سياسة عربية

مصر: الجيش يخوض معركة شرسة لتثبيت حكمه في القاهرة

في نهاية الاسبوع الماضي، بدأ الجيش المصري عملية عسكرية لتمشيط ما اسماه «البؤر الاجرامية في شمال سيناء»، حيث دفع بمئات من عناصر النخبة فيه، مدعومين بمروحيات ودبابات الى مناطق عدة في مدينة الشيخ زويد شمال صحراء سيناء، اي الى اقصى الشمال الشرقي للبلاد، في محاولة واضحة ومكشوفة لانزال ضربة قاصمة بالمجموعات الجهادية الارهابية التي تقبض من بعيد على ناصية الامن في الجزء الآسيوي من مصر.

اللافت ان الحكومة المصرية لم تحدد مهلة زمنية لهذه العملية، مما اوحى بأنها مفتوحة، علماً انها وفق كل المعلومات التي افرجت عنها السلطات هي العملية العسكرية الاضخم منذ نحو ثلاثة اعوام، وبالتحديد منذ ان ادرك النظام المصري السابق والحالي، ان صحراء سيناء البالغة مساحتها نحو 170 الف كيلومتر وتتمتع بموقع استراتيجي وتوشك على ان تصبح في قبضة الجماعات والمجمعات الارهابية ذات الامتدادات الخارجية، مما ينطوي على خطورة ان تصير امارة اسلامية خارج نطاق سيطرة القاهرة.
«الحملة» العسكرية التي جردتها القاهرة لاسترداد «السيادة» على صحراء سيناء، ليست الاولى من نوعها، وربما لن تكون الاخيرة، فقد جرد نظام الرئيس المصري المعزول محمد مرسي اكثر من حملة، واعلن نظامه عما اسماه تحقيق انجازات ميدانية ادت الى اضعاف شوكة المجموعات المتمردة.
وكان نظام مرسي مضطراً الى خوض غمار هذه المغامرة لان هاتيك المجموعات المسلحة الجهادية هي من بادر الى فتح النار على قواته الامنية وقتلت العشرات، في ما بدا انه مشروع واضح لابلاغ من يعنيهم الامر ان صحراء سيناء لم تعد في عهدة النظام المصري.

تفاهم مع المسلحين
وبعدها بوقت قصير، سرت معلومات ومناخات وتحليلات فحواها ان نظام الرئيس مرسي المستغرق في ذلك الحين في تثبيت قبضته على الحكم في مصر، عقد ما يشبه التفاهم مع هذه المجموعات، ومن يقف وراءها، جوهره الاقرار بواقع الحال القائم منذ زمن بعيد، اي الاقرار بحرية الحركة والتحرك لهذه المجموعات ضمن حدود معينة وضمن “تنسيق” في اطر محددة.
وعليه، ثمة من يرى بأن مرسي وتلك المجموعات تواطآ على نوع من المساكنة وتقاسم النفوذ ومنع الهجمة العسكرية المصرية الجديدة على سيناء.
والسؤال المطروح حالياً وبإلحاح، هو: لماذا عاد النظام الجديد في القاهرة الى نقض هذا «التفاهم» غير المعلن في سيناء، والى فتح ابواب مواجهة مع مجموعات مسلحة متجذرة منذ زمن في عمق الصحراء مع وعيه المسبق بأنها مواجهة ستكون مكلفة وشاقة بكل المقاييس والمعايير، بصرف النظر عن نتائجها المتوقعة؟
يكاد كل المتابعين لتطورات الشأن المصري، يجمعون على ان النظام المصري الحالي هو: بحاجة ماسة الى خوض غمار هذه المغامرة في بحر رمال صحراء سيناء، بغض النظر عن تكاليفها العالية واحتمالاتها المتعددة.
ويعزو هؤلاء المراقبون ذلك الى اسباب وعوامل متعددة ابرزها:
– ان النظام الحالي في القاهرة الذي يشكل الجيش المصري عموده الفقري، يتصرف على اساس ان نجاحه في معركته الحالية في صحراء سيناء في مواجهة المجموعات الجهادية المسلحة هو جزء اساسي من نجاح معركته في الداخل المصري لتثبيت حكمه وشرعيته في مواجهة جماعة «الاخوان المسلمين» الذين رغم مرور اكثر من شهرين على انهاء حكمهم واعتقال مرسي، ما زالوا «يجردون» الحملة تلو الحملة ويجرون المحاولة اثر المحاولة  لاسترداد ما فقدوه، او بمعنى اخر لانجاح التجربة النادرة في امساكهم بناصية الحكم في الدولة التي نشأوا اصلاً فيها، قبل اكثر من ثمانين عاماً، وبدأوا رحلة جهادهم الطويلة لنشر افكارهم وعقائدهم.
فالمعلوم انه منذ ان اخذت المؤسسة العسكرية المبادرة في مصر عقب الانتفاضة الشعبية الواسعة على حكم الاخوان في مصر، ونزول شريحة واسعة من الشعب المصري الى الشارع في نهاية حزيران (يونيو) الماضي، وانهت حكم مرسي وساقته الى السجن، ونصبت مكانه حكماً جديداً برموز جديدة واجهتها تحديات جبارة عدة من بينها، بل ربما ابرزها تحدي الوضع في سيناء.

 توجس الحكم الجديد
فإلى الهجمات شبه اليومية على دوريات ومواقع ومخافر القوى الامنية المصرية في شبه جزيرة سيناء، في ما بدا انه احد ردود الاسلام السياسي المصري على اسقاط تجربة حكم القاهرة، بدا جلياً ان النظام الجديد في القاهرة توجس امر
اً اساسياً اكثر خطورة على المستوى القريب والبعيد، اذ صار يتوجس فعلاً من مسألة ان تبادر المجموعات المنتشرة في هذه الصحراء المتنامية الاطراف، الى اعلان «امارتها» هناك، وبالتالي وضع «حكم العسكر» في مصر امام تحديات جديدة تزيد من منسوب ارتباكه الحاصل، وتشتت جهوده وبالتالي تبدد كل الانجازات التي حققتها منذ ان بادر الى القول بأن «الامر لي» واسقط مرسي وحكمه.
ففي وقت صارت الهجمات على مراكز ودوريات قوى الامن المصرية في سيناء اشبه ما تكون بالعمليات اليومية المفتوحة او بحرب استنزاف، اتت الضربة الكبرى للنظام الحالي في مصر، من خلال التفجير الذي استهدف موكب وزير الداخلية المصرية محمد ابرهيم في القاهرة، في محاولة واضحة لاغتياله.
ورغم ان هذه العملية اخفقت في تحقيق اهدافها، الا انها اقنعت من يعنيهم الامر في القاهرة بأن الجهات المعادية للحكم الحالي في مصر، قررت ولوج عتبة مرحلة جديدة في المواجهة معه، واستطراداً قررت توسيع افق المواجهة من خلال العودة الى نمط معين من العمليات الارهابية والاغتيالات لرموز معينة في الداخل، يحاكي بشكل او بآخر نمط العمليات التي سادت في مصر ابان حقبة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وتتماهى الى حد بعيد مع اسلوب العمليات الذي تتبعه الجماعات الجهادية وتنظيم «القاعدة» في العراق وسوريا، اي السيارات المفخخة والاغتيالات.

 عملية عسكرية نوعية
لذلك كان من البديهي والاضطراري ان تشرع السلطات المصرية في العملية العسكرية النوعية الجديدة في صحراء سيناء بعد اقل من 48 ساعة على محاولة اغتيال وزير الداخلية المصرية لان هذه السلطات تنطلق من معلومات تفيد عن امكانية ان تبادر هذه المجموعات الجهادية المسلحة الى فعل شيء غير عادي في صحرا
ء سيناء، كأن تعلن «الامارة الاسلامية»، وتكشف عن سيطرتها النهائية على القسم الشمالي من صحراء سيناء، حيث يتجذر وجودها وثقلها وقواعدها ومعسكراتها العسكرية هناك، ولا سيما بعدما حولت هذه القواعد والمعسكرات الى ملاذ آمن لكل المنظمات والمجموعات التي هي من رحم تنظيم «القاعدة» او تحتذي به اسلوب عمل وعقيدة.
ولم يعد خافياً على اي مراقب للشأن المصري، ان السلطات المصرية الحالية تتعامل مع الوضع في صحراء سيناء، على انه خاصرة رخوة او نقطة اساسية تسعى الى تلافيها او معالجتها او سد ابواب المخاطر التي تأتي منها.
لذا لم يكن غريباً ان تبادر هذه السلطات الى ردم معظم الانفاق الممتدة بين سيناء وغزة، ومن ثم الشروع بخطوات وتدابير ميدانية وعملية بغية اقامة منطقة عازلة بين سيناء من جهة، وغزة وقطاعها من جهة اخرى، لانها تتوخى من وراء ذلك كله ان تسد الابواب سلفاً امام اي احتمال بدأ يكبر الحديث عنه، وهو احتمال قيام تحالف بين حركة «حماس» التي تقبض على زمام الامور في غزة والمجموعات والقوى الجهادية المتجذرة في صحراء سيناء، مما يسمح لاحقاً بنشوء دويلة او واقع اسلامي جهادي معين ممتد بين سيناء وغزة، يصير على المدى البعيد ملجأ وملاذاً امناً ومنطلقاً لكل الجهاديين في العالم، ليكون ذلك شوكة في خاصرة الحكم المصري الحالي، تمنعه من تثبيت وضعه الحالي وتبقيه في حالة تذبذب وعدم استقرار.

في حماية غزة
ومما يعزز مثل هذه المخاوف لدى مراقبي الشأن المصري معلومات سرت اخيراً فحواها ان المرشد العام المعين بالوكالة للاخوان المسلمين في مصر وهو محمود عزت وقياديين اخرين من التنظيم موجودون منذ فترة تحت حماية «حماس» في غزة، ومن هناك يديرون عمليات المواجهة الحالية في وجه النظام المصري الجديد، في حين ان المشرف العام على تحركات المجموعات الارهابية الجهادية في غزة، هو احد قياديي «القاعدة» الخطيرين رمزي موافي.
وفي كل الاحوال، فإن النظام المصري قرر دخول المواجهة مع خصومه من اوسع الابواب، والقوات الامنية المصرية، بدأت عملية ضخمة وفاعلة في سيناء، فهل يكسب الرهان ام لا؟ تلك مسألة غير محسومة لانها رهن بمسار كلا الطرفين للمواجهة، ولكن الاكيد ان النظام المصري يخوض مواجهة شرسة في سيناء لكي يثبت حكمه وينجح تجربته الطرية العود والصعبة في القاهرة.

ابرهيم بيرم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق