الاقتصادمفكرة الأسبوع

عبء مثبط ام دواء منشط؟

جعلت الهجرات المتتالية الى الولايات المتحدة من هذا البلد بلد المهاجرين الذين لا تحول دونهم مناصب او مواقع، او صناعة قرار. وكادت هذه الهجرات الكثيفة من كل اصقاع الارض، من اميركا الجنوبية الى اوروبا الى افريقيا وآسيا تطغى على الهوية الاميركية الاصلية. فهل كان المهاجرون عبئاً على العالم الجديد ام انهم مساهمون في حضارته وقوته؟

يكاد الاميركيون الهنود، سكان الولايات المتحدة الاصليون، يشكلون اقلية صغيرة بين مجموعة اقليات كبرى، حتى ان كل من يولد في الولايات المتحدة يقال انه متحدر، لكن ذلك لم يحل دون وصول حتى المهاجرين الجدد الى اعلى المناصب السياسية والادارية والاقتصادية، والمالية، والاجتماعية. وما زالت عبارة روزفلت خلال توجهه لبنات الثورة الاميركية، كما الى «اصدقائه المهاجرين» على كل شفة ولسان وكل صفحة من صفحات التاريخ الاميركي. اما العبارة فهي: «ان بنات الثورة الاميركية هن كناية عن تجمع يفتخر اجداد اعضائه بانهم من بين الواصلين الأوائل الى العالم الجديد».

عدائية مستجدة
الا انه خلال السنوات الأخيرة، برز مناخ معاد للهجرة، الى حد ان هذه المسألة لعبت دوراً مهماً في معركة اختيار المرشح الجمهوري للإنتخابات الرئاسية الاميركية. لكن اعادة انتخاب باراك اوباما اظهرت القوة الانتخابية لاميركيي اميركا اللاتينية الذين اسقطوا ميت رومني بأكثرية 75% لاوباما، من دون ان ننسى القوة الانتخابية ايضاً للمهاجرين الآسيويين.
ولهذا السبب عمد بعض الجمهوريين المعروفين الى الطلب من حزبهم ان يعيد النظر في موقفه المعادي للهجرة، في حين ان اصلاح قوانين الهجرة يندرج في مفكرة اوباما السياسية، مما يشكل مرحلة مهمة تحول دون تقهقر اميركا.
والحقيقة ان المخاوف التي تثيرها الهجرة والمتأتية من تأثيرها على القيم الوطنية والهوية الاميركية ليست بجديدة. ففي القرن التاسع عشر تأسست حركة “Know nothing”، على معارضة المهاجرين، ولا سيما الايرلنديين. والهجرة الصينية علقت ابتداءً من العام 1882، وقانون الهجرة الصادر عام 1924 كبح الهجرة لمدة اربعين عاماً.

التأثيرات
عرفت الولايات المتحدة رقماً قياسياً في المقيمين المولودين في الخارج عام 1910، اذ بلغ 14،7%. وبعد نحو قرن، وبعد احصاء العام 2010، بقيت النسبة في حدود 13%. ومع ان الولايات المتحدة هي بلد مهاجرين، فإن اعداداً متزايدة من الاميركيين يعترضون على الهجرة. وقد دلت الاستقصاءات على ان قسماً كبيراً من الرأي العام يتمنى ان تتراجع الهجرة. وقد دعم الانكماش الاقتصادي وجهة النظر هذه، بحيث ان 50% من الاميركيين كانوا داعمين لخفض الهجرة عام 2009 في مقابل 39% في العالم 2008.
ويبدي الرأي العام الاميركي قلقاً حيال نتائج اعداد المهاجرين ومصادرهم المترتبة على الثقافة الاميركية. وتشير التوقعات الى ان البيض غير الاسبانيين سيشكلون في العام 2050 اكثرية طفيفة. وسيشكل الاسبان 25% من الشعب الاميركي، والافرو – اميركيون 14%، والآسيويون 8%.
لكن التواصل الجماعي وقوى السوق تشكل حوافز قوية لتعلم الانكليزية والقبول بحد من الانصهار. وتساعد وسائل الاعلام الحديثة المهاجرين على التعرف أكثر الى بلدهم الجديد. ويبدو ان انصهار الدفعات الاخيرة من المهاجرين هو اقل سرعة من الدفعات السابقة.
ويقول جوزف س. ناي، الاستاذ في جامعة هارفرد ومؤلف كتاب: «مستقبل القوة» انه «اذا كانت الهجرة مهمة جداً لطرح المشكلات الاجتماعية، في المدى الطويل، فإن الهجرة تدعم قوة الولايات المتحدة». وبحسب التقديرات، فان هناك 83 بلداً ومنطقة على الاقل لديها نسبة خصوبة غير كافية لتأمين تجديد سكانها، في حين ان معظم الدول المتقدمة ستواجه أكثر فأكثر نقصاً في اليد العاملة. وتعتبر اميركا واحدة من الدول التي تستطيع تجنب انخفاض عدد سكانها، وثقلها الديمغرافي في العالم. مع الاشارة الى ان اليابان مثلاً، ولكي تحول دون انخفاض عدد سكانها، قبلت بـ 350 ألف مهاجر جديد كل سنة، وطوال العقود الخمسة المقبلة، وهذا امر صعب بالنسبة الى بلد معاد للهجرة تاريخياً. وبخلاف ذلك يشير المعهد الاميركي للاحصاءات الى ان الشعب الاميركي يفترض ان يزداد بنسبة 49% خلال العقود الاربعة المقبلة.
وتعتبر الولايات المتحدة اليوم ثاللث أكبر بلد من حيث عدد السكان (بعد الصين والهند)، وسبقى في هذه المرتبة في غضون الخمسين سنة المقبلة، وهو الامر الذي لا يخلو من نتائج على الصعيد الاقتصادي. وتكاد كل البلدان المتقدمة الاخرى تواجه العبء المتزايد للسكان المتقدمين في السن، وهو عبء يمكن للولايات المتحدة التخفيف منه بفضل الهجرة.
ويقول ناي: «مع ان الدراسات تظهر ان الهجرة ذات فوائد طفيفة في المدى القريب، وان العمال غير المهرة مهددون بمنافسة الواصلين الجدد، فان ما يحمله المهاجرون من الذين يتمتعون بصفات مطلوبة يمكن ان يكونوا اكثر فائدة في المدى الطويل. وهناك ترابط قوي بين عدد التأثيرات التي يطلبها الراغبون في الهجرة المتمتعون بنوع من المهارات، وعدد الموافقات التي تصدرها الولايات المتحدة».
ففي بداية هذا القرن كان المهندسون الهنود المولودون في الهند او في الصين يديرون ربع مؤسسات التكنولوجيا العالية في «سيليكون فالي» (برقم اعمال يبلغ 17،8 مليار دولار) وبحسب احصاء اجرته «فورتشن» في العام 2010، فان المهاجرين او ابناءهم وراء 40% من المؤسسات الـ 500 الاولى في تصنيف المجلة.
وتحمل الهجرة ايضاً دفعاً لاشعاع الولايات المتحدة، بإعتبار ان الكثيرين يريدون الذهاب اليها، ونجاح المهاجرين جعلوها اكثر جاذبية. ويقول احد خبراء الاجتماع: «الولايات المتحدة تبدو كقطعة المغناطيس، وكثيرون من الاشخاص يطمحون للإقامة فيها، خصوصاً بسبب معاينتهم نجاحات الاميركيين الذين يشبهونهم». اضف الى ذلك ان العلاقات بين المهاجرين وعائلاتهم واصدقائهم الباقين في البلد الام من شأنها ان تقدم صورة حقيقية وايجابية عن الولايات المتحدة. ثم ان وجود تنوع كبير في الثقافات من شأنه ان ينمي التواصل مع البلدان الاخرى، وهو الامر الذي يفضي الى انفتاح الاميركيين على العالم في عصر العولمة. ومن شأن الهجرة كذلك تدعيم القوة الاقتصادية لاميركا ورخائها.

سر الرخاء
ويحسب «لي كوان يو»، الرئيس السابق لإدارة سنغافورة، والذي يعتبر مراقباً متخصصاً في شؤون الولايات المتحدة والصين، فإن هذه الأخيرة لن تتجاوز الولايات المتحدة كقوة اقنصادية عالمية اولى في القرن الواحد والعشرين، لأن العالم الجديد بصورة خاصة يجتذب افضل العناصر والاكثر شهرة في باقي انحاء العالم والاموال المتنوعة المصادر.
 

ماذا يقول المهاجرون في الولايات المتحدة؟
بول بيكمان، منتج افلام وثائقية من بيلاروسيا، وهو الآن صاحب صحيفة «كاسكاد» الصادرة باللغة الروسية في بلتيمور لصحيفة «بلتيمورصن»: «عندما تأتي الى الولايات المتحدة فإنك تأتي بعقلية كسب المال والنجاح».
ارنستودياز، مدير في سلسلة محال في ماويلاند قال لصحيفة «واشنطن بوست»: «نشدد على الهوية الاميركية الاسلامية وعلى ان الوطن هو المكان الذي سيترعرع فيه احفادي، وليس المكان الذي دفن فيه اجدادي».
سوزان هوتاج، مهاجرة البانية موظفة في متجر كبير قالت لصحيفة كانساس سيتي ستار»: «احد احلامي الاميركية ان امتلك متجراً يديره مهاجرون لديهم هدف مشترك».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق