سياسة لبنانية

لقاء الجميل – سليمان التشاوري: التصويب على عون… وإصابة سلام بـ «الخطأ»

تمسك وزراء حزب الكتائب والوزراء المستقلون المحسوبون على الرئيس ميشال سليمان بالآلية التي تقول بالتوافق، حرصاً منهم على ما يقولون إنها «صلاحيات الرئاسة ولعدم منح معطلي الانتخابات الرئاسية فرصة جديدة للتمادي بالتعطيل من خلال تسيير عمل الحكومة»، بينما أبدى وزراء تيار المستقبل وحزب الله وحركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي وحتى وزراء رئيس تكتل التغيير والإصلاح، مرونة لجهة قبولهم بالاستبدال بالآلية الحالية آلية أخرى أكثر إنتاجية.

وتمحورت أهداف اللقاء التشاوري، بحسب مصادر كتائبية، حول مسألتين رئيسيتين: أولاهما إيصال وجهة نظر البطريرك الراعي القائلة بضرورة التركيز على ملء الشغور الرئاسي، بدل التلهي بالآليات الحكومية وضمان عدم تأقلم الحكومة مع مسألة غياب الرئيس واستخدامها صلاحياته لإقرار بنود ومراسيم مهمة كمصير ثروة لبنان النفطية ومراسيم أخرى ذات طابع دولي. وثانيتهما الضغط على الحريري وسلام للإبقاء على الآلية الحالية التي استطاعت بتّ مئات البنود والمراسيم، وبالتالي لا مبرر للبحث عن غيرها، فيما تقول مصادر وزارية مشاركة في اللقاء إن الاجتماعات ليست موجهة ضد الرئيس سعد الحريري قطعاً، «فكلنا ندور في فلكه، بل هي موجهة أولاً وأخيراً ضد عون الذي يسعى إلى احتكار القرار المسيحي داخل الحكومة. فقد أثبتنا له اليوم أن هناك كتلة وزارية مسيحية جديدة تتجاوز كتلته مؤلفة من 8 وزراء، أي ثلثي الوزراء المسيحيين في الحكومة تمنعه من التفرد بالتفاهمات والقرارات».
سعى الرئيس الجميل إلى تعزيز دوره مجدداً، من خلال التفاهم مع سليمان ونقله من حضن معراب إلى بكفيا. ويمكن للكتائب، عبر استمالة وزراء سليمان الثلاثة و«المستقلين»، تعزيز مكاسبها عبر تعطيل الحكومة ورفع السقف إلى حين نضوج «طبخة» التسوية، التي يفترض أن تشمل الجميل. فيما سعى الرئيس سليمان الى تشكيل كتلة سياسية لعدم إخلاء الساحة، خصوصاً أن لا انتخابات نيابية في الأفق، ما يعني أن لا كتلة نيابية له، لذا يريد أن يعيد دوره بحسب ما تعتبر هذه المصادر. وترى بأن المصالح تلاقت بين مَن حضر، وبالتالي فالرئيس سليمان يريد لعب دور في فترة الفراغ الرئاسي.
الرئيسان سليمان والجميل متمسكان بحركتهما وموقفهما الداعي الى إبقاء الآلية الحكومية على حالها والاستمرار بما كان متبعاً منذ الشغور الرئاسي. وإذ حاول الرجلان تلطيف حركتهما والتخفيف من وقعها عبر إدراجها ضمن لقاء سياسي تشاوري وليس ضمن تكتل وزاري مضاد، فإنهما سعيدان بما تحقق حتى الآن والنجاح الذي حصل في فترة وجيزة وفي ثلاثة مجالات:
– العودة الى الأضواء السياسية والإعلامية من الباب العريض بعد أشهر ظهر فيها سليمان منكفئاً ومنتهياً، وظهر فيها الجميل حائراً وباهتاً.
– خلق مركز ثقل سياسي على الساحة المسيحية موازٍ لمركز الثقل الآخر الذي تمثله ثنائية عون – جعجع الحوارية، خصوصا وأن اللقاء التشاوري كجسم سياسي جديد يحظى بمباركة البطريرك الراعي ويبدو بمثابة «لقاء قرنة شهوان مصغر».
– خلق محور حكومي ضاغط لم يكن له وجود عندما كان مشتتاً وكان يجري التعامل معه بالمفرق… وأصبح مركز ثقل موازٍ لمركز عون الحكومي رغم الفارق في الأحجام النيابية (تكتل الإصلاح والتغيير لديه 25 نائباً و 4 وزراء واللقاء التشاوري لديه 7 نواب و 8 وزراء) (إذا استمر فرعون).
ويقول أحد النواب المسيحيين من أخصام سليمان إن هذا الاجتماع ليس بريئاً ولا يرتبط بالموقف المعلن منه، فبمجرد الوصول الى هذا العدد، أي ثمانية وزراء، يعني أن الرسالة المراد إرسالها للآخرين هي أن هناك ثلثاً كاملاً من أعضاء الحكومة يدور في فلك ثالث خارج إطار 8 و14 آذار. ويرى النائب أن هذه الرسالة غير موفقة، فوزراء الكتائب هم من 14 آذار وكذلك حرب وفرعون. وفي المحصلة فإن حركة سليمان الناشطة تساهم بشكل أو بآخر في أرباك المشهد داخل 14 آذار، ولا تحرج الفريق الآخر أي 8 آذار لأن حسابات هذا الفريق ناجزة ومعروفة، فرئيس الجمهورية السابق وفريق عمله الوزاري محسوبان من فترة غير قصيرة على الفريق الآخر.
وثمة من يرى في صفوف الأمانة العامة لـ 14 آذار أن تحرك الكتائب يخدم عون رئاسيا من دون أن يضغط عليه حكوميا. وتقول هذه المصادر إن تمسك 14 آذار الوزارية المسيحية بالآلية الحكومية التي أقرت صيغة الإجماع باتخاذ القرارات يعزّز المخاوف من أن يؤدي التعطيل المتمادي إلى تمدد الفراغ وتفاقم الأزمات وتسرّب الإرهاب، وبما أن الخيار هو بين الفراغ والعماد ميشال عون، فسيشكل انتخابه مخرجاً لإعادة انتظام المؤسسات وتثبيت الاستقرار.
ويبدو أن العماد عون سينجح هذه المرة بمساعدة أخصامه في 14 آذار بالوصول إلى بعبدا، حيث سيَضع المجتمع الدولي، مدعوماً من حزب الله، أمام خيار من خيارين: إما انفراط الاستقرار الذي بدأ يهتز بفعل الشغور والخلل الحكومي، وإما انتخابه رئيساً.
وفي تقدير هذه المصادر أن المجتمع الدولي لن يتردد بالذهاب نحو الخيار الثاني، خصوصاً أن عون يقدم نفسه بأنه الأقدر على إدارة التوازن بين السُنّة والشيعة، واستطراداً «المستقبل» وحزب الله، وبالتالي الحفاظ على المعادلة التي نشأت مع تأليف الحكومة والتي كادت تنهار بفعل الفراغ الرئاسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق