي تجمع الجمهورية التونسية والمملكة العربية السعودية، واصفاً إياها بأنها تبشر بالخير، في ظل الإرادة السياسية لقيادتي البلدين، مشيراً الى ان المملكة تنتظر تطوير العلاقات بين البلدين بما يؤدي الى علاقات عربية – خليجية تخدم جميع الدول العربية. واكد انه لا يوجد أي اختلاف بين البلدين في وجهات النظر حول القضايا الدولية. معتبراً ان ما يحدث في سوريا وصمة على جبين الأمة العربية، وفي جبين المسؤولين في سوريا بشكل خاص. واتهم المسؤولين السوريين بانهم هم الذين يقفون عقبة أمام وصول هذا البلد إلى الاستقرار والسلام الذي يتوق إليه، وهم الذين يمنعون ويصرون على المأساة واستمرار الصراع واستمرار البحث عن حل عسكري تكون نتيجته الدمار والخراب.
وأكد الأمير سعود الفيصل أن القيادة السورية فقدت شرعيتها عربياً وإسلامياً ودولياً، وأصبح لا مجال الآن إلا أن تتضافر جهود الدول العربية والإسلامية في دعم سوريا، ومطالبتنا بأن تتخذ الأمم المتحدة ومجلس الأمن بشكل خاص الموقف الذي ينهي هذا النزاع، بالسرعة التي تحفظ بعض ما تبقى من إمكانيات البلد. أما بالنسبة الى الشأن اليمني، فقد أشار إلى أن المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي عملت جاهدة مع الأشقاء في اليمن لانتقال السلطة سلمياً في البلاد، وهذا ما حدث. معرباً عن أمله في أن يكمل اليمن الخطوات التي بدأها في تنفيذ مقترحات دول مجلس التعاون بهذا الخصوص. وتطرق إلى جملة من القضايا الإقليمية، ومنها ان المملكة تشارك تونس في الدعوة لجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل. وطالب إيران بالسعي إلى ذلك، وأن تطبق قرارات وتوصيات ومحاولات مجموعة 5+1 في هذا الخصوص، وقال: إن إيران بلد كبير وجار لنا ونتمنى له كل الخير، وأن يكف عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، سواء في الخليج أو غيرها، لأن العلاقات لا تبنى على التدخل في الشؤون الداخلية للجيران، بل ببناء الثقة وبالمصلحة المشتركة. ورأى في الشأن العراقي أن هناك مسؤولية كبيرة أمام العراقيين أنفسهم، داعياً الحكومة العراقية إلى أن تحكم بالعدل والإنصاف، وأن تحفظ الوحدة الترابية للعراقيين ووحدة أبنائه بجميع أطيافهم ومساواتهم

 

عواصم – «الاسبوع العربي»


 


ما هو سر تعاطي حماس بجدية اكبر مع المصالحة الفلسطينية؟

قبل فترة، زار رئيس لجنة تسجيل الناخبين الفلسطينيين حنا ناصر غزة، واجتمع الى رئيس حكومة حماس المقال اسماعيل هنية الذي تعهد امامه بتسهيل عملية تسجيل الناخبين وبتنفيذ كل ما يطلب منه في هذا المجال.

هذا الحدث نظر اليه المعنيون بالشأن الفلسطيني من منظار انه ينم عن عزم حقيقي لدى الحركة الاسلامية الفلسطينية الابرز للمضي قدماً في انجاز المصالحة الفلسطينية التي انطلق قطارها قبل فترة من القاهرة، وهي المصالحة التي باتت تعتبر ضمناً انها مصالحة بين حماس والفصيل الفلسطيني الام  والماسك بحبل السلطة في الضفة الغربية اي حركة فتح، لانه بات معلوماً ان هاتين الحركتين صارتا تمثلان رمز الشعب الفلسطيني نظراً لمدى حضورهما واتساع تأثيرهما.
وفيما كان هنية يستقبل ناصر، كانت لجنتا الحريات العامة والمصالحة المجتمعية المنبثقة عن حوار القاهرة تستأنفان عملهما في قطاع غزة بعد احتجاب استمر اكثر من عام بسبب تجميد المصالحة، فكان ذلك نموذجاً عملياً آخر يدل على «حماسة» حركة حماس لانفاذ كل مقتضيات المصالحة الفلسطينية وتدرجاتها وآلياتها.
فمسألة المصالحة صارت وفق العارفين بمسار الحركة الاسلامية الفلسطينية وتوجهاتها في مرحلة ما بعد الحرب الاسرائيلية الاخيرة (عملية عمود السحاب) على غزة وقطاعها وقبلها التحولات السياسية الجذرية التي شهدها العديد من الدول العربية، حاجة ملحة ومبدأ اساسياً بالنسبة اليها.
فالحركة لم تعد مرآة قيادتها تلك الحركة المحاصرة والمحصورة في غزة وقطاعها تظهر نفسها بمظهر المظلوم الذي لا امتدادات خارجية له سوى مع ما كان يعرف بأطراف محور الممانعة، وتعامل معظم دول العالم على اساس انه اداة بيد هذا المحور.
ولم تعد حركة حماس فقط تلك الحركة المنبوذة عالمياً والموضوعة على لائحة المنظمات الارهابية للدول الغربية، يحظر على اي مسؤول غربي التواصل معها او الاتصال بقادتها.

انفتاح الابواب
فالمعلوم انه منذ اكثر من عام ونصف العام، انفتحت الابواب التي كانت حتى الامس موصدة في وجه قادة الحركة، وصار اسماعيل هنية يستقبل في تونس مثلاً استقبال القادة الكبار، وصار للحركة تواجد وحضور في قلب القاهرة التي قبض على زمام السلطة ومقاليدها فيها تنظيم «الاخوان المسلمين» الذي يعتبر الرحم الذي خرجت منه حماس مزودة بفكر اسلامي وبعقيدة اخوانية المنشأ.
واكثر من ذلك، يصبح رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل منذ ان خرج من معقله الاساسي في دمشق، الضيف الدائم لحكومة قطر، ويزور الاردن التي كاد يقتل فيها وخرج منها طريداً مع كل ممثلي الحركة، للمرة الثالثة خلال اقل من عام ملتقياً العاهل الاردني الذي يحظر عليه فتح مكاتب للحركة في عمان، لكن يفتح له ابواب القصر الملكي الاردني لتكون العلاقة معه شبه مباشرة.
في الاعوام السابقة، كانت تحاصر حركة حماس شبهة بأنها هي من يجهض كل المحاولات الرامية الى انجاز مصالحة وطنية تعيد رأب الصدع والشرخ الواسع النطاق في الساحة الفلسطينية لاعتبارات عدة ابرزها، انها اقامت ما يشبه «امارة اسلامية» على غزة وقطاعها من جهة، ولانها لا تريد ان تخرج عن توجهات المحور الذي تنتمي اليه وتستكمل امتداده الفلسطيني، واستطراداً لان كل الاخرين لم يجرأوا على مد اليد لحركة حماس او فتح الابواب المغلقة في وجهها لخوفهم من غضبة واشنطن والغرب عموماً.
لكن الزمن الاول تحول، فلقد بات الاسلام السياسي الصاعد في العديد من عواصم المنطقة بعد موجة الربيع العربي التي اودت بأنظمة وفتحت السبيل عريضاً امام نشوء انظمة اخرى، مطلوباً التعاون معه اميركياً وغربياً، ولم يعد ذلك الاسلام الغريب الذي يخاف ويخيف.
وهكذا وبقدرة قادر، تصير غزة القصة المنسية محجة للعديد من المسؤولين والقادة العرب وغير العرب، لا سيما بعد العدوان الاسرائيلي الاخير على القطاع لدرجة ان ثمة من ادرج هذا العدوان الوحشي في خانة انه مقصود ودبر عمداً لتعويم حركة حماس ولاسباغ الغطاء الشرعي عليها.

جزء من الاعتدال
وبالطبع ثمة من رأى في المشهد المستجد بالنسبة لحماس وقطاعها، نوعاً من الاغراء لكي لا تعود الى سيرتها الاولى، حركة عصية على كل محاولات التدجين والتطويع، وبالتالي تصير جزءاً اصيلاً من مشهد الاعتدال الفلسطيني المتهيىء للذهاب الى مرحلة انجاز التسوية مع اسرائيل، لا سيما بعد ان باتت هذه الحركة جزءاً من عالم سياسي ممتد وناهض ومهيىء للامتداد اكثر فأكثر، ولا سيما بعدما عادت القاهرة الى التمسك بزمام اللعبة على الساحة الفلسطينية من خلال انحيازها الواضح الى حماس واحتضانها لها.
وهكذا تجد حركة حماس لحظتها السياسية المناسبة لكي تعبر من حالة الى حالة اخرى مختلفة المواصفات. وبمعنى اوضح، لتعبر من حالة الحركة الجهادية الرافضة لكل اشكال التسوية مع الكيان الصهيوني في التقارب مع الانظمة العربية، الى حالة تشعر فيها انها اذا ما مضت قدماً في ما بدأته من خطوات بأنها ستصير عاجلاً ام اجلاً جزءاً اصيلاً من الحالة الفلسطينية المعترف بها على نطاق عالمي.
واستطراداً تجد حركة حماس ان المصالحة مع «خصمها» التقليدي حركة فتح تعني بشكل او بآخر انفتاح مدى اوسع امامها يخرجها من «شرنقة» غزة او دويلة القطاع المخنوقة بأزمتها المعيشية والمكتظة بنحو مليوني نسمة يفتقدون ابسط مقومات العيش والحياة.
فتجربة الاعوام الخمسة الماضية، وهي عمر سيطرة حماس على غزة وقطاعها سيطرة مطلقة بعد طرد كل اشكال وجود حركة فتح والسلطة الفلسطينية منها، كانت بالنسبة الى الحركة، تجربة استنفدت اغراضها وادت الى ما يمكن ان تؤديه. فإضافة الى العزلة داخل المجتمع الفلسطيني نفسه والقطيعة مع باقي اجزاء الاراضي الفلسطينية المحتلة، فإنه تبين لحركة حماس ان ذلك حمّلها اعباء ثقيلة الوطأة، ولم يسمح لها بالتمدد نحو الضفة الغربية لتبسط نفوذها عليها، حيث الاحتلال الاسرائيلي يمارس ابشع انواع الاحتلال والضغط.

تجربة الاعوام الخمسة
وهكذا، فإن حماس التي خسرت تجربة حكومة الشراكة الوطنية مع حركة فتح وفصائل اخرى بعد فوزها الكاسح في آخر انتخابات فلسطينية عامة، وخسرت المجلس التشريعي الفلسطيني الذي تجمد عمله، شعرت في الوقت عينه بأنها خسرت فرصة تحقيق انجازات اخرى او التقدم في مجالات اضافية.
وثمة مقربون من هذه الحركة يقولون بأن تجربتها في الاعوام الخمسة المنصرمة جعلتها تخرج منها باستنتاجات فحواها الاتي:

انه لا يمكن لحركة بعينها او اطار تنظيمي بذاته ان يبسط سيطرته وهيمنته على ساحة مثل الساحة الفلسطينية التي عاشت مخاضاً طويلاً وعسيراً من التقلبات والمواجهات الشرسة والرؤى المتناقضة والرهانات الخائبة.
فالساحة الفلسطينية لها عن سواها من مزايا الساحات العربية الاخرى ميزة التحول والتقلب وعدم الانقياد لايديولوجية بذاتها.
وبمعنى اخر ثمة ارث من النزاعات والتجارب السياسية على الساحة الفلسطينية الليبرالية واليسارية وسواها، يصعب في وقت قصير استئصاله وبالتالي استبداله بتفكير احادي التوجه.

ان حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية لهما في عمق الوجدان الفلسطيني مكانة كبرى متجذرة برغم كل ما اصاب هذين الاطارين السياسيين العريقين، بفعل عوامل الزمن والتحولات والتطورات من وهن وضعف، وما اعترى جسديهما من فساد موصوف وفوضى ومحسوبيات اثرت بشكل سلبي على صورتهما وعلى تاريخهما النضالي الذي لا يمكن لاحد نكرانه او جحوده. فهما باتا رمز الشخصية النضالية الفلسطينية العريقة ورمز القرار الفلسطيني المستقل.

 وعليه وجدت حركة حماس ان الحد الاقصى الذي يمكن ان يوفر لها فرصة التطور والتقدم هو ان ترضى بوضع الشريك في القرار السياسي الفلسطيني.

سيدة الساحة
وبالطبع ثمة من يعتقد بأن هذه الشراكة المنشودة لا تعني تغييراً جذرياً في واقع الصورة المرسومة حالياً، اذ ستبقى حماس هي سيدة الساحة في غزة، فيما ستظل حركة فتح وسلطتها باسطة يدها ونفوذها على الضفة الغربية، مع وجود رمزي ومعنوي لكل منهما في منطقة الطرف الاخر.
واذا كانت هذه باختصار كل الاسباب التي تدفع بحركة حماس الى الخروج من عصر نضالي بات الجميع يرى انه انتهى الى عصر اخر مختلف، فإن ثمة بطبيعة الحال اسباباً وعوامل متعددة تجعل من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يتعاطى بشكل جدي هذه المرة مع تجربة المصالحة التي تتم فصولها وحلقاتها تدريجياً وبهدوء، ولا سيما بعد انسداد افق التفاوض مع اسرائيل والازمة المالية التي تتحكم بالسلطة، فضلاً عن ان عباس بات يعرف ان شرعيته العربية والدولية ستظل منقوصة ما دامت حماس تناصبه العداء.
وعليه، فإن ثمة مصلحة مشتركة وملحة للطرفين الفلسطينيين الابرزين في ان يأتي حين من الدهر وينجزا حداً معقولاً من المصالحة
 


ا. ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق