الاقتصادمفكرة الأسبوع

دبي تستأنف تنفيذ المشاريع الضخمة

لم يصدق احد ان الفورة الاقتصادية التي شهدتها امارة دبي يمكن ان تتوقف. لكن هذا التوقف كان كناية عن فترة تأمل ومراجعة ورسم طريق جديدة نحو المستقبل من دون ان تنوء تحت عبء الدين، الذي وصل الى 100٪ من انتاجها المحلي الاجمالي.

على الرغم من اضطرار امارة دبي لمواجهة استحقاقات القروض في اطار معالجتها لازمة الديون، فان «عروس السياحة والاعمال» في دولة الامارات العربية المتحدة والخليج العربي تستمر في حركتها التصحيحية الاقتصادية، والاعلان عن المشاريع الضخمة التي كانت مرادفة لدبي في زمن الفورة.

الاستحقاقات القريبة
يقول مسعود احمد، مدير شؤون الشرق الاوسط في صندوق النقد الدولي ان دبي «مضطرة لأن تفي باستحقاقاتها القريبة، التي تشكل جزءاً من الدين الاجمالي الذي يبلغ 100٪ من اجمالي ناتجها المحلي»، ويضيف: «ان الامارة قادرة على الوفاء. اذ ان هناك قسماً ملموساً من الدين يستحق في السنوات القليلة المقبلة، ومن الضروري ادارة هذه العملية بالشفافية الكاملة».
وقامت دبي خلال السنوات الاخيرة باعادة هيكلة مليارات الدولارات من الديون ولا سيما مليارات مجمع «عالم دبي»، خصوصاً ان المدينة – الدولة ادت في ربيع 2009 الى اهتزاز المراكز المالية العالمية عندما اعلن مجمع «عالم دبي» عن عدم قدرته على تسديد دين يتجاوز 26 مليار دولار، قبل التوصل، بمساعدة الحكومة، الى اتفاق مع الدائنين من اجل اعادة جدولة 14،7 مليار دولار اميركي من هذا الدين.
وثمة سلسلة اخرى يفترض اعادة هيكلتها بين العامين 2014 و2016 عندما يحين استحقاق جزء كبير من قرض دبي الخاص باعادة جدولة دين العام 2009، عالى حد قول مونيكا مالك رئيسة الاقتصاديين في بنك EFG-Hermes الاستثماري في دولة الامارات. واشارت الى ان الدين المتوقع استحقاقه يشمل قروض ابو ظبي، وقروض البنك المركزي الاماراتي، التي يفترض اعادة جدولتها بسهرلة.
ومن المعلوم ان المليارات العشرين التي قدمتها امارة ابو ظبي، اغنى اتحاد الامارات السبع، هي التي سمحت لدبي بتجنب توقف «عالم دبي» عن الدفع، والقت عليها مسؤولية اعادة جدولة دينها. لكن مشكلة دبي لم تكن سوى الوجه الظاهر لجبل الجليد.

اعادة جدولة
وبحسب تقرير لبنك EFG-Hermes، فان دبي وشركاتها الحكومية كدست نحو 113 مليار دولار من الديون، مع 36،5 مليار دولار ستستحق العام المقبل.
ومن العلامات الايجابية على قدرة دبي على ادارة التزاماتها اعلان الحكومة والشركات الحكومية عن اتفاقها على اعادة جدولة الدين او تسديد الاستحقاقات الآتية.
فالدين المستحق على دبي هذا العام يبلغ 9،4 مليارات دولار مقارنة مع 14،6 مليار دولار في العام 2012. وفي مطلع ايار (مايو)، اعلنت الحكومة انها دفعت 3،34 مليار درهم من الالتزامات التي استحقت في نيسان (ابريل). ويقول عبد الرحمن الصالح، المدير العام للادارة المالية في الامارات: «ان هذا التسديد يشير الى التزام حكومة دبي باحترام التزاماتها المالية».
وفي العام الماضي سجل اقتصاد دبي نمواً بنحو 40٪، ويفترض ان يرتفع هذه السنة الى اعلى من هذا الرقم، على حد قول مسعود احمد، الذي اضاف: «نحن نرى عملية التصحيح واسعة النطاق»، مشيراً الى النمو في «العملانية، والتجارة والعقارات. وفي هذا المجال يبدو اقتصاد دبي افضل حالاً».
وتشير احصاءات التجارة غير البترولية لدبي، التي استنزفت احتياطها من الذهب الاسود عملياً، الى ان هذه التجارة ارتفعت بنسبة 13٪ في العام 2012 الى 336 مليار دولار اميركي. ومطارها هو اليوم ثاني مطار في العالم مع 57،68 مليون مسافر في العام 2012. وثمة العديد من المشاريع الضخمة اعلن عنها حديثاً، ما يذكرنا بمرحلة النمو الذهبي الذي كبحته صدمة العام 2009.
وبين تلك المشاريع مدينة محمد بن راشد المجهزة بميدان اكبر من ميدان «هايد بارك» في لندن، وعشرات الفنادق، ومساحة من الاستوديوهات العالمية. واسعار العقارات بدأت تتحسن ايضاً بعدما انخفضت الى نحو النصف ابان الازمة.

توقعات
ذكر الشيخ احمد بن سعيد آل مكتوم، رئيس اللجنة العليا للسياسات المالية في دبي ان اقتصاد الامارة سيستمر في النمو بشكل تصاعدي منذ العام 2010، حيث سجل نسبة تفوق قليلاً 2٪ لترتفع في العام 2011 الى 3٪، وفي العام 2012 الى 4،1٪ متوقعاً ان تبلغ هذا العام اكثر من 4،5٪. وجاءت هذه التصريحات خلال ملتقى دبي  للآفاق الاقتصادية، التي قال كبير الاقتصاديين في هذه الدائرة محمد الاجوال في الملتقى نفسه «ان نسبة النمو هذه محترمة»، وهو نمو يقوده قطاع السياحة الذي نما بنسبة 6٪، مع قطاعات التجارة والصناعة والنقل التي نمت ايضاً بنسبة جيدة.
واكد احد مصرفيي «ستاندرد تشارترد» من جانبه الاجواء الايجابية لدبي. واعتبر ان كون معدل النمو اقل ليس بالضرورة معطى سيئاً، لان نوعية النمو تتحسن، وقال: ان اساسيات دبي صحية وقوية. واعتقد بأن ذلك يشكل عاملاً ايجابياً لأن التركيز بات يتحول الى قطاعات انتاجية.
واضاف: «يجب الا ننظر الى نسبة النمو، بل الى نوعيته» مشيراً الى ان قطاع التجزئة يسجل نتائج جيدة هذا اذا لم نقل انه في حالة فورة بينما وضع قطاع الفنادق جيد جداً ايضاً.
ويلاحظ ان قطاع العقارات قاد اقتصاد دبي طوال السنوات الخمس التي سبقت الازمة – الصدمة، لكن الازمة المالية العالمية كانت وراء تراجع اسعار العقارات بنسبة 60٪ نتيجة تجفيف التمويل الدولي الذي احدثته الازمة. واليوم يعود القطاع العقاري الى خلف كل القطاعات مع خروج المستثمرين في الكثير من المشاريع، و«الغاء  480 مشروعاً عقارياً كانت قيد التخطيط»، على حد قول المدير التنفيذي لمؤسسة التنظيم العقاري في دبي مروان بن غليطة.

مؤشرات النمو
للدلالة على مسارعة دبي الى الخروج من صدمة 2009، نشير الى ان عدد الشركات الجديدة في الامارة خلال النصف الاول من العام 2010 (العام الاول، بعد الازمة) ارتفع الى 5098 شركة بنمو نسبته 18،9٪. ورأى عدد من الخبراء ورجال الاعمال ان المحفز القوي لهذه الشركات هو الانتعاش الكبير الذي بدأت تشهده دبي منذ العام 2010.
واكد مجلس دبي الاقتصادي ان الامارة تبوأت المركز الاول عالمياً خلال العام الماضي في نمو قطاع السياحة بنسبة 10،7٪. ووفقاً لمديرية مجلس دبي للتنافسية التابع لمجلس دبي الاقتصادي ان دبي حققت المركز الخامس على مؤشر النقل والخدمات اللوجستية، الذي يعد من اهم المؤشرات الاقتصادية بنمو بلغ 12،6٪، كما حققت دبي المركز الحادي عشر عالمياً في نمو القطاع المالي بنسبة 10،2٪.
وبحسب مدير غرفة التجارة والصناعة في دبي حمد بو عميم فان قطاع التصدير واعادة التصدير اثبت مساهمته الفعالة في قيادة مسيرة تقدم وازدهار اقتصاد دبي، حيث ازداد اجمالي صادراتها غير النفطية في النصف الاول من السنة التي اعقبت الازمة بنسبة 18٪ وقال ان قطاعات الصادرات واعادة الصادرات والتجارة والدعم اللوجستي اساسات اقتصاد الامارة ومحفزات نموه.


دبي تخفض الطلب على الطاقة
تستعد دبي لخفض الطلب على الطاقة بمعدل 30٪ بحلول العام 2030، وفق الاستراتيجية المتكاملة للطاقة في الامارة المذكورة. ويأتي مشروع مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية في هذا الاطار. وكان نائب رئيس الامارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم قد دعا اكثر من 3500 عالم وباحث في منتدى دبي العالمي للطاقة الى البحث عن حلول ناجعة وعاجلة لايجاد البدائل العملية للنفط والغاز من اجل توفير التكاليف الباهظة للطاقة التقليدية والمساهمة في توفير الحياة الكريمة للشعوب الفقيرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق