سياسة لبنانية

الحريري: العالم بأسره مدعو إلى المساعدة في الحفاظ على النموذج اللبناني لأنه رصيد للمنطقة

لبى رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري قبل ظهر امس دعوة معهد كارنيغي للسلام العالمي، وألقى محاضرة حضرها عدد من اعضاء الوفد اللبناني المرافق ومدير المعهد وليم بيرنز وحشد من المفكرين والباحثين، وأدارتها مديرة برنامج الشرق الاوسط في المعهد ميشال دان.
بداية رحب بيرنز بالحريري، وتحدث عن دور المعهد ونشاطاته وعن الاوضاع في الشرق الاوسط وما يشهده من أعمال عنف وتطرف، مثنياً على «الدور الذي يضطلع به الرئيس الحريري في إرساء الاستقرار في لبنان ومحاربة التطرف وتأكيد دور الاعتدال في لبنان والمنطقة وما يقوم به اللبنانيون للنهوض ببلدهم من جديد».
ثم تحدث الحريري، فقال: «وصف البابا الراحل يوحنا بولس الثاني لبنان بأنه «رسالة الى المنطقة والعالم». وأنا هنا أضيف: لبنان رصيد ثمين للمنطقة وللعالم.
في منطقة محفوفة بالعنف الديني والطائفي وفي عالم أصبح فيه التعايش بين الإسلام والمسيحية يصور على نحو متزايد بأنه مستحيل، يقدم لبنان نموذجاً للتعايش والحوار والحل السياسي.
وفي منطقة لا توفر فيها الأنظمة الاستبدادية أي بديل سوى القمع والحرب الأهلية، فإن نظام لبنان الديموقراطي – غير المثالي ولكن الديموقراطي- يقدم نموذجاً أيضاً.
وفي منطقة أصبح فيها اليأس القاعدة، وحيث الآفاق الاقتصادية والاجتماعية قاتمة، يقدم لبنان نموذجاً للمرونة والإبداع والمبادرة.
وفي منطقة يهددها التطرف والإرهاب، يشكل لبنان نموذجاً لمجتمع يرتكز على الاعتدال ويمنع التطرف، ولجيش وقوى أمن تكافح الإرهاب بفاعلية وتحقق النجاح تلو النجاح في هذه المعركة.
وفي عالم لا يقدر على استيعاب اللاجئين بالآلاف، فإن لبنان الذي يبلغ عدد سكانه 4 ملايين نسمة، لديه ما يقارب مليون ونصف مليون نازح سوري، إضافة إلى نحو نصف مليون لاجىء فلسطيني على أراضيه، أي بمعدل واحد مقابل اثنين. وفي ذلك يقدم لبنان خدمة للعالم».
وأضاف: «لجميع الأسباب المذكورة أعلاه وأكثر، يشكل لبنان رصيداً ثميناً للمنطقة والعالم. واجه هذا الرصيد ولا يزال العديد من التهديدات. نتعامل نحن اللبنانيين مع بعض منها بمفردنا، وللتعامل مع بعضها لا بد من مساهمة المجتمع الدولي. اسمحوا لي أولاً أن نناقش ما نقوم به نحن اللبنانيين من أجل تحقيق الاستقرار. لبنان يخرج من عشر سنوات من المأزق السياسي الذي قسم البلاد وأدى إلى تقاعس اقتصادي وتآكل ثقة المستثمرين.
واجهنا قبل أقل من عام تحديات التوتر السياسي والشلل في اتخاذ القرار وانخفاض تدفقات رؤوس الأموال والنمو البطيء والآثار السلبية للصراع السوري وما أنتج من أزمة النازحين السوريين.
منذ ذلك، انتخبنا رئيساً ووضعنا حداً للشغور في السلطة دام 3 سنوات. وشكلنا حكومة وحدة وطنية وأقررنا قانوناً انتخابياً جديداً. باختصار، أعيدت الحياة السياسية إلى طبيعتها.
ومن المقرر اجراء الانتخابات في أيار (مايو) المقبل، الامر الذي يمنح حكومتنا الحالية 10 أشهر. وعلى الرغم من هذه الفترة القصيرة، فإنني أخطط لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية مع التركيز على أربعة أهداف:
1- تحريك النمو الاقتصادي الشامل.
2- الحفاظ على الاستقرار المالي.
3- تخفيف تأثير النازحين السوريين.
4- تنفيذ برنامج استثمار رأسمالي».

وتابع: «ستساعد هذه الأهداف على خلق دورة تحسن الأوضاع الاقتصادية. من أجل تحفيز النمو، نعول على الاستقرار السياسي المستعاد لتشجيع نشاط القطاع الخاص. نطور نموذجاً جديداً للنمو وننوع مصادر النمو: تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، النظام البيئي للشركات الناشئة، قطاع النفط والغاز. نبني قدرات تصنيع في المناطق الصناعية والمناطق الاقتصادية الخاصة ونعمل على تعزيز مشاركة القطاع الخاص واعتماد قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص وتطوير أسواق رأس المال. ونقدم حزمة حوافز للقطاع الخاص».
وأكد أنه «للحفاظ على استقرار المالية العامة، أقررنا موازنة عامة هذه السنة لأول مرة منذ 12 عاماً، ونعمل الآن على إقرار موازنة عام 2018. كما أقررنا سلسلة رتب ورواتب محايدة، حيث لا يتم تمويل أي نفقات إضافية من خلال الدين، كما أقررنا إصلاحات إدارية نحن في حاجة إليها.
نعمل على تحسين تحصيل الضرائب، ونهدف إلى استقرار نسبة الدين الى الناتج المحلي الإجمالي على المدى القصير. غير أن الاستقرار المالي يواجه أيضا ضغوط زيادة الإنفاق على الجيش والأجهزة الأمنية، والتي هي في طليعة مكافحة الإرهاب. هنا يأتي الجزء الذي يحتاج فيه المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته وحمل العبء معنا.
كما قلت من قبل، لم يسبق ان استقبل أي بلد في العالم في التاريخ الحديث هذا العدد من النازحين بالنسبة الى عدد سكانه. كما لم يظهر أي شعب الكرم الذي أظهره اللبنانيون لمليون ونصف مليون نازح سوري. إلا أن آثار النزاع في سوريا وتدفق اللاجئين كانت مدمرة على اقتصادنا وبنيتنا التحتية وقطاعاتنا الاجتماعية».
وقال: «تشير أحدث تقديرات البنك الدولي إلى أن الخسائر التراكمية للناتج المحلي الإجمالي في لبنان منذ بداية النزاع تبلغ 18 مليار دولار وخسائر الإيرادات 4،2 مليار دولار. كما تضاعفت نسبة البطالة بشكل خاص بين الشباب – السوريين واللبنانيين – مع أكثر من 500 ألف شاب معرض للخطر اليوم».
وأضاف: «يعمل نظام المدارس الحكومية في لبنان على مدار الساعة تقريباً ويستوعب عدداً أكبر من الطلاب السوريين قياساً مع عدد الطلاب اللبنانيين: 230 ألف سوري و200 ألف لبناني. رغم ذلك لا يزال يقدر أن هناك 200 ألف طفل سوري في لبنان خارج المدرسة، مما يشكل خطراً حقيقياً على مستقبلهم ومستقبل سوريا ولبنان.
ويظهر الضغط نفسه على المستشفيات العامة وشبكة الكهرباء والمياه والنفايات وجميع الخدمات العامة. وحددت حكومتنا رؤيتها للتعامل مع الأزمة في مؤتمر بروكسل في وقت سابق هذا العام. كما شهدنا أخيراً بوادر تعب في المجتمعات المضيفة، مع تزايد التوترات مع النازحين السوريين. والوضع بكل بصراحة هو قنبلة موقوتة. عدد الشباب اللبنانيين الذين سقطوا في فخ التطرف ضئيل جداً، ويكاد لا يذكر. وهذه نتيجة إيجابية مباشرة للانفتاح والتنوع والتسامح والاعتدال المدون في الجينات اللبنانية.
مع ذلك، إذا تعثرت مدارسنا ومستشفياتنا والبنية التحتية والخدمات العامة والمجتمعات المضيفة تحت العبء الحالي الذي لا يحتمل، فسنواجه جميعنا جيلاً ضائعاً من السوريين واللبنانيين. واذ نقر بالمساعدات التي يقدمها المانحون إلى النازحين السوريين في لبنان، إلا أنها كانت مساعدات إنسانية في شكل اساسي وأقل بكثير من المطلوب».
واردف: «وهنا اسمحوا لي أن أكرر موقفي من مسألة عودة النازحين السوريين إلى بلدهم:
أولاً، نؤيد تماماً عودة النازحين السوريين الآمنة والسريعة. لكن لن نجبرهم تحت أي ظرف على العودة إلى سوريا.
ثانياً، سنتناول هذه المسألة فقط بالتنسيق الوثيق مع الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة.
ثالثاً، سنحرص على أن تكون شروط العودة متوافرة بشكل صحيح ووفقاً للقانون الدولي».
وأشار الى «أننا نعمل على تطوير برنامج استثمار رأسمالي يمتد سنوات لتحديث بنيتنا التحتية ومعالجة الثغرات وتحسين الخدمات العامة الأساسية. في الواقع، لقد كانت النفقات الرأسمالية على مدى السنوات الماضية أقل بـ 5 في المئة من مجموع النفقات. يتم استهلاك مخزون رأسمالنا. ونحن الآن في صدد وضع اللمسات الأخيرة على برنامج في حدود 14 مليار دولار، تماشياً مع خطة التنمية الطويلة الأجل في لبنان.
وينصب التركيز بوجه خاص على النقل والمياه والكهرباء والتعليم والصحة والاتصالات السلكية واللاسلكية. من أجل ذلك سنحشد المساعدة في شكل منح وقروض تساهلية مع تشجيع مشاركة القطاع الخاص».
وختم: «لا يساورني أدنى شك في أننا سنعمل معاً على إلحاق الهزيمة بهذا النوع الحالي من التطرف والإرهاب. لكن من الممكن أن يظهر نوع أكثر خطورة إذا لم يتم التوصل إلى حل سياسي في العراق وسوريا، يسمح بإشراك جميع الطوائف والمجموعات في السلطة.
إن نظام لبنان الديموقراطي والشامل والمنفتح هو النموذج لهذا الحل. وعلى نطاق أوسع، فإن الحصن الوحيد ضد التطرف هو الاعتدال والحوار والتعايش. وهنا أيضاً لبنان هو النموذج. نستطيع التغلب على اليأس بالأمل وبالمرونة وبالإبداع ومن خلال جميع هذه القيم التي يعتبر لبنان نموذجا لها. ونقوم ما بوسعنا كلبنانيين لتعزيز نموذجنا وانجاحه. إن العالم بأسره مدعو إلى المساعدة في الحفاظ على هذا النموذج، الذي يشكل رصيداً ثميناً للمنطقة والعالم».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق