تحقيق

السينما للميسورين فقط!!!

مشروع سينما؟ لم لا؟ هكذا تعودنا. فالمسألة لم تكن تتطلب أكثر من قرار فردي اومجموعة من الأشخاص منسجمة مع بعضها  حتى تتفق على عنوان فيلم موحد. أما الحافز فلا جدل عليه لأن مشوار السينما في حد ذاته يختصر كل المحفزات.
اليوم لا شيء يختلف أقله على مستوى القرار الفردي. لكن مجرد التكلم عن مشروع سينما فهذا يعني موازنة خاصة للعائلات وحسابات امنية ومشكلة مواقف…
نستعيض عن المشوار في حضور فيلم منزلي؟ في المبدأ لا شيء يعوض عن مشوار سينما لكن عندما يتحول الأخير إلى عبء ثقيل على الأهل، وهم أمني مضاف عند الشباب، يصبح البديل قاعدة.
قلتم هاجساً أمنياً؟ القيمون على صالات السينما شطبوا المعادلة الأمنية من حساباتهم واتكلوا على حب اللبناني للحياة وعدم اكتراثه لكل التهديدات.
ربما أصابوا في تقديراتهم، وربما لا! لكن مجرد القراءة في ارقام رواد السينما وعودة صالات الفن السابع إلى أسواق بيروت… نتفاءل!

معادلتان غير قابلتان للتلاقي: حب اللبناني للحياة والضائقة الإقتصادية والقلق الأمني. لكن لكل حساباته الشخصية، فالقيمون على المؤسسات التجارية وحتى السياحية ما زالوا يصرون على مواجهة أجواء الإرهاب التي تظلل البلاد بمشاريع تنتشل ما تبقى من رموز الحياة في هذا الوطن. ومن هذه المؤسسات صالات السينما اللبنانية. فمن كان يتوقع مثلاً أن تبادر شركة «سوليدير» على رغم القلق المسيطر على لبنان والفلتان الأمني الحاصل إلى إنجاز مشروع المجمع السينمائي الذي افتتحته نهاية العام الماضي مع شركة «وورلد ميديا» وشركة أمبير للسينما؟

كلفة المشوار
إنجاز! هذا أقل ما يمكن أن يقال. والكل تأمل أن يساهم في زيادة الحركة. كيف لا وهو يضم 14 صالة سينما على مستوى راق من التجهيزات بأحدث التقنيات المتطورة تحتوي على 2200 مقعد منها صالتان VIP (اي للشخصيات المهمة!). نعم. فحتى هذا الفن اخترقته المقامات، علماً أن مشوار السينما كان الأكثر شعبية عند فئة الشباب وحتى العائلات. أما اليوم وبحسب دراسة أجرتها إحدى الشركات عن كلفة مشوار السينما للفرد الواحد يتبين أن القيمة تراوح بين 30 و35 ألف ليرة لبنانية للشخص الواحد، وتضم قيمة البطاقة 15 ألف ليرة  للأفلام العادية وقد يرتفع السعر إلى 18 ألف ليرة واحياناً إلى 20 ألفاً إذا كان العرض بتقنية الثلاثة أبعاد. يضاف الى ذلك سعر الموقف 5000 ليرة كحد ادنى وعلبة «بوب كورن» بـ 7000 ليرة وقنينة ماء بـ 3000 أو 5000.  مما يعني أن كلفة مشوار السينما لعائلة مؤلفة من 4 أشخاص يصل إلى 100 دولار هذا إذا لم يشمل احد الأولاد شراء لوح شوكولا او سندويش أو…
عدلتم عن الفكرة؟ بالنسبة إلى الشباب الميزانية مقبولة. فالشاب يستحلي مشوار السينما مع صديقته لأنه الأكثر تداولا ويسمح للثنائي في التكلم أو التمتع بمشاهدة فيلم ومناقشته لاحقاً. و70 ألف ليرة لن تكسر ميزانيته. لكن لمرة واحدة في الشهر او ربما اثنين. أكثر من ذلك؟ المسألة تحتاج إلى التفكير أو أقله إلى عملية حسابية.

 


Zone VIP
أما ذوو الطبقة الميسورة فيختارون صالات الـ vip حيث كل شيء مختلف، إن من جهة الرفاهية التي تستقبل الزائر من لحظة اقتطاع البطاقة وصولاً إلى القاعة الخاصة المجهزة بصالون فخم ومشروب خاص يقدّم للزائر مع أشهى المقبلات والمشروبات الفاخرة. وفي صالة العرض لا يختلف الأمر كثيراً حيث يمكن للزائر ان يجلس على مقاعد تضاهي بكمالياتها مقاعد الدرجة الاولى في الطائرة، ولا حاجة لمناداة النادل وإزعاج الجمهور الذي يتسلى بالمأكل والمشروب اثناء متابعة الفيلم. فالزر الخاص كفيل في تلبية الحاجة. أما الحجز فيتم إما عن طريق الإنترنت او الهواتف الذكية.
وكانت “Grand Cinemas” أول من أدخل تقنيتي E-TICKET و E-KIOSK  لتفسح في المجال أمام المشاهدين في حجز مقاعدهم من أمام شاشة الكمبيوتر في المنزل لمجرد زيارة موقع السينما على الانترنت، أو عبر تمرير بطاقة الإئتمان في E-KIOSK لتوفر عليهم عناء الانتظار في الطابور أمام شباك التذاكر. كما أطلقت أول تطبيق خاص بالسينما في لبنان والعالم العربي والذي يسمح لرواد السينما في حجز مقاعدهم من على هواتفهم الذكية بسهولة تامة. ويمكن تحميل هذا التطبيق على أي نوع من الهواتف الذكية، كما يسمح للمستخدمين بتصفّح آخر إصدارات الأفلام وتاريخ عرضها. ويمكن للمستخدم إختيار الفيلم الذي يرغب في مشاهدته واختيار الصالة وساعة العرض قبل ان يحجز مكانه ببعض نقرات بسيطة. تسألون عن كلفة هذه الخدمة؟ من الآخر: 30  دولاراً هو ثمن البطاقة والباقي على صاحب الدعوة.

أربعة عروض يومياً
اللافت أن اغلبية الشباب الذين زاروا هذه الصالات أكدوا أنهم لن يكرروا التجربة لأن الهدف من الذهاب إلى السينما هو مشاهدة فيلم وفق الإطار الذي تعودنا عليه، أي قاعة مظلمة وستائر مخملية حمراء، وليس الجلوس على مقاعد فخمة والتلهي بتناول طبق صيني او ياباني مع مشروب فاخر. مع ذلك يبقى لصالات الـ vip روادها بشهادة اصحاب هؤلاء الصالات الذين يؤكدون أنها تحتلّ اليوم المرتبة الاولى في السوق اللبنانية مع نسب المشاهدة القياسية التي يسجّلها شباك التذاكر لأضخم الأفلام العالمية لا سيما خلال عطلة نهاية الأسبوع، مع أربعة عروض يومياً.

3 ملايين مشاهد عام 2013
نصل إلى الوضع الأمني. واضح أن انعكاساته كبيرة على المجمعات التجارية الكبرى خصوصاً بعد التهديدات التي طاولتها على خلفية موجة التفجيرات الإرهابية. لكن في قراءة أصحاب الصالات السينمائية المعادلة تختلف. فالفراغ في صالات السينما قد يحصل في يوم وقوع الإنفجار واليوم الذي يليه على ابعد تقدير. لكن مجرد مرور 48 ساعة تعود الحركة إلى الصالات لأن اللبناني مفطور على حب الحياة وبات يتحدى الموت بكل وسائل حب الحياة. والسينما واحد من المنافذ التي يتنفس من خلالها اللبناني. أما نسبة المشاهدة فلا تتوقف على الوضع الأمني أو الإقتصادي إنما على نوعية الفيلم.
إذاً الفيلم وحده هو الحكم. والظاهر أن المسؤولين باتوا يدركون على اي وتر يمكن ان يلعبوا لجذب اكبر نسبة من المشاهدين. وهذا ما تثبته الأرقام التي اشارت إلى ارتفاع نسبة المشاهدين في العام 2013 بنسبة 6 في المئة عن العام 2012  بحيث استقطبت دور السينما نحو 3 ملايين مشاهد في هذا العام.  ويلفت المعنيون إلى أن التراجع الذي يسجل في قطاع الفن السابع مرده إلى الأحداث الأمنية والتفجيرات الإرهابية التي تهدد المجمعات التجارية الكبرى واماكن الإكتظاظ البشري، هذا الوضع دفع ثقة المستهلك إلى أدنى المستويات. لكن التراجع ليس وليد الساعة والصحيح أنه بدا منذ العام 2007، ومع ذلك بقي الإقبال على صالات السينما في حده المقبول ويتفاوت بحسب الوضع الأمني مما يؤكد أن السينما في لبنان في مفهومها التجاري والترفيهي قادرة على الصمود.
هم قادرون على الصمود لكن ماذا عن قدرة اللبناني على الصمود في وجه التحديات الإقتصادية؟ فالتضخم الذي بلغ 5،6 في المئة العام الماضي، وهو معدل مرتفع دفع اللبناني إلى التفكير بالأساسيات. وطالما أن البديل متوافر من خلال الـ ”DVD” فهذا يعني أن الجلسة السينمائية في البيت ستطول مع عمر الأزمة السورية في لبنان وتهديدات داعش والنصرة بالتفجيرات الإرهابية.
كلام مكرر ومعروف، لكن المشكلة أن أية قراءة لواقع الصالات اللبنانية تصطدم به دائماً. نخطط لمشروع سينما أو لا نخطط؟
واضح أن اللبناني بات مدركاً أن الأزمة في لبنان طويلة. وحده مشروع السينما قد يكون بمثابة فشة خلق لكن لمرة واحدة فقط في الشهر والباقي؟ الدعوة مفتوحة للميسورين فقط.

جومانا نصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق