رئيسيملف

ما تكتب وتسوق… صوفر وروق

بين حملة للتوعية من مخاطر المراسلة أثناء القيادة وأخرى ضد السرعة أو التكلم على الهاتف، مسافة زمنية فاصلة يفترض من خلالها تقويم نتائج واحدة منها لتحديد أسباب الحوادث ونوعيتها وتفنيد بؤر الموت التي تصطاد المواطنين أحياناً من دون مبرر، لكن في لبنان الفاصل الزمني تحول الى مرحلة لتنشيط فعل المراسلة أثناء القيادة وإفراغ ما في قلب وعقل السائق على «الواتس آب». الى هنا يمكن أن نقول بانها مرحلة وتمر. لكن من يمرر فعل النسيان في ذاكرة أم أو أب فقدا ولدهما في حادث سير مروع بسبب «الواتس آب» او التكلم عبر «سكايب»؟ طبعاً لا أحد. آخر الحملات «ما تكتب وتسوق… صوفر وروق» بالتعاون بين جمعية «يازا» وشركة «تاتش». خزنتم ما فيه الكفاية من «الرواق»؟ هذا هو المطلوب لأن رقم 600 قتيل في حوادث السير في جردة 2012 وأكثر من 10000 بين جريح ومعوق ليس إلا بداية للجردة الكارثية المتوقعة في 2013 بحسب «يازا».

المسألة ما عادت تحتاج إلى كلام ونق. كل يوم عشرات حوادث السير. والنتيجة قتيل أو جرحى أو معوق نتيجة حادث سير مروع على الطرقات.
نصرخ بصوت أعلى؟ ننزل إلى الطرقات؟ نعتصم ؟ نفترش الشوارع لنحث الدولة على إصدار قانون السير الجديد النائم في الأدراج؟ كل الوسائل قد تكون مفيدة وممكنة في بلد «كل مين إيدو إلو». لكن من يسمع ومن يتعظ؟ حجة الحكومة انها حكومة تصريف اعمال ولا يمكنها إصدار اي مرسوم. اللجان النيابية قرأت مضمون قانون السير الجديد. صفقت لواضعيه وهنأتهم. لكنها في النهاية وضعته في الأدراج. والمواطن الملتصق في شكل عضوي بـ «الواتس آب» يرفض التخلي عنه حتى أثناء القيادة. فهل تكون حملة «ما تكتب وتسوق… صوفر وروق» مجدية أكثر من غيرها؟

المشاة ضحايا السير
المهم أن الحملة انطلقت بالتعاون بين «يازا» و«تاتش» وماجيستير إدارة السلامة المرورية في جامعة القديس يوسف، على خلفية ارتفاع نسبة ضحايا السير، 40 في المئة من المشاة؟ ماذا يعني ذلك؟
قد لا تكون الأسباب متوقفة على المراسلة اثناء القيادة. فهناك مسألة قلة الوعي والثقافة عند المواطن الذي يجتاز الأوتوستراد من تحت جسر المشاة. وقد يكون تجاهل الدولة لسلامة مواطنيها فتتعامى عن فكرة تشييد جسر للمشاة في نقاط مفصلية أو في محاور صارت تعرف بمحور الموت نظراً إلى كثرة الضحايا من المشاة الذين يسقطون دورياً بسبب حوادث السير. لكن كون الحملة  تندرج ضمن تنفيذ مشاريع المسؤولية الإجتماعية التابعة لشركة «تاتش» كان لا بد من أن «نصوفر ونروق».

حملات صادمة ولا ثمار
إذا سلمنا بأن حملات التوعية حول القيادة الخطرة اعتمدت في غالبيتها على إحداث الصدمة في عقول الناس إلا أن النتائج لم تأت بثمار بل على العكس ازداد إدمان السائقين والشباب عموماً على استخدام الخليوي وارتفع معدل الحوادث المرورية ليس في لبنان وحسب إنما في العالم كما يقول مؤسس جمعية «يازا» زياد عقل. ويضيف، ست ركائز أساسية للسلامة العامة يفترض أن يلتزم بها السائقون في كل مرة يجلسون فيها وراء المقود وهي: وضع حزام الأمان وعدم القيادة تحت تأثير الكحول والمخدرات ووضع الأطفال في المقعد الخلفي ولبس الخوذة وعدم التلهي واستخدام الهاتف وتخفيف السرعة». مبدئياً الكل سمع بها لكن العبرة في التطبيق فهل نصوفر للحملة؟
إذاً لا الحملات الصادمة نفعت لردع المهووسين بالسرعة وعشاق «الواتس آب» أثناء القيادة، ولا مشهد أم تبكي وحيداً سقط ضحية حادث سير نتيجة السرعة كان حافزاً للقيادة بطريقة سليمة أو الإلتزام بقواعد السير الآمنة. مديرة العلاقات العامة في شركة «تاتش» لا تزال تؤمن بأن المرحلة الثانية التي أطلقتها الشركة في أسبوع الأمم المتحدة للسلامة المرورية ستأتي بنتائج لأنها «تركز على تبيان الأمور الإيجابية من عدم الرد على الهاتف وكتابة الرسائل أو قراءتها أثناء القيادة» بدورنا سنأمل منها خيراً لكن ليس قبل قراءة النتائج. كيف؟

رصد نتائج حملات التوعية
امين سر جمعية «يازا» كامل ابرهيم اعترف بأن وقع الحملة لن يكون صادماً وقد لا يأتي بنتيجة على المستوى العملاني بسبب غياب الداتا. لكن أهميتها تكمن في رسائل التوعية التي تبثها، لأن مسألة التلهي أثناء القيادة والمراسلة لا يمكن ردعها ولا حتى ضبطها على غرار السرعة التي يمكن رصدها من خلال أجهزة الرادار – إذا وجدت-  من هنا تبقى التوعية هي الأساس في هذا الموضوع.
غالبية حوادث السرعة تحصل على الأوتوسترادات السريعة وكذلك خلال المراسلة أثناء القيادة. من هنا استحالة ضبط مخالفة المراسلة أو التكلم أثناء القيادة. لكن الأهم يبقى في عملية رصد نتائج حملات التوعية «وهذا غير متوافر في لبنان». ولفت ابرهيم إلى أنه في غالبية دول العالم التي تنظم فيها حملات توعية يصار إلى رصد النتائج على مدى ثلاثة اشهر بعد انتهائها لتحديد مؤشرات حوادث السير وأسبابها والأماكن التي تحصل فيها، إضافة إلى عدد الضحايا والجرحى والمعوقين. وعليه يتم وضع المعايير للبرامج المقبلة وتطويرها وهذا ما يعرف بـ «داتا السلامة المرورية». لكن هذه الداتا غير متوافرة في لبنان مما يحول دون رصد المؤشرات، وأضاف ابرهيم: نقول إن 40 في المئة من ضحايا السير هم من المشاة لكن لا نعرف الأسباب التي أدت إلى حصول الحادث وسقوط ضحايا. وهذا الأمر لا يمكن تحديده إلا من خلال إيجاد مختبر أو مركز إحصاء مركزي قادر على جمع المعلومات من مراكز قوى الأمن الداخلي والمستشفيات. حتى المخالفات التي ترتكب لا يمكن رصدها بسبب غياب الداتا.


من المسؤول؟
الجواب بسيط. هناك مسؤولية مباشرة على الدولة بسبب عدم وجود جهة قيادية تعمل على التنسيق بين الوزارات المعنية ومهمتها تأمين السلامة المرورية على الطرقات ومحاسبة مرتكبي المخالفات إضافة إلى وضع خطط طويلة الأمد وإعادة تقويم نتائج الحملات. وأكد أن السلامة المرورية غير محصورة بوزارة الداخلية، فهناك وزارة الأشغال والصحة والتربية وهذه الأخيرة مسؤولة عن إدراج ثقافة السلامة المرورية في البرامج التربوية.
في الإحصاء السنوي الأخير للعام 2012 تبين أن عدد ضحايا السير وصل إلى 600 قتيل بحسب الأرقام الصادرة عن مراكز قوى الأمن الداخلي. وفي مقارنة مع عدد ضحايا 2011 يتبين أن النسبة تجاوزت الـ 15 في المئة إذ أحصي سقوط 508 ضحايا. وهذا الرقم تصاعدي ومرجح لأن يرتفع في سنة 2013 مع ارتفاع عدد النازحين السوريين في لبنان وسقوط عدد من الضحايا من بينهم.
نعود إلى الحملة. تسألون عن جدواها في ظل ما تقدم عن غياب داتا لرصد النتائج؟
في مسألة التكلم على الهاتف أثناء القيادة والمراسلة لا شيء يفيد إلا التوعية. وهذا الأمر يشمل كل دول العالم بحيث تتكل على حملات التوعية لإرشاد السائقين على مخاطر التكلم والمراسلة على الهاتف أثناء القيادة. لكن النتائج تتوقف على رصد المؤشرات من خلال الداتا. أما وقعها فهو غير مؤثر إلا على أصحاب السلوك الجيد في القيادة، أي من يقتنع بضرورة الإلتزام بقواعد السلامة المرورية.
نضحك في سرنا؟ على الأقل هناك من يرتد ويقتنع، وعسى أن تنسحب عدوى «القناعة» والصوفرة على المهووسين بالقيادة والمراسلة عبر «الواتس آب» أثناء القيادة.
«صوفر وروق وركز على القيادة»، في اختصار هو ليس مجرد شعار لحملة توعية على السلامة المرورية. جربوه مرة وقد تعلقون. لم لا؟ فالمشوار سينتهي حتماً عند نقطة الوصول المقررة. بعدها نرد على الهاتف ونراسل من نشاء. لكن إذا أصبحتم في عداد الضحايا بسبب «الواتس آب» فلن يعود للرسالة أية منفعة.
«صوفر وروق وما تكتب إنت وعم تسوق». المسألة سهلة جداً ولا تحتاج إلا إلى قرار بعدم الرد على الهاتف. رن. رن. رن. رن…

جومانا نصر
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق