افتتاحية

حذار ثورة الجياع فهي لا ترحم

اطل العهد الجديد فعمت الفرحة وهلل الشعب كله، مرحباً بنهاية حقبة سوداء من تاريخ لبنان تجسدت في فراغ قاتل شل المؤسسات ودمر الاقتصاد وحول حياة اللبنانيين الى مأساة. وهللنا اكثر يوم تشكلت حكومة الرئيس سعد الحريري التي اطلق عليها اسم حكومة العمل والانتاج. واعتقدنا ان الفرج آت لا محالة، وان الدورة الاقتصادية تعود منتجة ومزدهرة، وان العيش الكريم سيتأمن للمواطنين. ولكن سرعان ما خاب الامل وعاد اليأس يدب في النفوس، وادرك اللبنانيون ان لا مجال للتغيير في هذا البلد في ظل طبقة سياسية بعيدة كل البعد عن حياة المواطنين اليومية.
دفعنا الى هذا القول، والى هذه المرارة ما تسرب من كواليس مجلس الوزراء، وتردد ان الحكومة بدل ان تهتم بحياتنا اليومية التعيسة فتؤمن لنا العيش الكريم، تتحضر لقصفنا بسلة ضرائب يعجز 90 بالمئة من الشعب اللبناني عن تحمل نتائجها. فهي تطاول الطبقة المعدمة فتزيدها فقراً وبؤساً.
لقد اصبح واضحاً ان الحكومة في كل مرة تحتاج الى ملء خزينتها، التي تكون قد فرغت بفعل الفساد المستشري، تلجأ الى اهون السبل والى الوسائل التي لا تكلفها عناء التفتيش، فتمد يدها الى الجيوب الفارغة، تبحث في زواياها عما تبقى لها وتنتزعه منها، بعد اغراق الناس بالوعود الزهرية التي لم تصدق مرة واحدة، وتبقى حبراً على ورق يتلهى بها الناس الى ان ييأسوا فيرمونها في عالم النسيان. لقد اعتادت الحكومات المتعاقبة على هذه الوسائل التي باتت مشكوفة امام الجميع. ولن نصدق كلمة واحدة من الوعود التي ستغدق علينا.
كان من المؤكد ان الناس على فقرهم وعوزهم ما كانوا ليرفضوا هذه الضرائب، لو كانت تنفق على مشاريع منتجة تعود عليهم بالخير العميم، فيزدهر الاقتصاد، وتتأمن فرص العمل، التي لو وجدت لحدت من هجرة الادمغة المخيفة التي تضرب البلد في الصميم، ولكن اموال الضرائب تذهب دائماً الى جيوب الفاسدين فتزيدها انتفاجاً، دون ان يدرك المسؤولون ان زيادة الضرائب تنعكس على قطاعات الاقتصاد وتصيب الشعب، فتعطل السياحة ونحن احوج ما نكون الى تنميتها. فالسائح الذي اعتاد على زيارة لبنان لم يهرب فقط من الوضع الامني، خصوصاً وان هذا الوضع هو الوحيد الذي ينعم بالاستقرار، بل انه يمتنع عن زيارة لبنان بسبب الغلاء، فيفضل ان يختار وجهة لا تنهك جيوبه، مع العلم ان الدول العظمى بدأت تبحث في خفض الضرائب والرسوم لخلق نمو اضافي في الدورة الاقتصادية، وايجاد فرص عمل جديدة لمواطنيها.
لو كانت الضرائب تنفق على الاصلاح لما بقيت الكهرباء على مدى ربع قرن على حالها من التقنين والاهتراء، في ظل شركة المسؤولون عنها يتربعون منذ عشرات السنين على كراسيهم دون ان يحققوا انجازاً واحداً، فلماذا هم باقون في اماكنهم؟ هذه المؤسسة لا تكتفي بقهر المواطنين بساعات تقنين طويلة يستغلها اصحاب المولدات ليرفعوا تعرفاتهم. كيف لا وهناك من يقاسمهم ارباحهم المضخمة، بل هي تتحضر لرفع الرسوم الى الضعف دون ان تخفض فاتورة المولدات فيزداد العبء ويزداد القهر للمواطنين.
يعزو المسؤولون هذا التقاعس في تزويد المواطنين بالتيار الكهربائي الى قدم المعامل، ولكننا نسأل لو كانت الاموال تنفق على الصيانة والتجديد فهل كانت تقع في العجز؟ كلا ايها السادة فالخسائر التي تعد بمليارات الدولارات، ذهبت اموالها كلها الى الجيوب وبقي الوضع المهترىء على حاله، يزداد سنة بعد سنة، وهم يأتون اليوم ليحملوا المواطن عبء هذه الديون، فبأي حق وبأي ضمير؟
والفضائح تعم كل القطاعات. فقد سمعنا منذ ايام مناطق تشكو من عدم وصول المياه اليها منذ اكثر من عشرة ايام، رغم اننا في عز الشناء فلماذا؟ هل هي فرصة توفر لاصحاب الصهاريج ليجنوا على حساب الشعب؟ اين السدود التي بنوها، اين الشبكات التي اصلحوها، اين المسؤولون لا يجيبون؟ اين فرص العمل التي ينوون ايجادها والخبراء اجمعوا على هذه الموازنة لا يمكن ان تحقق لا النمو ولا فرص العمل.
اذا ارادت الحكومة ان تدعم الخزينة، فذلك لا يتم عبر مد الايدي الى جيوب الفقراء، بل عبر محاربة الفساد وسد ابواب الهدر وتفعيل الرقابة ومحاسبة المتجاوزين والمتطاولين على اموال الدولة. وبهذه الطريقة تجبي الحكومة المليارات ولا تعود بحاجة الى فرض الضرائب، فلماذا لا تفعل؟
سؤال برسم كل المسؤولين قبل التفكير بزيادة قرش واحد. والا حذار ثورة الجياع فهي لا ترحم.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق