سياسة لبنانية

«الملف الرئاسي» يتحرك على إيقاع حذر

«انفراجات داخلية» تنتظر «ثلاثية الحوار» و«تعقيدات إقليمية» تنتظر الرئيس الأميركي الجديد

رغم ثبات التحرك الفرنسي الخاص بلبنان، واقتراب الجولة الاستثنائية للحوار الوطني أو ما بات يعرف بـ «ثلاثية الحوار» مطلع آب، وتصاعد الحراك السياسي الداخلي الذي كان عون وجعجع طرفيه الأساسيين… فإن النظرة الى الاستحقاق الرئاسي ما زالت حذرة جدا والتوقعات بشأنه تلتقي، ومن منطلقات مختلفة، على استبعاد حدوث اختراق وشيك يؤدي الى انتخاب رئيس:
1- يقول أحد أقرب المقربين من عون: «لا شيء جديداً على صعيد الرئاسة، وكل الأجواء التي تروّج غير دقيقة، فإسم الجنرال مطروح بقوة لكنه لن يُنتخب في آب المقبل إذا لم نشهد حلحلة داخلية أو تحريكاً خارجيا في الملف». ويضيف: «الحلحلة الداخلية تحصل بشرطين: الشرط الأول هو اقتناع الحريري ومعه النائب وليد جنبلاط بأن عون هو الأحق بالرئاسة نتيجة الدعم المسيحي الكبير له بعد تأييد القوات اللبنانية ترشيحه، علماً أنه يمثل أكبر كتلة مسيحية، وهذا يبدو مستبعداً حتى الساعة. أما الشرط الثاني، فهو ضغط حزب الله على حليفه فرنجية من أجل سحب ترشيحه، وبذلك يبقى عون مرشحاً وحيداً في الساحة، ويؤمّن نصاب إنتخابه خصوصاً أن «المستقبل» أعلن مراراً أنه لن يلجأ الى لعبة تعطيل النصاب».
2- تقول مصادر سياسية قريبة من عين التينة: «لا تحولات جدية من البوابة النفطية، ومن غير المتوقع أن يؤدي الاتفاق بين بري وباسيل على ملف النفط الى فتح باب التفاهم الرئاسي لانتخاب عون. وإذا كان اللقاء الأخير بين بري وعون قد أزال بعض الجليد المتراكم بين الرجلين، إلا أن الكيمياء المفقودة بينهما لم تستعد الى الدرجة التي تؤهل دعم عون رئاسيا، ففتح كوة في حائط الاستحقاق الرئاسي يحتاج الى أكثر من زيارة، وما يروّج له أنصار عون حول قرب الاتفاق على الرئاسة في آب المقبل، وعن نجاح «سلة» الرئيس بري، لا تزال مجرد توقعات وهي من دون أسس متينة أو معطيات داخلية وإقليمية تسمح بالقول بأن الانفراج قريب.
3- ترى أوساط في 8 آذار قريبة من حزب الله أن «سلة» الرئيس بري ذهبت ضحية موقف الرئيس الحريري  الذي تمسك بعدم خوض النقاش حول أي ملف غير الانتخابات الرئاسية، رغم إدراكه بصعوبة إنجاز الاستحقاق. فالملف الرئاسي اللبناني جزء من ملف تفاوضي كبير بين الرياض وطهران، ولا يريد الحريري أن يظن أحد في المملكة أن ثمة من يضغط عليهم لتقديم تنازلات في الملف اللبناني لأهداف شخصية تتعلق بالعودة الى رئاسة الحكومة. وإذا لم تات المبادرة من السعودية لن يبادر الرئيس الحريري في فتح النقاش حول الملف الرئاسي. ولهذا يصر تيار المستقبل في أدبياته على رفض أي نقاش قد يؤدي الى «دوحة» جديدة، وهذا يعني أن المراوحة القائمة في البلاد باقية على حالها.
4- أوساط سياسية قريبة من تيار المستقبل ترى أن الانفراجات الإقليمية أصبحت أبعد من أي وقت مضى في ظل:
– المواجهة المتصاعدة سياسياً وديبلوماسياً وعسكرياً بين المملكة العربية السعودية وإيران حول سوريا.
– تراجع آمال التسوية حول اليمن مع رفض الحوثيين الالتزام بالقرارات الدولية في اجتماعات الحوار في الكويت، وعودة السلطة الشرعية في اليمن الى الحديث عن معركة صنعاء ورفض قيام «دولة فارسية» في اليمن.
– استضافة فرنسا لمؤتمر المعارضة الإيرانية ضد نظام الملالي في إيران في ظل حضور دولي وعربي غير مسبوقين، مع العلم أن باريس هي من العواصم القليلة القادرة على لعب دور الوسيط بين العرب وإيران بعد الاتفاق النووي.
– انكفاء الدور الأميركي عن المنطقة أكثر من أي وقت سابق بسبب الانهماك بالتحضير للانتخابات الرئاسية العتيدة.
وترى هذه الأوساط  أسبابا تعيق أي تقدم سواء في ملف الرئاسة أو في غيره من الملفات المتراكمة، وأبرزها:
– إن سياسة «ربط الملفات» الداخلية في سلة واحدة ربما تفتح الطريق أمام قواعد جديدة للحوار بين الفرقاء المتنازعين، لكنها في الوقت عينه تعقّد مسيرة الوصول الى تفاهمات.
– إن تلازم الأزمات الداخلية والإقليمية لا يشجع على التفاؤل بقرب نضوج التسوية، مع التذكير بأن حال الانقسام الإقليمي في مرحلة اتفاق الدوحة لم يكن بالحدة التي يشهدها الإقليم اليوم، والتي بلغت حد نشوب حرب عسكرية إقليمية وعالمية في المنطقة.
5- مصادر دبلوماسية في بيروت تستبعد أن تحصل أي اختراقات في اتجاه الحلول في ملفات لبنان والمنطقة التي تشهد حالاً من الستاتيكو قبل تسلّم الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة الحكم مطلع سنة 2017. وفي هذا الوقت الفاصل عن حصول التقدم الجدي، جرت مساع غربية لدى إيران لفصل الملف اللبناني عن أوضاع المنطقة ولم تقنع هذه المساعي إيران. وبالتالي فإن الوضع اللبناني، أي ملف الرئاسة تحديداً، يبقى حتى الآن مربوطاً بوضع سوريا. كان هناك أمل بعد البدء بتنفيذ للاتفاق النووي، بأن يحصل تركيز على حلحلة العقد في لبنان والمنطقة، لكن لبنان بات جزءاً من الحوار الأشمل.
في الأساس، كان مقدراً أن يبدأ الحوار حول سوريا والعراق، على أن يتبعهما كل من لبنان واليمن. قبل سنتين جرى توافق غير مباشر على الرئاسة العراقية وعلى السلطة هناك بشكل عام، لكن حول سوريا لم يتم التفاهم، ولم يتم الاتفاق على فصل اليمن عن الملف السوري. وبعد ذلك، تعقدت العلاقات العربية – الإيرانية وحصل التدخل الروسي العسكري على خط الأزمة السورية. ما أدى الى تصعيد المواقف، الأمر الذي انعكس على ملف لبنان ولو كان الأسهل بين كل الملفات.
وتكشف المصادر، أن إيران ليست مستعدة لتسليف الادارة الأميركية الحالية التي تنتهي ولايتها بعد أشهر قليلة. ومن المؤكد، أن أي رغبة بعقد تفاهمات حول المنطقة لن تتم إلا مع الإدارة المقبلة. وتبعاً لذلك، ستبقى كل الملفات في حالة انتظار. لكن خطورة الانتظار لا سيما في الملفات المشتعلة تبدو في غاية الحساسية، نظراً الى احتمال أن يفتح اللاعبون المحليون الباب أمام العنف والتصعيد لتعزيز الأوراق التفاوضية لاحقاً بالتزامن مع التحضيرات لدى الإدارة الأميركية الجديدة لمعالجة ملفات المنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق