آدب

ذكرى: هذا الكون لم يعجب عبد الصبور فحاول إصلاحه

في شهر ايار (مايو) الماضي، حلّت ذكرى ولادة الشاعر المصري صلاح عبد الصبور (1932 – 1981)، وفي شهر تشرين الاول (اكتوبر) المقبل تصادف ذكرى غيابه، وهو الذي رحل بشكل مفاجىء، وفي ذروة العطاء والابداع. ومنذ رحيله في تلك الليلة الحزينة وقصة وفاته تطرح اكثر من سؤال؟ وبين تاريخ ولادته وتاريخ رحيله، قصة شاعر عاش نصف قرن، تاركاً في المكتبة العربية مجموعة من الدواوين والمسرحيات الشعرية، ومؤلفات اخرى، مساهماً الى حد بعيد، في تجديد الحركة الشعرية المعاصرة، وهو من الرواد في هذا الميدان. وتكريماً له، اطلق «المهرجان القومي للمسرح المصري» في القاهرة، اسمه على دورته السابعة الجديدة، في شهر آب (اغسطس) سنة 2014. هناك بلدان تكرّم اولئك الذين يساهمون في صنع مجدها وتاريخها، وتحافظ على تراثهم من الضياع والاندثار… وهناك بلدان والعياذ باللّه!

في سنة 1957، اصدر صلاح عبد الصبور ديوانه الاول، وهو بعنوان «الناس في بلادي»، الذي كان له الصدى العميق في نفوس الناس والشعراء والنقاد العرب… وقد بلغ كا كُتب عنه من تعليقات، حين صدوره، اضعاف حجمه.
وبعدئذٍ، توالت مؤلفاته المختلفة، اي المؤلفات الشعرية والمسرحية والنقدية…

ستة دواوين وخمس مسرحيات شعرية
في مجال الشعر، اصدر صلاح عبد الصبور الدواوين الآتية: الناس في بلادي – اقول لكم – احلام الفارس القديم – تأملات في زمن جريح – شجر الليل – الابحار في الذاكرة.
وفي مجال المسرح الشعري، اصدر المسرحيات الآتية: مأساة الحلاج – مسافر ليل – الاميرة تنتظر – ليلى والمجنون – بعد ان يموت الملك.
وفي مجال المسرح ايضاً، كان عبد الصبور، في صدد كتابة مسرحية شعرية جديدة حول سيرة «عنترة بن شداد» وفيها يعيد طرح مشكلة الحب والحرية، لانهما جناحان تنهض بهما الشخصية الانسانية، «فلا حب بلا حرية، كما انه لا حرية بلا حب…» وذلك على حدّ قوله.
ولكنه رحل عن هذه الدنيا، قبل ان يحقق هذه المسرحية الشعرية… لقد رحل الفارس القديم، وهو يكتب عن فارس اقدم منه.
وفي مجال ادبي آخر، اصدر 12 كتاباً تتمحور حول الدراسات والبحوث الادبية والنقدية.

المسرح بين الشعر والنثر
اصبح التراث الشعري الذي تركه صلاح عبد الصبور، مدار اهتمام النقاد والباحثين وطلبة الشهادات العليا، لان الشاعر الراحل هو علامة بارزة في تاريخ الشعر العربي المعاصر.
ومن ابرز الاعمال التي ظهرت قبل سنوات، حول عبد الصبور، العمل الذي اعدته الباحثة المصرية ثريا العسيلي، عن المسرح الشعري في تراث الراحل، ونالت عليه درجة الماجستير.
والجدير بالذكر، ان قضية المسرح الشعري، هي من جملة القضايا الادبية التي شغلت تفكيره بشكل جدي وعميق.
طرح على نفسه الكثير من الاسئلة قبل الاقدام على كتابة المسرحية الشعرية.
وهذا الطرح هو في رأيه، من الامور الطبيعية، بالنسبة الى الشاعر المعاصر، حيث ان الشاعر القديم لم يكن يُعنى بها، لانه كان يكتب مسرحه شعراً، ولان المسرح لا يُكتب إلا شعراً، سواء كان تراجيدياً او كوميدياً، تاريخياً او معاصراً، ولم يكن المسرح النثري قد اكتسب حق الوجود.
يقول عبد الصبور في هذا الصدد: «لو كنت رأيت القضية كما يراها بعض النقاد الذي يزعم ان الشعر لا مبرر له على المسرح، وان المسرح الشعري بقية متحجرة من عهد قديم، لما فكرت في كتابة المسرح الشعري، ولكنني لم اكن ارى هذا الموضوع من هذه الزاوية، بل لعلي ايضاً، لم اكن اتوسط فيه او أهادن، كنت ارى ان الشعر هو صاحب الحق الوحيد في المسرح، وكنت ارى المسرح النثري، وبالاخص حين تهبط افكاره ولغته، انحرافاً في المسرح»<
كان عبد الصبور يدرك، انه منذ قرن من الزمن، والتراث المسرحي يشهد الصراع الحاد بين المسرحية النثرية والمسرحية الشعرية، وهذا الصراع لم تتحدد ابعاده بعد، واعلام هذا الصراع هم من كتّاب المسرح الشعري والنثري، على السواء… وكان يدرك ايضاً، ان كثيراً من النقاد، يقولون ان الشعر ينبغي له ان يهبط من على المسرح، وان ينزوي في القصائد الغنائية، لان المتفرج لم يعد يستطيع ان يرى عامة الناس، وهم يتحدثون شعراً، أو لان المسرح له رسالة اجتماعية، اذ يدعو الى امر من الامور ويحرص عليه، وينير الاذهان تجاهه، ولن يستطيع عندئذٍ، ان يبلغ غايته الا اذا آثر النثر الهادىء المتزن.
ومن ناحية اخرى، كان يدرك، ان الشاعرية الغزيرة تنساب حتى من اعمال عمالقة المسرح النثري… أليس تشيخوف شاعراً من ارفع طراز؟ وحتى برنارد شو في مسرحه الفكري كثيراً ما نجد فيه روح الشعر.

«لست شاعراً حزيناً ولكني شاعر متألم»
لقد تماديت في الكلام، عن تراث صلاح عبد الصبور المسرحي، وذلك على هامش العمل الذي اعدته الباحثة ثريا العسيلي، ولكن لا بد من الاقتراب قليلاً، الى عبد الصبور صاحب القصائد التي غيّرت الكثير من مفاهيم الشعر المعاصر، والذي وصفه البعض، بأنه شاعر حزين!
بصوت عالٍ، قال عبد الصبور: «لست شاعراً حزيناً، ولكني شاعر متألم».
وهو كذلك، لان الكون لم يكن يعجبه، ولانه يحمل بين جناحيه، كما يقول شيللي: «شهوة اصلاح العالم» التي هي القوة الدافعة للشاعر وغيره… لانه يرى النقص، فلا يحاول ان يخدع نفسه، بل يجهد في ان يرى وسيلة لاصلاحه…
وبصوت عالٍ ايضاً، قال عبد الصبور: «اننا نتألم لاننا نحس بمسؤولياتنا، ونعرف ان هذا العالم هو قدرنا…».

الشعر لا يحتاج الى امراء بل الى خدم
وبالمناسبة، قبل رحيل صلاح عبد الصبور، بوقت قصير، كان هناك اتجاه، بان يكون اميراً للشعراء، بعد ما خلت الساحة من امراء الشعر، من امثال: احمد شوقي، وبشارة الخوري (الاخطل الصغير)، وعندما بلغه هذا الخبر، قال: «الشعر لا يحتاج الى امير، الشعر يحتاج الى خدم يخدمونه ويخلصون في حبه، واظن اني واحد منهم… وحين يخدم الانسان الشعر، والفن عموماً، باخلاص، فان الفن يرّد اليه خدمته بما يمنحه له من سعادة باطنة ومن تقدير القراء والمحبين، وهذا يكفيني».

في شعره صورة متميزة للمرأة
وبعد، لا بدّ من الدخول في حياة صلاح عبد الصبور الخاصة، اي حياته العائلية، وتاريخه العاطفي الذي يصفه بالتاريخ الفقير!
في نظره، ان كلمة المرأة، هي كلمة واسعة وعريضة… «وليست كل النساء سواء، فهناك من تشغلك بحسنها، او برقتها، او بصدق محبتها، او بنضج تفكيرها… هناك من الوان النساء بقدر ما هناك من الوان الحياة والبشر. وفي الواقع، انني لا اعرف ان استعرض تاريخي العاطفي، وهو بالمناسبة، تاريخ فقير، ولكن اريد ان اقول، ان كل مرحلة، او بالاحرى، كل تعبير شعري، كان وراءه امرأة تختلف عن غيرها، ولذلك فصورة المرأة في شعري متميزة».
وحول حياته كإبن، وأخ، وزوج، وأب، وتأثير حياته الزوجية على شعره، قال عبد الصبور: «أحاطتني الحياة بالنساء العطوفات… فكان لي في صباي، أُم وأخت، وكان همهما رعايتي… وعرفت النساء في حياتي، من بعد، صداقة كأجمل ما تكون الصداقة…».
وبعدئذٍ، عاش في رعاية ثلاث من أرّق النساء» وهن: زوجته سميحة غالب، وابنتاه مي، ومعتزة.
وهنا، كان يقول: «لقد كانت الحياة دائماً رقيقة، بالغة الرقة، في ظل هذه المودة الانسانية التي تسبغها المرأة بوجودها، وكان اثر هذه الحياة على شعري، ان هيأت لي المناخ الملائم لكي استطيع ان اتنفس شعري في هدوء وصفاء».

اسكندر داغر
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق