رئيسيسياسة عربية

بغداد: المعارضة استعدت للزحف الى بغداد فارعبت المالكي

نجح المعارضون لحكومة نوري المالكي في العراق في تطوير وتصعيد اعتصامهم المستمر في ساحات وميادين العديد من المدن العراقية منذ نحو شهرين، وخرجوا من حال المراوحة في حراكهم، وبالتالي بدأوا بشن حرب اعصاب على حكومة بغداد والتلويح بالضغط على العاصمة العراقية نفسها، عندما هددوا منذ مطلع الاسبوع المنصرم بالزحف على قلب بغداد ليؤدوا هناك صلاة «وحدة» ويزيدوا من وتيرة الضغوط على المالكي.

هذا التهديد جعل فعلاً حكومة المالكي في حال ارباك بعدما اخذت الامر على محمل الجد، وتعاملت معه كأمر واقع مخيف لهم، فعمدت في يوم الزحف الموعود نهار الجمعة الماضي الى سد المنافذ المؤدية الى العاصمة، ونفذت اجراءات امنية مشددة، وسط شبه حالة استنفار شاملة.
ورغم ان قيادات الحراك المعارض كانت اعلنت عن عزمها ارجاء زحفها الى العاصمة، نزولاً عند ما اسمته رغبات الكثيرين، الا ان ثمة من المهتمين بالشأن العراقي من يرى بأن هذه الخطوة التصعيدية من جانب المحتجين، اعطت ثمارها المرجوة من دون ان تأخذ طريقها نحو حيز التنفيذ العملي، اذ انها حققت الاتي:
– اثبتت للجميع بان الاحتجاج والاعتصام ضد المالكي وحكومته ما زالا يحافظان على زخمهما، وانها لن تتراجع وهو امر من شأنه ان يبدد رهان المراهنين على عامل الوقت، كي يتراجع الحراك وتخف وطأته ووتيرته وتأثيره من دون ان يكون المالكي مجبراً على تقديم اية تنازلات او النزول عند مطالب المحتجين المعروفة، وفي مقدمها تعديل قانون المساءلة والعدالة واطلاق المعتقلات والمعتقلين.
– ان المحتجين اثبتوا للحكومة العراقية انهم قادرون على تطوير حراكهم ساعة يشاؤون وان يكونوا في حالة اندفاع وهجوم ويفرضوا على حكومة المالكي ان تكون في حال دفاع عن النفس.

المالكي متشبث بالحكم
لكن ذلك على اهميته لا يعني اطلاقاً ان رياح الامور في القريب العاجل تسير وفق ما تشتهيه سفن معارضي المالكي ورغباتهم في جعل هذا الرجل يغادر قسراً او طوعاً المنصب الذي يشغله منذ اكثر من عقد من الزمن، او جعله يغير اداءه ومسلكه السياسي، وبالتالي ينصاع للمطالب المعلنة والخفية التي يرفعون لواءها منذ فترة ليست بالقصيرة.
اذ ما من احد بإمكانه ان ينكر ان المعارضة العراقية ما برحت قادرة على فرض حراكها بعناد على المعادلة السياسية العراقية، لا بل ان هذا الحراك  ترك بصماته على سلوك القوى السياسية العراقية. فائتلاف القائمة العراقية ما زال يفرض على وزرائه الخمسة في الحكومة الحالية مقاطعة جلسات هذه الحكومة، في حين ان عضو القائمة رئيس مجلس النواب العراقي اسامة النجيفي، يتصرف ان في داخل المجلس او في خارجه على وقع تضامنه مع حراك المحتجين.
وما من شك ايضاً في ان المالكي، ورغم حرصه على الظهور بمظهر اللامهتم كثيراً حيال حراك المحتجين، اضطر في نهاية المطاف الى القيام بسلسلة خطوات واجراءات بغية القول بأنه يتجاوب مع مطالب المحتجين، وفي مقدم هذه الخطوات تشكيل اللجنة الوزارية برئاسة نائب رئيس الوزراء حسين الشهرستاني والمولجة دراسة المطالب التي يرفع لواءها هؤلاء المحتجون.
والمعلوم ايضاً ان هذه اللجنة قامت فعلاً باتصالات مكثفة من طرق متعددة مع المعتصمين وقياداتهم وبادرت ايضاً الى العمل لاطلاق مئات المعتقلين والمعتقلات.
اضافة الى ذلك، فإن ائتلاف القائمة العراقية بزعامة اياد علاوي والتحالف الوطني العراقي بقيادة ابرهيم الجعفري وهو الائتلاف الذي يساند المالكي، قد اتفقا في الآونة الاخيرة على ادخال تعديلات على جوهر قانون المساءلة والعدالة، ولا سيما لجهة وقف حجز اموال وممتلكات النظام السابق، واعادة الحقوق المترتبة لهم واسترداد ممتلكاتهم واعتبارهم مواطنين عاديين وليسوا من الدرجة الثانية.
ولم يعد خافياً ان قانون المساءلة والعدالة يطاول الآلاف من العراقيين، فيمنع عليهم مثلاً الالتحاق بالوظائف العامة ونيل رواتب التقاعد وما الى ذلك من حقوق.

التهديد بالزحف
ولكن السؤال المطروح حيال ذلك كله، هو: لماذا لا يبدي المحتجون تجاوباً حقيقياً وجدياً مع مبادرات الحكومة العراقية او لا يعطونها الوقت الكافي للحكم عليها، وبالتالي يصرون على المضي قدماً نحو التصعيد الى درجة التهديد بالزحف نحو العاصمة مما استدعى استعداداً للرد المضاد من قبل جهات مؤيدة للحكومة، وهو ما دفع البعض الى التحذير من صدامات مفتوحة على تداعيات واحتمالات بالغة السلبية من شأنها ان تعمق الازمة القائمة حالياً وتنقلها الى مراحل خطيرة.
وتوحي اكثر المعطيات والوقائع المتوفرة ان المعارضة التي نزلت الى شوارع وميادين العديد من المدن في محافظات الوسط منذ فترة، وقعت على مفاجآت وعناصر قوة لم تكن في حسبانها مما دفعها دفعاً الى تضخيم آمالها وتكبير حجم آمالها، فلم تعد مكتفية فقط بتحقيق مطالب رفعتها ولها صلة بتهميش الحكومة لشريحة من المواطنين والمناطق العراقية بناء على اعتبارات سياسية ومذهبية.
اذ ان حجم المشاركة في الاحتجاج، وتجاوب مناطق شاسعة مع الحراك وتحرك احياء في بغداد نفسها وتجاوب من فاعليات وعشائر في الجنوب العراقي، فضلاً عن مساندة «التيار الصدري» لها، كل ذلك دفعها الى التفكير جدياً في تحقيق انتصار اكبر واكثر دوياً وهو اسقاط حكومة المالكي نفسه، ودفع التحالف الوطني الى تسمية سواه للمنصب الاهم في دست السلطة في بغداد.

معطيات وتطورات
وما دفع المعارضة الى التفكير بقطف هذا الهدف جملة معطيات وتطورات ابرزها:
1
ان قوى اساسية في التحالف السياسي الذي يحتضن المالكي، بدا عليها انها في وارد التضحية بالمالكي ككبش محرقة وكمخرج من الازمة الخانقة.
2- زادت في اندفاعة المعارضة نحو تحقيق هذا الهدف مسارعة قوى وتيارات شيعية اساسية الى الموافقة على مبدأ تحديد ولاية رئاسة الحكومة بولايتين فقط مما عدته المعارضة ايضاً كنوع من التخلي التدريجي عن المالكي.
3- ان المعارضة وجدت ابان انطلاق حراكها واحتجاجها، نوعاً من الاهتمام والرعاية الخارجية، اذ ان عواصم عدة سارعت الى المباركة واعتبار ذلك رأس جسر لاحداث تغيير في واقع سياسي عراقي ارتسم في الاعوام الستة الاخيرة، ولم تبادر الى منحه مباركتها في يوم من الايام.
وعليه، ظنت هذه المعارضة ان بإمكانها تحويل حراكها الى حراك متماه مع التحولات في المنطقة عموماً، لذا حرصت على ادامته وتطويره وشحنه بعوامل التحريك مجدداً كلما شعرت ان هذا التحرك ينتابه الضمور والذبول.
4- ان ثمة معلومات تؤكد ان المعارضين ذهبوا في رهاناتهم الى حد مفاتحة الجانب الايراني وقوى اساسية داخل التحالف الشيعي بإجراء صفقة جديدة يكون عنوانها العريض اطاحة المالكي والقبول بأي شخص اخر يسميه التحالف الشيعي.
وحسب المعطيات ايضاً، فإن الجانب الايراني اعطى في الآونة الاخيرة جوابه الحازم على هذا العرض الخفي، بالتأكيد ان المالكي خط احمر وبالتالي فهو ضد اي محاولات لتغييره.

هجوم مضاد
وفي مقابل كل ذلك، كان لافتاً ان المالكي والفريق الداعم له بدأا في الآونة الاخيرة هجوماً مضاداً عنوانه العريض استعادة زمام الامور والظهور بمظهر القادر على التأثير والفعل.
ففضلاً عن منع المتظاهرين من بلوغ العاصمة، بدأ هذا الفريق حملة شرسة تحت عنوان اقالة رئيس البرلمان النجيفي لاتخاذه مواقف تتعارض مع موقعه الحيادي.
واكثر من ذلك، فإن ثمة من رأى ان القصف الذي طاول مقر اقامة زعيم القائمة العراقية علاوي في قلب بغداد، يدخل بشكل غير مباشر في سياق الرد المضاد من جانب حكومة المالكي وارسال رسالة فحواها ان على الطرف الاخر اعادة النظر بكل حراكهم ونهجهم، لان ما كان مقبولاً في الفترة السابقة صار مرفوضاً، وما كان يمكن السكوت عنه، لم يعد بالامكان ذلك في قابل الايام.
وفي خضم هذه التطورات المستجدة والقديمة، لاح في الافق عنصر جديد تمثل في دعوة السفير الاميركي في بغداد، الزعيم الكردي العراقي مسعود البرزاني لاطلاق مبادرة حوارية جديدة بين الطرفين المتخاصمين في العراق، تفضي الى تفاهم جديد على غرار تفاهم اربيل الاول الذي يعود الفضل في انجازه الى البرزاني نفسه، وهو التفاهم الذي ادى عملياً الى فتح الباب امام تأليف حكومة المالكي الحالية بعد ازمة سياسية استمرت اشهراً عدة، اعقبت الانتخابات العامة التي جرت عام 2010.
ولم يعد خافياً ان البرزاني والطرف الكردي عموماً اتخذا منذ بداية الازمة الاخيرة موقفاً يمكن اعتباره وسطياً. ومهما يكن من امر، فما من ضمانات تشير الى ان هذه المبادرة ستلاقي النجاح. وفي غضون ذلك ادى الاحتقان السياسي الى عودة التفجيرات الدامية التي حصدت في نهاية الاسبوع عشرات القتلى والجرحى والى دمار كبير طاول الممتلكات والمتاجر والمطاعم، وذلك نتيجة انفجار ثماني سيارات مفخخة في شوارع مكتظة بالسكان

ابرهيم بيرم

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق