الاقتصادمفكرة الأسبوع

زلزال الدين الاميركي يهز اقتصادات الشرق الاوسط

كلما حصل زلزال سياسي او اقتصادي او مالي في اي منطقة من العالم تداعت ارتداداته في منطقة الشرق الاوسط. من هنا التساؤل عن حجم الارتدادات التي قد يحدثها الزلزال الاميركي المتعلق بالخلافات بين الادارة والكونغرس حول سقف الدين لو استدام؟

لا شك في ان عدم التوصل الى اتفاق بين الادارة الاميركية والكونغرس على مدى ثلاثة اشهر وضع الاسواق امام حالة من عدم الثقة، بحيث يتوقف  تأثير هذه الازمة «البالغة الخطورة»، كما وصفها البنك الدولي على الفترة التي يمتد فيها اغلاق الحكومة، ومدى سرعة مواجهة مشكلة سقف الدين. واذا كانت منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا محدودة الارتباط مالياً بالاقتصاد الاميركي، تبقى هناك تأثيرات محتملة في ثلاثة مجالات، كما يقول مسعود احمد، مدير ادارة الشرق الاوسط ووسط آسيا في صندوق النقد الدولي. ويحدد احمد هذه المجالات بالآتي: اسعار النفط، معدلات النمو، واسعار الفائدة.

المجالات الثلاثة
لو طال امد مشكلة سقف الدين لأمكن ان يؤدي ذلك الى انخفاض معدلات النمو داخل الولايات المتحدة التي تعتبر حتى الآن اكبر مستهلك للنفط في العالم، وهذا سيفضي الى انخفاض اسعار النفط – ولو لأجل قصير – ما سيرخي بثقله على الدول المصدرة للنفط.
المجال الثاني يتعلق بتباطؤ معدلات النمو في المنطقة بشكل مباشر، ليس فقط بسبب الانخفاض المحتمل في اسعار النفط، وانما بسبب تباطؤ حركة التجارة والتصدير، وضعف النشاط الاقتصادي، والحد من تدفق التحويلات المالية والاستثمار الاجنبي المباشر. فاوروبا هي المستورد الرئيسي لمنتجات منطقة الشرق الاوسط، وتباطؤ معدلات النمو الاوروبي سيلقي بظلاله على دول شمال افريقيا، وبالمثل في السوق الاميركية التي تعتبر سوق التصدير الرئيسية لبعض الدول العربية مثل مصر والاردن.
اما المجال الثالث فيتناول احتمال ارتفاع اسعار الفائدة، ما سيؤثر على تكلفة الاقتراض لبعض الدول. وبصفة عامة، تشير تحليلات صندوق النقد الدولي الى ان تأثير مشكلة اغلاق الحكومة الاميركية وسقف الدين على منطقة الشرق الاوسط يراوح بين 20 و30٪ من تأثير الازمة على معدلات النمو للولايات المتحدة الاميركية.

توقعات الصندوق
شكلت الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين الاخيرة فرصة لاجتماع الوزراء وصناع السياسات لمناقشة التحديات، ووضع خطط للتنسيق من اجل مواجهتها. وعمل صندوق النقد مع الدول بشكل فردي لتكون على اهبة الاستعداد دوماً للتعامل مع اي صدمات تصيب الاسواق العالمية. وتوقع تراجع معدلات النمو الاقتصادي في منطقة الشرق الاوسط الى 2،8٪، اي نصف معدل النمو الذي حققته المنطقة في العام 2012، والمقدر بنحو 5،6٪.
فما هي اسباب تراجع النمو؟ وما هو دور الصندوق في مساعدة دول المنطقة، كما يتساءل مسعود احمد، الذي يجيب بالقول: ان الشرق الاوسط انقسم الى مجموعتين: الاولى هي الدول المصدرة للنفط التي قد تواجه تباطؤاً في التوسع الاقتصادي، لكنها ستظل الاقوى في معدلات النمو في المنطقة، وقد نجحت في تنفيذ خطوات جيدة في ما يتعلق بايجاد الوظائف.
اما المجموعة الثانية فهي الدول المستوردة للنفط التي ستتراجع معدلات النمو فيها الى ما بين 2،8 و3٪، ويرجع ذلك الى استمرار الاضطرابات السياسية، وحالة عدم الاستقرار التي تؤثر سلباً على القطاع الخاص في كل النواحي، اضافة الى تأثيرات الازمة السورية وامتداداها الى جيرانها مثل لبنان والاردن والعراق، مع الاشارة الى ان دول المنطقة تمر في مرحلة تحول سياسي، ما يقلل من قدرة الدول على التركيز على الاصلاحات الهيكلية الاقتصادية. ومن شأن استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي ان يؤدي الى بقاء معدلات النمو دون مستوى الامكانات في بلدان المنطقة، ليس  فقط، على المدى القصير، بل لسنوات مقبلة ما لم تحدث خطوات سريعة وفعالة لتحفيز النمو وجذب الاستثمار وتقوية القطاع الخاص.

حركة الصندوق
من المعروف ان مصر حصلت على مساعدات تبلغ 12 مليار دولار من المملكة العربية السعودية، والامارات، والكويت ليخرج مسؤولون مصريون للقول انهم ليسوا في حاجة ملحة لقرض صندوق النقد الدولي المقدر بـ 4،8 مليارات دولار، والذي استهلك كثيراً من الوقت والتفاوض من دون ان يفضي الى نتيجة حتى الآن على الاقل، غير ان الصندوق يعتبر نفسه «معترفاً» بالحكومة المصرية المؤقتة، و«ملتزماً بقوة» بمساعدة مصر في هذه الفترة الحرجة على عادته مع الحكومات المصرية منذ «حركة 25 يناير» 2011، وهو ابدى استعداده لارسال فريق لمناقشة الاوضاع والتحديات التي تواجه الاقتصاد المصري، بمجرد ان تكون الحكومة المصرية مستعدة لاستقبال هذا الفريق. ولا يخفي الصندوق اعترافه بالقول ان الاموال التي حصلت عليها مصر من الدول الخليجية ساعدت كثيراً في تحسين الوضع الاقتصادي المصري، وقد تحدثت الحكومة حول برامج للانفاق العام بمقدار ثلاثة مليارات دولار لتحفيز النمو وايجاد فرص عمل. ومما لا يحتمل الالتباس في ان المساعدات الخليجية اتاحت للحكومة المصرية الوقت لمواجهة العجز في الموازنة بشكل تدريجي، وعلاج عدم التوازن في الاقتصاد بشكل عام، كما اتاح لها الوقت لتقرير كيفية التعامل مع التمويل الذي يوفره قرض الصندوق.
والواقع ان اهمية قرض الصندوق ليست في حجم قيمته، بل في ما يتيحه من مواجهة للتحديات، ومناقشة ما هو ابعد من الانفاق العام على المدى القصير، الى كيفية خلق اجواء ايجابية للقطاع الخاص لدفع معدلات النمو وتنفيذ اصلاحات تحقق نمواً مستديماً، ولا يمكن اغفال ما يشكله قرض الصندوق – اذا تم – من «رسالة للاسواق» تفيد بوجود برنامج اصلاحي في مصر يسانده الصندوق.

 

توقعات البنك الدولي
تعتبر البنك الدولي في احدث تقرير له ان الاضطرابات السياسية التي سادت منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا عام 2013 قد القت بظلالها على الانشطة الاقتصادية والسياحة والاستثمار، متوقعاً تسجيل المنطقة متوسط نمو اقتصادي 2،8٪ لبقية العام الجاري، اي نصف معدل النمو الذي حققته في 2012 المقدر بنحو 5،6٪. وتوقع التقرير تباطؤ التوسع الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي، الا انه اكد ان النمو الذي ستحققه هذه الدول سيبقى الاقوى في المنطقة. ورأت انجر اندرسون، نائبة رئيس البنك الدولي ان المنطقة على مفترق طرق، فاما انها تسلك طريق المزيد من المشكلات السياسية والاقتصادية واما تسلك طريق الاصلاحات ومواجهة التحديات وبناء الثقة وايجاد الوظائف مما يجعلها الاعلى نمواً.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق