افتتاحية

ارحلوا… من يدمر لا يبني

نجحت المنظومة في ايصال لبنان الى الفوضى، تمهيداً للانهيار الشامل. كل القطاعات معطلة، ومراكز القرار مستنكفة عن العمل، والمواطنون الى الهلاك المحتم. فما هو المصير؟ ان اسوأ ما في هذا الوضع الكارثي استهداف الناس في معيشتهم وايصالهم الى الفقر والجوع. فالدولار تفلت من كل القيود وبلغ حداً جعل قدرة السواد الاعظم من اللبنانيين عاجزين عن تأمين ادنى مقومات الحياة، في غياب تام للمعالجات. فكيف يعالج ازمة من هذا النوع من تسبب بها؟ ان الذي يهدم ويدمر لا يمكنه باي حال ان يبني. لذلك فاننا سائرون الى مزيد من التفكك والانحلال. فالسياسة التي مارستها هذه الطبقة السياسية الفاشلة، هي وراء كل هذا الدمار المالي والاقتصادي والمعيشي، انه تدمير للانسان بدم بارد، دون ان يبدر عنها ما يشير الى تغيير هذا النهج.
هذا الوضع الكارثي حرك الشعب الذي اقعدته الضربات المتلاحقة على رأسه، فثار وان بخجل، دفاعاً عن لقمة عيشه التي تعمل المنظومة على حرمانه منها. ولم يعد له باب ينقذه من جهنم التي رموه فيها. والتقت المصارف مع المنظومة فاقفلت ابوابها، حماية لانفسها من الملاحقات القضائية، وحرمت المواطنين من الحصول ولو على ليرة واحدة من جنى عمرهم الذي اودعوه امانة لدى هذه المصارف، فخانت الامانة وتصرفت بالاموال دون استئذان او رادع من ضمير، ولم تفكر بان الجوع كافر، وان الظلم مرتعه وخيم. فنزل المودعون والشعب كله معهم الى ابواب المصارف فاحرقوا واجهاتها وما طاولت ايديهم، وهم مصممون على التصعيد. وهنا تحركت المنظومة. فعقدت الاجتماعات الامنية لدرء الاخطار عنها. فهي في جزء منها مشاركة في مجالس ادارات هذه المصارف، لذلك تحركت. مع انها لزمت الصمت وهي ترى الحياة المعيشية تنهار، والدواء مفقوداً وان وجد فباسعار خيالية، والمحروقات اصبحت تحرق الجيوب وتهدد الحركة بالشلل، حتى قارورة الغاز، اصبح متعذراً على فئة كبيرة من المواطنين الحصول عليها بعدما وصل سعرها الى المليون. فهل كانت هذه المنظومة تخطط الى كل هذا الخراب؟ وباي حق تبقى جالسة على كراسيها غير عابئة بما يدور حولها؟
يتهم البعض الخارج بفرض حصار على لبنان، وبالسعي الى التدخل في شؤونه الداخلية، بعد خنقه. لو سلمنا جدلاً بان هذه الاتهامات صحيحة، هل كان هذا الخارج، مهما بلغت قوته، قادراً على الوصول الى داخل لبنان، لو كان اهل الدار رافضين له؟ ان العلة فيكم انتم ايها السادة، فلماذا لا تصارحوا اللبنانيين بالحقيقة ولماذا لا تمسكون بالقرار بايديكم؟ اين المجلس النيابي الذي اختاره الشعب ليرعى مصالحه فاذا به يخون الامانة، ويستنكف عن القيام بواجباته؟ لماذا نخالف الدستور ونحشد كل القوى من اجل التمديد لهذا الموظف او ذاك، ولا نحرك ساكناً والشغور الرئاسي يتمدد منذ اكثر من ثلاثة اشهر ولا من يبالي؟ لقد اسهمت سياستكم الخاطئة في عزل لبنان وفقدانه ثقة العالم باسره. فنرى الدول تسارع الى مد اليد لأي دولة تتعرض لازمة، وتدير ظهرها للبنان، مع ان ازماته التي يتخبط بها هي من الاسوأ والاخطر؟ فلماذا؟ وهل فكرتم بالسبب؟ منذ ايام اعلن عن مناقصة لتشغيل البريد. وعمدت اربع شركات على سحب دفتر الشروط. ولكن لم تتقدم اي واحدة منها للمناقصة. فاضطر المسؤولون او من يسمونهم مسؤولين الى التمديد للشركة المشغلة، رغم كل الشكاوى السابقة من ادائها والوعد بتجديد موعد اخر لمناقصة جديدة. لماذا؟ لان الثقة باتت مفقودة بالدولة في ظل هذه السلطة. ولا امل بعودة الشركات المستثمرة.
هذا هو لبنان اليوم، وقد كان محط انظار العالم، يوم كان فيه رجال يتمتعون بالكفاءة العالية. وكان مقصد السياح من جميع اقطار العالم. وقد اصبح اليوم متروكاً لقدره، يتخبط شعبه في ظلم طبقة تسلمت السلطة فطغت وتجبرت، سارت وراء مصالحها الخاصة وادارت ظهرها للوطن وللمواطنين. لم يعد مستغرباً ان يثور الشعب اليوم، مستخدماً العنف احياناً، بعدما اظهرت الثورة السلمية عدم فعاليتها مع هذه الطبقة السياسية المتجذرة، حتى بات من الصعب اقتلاعها.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق