أبرز الأخبار

العراق: القصف الاميركي يكشف ما تبقى من اوراق الملف، فهل تحل عقدة الحكومة اليوم؟

بالتزامن مع قدر من الترحيب بالقرار الاميركي توجيه ضربات الى مواقع الدولة الاسلامية في العراق، تزاحمت التساؤلات التي تفضي الى نوع من التشكيك بالنوايا الاميركية الخاصة بتلك الخطوة.

التساؤلات تتمحور ضمن اطارين اثنين، ابرزهما مسألة الانتقائية، والبحث عن مبررات تدفع واشنطن الى توجيه الضربات لمواقع الدولة الاسلامية في العراق، وترفض ذلك في سوريا. وثانيهما، مسألة الانتقائية في اختيار مواقع الضربة، حيث جرى التركيز على مواقع كردية فقط. وتركت مواقع اخرى بمساحات شاسعة في المناطق التي يسيطر عليها مقاتلو دولة الخلافة.
في الاثناء، تعمق المازق بخصوص عملية تشكيل الحكومة، وسط تقارير تحدثت عن وصول اطراف المعادلة الى طريق مسدود. والى طرح احتماليات تعزز مسألة الفراغ الدستوري والسياسي الناجمين عن تفاصيل الازمة، وعن تشبث نوري المالكي وبعض اطراف المعادلة داخلياً وخارجياً بمواقف اقل ما يمكن ان توصف به بانها تغريد خارج السرب.

قصف جوي
في السياق الاول، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية، أن الولايات المتحدة قصفت مواقع لمدفعية الدولة الإسلامية كانت تهدد الأميركيين في أربيل بكردستان العراق.
وقال الاميرال جون كيربي المتحدث باسم وزارة الدفاع الاميركية، ان «طائرات اميركية اغارت على مدفعية الدولة الاسلامية التي استخدمت ضد القوات الكردية التي تدافع عن اربيل، على مقربة من عناصر اميركيين».
واوضح الاميرال كيربي ان قاذفتين من طراز «اف/آي 18» القتا قنابل تزن الواحدة منها 250 كيلوغراماً موجهة باللايزر على مربض مدفعي متحرك قرب اربيل.
وكان هذا المربض المدفعي يستخدم لقصف القوات الكردية في اربيل بكردستان العراق، ويهدد موظفين اميركيين في المدينة، مشيراً الى ان «قرار القصف اتخذه مركز القيادة الاميركية بموافقة القائد الاعلى باراك اوباما».
وسيطر مقاتلو الدولة الاسلامية الخميس على قره قوش، اكبر مدينة مسيحية في العراق، وعلى سد الموصل، اكبر سد في البلاد.
ومنذ الاحد، ادى تقدمهم في شمال البلاد الى فرار عشرات الاف الاشخاص، مما حمل الرئيس الاميركي باراك اوباما على السماح بشن غارات جوية مبرراً ذلك بانه يهدف الى «تجنب حصول ابادة والتصدي لهؤلاء المقاتلين السنة المتطرفين».
واتهم اوباما الدولة الاسلامية بأنها تريد «القضاء المنهجي على كامل الايزديين، مما يعتبر ابادة».
وحذرهم من ان غارات جوية ستستهدفهم اذا ما حاولوا الزحف نحو اربيل.
واعلن الرئيس الاميركي «سنكون يقظين ونتخذ تدابير اذا ما هددوا منشآتنا في اي مكان من العراق خصوصا القنصلية الاميركية في اربيل والسفارة في بغداد».
وبعد سنتين ونصف على انسحاب آخر جندي اميركي في العراق، القى سلاح الجو الاميركي بالمظلات في الايام الاخيرة مواد غذائية وماء للشرب للمدنيين العالقين في الجبال هرباً من الاسلاميين المتطرفين.

اختيار خلف للمالكي
في الاثناء، وبينما حاول البعض من المحللين قراءة المشهد من زاوية انه تكريس لعملية الفصل، من زاوية ان الضربة الاميركية اقتصرت على الدفاع عن حدود الدولة الكردية المنتظرة، مع انها كان من الممكن ان تتسع لتشمل مواقع في اربيل والفلوجة وغيرهما، فقد كشفت مصادر «التحالف الوطني»، أنّ واشنطن عرضت على القادة العراقيين كبح جماح الفصائل المعارضة، وفي المقدّمة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، مقابل اختيار رئيس وزراء جديد غير نوري المالكي يحظى بقبول الأكراد والسنة، وتأجيل البرلمان العراقي جلسته الخاصة بتسمية رئيس الوزراء الى «الاثنين»، بعدما كان مقرراً أن تعقد صباح غدٍ الأحد.
وقالت المصادر، إن «السفير الأميركي لدى العراق روبرت ستيفن أبلغ قادة التحالف الوطني، وبشكل مباشر، بأنّ الولايات المتحدة ستتدخل عسكرياً بشكل واسع لإيقاف تمدّد تنظيم الدولة الإسلامية – داعش، وفي غضون أيام قليلة، لكن بشرط تسمية رئيس حكومة جديد يحظى بقبول السنة والأكراد».
وأوضحت المصادر نفسها أن «الأميركيين أبلغوا التحالف أن التدخل العسكري سيقتصر على حماية كردستان والمصالح الأميركية فقط في الوقت الحاضر، إلى حين تمتع العراق بحكومة وطنية غير طائفية».
وقالت إن «الولايات المتحدة مقتنعة بوجود فصائل مسلّحة خارج خانة الإرهاب يجب أن تكون الحكومة الجديدة قادرة على الحوار والتواصل معها، وحل المشاكل الموجودة بسرعة، كي يتسنى لها أن تقوم بعمل عسكري ينال إجماع العراقيين».
وفي المقابل، اعتبرت تحليلات لمرجعيات عراقية الموقف الأميركي بأنه «ابتزاز جديد من الادارة الأميركية للعراق؛ فرغم قناعة التحالف بضرورة استبعاد المالكي في هذه المرحلة، لكنه يمثل موقفاً ضاغطاً، خصوصاً مع تزايد الخطر في محيط العاصمة».
وأضافت أن «واشنطن تسعى إلى إطاحة رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي من خلال (داعش) بحيث يشعر الشركاء السياسيون بقلق بالغ من تمدّدها وفشل قوات الجيش والمليشيات وعشرات آلاف المتطوعين في إيقاف زحفها نحو المدن العراقية»، وهو ما يدفعهم إلى «الرضوخ للمطالب الأميركية»، بحسب المصدر نفسه.

غارات جوية
ضمن هذا السياق، شنت القوات الاميركية سلسلة جديدة من الغارات الجوية ضد مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية في العراق، هي الاعنف منذ مشاركتها في حرب القوات العراقية ضد تنظيم الدولة الاسلامية وقالت القيادة المركزية للقوات الاميركية في بيان لها انه خلال خمس ساعات نفذت الطائرات الاميركية خمس غارات استهدفت مركبات مدرعة وموقعاً لاطلاق قذائف الهاون.
وقالت القيادة ان الجيش الاميركي بدأ ضرباته صباحاً، وتمكن من خلالها من تدمير شاحنة مدرعة كانت تطلق النار على القوات الكردية بالقرب من اربيل، واستهدفت اربع غارات أخرى شاحنات مسلحة وموقعاً لاطلاق قذائف الهاون. واكد المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة الفريق قاسم عطا ان الضربات الجوية الاميركية المحددة ضد داعش تمت وفق اتفاقية الاطار الاستراتيجي الموقعة بين البلدين في اواخر عام 2008.
من جهته فقد وصل الى اربيل عاصمة اقليم كردستان وزير الدفاع العراقي سعدون الدليمي للقاء رئيس إلاقليم مسعود البرزاني وقادة قوات البيشمركة من اجل توحيد الجهود لضرب تنظيم «داعش».
وقال الرئيس الاميركي باراك اوباما إن الضربات الجوية الأميركية دمرت عتاداً وأسلحة كان يمكن لتنظيم الدولة الإسلامية استخدامها في الهجوم على اربيل لكنه نبه الأميركيين إلى أن الأمر قد يستغرق بعض الوقت لانهاء الازمة. واشار الى ان الولايات المتحدة ستواصل تقديم المساعدات والاستشارات العسكرية للحكومة العراقية والقوات الكردية، لكنه شدد مراراً على أهمية أن يشكل العراق «على الفور» حكومة لا تقصي أحداً. وأضاف «اعتقد أن هذا تنبيه لكثير من العراقيين داخل بغداد لادراك انه سيكون علينا ان نعيد التفكير في الكيفية التي نؤدي بها اعمالنا اذا كنا نرغب في وحدة وتماسك بلدنا».

تأجيل جلسة البرلمان
في هذه الأثناء، نقل عن رئيس البرلمان انه اتخذ قراراً بتأجيل الجلسة ليوم واحد لمنح فرصة أكبر للتحالف الوطني الشيعي لتقديم المرشح التوافقي المناسب لمنصب رئيس الحكومة. وجاء قرار التأجيل من قبل رئاسة البرلمان بناءً على التماس تقدّم به قادة التحالف، وبسبب تأخر عودة الوفد العراقي من إيران، والذي سافر بناءً على دعوة رسمية قُدّمت لهم لبحث أزمة تشكيل الحكومة». حيث من المفترض أن يكون الاثنين «اليوم» موعداً لولادة حكومة جديدة برئيس وزراء جديد يحظى بقبول الجميع، لكن حتى الآن لا تسريبات جديدة من داخل البيت الشيعي تبشر بخير».
وفي الاثناء، وبينما هدد الرئيس العراقي بحل البرلمان في حال عدم الاتفاق اليوم على المرشح لتشكيل الحكومة الجديدة، دخلت القوى الشيعية في مباحثات ماراثونية تسابق فيها الزمن لاعلان مرشحها هذا، قبل انتهاء المدة الدستورية” الاثنين”، بينما سارع المالكي الى اجتماع مع رئيس البرلمان في محاولة أخيرة لاعتبار ائتلافه الكتلة الاكبر التي ترشح للمنصب.
واجتمع رئيس الوزراء نوري المالكي بمكتبه الرسمي مع رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، حيث بحثا آخر التطورات الأمنية والسياسية والتأكيد على ضرورة التزام السياقات الدستورية وما حددته من مدد لمراحل العملية الدستورية لا سيما تكليف مرشح الكتلة الأكبر لتأليف الحكومة. وشدد الجبوري بحسب بيان لمكتبه على «ضرورة تضافر جميع جهود الكتل السياسية والتقارب في ما بينها من اجل اخراج البلد من المأزق الخطير الذي يمر به».

تقدم البيشمركي
في سياق الدعم الاميركي، ذكر مصدر امني عراقي ان قوات البيشمركة حررت بدعم من القوة الجوية العراقية قضاء مخمور وناحية زمار من سيطرة عناصر تنظيم الدولة الاسلامية «داعش». واكد ملا بختيار مسؤول الهيئة العاملة في المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي السابق جلال طالباني «انتصار قوات البيشمركة وتحرير قضاء مخمور من ارهابيي داعش».                                                                        
واكد ان معركة تحرير قضاء مخمور استمرت لمدة ساعة ونصف الساعة. وشدد ملا بختيار على ان هذا الانتصار هو بداية لتحرير مناطق شنكال (سنجار) وباقي مناطق محافظة نينوى من «الارهابيين». وأشار ملا بختيار الى ان قوات حزب العمال الكردستاني التركي وحماية الشعب السورية تقاتل منذ ايام عدة الى جانب قوات البيشمركة في قضاء مخمور. وكان تنظيم داعش سيطر الاربعاء الماضي على قضاء مخمور (80 كم جنوب شرق الموصل عاصمة نينوى) وذلك بعد اربعة ايام من السيطرة على قضاء سنجار الذي تقطنه غالبية من اتباع الديانة الايزيدية. وقد تمكنت قوات داعش من السيطرة على القضاء بعد معارك ضارية تكبد خلالها الطرفان خسائر كبيرة بالارواح. واشار نازحون من القضاء الى ان الاف العوائل نزحت من القضاء بعد دخول قوات داعش الى وسطه وسيطرتها الكاملة عليه وانسحاب قوات البيشمركة منه باتجاه اربيل عاصمة اقليم كردستان العراق الشمالي. ومخمور مركز قضاء يبعد عن مدينة اربيل بنحو 55 كيلومتراً. وتتبع القضاء اربع نواحٍ هي: قراج وكنديناوة والكوير وملا قرة. ويقع قضاء مخمور بين ثلاث محافظات مهمة في العراق هي نينوى وأربيل وكركوك. وتعتبر منطقة مخمور خصبة زراعياً حيث تنتج الشعير والقمح. وتعمل أكثرية الناس في الزراعة والثروة الحيوانية. وغالبية سكان قضاء مخمور من الاكراد إضافة إلى العرب. وتشتهر مخمور بإنتاج النفط والكمأة وقد كانت في الاصل تابعة لمحافظة أربيل إلا أنه قبل عام 2003 بسنوات عدة تم الحاقها إداريا بمحافظة نينوى.

انتقادات لاوباما
في الاثناء، وفي الوقت الذي كانت فيه الطائرات الحربية تلقي أول القنابل الأميركية على أهداف لمتشددين مسلحين في شمال العراق يواجه الرئيس الأميركي باراك أوباما شكوكاً داخل إدارته وخارجها حول ما اذا كانت المهمة المحدودة التي أمر بها ستكون كافية لقلب الموازين في صراع يهدد بتفكيك العراق.
ووجد أوباما نفسه في مأزق بعد شهور من تفادي اللجوء لعمل عسكري أميركي مباشر في أزمة العراق فأمر على مضض بالتدخل في بلد اعتقد الأميركيون أنهم تركوه خلفهم منذ فترة طويلة. والآن هناك تساؤلات بشأن إن كان أوباما سيقدر على حسم المعركة.
في هذا السياق، قال ريان كروكر الذي عمل سفيراً للولايات المتحدة في بغداد بين عامي 2007 و 2009 إن إرسال طائرتين من طراز إف.إيه-18 لإلقاء قنابل تزن 500 رطل على مدفعية المتشددين لن يقلب الموازين في هذا الصراع.
وفي الوقت الذي تواجه فيه السياسة الخارجية لأوباما انتقادات في الداخل والخارج بسبب طريقة إدارته للأزمات في أوكرانيا وقطاع غزة وسوريا فإنه ليس بوسع الرئيس الأميركي ان يتحمل انتكاسة كبيرة أخرى فيما يقترب من نصف مدته الرئاسة الثانية.
ويأمل المسؤولون الأميركيون أن تمنح القوة الجوية واشنطن متنفساً كي تعيد تسليح القوات الكردية التي تواجه الآن القدر الأكبر من هجمات المتشددين المسلحين السنة والسماح للجيش العراقي بإعادة تنظيم صفوفه بعد أن انهار جنوده في الشمال خلال الهجوم الخاطف للمسلحين في حزيران (يونيو).
وقد تمنح الضربات الجوية إدارة أوباما مزيداً من الوقت والنفوذ للضغط على قادة العراق المنقسمين لتشكيل حكومة أكثر شمولاً ربما بدون رئيس الوزراء نوري المالكي وهو شخصية مثيرة للانقسام فقد تأييد واشنطن له.
لكن في الوقت الذي يصر فيه المسؤولون الأميركيون على عدم وجود خطة بشأن حملة مستمرة ضد المتشددين فإن الكثيرين في واشطن يعتقدون أن الضربات الجوية لن تسفر سوى عن تعطيل تقدم المسلحين وليس دحرهم فعلياً. وأعلن تنظيم الدولة الخلافة في مناطق واسعة سيطر عليها في العراق وسوريا.

ما هي خطة اوباما؟
وعبر بعض المسؤولين الأميركيين سراً عن شكوك داخل الإدارة بشأن أهداف أوباما وخطته للخروج في نهاية المطاف. ويصر أوباما ومساعدوه على أنه لن يتم إرسال قوات برية أميركية للعراق وبأن الولايات المتحدة لن تنجر إلى حرب شاملة أخرى.
ورغم مناشدات الحكومة العراقية ومطالب من منتقديه في الكونغرس وحتى نصائح من بعض مساعديه فقد عارض أوباما لفترة طويلة الموافقة على شن ضربات جوية في العراق حتى بعد ان اجتاح المسلحون شمال العراق بعنف.
وكان هذا يتماشى مع مبدأ أوباما في تفادي أي تورط عسكري جديد ولا سيما في الشرق الأوسط المضطرب في وقت سأم فيه الأميركيون من حرب استمرت أكثر من عشرة أعوام.
وتغيرت حسابات أوباما بعد أن حقق تنظيم الدولة الذي سيطر على ثلث العراق في الشهور الأخيرة مكاسب ضد القوات الكردية وتقدم باتجاه أربيل عاصمة إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم شبه مستقل والذي كان يسوده الاستقرار.
وواجه أوباما دعوات دولية للتحرك لتفادي كارثة انسانية فوق قمة جبل حيث تقطعت السبل بعشرات الالاف من أفراد الطائفة اليزيدية المهددين بسبب تقدم المسلحين.

احمد الحسبان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق