عون وجه رسائل الى رؤساء الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن لمعالجة ازمة النزوح
تداعيات اي انفجار في لبنان قد تمتد الى دول كثيرة
دعا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون رؤساء «الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن والامين العام للامم المتحدة والاتحاد الاوروبي وجامعة الدول العربية، في رسائل خطية وجهها اليهم امس، الى التركيز على معالجة لب ازمة النازحين السوريين نفسها، إضافة الى تداعياتها»، معتبراً انه «اصبح لزاماً على الامم المتحدة والمجتمع الدولي بذل كل الجهود الممكنة وتوفير الشروط الملائمة لعودة آمنة للنازحين السوريين الى بلدهم، ولا سيما الى المناطق المستقرة التي يمكن الوصول اليها، او تلك المنخفضة التوتر، من دون ان يتم ربط ذلك بالتوصل الى الحل السياسي». وبعدما لفت عون الى «العبء الثقيل الذي يتحمله لبنان نتيجة تدفق النازحين والذي تعجز عن تحمله اي دولة اخرى»، عرض «للمخاطر الاقتصادية والسياسية والامنية والاجتماعية التي يسببها عدم ايجاد حل لمعاناة النازحين السوريين»، محذراً من «تداعيات اي انفجار قد يحصل في لبنان في حال تعذر حل الازمة في سوريا وعودة النازحين اليها، لأن نتائجه لن تقتصر على لبنان فقط بل قد تمتد الى دول كثيرة».
وكان عون التقى في حضور وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، سفراء الدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الامن: السفير الروسي الكسندر زاسبكين، السفير البريطاني هوغو شورتر، السفيرة الاميركية اليزابيت ريتشارد، سفير الصين وانغ كيجيان، السفير الفرنسي برونو فوشيه، سفيرة الاتحاد الاوروبي كريستينا لاسن، ونائب ممثلة الامين العام للامم المتحدة فيليب لازاريني، وممثل جامعة الدول العربية السفير عبد الرحمن الصلح، حيث عرض لهم التأثيرات الديموغرافية والامنية والاقتصادية والتربوية والاجتماعية لاستمرار ازمة النازحين السوريين في لبنان من دون حل، داعيا المجتمع الدولي الى تحمل مسؤولياته في حل هذه الازمة.
وقال عون مخاطباً الديبلوماسيين الحاضرين: «إن إجتماعنا اليوم وقائي لأن أسباب النزوح السوري قد يؤدي تراكمها الى انفجار الاوضاع، وذلك على خلفية كثافة عدد النازحين الذين أصبحت نسبتهم تشكل 153 نازحاً في الكيلومتر المربع، بينما لا تشكل هذه النسبة أكثر من 5 نازحين في الكيلومتر المربع في الدول الاخرى التي استقبلت نازحين، وهذا ما يظهر صعوبة الوضع في لبنان».
وتحدث عن «الخطر السياسي» للنزوح السوري، وقال: «لا شك أنه كلما طالت مدة الازمة تحول ذلك الى سبب لخلافات داخلية، حيث تظهر التباينات في الآراء حوله وتتطور الى خلاف حول الاجراء الذي سنتخذه لإعادة النازحين الى بلادهم».
وعن الخطر الاقتصادي، قال عون إن «المساعدات التي تقدم للنازحين في لبنان لا تغطي تكاليف البنى التحتية للدولة، بدءاً من الاستشفاء الى الكهرباء وغيرها. ولبنان يتحمل جميع هذه الاعباء التي يقدرها صندوق النقد الدولي بسبعة مليارات دولار على الشعب اللبناني أن يتحملها، بينما لبنان يعاني عجزاً اقتصادياً، حيث أنه منذ أن بدأت الاحداث في سوريا كانت نسبة النمو فيه 8% بينما اصبحت اليوم 1،1%».
ولفت الى «الحوادث التي تقع أحياناً بين الاهالي والنازحين والتي من الممكن أن تولد تصادما قد يتطور، لأن النازحين منتشرون في مختلف المناطق والبلدات والقرى اللبنانية، وعددهم في بعض القرى فاق عدد سكانها الاصليين».
وأكد رئيس الجمهورية أن «مصلحة كل دول العالم ألا تنفجر الاوضاع في لبنان، لأنه في حال حصول ذلك فالجميع سيتأثر، والنزوح عندئذ يصبح في اتجاهات أخرى».
وقال: «نحن نأمل من المنظمات الدولية المساعدة، في حال وجدنا سبلاً لإعادة قسم من هؤلاء النازحين الى بلادهم ولو بشكل متدرج، وبأن لا تصدر عن هذه المنظمات والمؤسسات بيانات من شأنها أن تخيف هؤلاء النازحين، كالقول لهم إن عودتهم الى سوريا ستكون على مسؤوليتهم. فنحن نعتبر أن مثل هذه التصريحات بمثابة تحريض للنازحين للبقاء على الارض اللبنانية، بينما علينا جميعاً تشجيعهم على العودة».
ولفت رئيس الجمهورية الى «أن بعض المراجع الدولية تحذر اللاجئين حتى من العودة الطوعية (le retour volontaire) وهي تتوجه الى الذين يريدون حتى العودة بملء ارادتهم بتحميلهم مسؤولية عودتهم الطوعية هذه».
وتطرق عون في حديثه الى مسألة العمالة السورية في لبنان التي تشهد ارتفاعاً ملحوظاً، مشيراً الى أن «هناك العديد من النازحين الذين يذهبون يوميا الى سوريا ويعودون الى لبنان، فما المانع من بقائهم هناك ما دام لا خطر عليهم؟».
ورأى أن «أمن لبنان مهم جدا بقدر أهمية أمن النازح فيه»، لافتاً الى أن «مصالحات عديدة تحصل اليوم في سوريا حيث يختار المقاتلون الانتقال الى مناطق في الداخل السوري، او البقاء حيث هم. فلا يمكن أن يكون الخوف من العودة عذرا للنازحين للبقاء في لبنان، ولا يمكن أن يقولوا نحن لا نريد العودة».
وأشار عون الى وجود مناطق سورية باتت آمنة تستطيع ان تستوعب جزءاً من النازحين الموجودين في لبنان. وقال: «نحن نطلب المساعدة الدولية انطلاقاً من هذا التوجه. ولا ندعو الى ان نعيد الى سوريا المطلوبين قضائياً او المعارضين، بل المواطنين الذين هربوا من الحرب».
وقال: «نحن نكرر أننا استقبلنا أعداد النازحين، إلا أننا لسنا من افتعل الحرب في سوريا، ومن افتعلها لا يستقبل أحدا منهم ولا يتحمل اي مسؤولية تجاههم»، مشيراً الى «ان لبنان يتحمل وزر حرب الآخرين، خصوصاً اذا ما علمنا انه اتى الى سوريا مقاتلون من قرابة 83 دولة، فهذا لا يعني اننا مسؤولون عن هذه الحرب، فنحن لم نرسل احداً للقتال هناك. نحن واجهنا الارهابيين وطردناهم من عندنا، واحترمنا الارادة الدولية في محاربتهم، لكننا لا نريد قطعاً تحمل عبء ما تبغي الحرب في سوريا ان تسببه لنا، لأنه اذا ما حصل اي انفجار امني في لبنان فإنه سيتطور الى صدامات كبرى على الأرض اللبنانية. من هنا فأن المسألة بالنسبة الينا هي مسألة وجود لبنان وليست مجرد مسألة مرتبطة بعودة احدهم ام لا».
أضاف عون: «لقد عشنا الحروب التي اندلعت عندنا في السبعينيات وما خلفته من خراب وهجرة، لذلك لا نريد لهذا الامر ان يتكرر. ان التعامل معنا بتعابير جيدة تكتفي بشكرنا لاستضافة النازحين لم يعد كافيا. فالمطلوب هو الحفاظ على امننا، وإلا هنالك خطر من حصول مشاكل عندنا. نحن نطلب منكم مساعدتنا في حل هذه المسألة التي بات لها طابع وجودي بالنسبة الينا».
واعتبر أن «ثمة مواقف لا تؤمن حلولاً عملية بل تمثل وجهات نظر. ونحن ننتظر ان يحصل شيء في المستقبل فيما الخطر دائم»، مشيراً الى ان لبنان هو من يتلقى المخاطر، اما متى تصل سوريا الى الحل فهو امر غير مضمون، لافتا الى ان مساحتها تبلغ 18 ضعف مساحة لبنان ومن الممكن ايجاد اماكن آمنة فيها ليعود اليها بعض النازحين السوريين».
وختم: «اننا لا نترقب حلاً سريعاً في سوريا، وأخشى ألا يتمكن لبنان من ان يتحمل ازمة النزوح أكثر مما تحمله حتى اليوم».
وكان السفراء تناوبوا على الكلام شارحين مواقف دولهم ومنظماتهم من ملف النازحين السوريين.
وفي نهاية الاجتماع سلم رئيس الجمهورية رسائل خطية عن موضوع النازحين السوريين ووجهة نظر لبنان موجهة الى كل من: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ملكة بريطانيا اليزابيت الثانية، الرئيس الاميركي دونالد ترامب، الرئيس الصيني كزي جيمينيغ، الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، رئيس الاتحاد الاوروبي جان كلود جانكر، الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريس، الامين العام لجامعة الدول العربية احمد ابو الغيط.