رئيسيسياسة عربية

ما هو سر الموت في السجون الاسرائيلية؟

ادت وفاة المعتقل الفلسطيني في احد السجون الاسرائيلية عرفات جرادات في الايام القليلة الماضية، الى القاء الاضواء على امرين اثنين بالغي الاهمية.
الاول: قضية المعتقلين الاسرى الفلسطينيين في السجون والمعتقلات الصهيونية تحت مسميات وعناوين شتى.
الثاني: درجة الاحتقان التي بلغها الوضع الفلسطيني في الآونة الاخيرة خصوصاً بعد ردة الفعل الواسعة النطاق على وفاة السجين جرادات، والتي رفعت منسوب الحديث مجدداً عن امكان اشتعال انتفاضة فلسطينية ثالثة على وقع هذا الحدث الدراماتيكي الذي فتح الباب على تطورات وتداعيات.

لم يعد خافياً ان قضية الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين لدى الاحتلال الاسرائيلي واحدة من اعقد القضايا الناجمة عن سياسة القمع التي تمارسها السلطات الاسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني كلما اراد ان يفصح عن حقوقه ويرفع مطالبه ويواصل نضاله لتحصيل حقوقه المشروعة. فالسجون الاسرائيلية تحوي في اخر احصاء بثته الاجهزة الفلسطينية المولجة بمتابعة ورصد هذا الموضوع نحو 4750 سجيناً وسجينة بين اعتقال اداري، اي لم يخضع لأي محاكمة ومحكومية محدودة بموجب احكام صادرة عن محاكم.
وهذا الرقم بطبيعة الحال ليس ثابتاً فهو متحرك لان الاعتقالات امر دائم في سياسة سلطات الاحتلال الاسرائيلي وفي تعاملها مع الشعب الفلسطيني.
وحسب المعلومات فإن السجون والمعتقلات الاسرائيلية استقبلت منذ نكسة عام 1967 وحتى الامس القريب نحو 18000 فلسطيني.

11 الف معتقل
وكان اعلى عدد للمعتقلين الفلسطينيين بلغ في نهاية عام 2010 نحو 11 الف معتقل. وقد انخفض هذا العدد بعيد ما صار يعرف بصفقة اطلاق الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليط الذي اختطفته حركة حماس في غزة عام 2006 الى اقل من ذلك. فقد جرت صفقة الاطلاق قبل عام ونصف العام في مقابل الافراج عن نحو ثلاثة الاف معتقل فلسطيني.
واللافت ان من بين المعتقلين الفلسطينيين حالياً نحو 186 معتقلاً ادارياً، بينهم ايضاً 107 اسرى معتقلين منذ ما قبل اتفاقية اوسلو التي عقدت في عام 1992 اي انه مضى على اعتقال بعضهم اكثر من 20 عاماً.
وبين المعتقلين الحاليين ايضاً نواب في المجلس التشريعي الفلسطيني الحالي ووزراء سابقون ومنهم ايضاً من صدرت بحقهم احكام تصل الى عشرات السنين كأمين سر حركة فتح في الضفة الغربية مروان البرغوتي. وايضاً هناك الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين احمد سعدات وكلاهما معتقل منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية اي بعد عام 2001.
وهناك ايضاً بين المعتقلين 17 امرأة واطفال فضلاً عن ان هناك مرضى دائمين. ففي مستشفى سجن الرملة 18 حالة دائمة.
الى جانب ذلك هناك اشخاص اطلق سراحهم في صفقة التبادل الاخيرة (صفقة شاليط) ثم اعيد اعتقالهم في الاشهر القليلة الماضية على رغم انه ضمن الشروط الفلسطينية في الصفقة الا يعاد اعتقال هؤلاء وارجاعهم الى زنازين السجون الاسرائيلية التي امضوا فيها اعواماً.

الخيار الصعب
والمعلوم ان السجناء الفلسطينيين اتبعوا منذ نحو عامين، طريقة جديدة للفت الانتباه الى قضيتهم ولجذب الانظار نحو معاناتهم خلف القضبان الاسرائيلية، اذ بدأ بعضهم اضرابات عن الطعام لمدد طويلة، تحت مسمى «نضال الامعاء الخاوية». وبالفعل ادى سلوك هذا الطريق الصعب والشاق الى ابراز مظلومية هؤلاء السجناء، والى اجبار سلطات الاحتلال الاسرائيلي على التجاوب مع مطالبهم، ولا سيما بعدما جذبت تعاطفاً خارجياً واسع النطاق، ولا سيما من منظمات حقوق الانسان التي تنظر الى قضايا الشعب الفلسطيني المقهور نظرات تعاطف خاصة.
وتحت وطأة هذا النوع من النضال، اضطرت السلطات الاسرائيلية الى اطلاق سراح بعض السجناء والى تحسين شروط اعتقال البعض الاخر.
ولعل ابرز مثال على هؤلاء السجناء الذين قرروا السير في هذا الخيار الصعب هو السجين سامر عيساوي الذي صار مثالاً ورائداً عندما نفذ اضراباً عن الطعام استمر شهوراً عدة رغم انه اشرف على الهلاك.
وفي كل الاحوال، كانت قضية المعتقلين الفلسطينيين ركناً اساسياً من اركان القضية الفلسطينية ومن مظاهر ابقائها حية، فالاسير والمعتقل كالمناضل الذي يمتشق السلاح وكالمتظاهر الذي يتحدى وكالانسان الذي يتجذر في ارضه ويرفض المغادرة رغم قمع الاحتلال.
وصار هناك ملحمة بطولية من ملاحم هذا الشعب الفلسطيني هي ملحمة الاسرى في مواجهتهم للتعذيب الاسرائيلي وفي صمودهم امام جلاديهم وخلف القضبان، وهو يصمد ولا ينهار امام التعذيب ليقدم نموذجاً في الصمود والايمان بالقضية، وبعضهم يسقط ولا يعترف بأسرار او يتعامل مع اجهزة استخبارات العدو.

تحريك الساحة
وسواء صدقت التوقعات والتكهنات التي تقول ان قضية وفاة المعتقل جرادات اخيراً ستشعل انتفاضة او لم تصدق، فالاكيد ان هذه القضية شكلت عنصراً اساسياً اعاد تحريك الساحة الفلسطينية والهابها خصوصاً بعدما عمت التظاهرات والمواجهات مدناً عدة في الضفة الغربية المحتلة.
في حين شكلت هذه الشهادة لهذا المعتقل مادة جديدة لتنظيمات راديكالية فلسطينية لكي تلوح بخياراتها ولتؤكد انها ستلجأ الى كل الوسائل والاساليب لتحرير كل الاسرى والمعتقلين وحماية حياتهم لكي لا يلاقوا مصير جرادات.
كذلك، فإن هذه القضية التي ستثير ولا ريب الرأي العام العربي العالمي، وستظهر وحشية ممارسات الاحتلال الاسرائيلي وعدم مراعاته للاتفاقات والمواثيق الدولية التي تحمي حياة الاسرى والمعتقلين، ستبادر السلطة الفلسطينية الى استغلالها لممارسة المزيد من الضغوط على الاحتلال الاسرائيلي، لتحصيل المزيد من الحقوق والمكاسب.
فالواضح ان اسرائيل ستضطر تحت هبة وانتفاضة الشعب الفلسطيني نتيجة قضية مقتل الاسير جرادات لتعيد للسلطة الفلسطينية حقوقها ومستحقاتها المالية التي تحبسها السلطات الاسرائيلية عنها منذ اشهر عدة وبالتحديد منذ ان اعترف العالم في الامم المتحدة بفلسطين دولة بصفة عضو مراقب في اعلى هيئة دولية مما يمنحها ولا ريب حقوقاً وحصانات دولية ويفتح امام الدولة الفلسطينية ابواباً كانت موصدة حتى الامس القريب على طريق تحولها الى دولة كاملة العضوية.

تجويع الشعب
والمعلوم ان سلطات الاحتلال الاسرائيلي تحجب هذه الحقوق عن السلطة الفلسطينية في اطار تجويع الشعب الفلسطيني وممارسة المزيد من الضغوط عليه ومنعه من التفكير والتجرؤ على الحصول على المزيد من الحقوق والمكتسبات رغماً عن ارادة الاحتلال.
فضلاً عن ذلك، فإن الجانب الفلسطيني سيجد ردة الفعل الفلسطينية العارمة على حادث موت المعتقل جرادات في السجون الاسرائيلية  فرصة كبرى لاحراج السلطات الاسرائيلية مع اقتراب موعد الزيارة المرتقبة للرئيس الاميركي باراك اوباما الى فلسطين المحتلة، ولاظهار وحشية ممارسات قوات الاحتلال وضربها بعرض الحائط كل ما يتعلق بحقوق الانسان الفلسطيني.
وبناء على هذه التوقعات فالواضح ان الفلسطينيين سيجدون مادة جاهزة للضغط على سلطات الاحتلال وعلى الجانب الاميركي في آن واحد، وخصوصاً اذا صدقت التوقعات التي سرت سابقاً واشارت الى ان زيارة الرئيس الاميركي الى الكيان الصهيوني لها صلة مباشرة بتوجه اميركي متجدد يهدف الى اعادة تحريك مسار المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية، مع الاشارة الى انه سبق للرئيس اوباما في بداية ولايته الاولى ان اطلق وعداً خصوصاً ابان زيارته الشهيرة الى القاهرة بدعم هذا المسار. وبالتالي المساعدة في تحقيق التسوية المنشودة التي ستفضي الى اقامة الدولة الفلسطينية الموعودة.
وفي كل الاحوال، سيكون هذا الحدث فرصة كبرى ولا ريب للجانب الفلسطيني بغية وضع الكيان العبري امام واقع جديد

ا. ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق