رئيسيسياسة عربية

«فتح» و«حماس» مجدداً امام تحدي المصالحة

جولة جديدة من المفاوضات بدأت في القاهرة اخيراً بين حركتي «فتح» و«حماس»، لاستئناف ما كان بدأه الفصيلان الاساسيان في الساحة الفلسطينية، برعاية مصرية، لدفع عملية المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية قدماً، وانجاز هذا الاستحقاق البالغ الاهمية والذي تراهن عليه وتنتظره الشريحة الكبرى من الشعب الفلسطيني كونه ينهي حالة من الجفاء والعداء والقطيعة، بل والتصارع بين الطرفين، تتوالى فصولاً منذ اكثر من اعوام عدة ما بين غزة حيث تبسط حركة «حماس» سيطرتها الحديدية على المدينة وقطاعها، بعدما طردت عناصر «فتح» منها شر طردة، والضفة الغربية حيث للسلطة الفلسطينية وعمودها الفقري الحركة الفلسطينية الام (اي فتح) اليد الطولى.

قطار المصالحة انطلق، وكما صار معلوماً منذ نحو عام ونصف العام، خجولاً في الدوحة، ثم اندفع بزخم اكبر في العاصمة المصرية برعاية النظام المصري الاسلامي الجديد الذي كان يهمه وهو في بدايات انطلاقته ان يسجل رصيداً في هذا المجال، يعيد الاعتبار الى الدور المحوري التاريخي للقاهرة في القضية الفلسطينية، وهو الدور الذي تراجع وانقلب على عقبه بعد اداء نظام الرئيس حسني مبارك البائد في شأن الوضع في غزة.
وعليه، فإنه وقبل المحطة الجديدة من مسيرة هذه المصالحة، كانت ثمة شواهد ومعطيات تشير بوضوح الى ان المناخات الايجابية اللازمة التي يفترض ان تتراكم بغية انجاز هذه المصالحة المنشودة، شابها الكثير من المظاهر السلبية التي لا توحي بأن الطرفين الفلسطينيين هما في صدد الاندفاع الجدي نحو انجاز ما بدآه، واكمال ما تعهدا به للقاعدة الفلسطينية الجماهيرية الاعرض، وللعديد من العواصم العربية.

اجواء الخصومة
فأجواء التنافس، بل الخصومة ظلت تلقي بظلالها الثقيلة الوطأة على العلاقة بين الطرفين طوال الاشهر التي انقضت على اخر لقاء تصالحي بين الطرفين في رحاب العاصمة المصرية. ولعل آخر مثال على مستوى العلاقة المتوترة بين الطرفين، هو الاعتراض الذي ابدته السلطة الفلسطينية على زيارة الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي الى غزة، وما رافق هذه الزيارة.
اذ بادرت السلطة الفلسطينية الى اصدار بيان اعترضت فيه على منح حكومة اسماعيل هنية المقالة جواز سفر فلسطينياً الى الشيخ الضيف عليها، وذلك من باب الاحتفاء به والتكريم له.
وارفقت السلطة هذا الاعتراض بدعوة صريحة الى من يعنيهم الامر، الى مصادرة هذا الجواز باعتباره جوازاً مزوراً صدر عن جهة غير ذات مسؤولية.
واكثر من ذلك، ذهبت بعيداً في توجيه سيل من الانتقادات الحادة للشيخ القرضاوي ولمواقفه، معتبرة انها لم تخدم القضية الفلسطينية، بل ساهمت في زيادة الشرخ داخل الساحة الفلسطينية، مستذكرة مواقفه المؤيدة لـ «الانقلاب» الذي قامت به حركة «حماس» على كل وجود لحركة «فتح» في قطاع غزة خلال العام 2006، وادى الى سقوط العشرات من عناصر «فتح» قتلى وطرد المئات منهم من القطاع في محاولة مكشوفة لاجتثاث وجود الحركة الاعرق على الساحة الفلسطينية من غزة، توطئة لترسيخ سلطتها هناك على هذا القطاع، بعدما انسحبت منه قوات الاحتلال الاسرائيلي وصار محرراً.
المنطلقات الجوهرية لهجوم السلطة الفلسطينية وحركة «فتح» على زيارة الشيخ القرضاوي لغزة وقطاعها، ليست بطبيعة الحال مسألة منحه جواز سفر ديبلوماسياً وجنسية فلسطينية، بقدر ما تحمل في طياتها اهدافاً ومقاصد اخرى مضمرة، تعكس استمرار حال التنافس ومدى الاشتباك بين الطرفين رغم تعهدهما مراراً وتكراراً بالمضي قدماً في رحلة المصالحة حتى محطتها الاخيرة.
فاعتراض السلطة والحركة الام، ينطلق اولاً من كون «حماس» تتصرف بغزة، تصرف المالك بملكه من دون ان تعود الى السلطة في رام الله ودورها المركزي. اذ ان «حماس» اعتادت منذ ان سيطرت على قطاع غزة، ان تستقبل الشخصيات والوفود الزائرة من تلقاء نفسها، وكلما كانت الشخصية المستضافة رفيعة المستوى، كان غضب مسؤولي السلطة في رام الله عالياً، واكبر مثال على ذلك ردة فعل السلطة ابان زيارة امير قطر الى غزة.

زيارة القرضاوي
اضافة الى ذلك، فإن منح «حماس» ضيفها الشيخ القرضاوي جواز سفر ديبلوماسياً وجنسية، وذلك في معرض زيادة الحفاوة به ورفع منسوب التكريم له، اظهر الحركة الاسلامية في مظهر الآمر الناهي في قضايا ذات صفة سيادية.
والامر الاخر ان حركة «فتح» ارادت بهذا الهجوم العلني والح
اد النبرة على عالم الدين المصري الاصل المقيم في الدوحة مالئاً للدنيا وشاغلاً للناس بفتاويه وآرائه وسياسته الفقهية، والذي ازداد حضوراً وألقاً بعد اطلالاته الاعلامية الدائمة، وبعد صعود الاسلام السياسي في مصر وتونس وليبيا، وهو احد الوجوه التاريخية المنتمية الى تنظيم «الاخوان المسلمين» والمدافع عن افكارهم، والمبشر بضرورة تسلم الاسلام السياسي السلطة في اي مكان، ارادت «فتح» والسلطة ان توجها رسالة الى من يعنيه الامر داخل الساحة الفلسطينية وخارجها، فحواها انهما في مقلب سياسي وفكري اخر، نقيض للموقع السياسي والعقيدي الذي تقف فيه حركة «حماس» وتصر على البقاء فيه.
وبمعنى اخر، شاءت حركة «فتح» ان تساهم في رفع مستوى الضجة والاعتراض على الشيخ القرضاوي وآرائه، وعلى زيارته الى غزة ايضاً، مع ادراكها المسبق بأن ثمة من لا ينظر بارتياح لا الى عالم الدين المصري الاصل، ولا الى ابعاد زيارته الى غزة.
واستطراداً، ثمة من رأى في هذا السلوك العدواني من قبل حركة «فتح» حيال زيارة رجل بمكانة الشيخ القرضاوي وبشهرته المدوية، تأكيداً بان السلطة و«فتح» لا تزالان الناطقتين بلسان السواد الاعظم من الشعب الفلسطيني ووجدانه السياسي.

 وبناء على كل هذه الوقائع، فإن اعتراض «فتح» هو على تصرف «حماس» وعلى مبدئية الزيارة وعلى الشخصية المستضافة التي حرص رئيس الحكومة المقالة هنية على استقباله استقبال الفاتحين.
وثمة رسالة اخرى بعيدة عن الانظار شاءت حركة «فتح» ان توصلها الى انظمة وقوى لا ترتاح مطلقاً الى آراء القرضاوي وفتاويه ودعواته وفي مقدمها النظام في سوريا وايران.

رسالة الى الدوحة
وثمة من يرى ايضاً في ذلك السلوك «الفتحاوي» تجاه زيارة الشيخ القرضاوي لغزة، وكأنه ايضاً رسالة مبعوثة الى الدوحة التي رعت زيارة «ابنها المدلل» القرضاوي الى حركة «حماس» في غزة، كمدخل اخر من المداخل التي تلج منها قطر منذ زمن للامساك بخيوط اساسية من القضية الفلسطينية التي ما زالت رغم كل ما اعتراها قضية العرب المركزية، والقضية التي تقيم في ضمير جميع المسلمين في مشارق الارض ومغاربها وتؤرق ضمائرهم.
ومهما يكن من امر، فالواضح ان كل هذه الضجة التي لجأت اليها حركة «فتح» اخيراً، انها لا تريد لمنافستها حركة «حماس» ان تجلس معها الى طاولة المفاوضات في القاهرة من جديد، وهي «منتشية» بالعديد من اوراق القوة التي تمكنت من امتلاكها في الآونة الاخيرة واضافتها الى رصيدها السابق، ان لجهة علاقتها المتحسنة مع النظام الاسلامي في مصر، او لجهة علاقتها المتقدمة مع الدوحة التي انتقل اليها رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل، بعدما اثر فك حبل علاقته الوثقى سابقاً بالنظام في دمشق، وقرر الخروج منها نهائياً.
وفي كل الاحوال، يجلس الطرفان الفلسطينيان الاساسيان وجهاً لوجه في جولة جديدة من التفاوض والبحث عما ينجز ويتمم المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية المنتظرة وامامهما تتراكم جملة تحديات كبرى، ابرزها جهود معلنة وخفية يبذلها العديد من العواصم العربية التي يتصاعد دورها وموقعها اخيراً، في سبيل فرض اجندة معينة على الفلسطينيين من مثل اقرار مبدأ مبادلة الارض مع الاسرائيلي على ان يرضى الفلسطينيون بالتجمعات الاستيطانية المنتشرة كالوباء في الضفة الغربية، اي في عقر الدولة الفلسطينية المنتظرة في مقابل ان يأخذوا عوضاً عنها مساحات داخل الاراضي المعروفة بأراضي 1948، وهو ما يعده البعض بداية تراجع عن امر يتمسك به الفلسطينيون ويعتبرونه احد ثوابتهم وهو مبدأ حق العودة.

التفاوض مع اسرائيل
وثمة استحقاق اخر داهم، هو مسألة العودة الى طاولة المفاوضات مع اسرائيل، والذي يبدو جلياً ان واشنطن بدأت تضع ثقلها المعنوي في الآونة الاخيرة لانجازه بغية ارضاء العرب، واعادة الاعتبار لوعودها السابقة لهم في هذا المجال.
في ظل هذه المناخات من الانقسام والتنافس الحاد بين «فتح» و«حماس»، وفي ضوء هذه التحديات الجسام، يعود الفصيلان الاكبران على الساحة الفلسطينية الى محطة اخرى وموعد اخر من مواعيد التفاوض بينهما لانجاز المصالحة التي عجزا عن انجازها في السابق بكامل مندرجاتها، لذا فالسؤال المطروح بإلحاح هو: هل يكونان هذه المرة على قدر التحدي وعند حجم الآمال المعقودة عليهما ام ماذا؟.

ا. ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق