صحة

هل يكون الفوسفور الحل لفقدان الوزن!

يجري اختصاصيون في الجامعة الأميركية في بيروت بحوثاً قد تقدّم حلاً لوباء البدانة الذي يتفشّى عالمياً، وذلك عن طريق استخدام الفوسفور الذي يبدو، بطريقة مفاجئة، أنه عنصر فعّال لفقدان الوزن…

ويتركز البحث على إجراء المزيد من الدراسات لفهم مختلف جوانب العملية التي تقود إلى مثل هذه النتيجة، لكن الاستنتاجات التي تم التوصل إليها واعدة حتى الآن، بحسب البروفسور عمر عبيد الذي تولّى قيادة الفريق الذي أجرى الاختبارات.
وتُعتبَر البدانة مشكلة صحية عالمية. اذ تتسبّب الأطعمة المصنّعة بزيادة الوزن والإصابة بالأمراض المزمنة. أما الحميات الغذائية الغنية بالبروتينات فتُربَط بفقدان الوزن. لكن البروفسور عبيد من قسم التغذية والعلوم الغذائية في كلية الزراعة والعلوم الغذائية في الجامعة الأميركية في بيروت فقد درس مع فريق عمله الوقائع الثلاث المذكورة أعلاه، وطرح الأسئلة الآتية:
– هل غياب الألياف في الأطعمة المصنّعة هو الذي يقود فعلاً إلى اكتساب الوزن؟
– ما هي المكوّنات الأخرى التي ربما أزيلت في عملية التصنيع؟
– هل البروتينات هي التي تؤدّي فعلاً إلى فقدان الوزن؟
– هل من الممكن أن يكون مكوّناً آخر في الأطعمة الغنية بالبروتينات هو السبب الحقيقي في السيطرة على الوزن؟
استند الدكتور عبيد إلى الحقيقة العلمية بأن بعض المعادن – لا سيما الفوسفور – أساسية من أجل استقلاب الكربوهيدرات أو النشويات. تحتجز الخلايا الغلوكوز عبر ربطه بجزيئات الفوسفور، ما يؤدّي إلى خفض مستواه في الدورة الدموية، ومما يعني إطلاق كمية أقل من الإنسولين في الجسم، وبالتالي خفض خطر الإصابة بالسكري.
ويقود احتجاز الغلوكوز إلى ثلاث نتائج مرجوّة:
1- يُسحَب الغلوكوز من الدورة الدموية.
2- يمكن إطلاق الطاقة عبر تحلّل الغلوكوز الموجود في الدم.
3- مع الحصول على الطاقة، لا يعود الجسم يشعر بأنه بحاجة إلى تناول الطعام، ويبلغ حالة من انقطاع الشهية.

تناول الفوسفور خلال الوجبات يؤدّي إلى خفض وزن الجسم ومحيط الخصر ومعدلات الشهية
تحلُّل الغلوكوز جزء من التنفس الخلوي، وهو عبارة عن سلسلة من التفاعلات التي تؤدّي إلى تحلل الغلوكوز عن طريق الأكسدة، ما يولّد جزيئات ثلاثي فوسفات الأدينوسين (ATP). وتُنتج جميع الكائنات الحية ثلاثي فوسفات الأدينوسين عبر تحرير الطاقة المخزّنة في الغلوكوز وسواه من السكّريات.
طوّر البروفسور عبيد، من خلال الاختبارات والتحاليل المستمرة، أبحاثه في العام 2013 انطلاقاً من الافتراض بأن انخفاض معدّل الفوسفور مرتبط بظهور البدانة، وبالتسبّب بالبدانة، إلى أن توصّل مؤخراً إلى أن تناول الفوسفور خلال الوجبات يؤدّي إلى خفض وزن الجسم، ومؤشّر كتلة الجسم، ومحيط الخصر، ومعدلات الشهية الذاتية لدى البالغين الذين يعانون من الوزن الزائد والبدانة.

نتائج تحاليل «بروفسور الفوسفور»
أجرى الدكتور عبيد الذي غالباً ما يُلقّبه زملاؤه بـ «بروفسور الفوسفور»، نظراً إلى تحمّسه الشديد للبحوث في هذا المجال، دراسة عمد من خلالها إلى تحليل بيانات عن 63 شخصاً بالغاً في سن الخامسة والأربعين أو ما دون، لا يقل مؤشر الجسم لديهم عن 25 كلغ/م2، ويتمتعون بوظائف كلوية طبيعية.
جرى تقسيم المشاركين بطريقة عشوائية، فحصل بعضهم على 375 ملغ من الفوسوفور موزَّعة على ثلاث وجبات يومياً، في حين حصل البعض الآخر على علاج بديل (بلاسيبو) لمدة 12 أسبوعاً. طلب الباحثون من المشاركين أن يحافظوا على عاداتهم الغذائية المعتادة ونشاطهم البدني المعهود طوال مدّة الدراسة، وتجنُّب تناول الكحول وممارسة التمارين الرياضية المضنية قبل 24 ساعة من الزيارات المقررة بموجب الدراسة. وقد عمد الباحثون إلى قياس وزن الجسم، ومستويات الدهون والغلوكوز والإنسولين، ومعدلات الشهية الذاتية عبر ملء استمارة عند انطلاق الدراسة ثم في الأسبوع السادس والأسبوع الثاني عشر.
وقد تبيّن أن المجموعة التي تناولت الفوسفور خسرت 0،65 كلغ في المعدل؛ في حين أن المجموعة التي تناولت العلاج البديل ازداد وزنها 1،13 كلغ في المعدل. وكذلك سُجِّل تراجع طفيف في مؤشر كتلة الجسم لدى المجموعة التي تناولت الفوسفور بالمقارنة مع المجموعة التي تناولت العلاج البديل (0،24 كلغ/م2 في مقابل 0،42 كلغ/م2؛ القيمة الاحتمالية = .01)، فضلاً عن حدوث انخفاض ملحوظ في محيط الخصر (3،62 سم مقابل 0،38 سم؛ القيمة الاحتمالية > .001).
وقد وجد الباحثون أنه ليس لمكمّلات الفوسفور تأثير على مستويات الدهون. إلى جانب النتائج أعلاه، تحدّث المشاركون الذين تناولوا الفوسفور عن انخفاض كبير في الشهية لديهم، وفي كمية الطعام التي يحتاجون إليها للشعور بالشبع، وفي عدد الوجبات الخفيفة التي يتناولونها بالمقارنة مع المجموعة التي خضعت للعلاج البديل.

الحاجة إلى مزيد من البحوث
أشارت النتائج التي تم التوصل إليها في الدراسة التي استمرت 12 أسبوعاً، إلى أن مكمّلات الفوسفور أوقفت زيادة الوزن ومؤشر كتلة الجسم في حين خفّضت إلى حد كبير محيط الخصر. وكانت هذه التغييرات مرتبطة أيضاً بالشعور باكراً بالشبع.
وقد علّق الدكتور عبيد: «تشير النتائج التي توصّلت إليها هذه الدراسة إلى دور واعد للفوسفور المعدني في مكافحة البدانة، لا سيما السمنة في منطقة البطن. فبحسب نتائج الدراسة، يمكن أن يؤدّي تناول كمية أكبر من الفوسفور، لا سيما خلال الوجبات، إلى التحكّم بالوزن».
ربما يبدو هذا الحل البسيط لمشكلة الحفاظ على الوزن أجمل من أن يُصدّق، لكن الدكتور عبيد يحذّر من أن أبحاثه لا تزال في مراحلها الأولى مشيراً إلى أنه يجب جمع مزيد من المعلومات عن الآلية الواجب اتباعها في تناول مكمّلات الفوسفور.
يقول الدكتور عبيد في هذا الصدد: «علينا أن نفهم بصورة أفضل إذا كانت التغييرات التي لاحظناها في الجسم مرتبطة بانخفاض الشهية و/أو الزيادة في استهلاك الطاقة. ندرس حالياً مستويات استهلاك الطاقة بعد الأكل جراء التحكم بكمية الفوسفور في الوجبات المختلفة. من شأن ذلك أن يقدّم لنا معلومات عن تأثير الفوسفور على استهلاك الطاقة، وعن مصدر الطاقة المستمدّة من النشويات أو أكسدة الدهون مثلاً».
وفي حين أن ارتفاع مستويات الفوسفور في مجرى الدم يتسبّب بمخاطر على الصحة، لا يخزّن جسم الإنسان الفوسفور الطليق. إذا كانت الكليتان تعملان كما يجب، فلا داعي للقلق من ارتفاع مستويات الفوسفور. يشار إلى أن جرعة الفوسفور التي أعطيت للأشخاص في إطار هذه الدراسة (375 ملغ، 3 مرات في اليوم) أقل من الحد الأقصى المسموح به بموجب الحصص الغذائية المرجعية (4000 ملغ/اليوم).
تقدّم النتائج التي توصّلت إليها هذه الدراسة، مقاربة جديدة للتعامل مع البدانة ومكافحتها، إما من خلال اعتماد نظام غذائي غني بالفوسفور أو زيادة كمية الفوسفور في المواد الغذائية الأساسية مثل الخبز.
يقول البروفسور بيتر إمري، رئيس قسم التغذية والحميات الغذائية في كينغز كولدج في لندن: «إنها دراسة مثيرة للاهتمام تشير إلى أن تناول مكمّلات الفوسفور يمكن أن يؤدّي إلى قطع الشهية ومساعدة الأشخاص على خسارة الوزن… من المهم أن نعرف إذا كانت هذه التأثيرات تستمر لفترة زمنية طويلة».

مقاربات مبتكرة
لقد نُشِرت الورقة التي أعدّها الدكتور عبيد في العديد من المجلات منها Medscape وNature.com وEndocrine Today وموقع Medpage Today الإلكتروني التابع لوكالة «رويترز». ومن شأن إجراء مزيد من الأبحاث أن يقدّم توضيحات أكثر جزماً حول ما إذا كانت خسارة الوزن ناجمة عن الزيادة في استهلاك الطاقة، وليس عن الانخفاض في كمية الطعام التي يتم تناولها، أو عن الاثنَين معاً كما يعتقد الدكتور عبيد حالياً.
يُذكَر أن الدكتور عمر عبيد حاز مؤخراً على «جائزة سي أيه وسي سي ربيز للأبحاث الزراعية”» لعام 2014 التي تُعطى للأشخاص الذين يساهمون في تعزيز البحوث الزراعية في الجامعة الأميركية في بيروت. فقد وقع اختيار لجنة قسطنطين ربيز عليه لنيل الجائزة عن ورقته التي نُشِرت في مجلة Journal of Nutrition تحت عنوان: «توقيت تناول الكافيين يُغيّر عملية التمثيل الغذائي بعد الأكل لدى الجرذان».
وأظهرت هذه الدراسة أن تناول الكافيين يؤدّي إلى انخفاض حساسية الإنسولين، نظراً إلى الحفاظ على مستوى الغلوكوز على الرغم من مستويات الإنسولين المرتفعة. وبيّنت أن تراجع مستويات الدهون الثلاثية أو التريغليسريد عند تناول الكافيين يدعم نظرية الامتصاص المتأخر للدهون الثلاثية بعد الأكل. يبدو أن الكافيين يؤدّي دوراً ثنائي الطور في استقلاب الغلوكوز، بحسب ما تظهره قدرته على التأثير بنسب مختلفة في مستوى الغليكوجين في الكبد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق