سياسة لبنانية

مشروع «تفكيك مخيم عرسال»

منذ تفجر الأزمة السورية قبل أكثر من أربع سنوات أخذت عرسال دوراً حساساً نظراً الى موقعها الجغرافي المتداخل عبر جرودها مع الحدود السورية، والى واقعها المذهبي المتمايز في المنطقة، الأمر الذي سمح بفرار العديد من النازحين وحتى من المسلحين السوريين المعارضين للنظام إليها. وهي تحولت مع الوقت الى منطقة إسناد خلفي طبي وغذائي ولوجستي لجماعات مسلحة تقاتل الجيش السوري وحزب الله.
ومع تزايد الحديث عن معركة القلمون، عاد مشروع تفكيك مخيم عرسال الى الواجهة في ظل التساؤلات عن جدوى إبقاء هذا المخيم مرتعا للمسلحين والإرهابيين.
وتشير مصادر الى أن مبرر اقتراح نقل المخيم أن العديد من المقيمين فيه هم أقارب وعائلات العديد من المسلحين السوريين الموجودين في جرود القلمون السورية، وأن هؤلاء كثيراً ما ينتقلون الى المخيم ومنه، بحجة تفقد عائلاتهم، ما يطرح مخاوف أمنية من إمكان تسللهم باتجاه عرسال أو غيرها من المناطق اللبنانية.
وقد تبيّن بموجب الوقائع الميدانية المتراكمة، واعترافات العديد من الموقوفين أن مخيم النازحين، تحول رغماً عن إرادة الكثيرين من قاطنيه، إلى ملاذ لخلايا إرهابية تتخذ منه مكاناً لتفخيخ السيارات وتجهيز الأحزمة الناسفة وتحضير الانتحاريين والإرهابيين والتخطيط لهجمات ضد الجيش أو ضد أهداف مدنية، حتى في داخل بلدة عرسال التي كانت عرضة لاعتداءات عدة.
واستناداً إلى المعطيات المتوافرة، فإن المجموعات المسلحة المنتشرة في أعالي الجرود تستفيد لوجستيا من هذا المخيم الجردي الذي بات يشكل رئة لها، تتنفس من خلاله، وكثيرا ما يتسرب إليها جزء من الإمدادات التي ترسلها الدولة اللبنانية الى النازحين لاعتبارات إنسانية (مازوت، غذاء… إلخ)، علماً أن الاستخدام الأخطر للمخيم يبقى في اعتماده «محطة ترانزيت» في الطريق نحو تنفيذ عمليات إرهابية في العمق اللبناني.
إلا أن إزالة المخيم ونقله الى مناطق لبنانية أخرى مثل الحدود دونه أيضاً مخاطر جمة، الخطر الأول سيكون في حال غياب الإشراف المباشر عليه واحتمال انتقال الإرهاب الى مناطق أخرى أيضاً، وهناك خطر التوطين وأن تتحول المخيمات السورية الى نسخة طبق الأصل عن المخيمات الفلسطينية كما تتخوف أوساط في 8 آذار. ولعل الخطر الأصعب يكمن في ردود فعل المسلحين لأن إلغاء المخيم أو نقله خارج عرسال سيقطع عنهم الشريان الحيوي الذي جعلهم يصمدون في الجرود طوال الشتاء، وبالتالي فإن أي خطوة من هذا القبيل ستفتح أبواب الجحيم على القوى الأمنية من جبهة المخيم لأن المسلحين لن يسمحوا بالتضييق عليهم ونقل المخيمات التي تسكنها عوائلهم وهم الذين يملكون ورقة العسكريين الأسرى لديهم وهي الورقة الأصعب والتي لا يمكن لقيادة الجيش الاستهتار بها قبل إعادة عسكرييها المخطوفين وإبعاد سكين الإرهابيين عن رقابهم.
وسبق لموضوع المخيمات أن أخذت حيزاً كبيراً في مناقشات مجلس الوزراء وبين القوى السياسية منذ أشهر عدة وفي جلسات الحوار بين حزب الله و«المستقبل» من دون التوصل الى حل عملي أو اتفاق، فكل الأطراف تقر بخطورة المخيمات ولكن لكل فريق مقاربته للمسألة واعتباراته. ويبدو تيار المستقبل الأكثر حماساً في طرح تفكيك المخيم ونقله الى خارج عرسال لترييح البيئة السنية المنزعجة منه من جهة، ولما يحويه من إرهابيين يفترض تطويقم وضربهم. وقد حاول مراراً وزير الداخلية أن ينتزع موافقة من وزراء حزب الله والتيار الوطني الحر لإزالة المخيم المذكور ونقله مع مئات المخيمات الى منطقة حدودية ووضعها تحت المراقبة المشددة، إلا أن هذا الطرح لم يلق قبولاً في 8 آذار خوفاً من تكرار تجربة المخيمات الفلسطينية ومن شبح التوطين الذي يلوح من بين سطور هذا المشروع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق