افتتاحية

مشروع كيري للملف السوري

بدا واضحاً ان الجولة الخليجية لوزير الخارجية الاميركي جون كيري تحمل مشروعاً معدلاً ليس فقط للملف السوري، وانما لـ «الربيع العربي» باطاره العام، وانه ينطوي على «حركة تصحيحية» لمجريات الوضع العربي بشكل عام، ذلك الوضع الذي كان مرسوماً له ان يسلك مساراً يوصله الى نظام حكم يميني جديد، يقابل اليمين الاسرائيلي، ويحاوره ويتعايش معه، وبالتالي يتوصل معه الى ضوابط قد تكون معروفة مسبقاً ولكن بالاطار العام وليس بالتفاصيل.
قبل الخوض في التفاصيل، يمكن التوقف عند تجربة الاسلاميين في الحكم، خصوصاً في مصر وتونس، وليبيا. ففي مصر وتونس كان هناك اخفاق واضح يؤسس لثورة جديدة قد تخرج عن اطار السيطرة. اما في ليبيا فالوضع الهلامي يؤسس لازمة من الصعب الاحاطة بتفاصيلها.
التجربة السورية كان مخططاً لها ان تسير في الاتجاه عينه، وان تصل الى الهدف المعلن ذاته. لكن فشل التجربة في اماكن اخرى ودخول عناصر متطرفة على خط الثورة دفعا الولايات المتحدة الى التقاط الاشارة مبكراً، وقبل ان «تقع الفأس على الرأس» وبالتالي محاولة التصويب. فالتقارير تتحدث عن وصول ما يزيد عن عشرة آلاف مقاتل ينتمون الى تيار «السلفيين التكفيريين» الى البلاد، وانهم يشاركون في الحرب الدائرة هناك، وانهم يسهمون في توسيع دائرة الدمار في تلك البلاد.
الرؤية التقويمية تشير الى ان انهيار النظام سيعطي الفرصة لمثل هؤلاء في التأسيس للنظام الجديد، سواء من خلال حشد الانصار او بقوة السلاح، ما يعني زعزعة استقرار المنطقة ككل.
صحيح ان الولايات المتحدة الاميركية معنية بالدرجة الاولى بأمن اسرائيل، لكنها ايضاً معنية باستقرار المنطقة. العامل الذي لم يتحقق في الدول التي سبقت، ولن يتحقق في الدول اللاحقة بحسب التجربة عينها. وبحكم المعطيات التي تؤكد ان الساحة السورية باتت مرتعاً خصباً للعديد من التنظيمات التكفيرية المتطرفة التي تحاول استغلال الظرف من اجل فرض اجندتها، والتأسيس لنظام يرونه «الانسب» وتراه الولايات المتحدة والغرب «الاخطر».
من هنا يمكن التوقف عند جولة كيري من زاوية انها انعطافة غربية بشكل عام، واميركية – اسرائيلية بشكل خاص، وتراجع عن مشروع انطلق وتبين فشله بعد عملية الانطلاق.
كيري الذي التقى وزراء الخارجية في دول الخليج العربي كان واضحاً جداً في حواره معهم، فاكد عدم ممانعة بلاده في دعم المعارضة السورية. لكنه في الوقت نفسه تمسك برفض ارسال السلاح الى المعارضة، مبرراً ذلك بانه «لا يضمن الايادي التي يمكن ان يصل اليها السلاح». وفي ذلك رسالة واضحة الى كل الاطراف بان الحل سيكون سياسياً. وان مبادرة الائتلاف هي المطروحة حالياً على بساط البحث، بحيث يتم التأسيس لحوار بين المعارضة واحد اركان النظام ممن «لم تلوث ايديهم بدماء السوريين».
انها المبادرة الخليجية عينها التي طبقت في اليمن بعد ان تم اقناع الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح بالموافقة عليها. والتي مثلت الحل للأزمة اليمنية. فعلى الرغم من ان ازمة اليمن لم تنته بعد، الا ان المدقق في تفاصيل المشهد يرى ان الجزء الدامي من الازمة انتهى. وان الجانب الحواري مستمر. ونعتقد ان في ذلك جزءاً كبيراً من الحل. فهل اقتنعنا؟
نأمل ذلك.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق