أخبار متفرقة

دينامية سياسية واتفاقات غير كافية لـ «انتخاب رئيس»

جلسة 8 شباط لن تكون أفضل من سابقاتها

أخرج «اتفاق عون – جعجع» كرة الرئاسة من الملعب المسيحي وأبطل الذريعة والمقولة التي تقول «ليتفق المسيحيون أولاً»… والآن استقرت هذه الكرة في ملعبي المستقبل وحزب الله اللذين يملكان قرار التحكم بالاستحقاق الرئاسي وما سيؤول إليه: هل يأخذان بالاعتبار الاتفاق المسيحي ويعملان في اتجاه تحويله الى توافق وطني؟! أم يكون التوافق السني – الشيعي على الرئيس الجديد نواة هذا التوافق الوطني؟!
إضافة الى مفاعيله المسيحية الإيجابية، أنتج هذا الاتفاق المفاعيل الرئاسية الاتية:
1- ترشيح جعجع الرسمي لـ «عون» بعد ترشيح الحريري غير الرسمي لـ «فرنجية» كرس واقع أن معركة رئاسة الجمهورية باتت محصورة بين مرشحي 8 آذار، عون وفرنجية. وهذا الواقع يعني أن حزب الله هو «الرابح والمستفيد الأول» من هذا المنحى الرئاسي بعدما حصل على إقرار وتسليم من أبرز قوتين في 14 آذار بأن الرئيس المقبل سيكون من 8 آذار وحليفاً لحزب الله.
2- جعجع «ضرب ضربته» واضعاً الجميع أمام واقع جديد، ما أدى الى «حشر» كل الأطراف بنسب متفاوتة ولكن ليس الى تغيير مواقفهم. وهكذا فإن:
–  فرنجية محرج باتفاق عون – جعجع الذي يعطي الأول أرجحية مسيحية واضحة، ومع ذلك فإنه مستمر في ترشيحه ولن يتراجع.
– الحريري محرج باتفاق مسيحي ينزع من يده امتياز ترشيح الرئيس الجديد… ومع ذلك فإنه ليس مقيّدا ولا ملزما بهذا الاتفاق ومستمر في دعم فرنجية.
– حزب الله محرج في أن مرشحه الأول (عون) يصبح مرشح خصمه الأول (جعجع)، وفي أن معراب تصبح ممرا الى قصر بعبدا… ومع ذلك فإنه لا يتخلى عن تأييده لعون حتى إشعار آخر.
– البطريرك الراعي محرج باتفاق مسيحي يلتف على مبادرة الحريري التي يراها جدية ويلتف على ترشيح فرنجية الذي يرى فرصه بالنجاح أفضل من فرص عون… ولذلك فإن الراعي الذي يبارك مبادرة جعجع ما زال مؤيداً لمبادرة الحريري…
3- ثمة ثلاثة سيناريوهات مطروحة قيد التداول بالنسبة الى الاستحقاق الرئاسي بعدما كشف كل الأطراف أوراقهم:
– السيناريو الأول هو انتخاب عون رئيساً للجمهورية في جلسة 8 شباط (فبراير) المقبل، وهذا ما يتطلع إليه عون ويراهن على حصوله. أصحاب هذا التوقع السائد في بعض أوساط 14 آذار (من غير القوات) يعتبرون أن حزب الله الذي لا يناور بتأييده لعون لن يتأخر في التقاط هذا التطور وهذه اللحظة السانحة لإيصال مرشحه وسيعمل على إقناع بري الذي يؤثر موقفه على جنبلاط ليجد الحريري نفسه في هذه الحال مضطراً للالتحاق بالركب الرئاسي والانضمام الى حليفيه (بري وجنبلاط) اللذين ساهما معه في «مبادرة ترشيح فرنجية».
– السنياريو الثاني هو الذهاب الى جلسة انتخاب يتواجه فيها عون وفرنجية في معركة متكافئة ودقيقة تبدو حظوظ فرنجية في الفوز متوافرة إذا انحاز الرئيس بري إليه، ذلك أن فرنجية متقدم في «معركة الأصوات» والأول في الميزان النيابي، فيما عون هو المتقدم والأول في ميزان القوى السياسي والطائفي العام بفعل تأييد أبرز قوتين شيعية ومسيحية له، ولكن حجم هاتين القوتين نيابياً ليست مطابقة لحجمهما الواقعي على الأرض.
– السيناريو الثالث هو عدم انعقاد جلسة انتخاب واستمرار الشغور الرئاسي لفترة إضافية، ويحصل ذلك في حالتين: إذا قرر المستقبل (ومعه جنبلاط) مقاطعة جلسة الانتخاب فيما لو تأكد له أن عون سيكون رئيساً… أو إذا قرر حزب الله عدم الذهاب الى جلسة الانتخاب إلا بمرشح واحد من 8 آذار، أو قرر عدم الذهاب تضامناً مع عون إذا ارتأى عدم الذهاب الى جلسة مفاجآت لا يكون فيها فوزه مضموناً…
ساد اعتقاد سياسي وعلى نطاق واسع بأن جلسة الانتخاب الرئاسي المحددة في 8 شباط (فبراير) لا تشبه الجلسات الـ 34 التي سبقتها وأنها ستكون جلسة انتخاب الرئيس الجديد… بعض الشخصيات المارونية ذهبت الى حد أنها توقعت أو أملت بأن يكون القداس الرسمي في عيد مار مارون في 9 شباط (فبراير) مكتمل النصاب رئاسياً وأن يحضره الرئيس المنتخب والى جانبه الرئيسان بري وسلام… كتل وقوى نيابية وسياسية بدأت بإجراء عملية «البوانتاج» واحتساب أصوات النواب وفرزهم بين عون وفرنجية بعدما استقرت المعركة الرئاسية على هذا النحو: مرشحان متنافسان من فريق 8 آذار، وكل واحد يلقى دعم أحد أقطاب 14 آذار… ولأن الأوراق والمواقف لم تكشف على نحو كامل ونهائي، فإن هذه البوانتاجات التي جرت على إيقاع حمى إعلامية وفورة أو فوضى تقديرات واستطلاعات جاءت  متباينة:
– كثيرون اعتبروا أن الغلبة ستكون لفرنجية الذي ينطلق من قاعدة نيابية واسعة تضم كتل الحريري وبري وجنبلاط.
– هناك من أعطى عون أرجحية بسيطة في حال انضم بري الى حزب الله وانضمت الكتائب الى القوات في تأييده… ولكن هناك من أعطى عون إجماعاً محتملاً في حال نزل حزب الله بكل ثقله في الحلبة وأقنع بري الذي يقنع جنبلاط ليجد الحريري نفسه في هذا السياق.
– هناك من أضفى الغموض على النتائج ورأى صعوبة في تحديد النتيجة أو حتى رسم صورة تقريبية عنها، نتيجة الغموض البناء الذي يتقصده بري وجنبلاط والموقف الحائر للكتائب ومستقلين مسيحيين ومسلمين، ما يجعل أن فرنجية وعون ينطلقان من قاعدة أصوات متكافئة (42 – 42) هي الأصوات المحسومة والمؤكدة لكل منهما. ذلك أن فرنجية ينطلق من كتلته وأصوات المستقبل إضافة الى بطرس حرب، في حين ينطلق عون من أصوات كتلته وحزب الله والقوات اللبنانية… وهذا التصنيف يضع كل الأصوات غير المحسومة جانباً (بري وجنبلاط والكتائب والطاشناق…).
ولكن مصادر واسعة الاطلاع ومواكبة لتطور الملف الرئاسي بتعقيداته الداخلية وامتداداته الإقليمية تستبعد فرضية انتخاب رئيس في جلسة 8 شباط (فبراير) التي لن تكون أفضل من سابقاتها ولن تكون جلسة انتخاب الرئيس. ولكن التقديرات تتفاوت بين:
1- «تأجيل» يتم التوافق عليه في جلسة الحوار الوطني الأسبوع المقبل طالما لم يتوافر توافق وطني حول رئاسة الجمهورية… فالتوافق المسيحي، غير المكتمل بدوره، ليس كافياً لانتخاب رئيس كما يقول بري…
2- عدم توافر النصاب لجلسة الانتخاب (نصاب الثلثين، أي 86 نائباً)، وهذا ما يمكن أن يحصل لأسباب متعددة:
– إذا قرر حزب الله عدم الذهاب الى جلسة الانتخاب إلا بمرشح واحد من فريق 8 آذار لتكون جلسة انتخاب الرئيس لا جلسة المعركة بين حليفين…
– إذا ارتأى عون عدم الذهاب الى جلسة لا يكون فيها فوزه مضموناً فهو ليس مستعداً لتحمل أدنى نسب وأنواع المخاطر والمفاجآت…
– إذا قرر المستقبل لعب ورقة المقاطعة التي لعبها حزب الله حتى الآن وفي حال وجد أن حزب الله يمارس تدخلاً وضغوطاً لتأمين فوز عون وسحب فرنجية وإقناع بري واستمالة جنبلاط، من دون الحاجة الى أصوات المستقبل وبمعزل عنه…
3- انعقاد جلسة الانتخاب ولكن من دون انتخاب… بمعنى أن نصاب انعقاد الجلسة يكون مؤمّناً فيما نصاب انتخاب الرئيس ليس كذلك، وهذا يعني تكرار سيناريو الجلسة الأولى مع فارق أن التصويت جرى آنذاك لمرشحين رسميين هما جعجع وحلو، وأن التصويت سيجري الآن لمرشحين رسميين هما عون وفرنجية… ويمكن في هذه الحال أن أياً منهما لا يحوز الأكثرية المطلوبة للفوز (65 صوتاً) في حال قرر جنبلاط البقاء في منطقة الوسط ومعه كتلة من الأوراق البيضاء أولها أوراق الكتائب… في هذه الحال تجرى دورة اقتراع واحدة ليطير النصاب من بعدها ويعلن بري رفع الجلسة.
خلاصة القول في ضوء كل ذلك:
– إن اتفاق عون – جعجع مثل اتفاق الحريري – فرنجية يعطي انطباعاً أنه يعطي قوة دفع ويعجّل في انتخاب الرئيس، ولكنه في الواقع ليس كافياً. وعلى الأقل في حسابات حزب الله، الرئيس حتى لو كان حليفاً، لا يأتي من باب الحريري وجعجع…
– إن الرئيس الجديد، أي رئيس، لا يمكن أن ينتخب من خارج التوافق السني -الشيعي أو في ظل وجود فيتو واعتراض من المستقبل أو حزب الله.
– إن الرئيس اللبناني لا يمكن أن ينتخب قبل جلاء الوضع في سوريا، إن لجهة تبلور الوضع الميداني أو انقشاع غبار المفاوضات السياسية. وهذا يحتاج لوقت والمسألة مسألة أشهر لا أسابيع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق