تحقيق

مشوار البحر في لبنان… يا بلاش!!!

في كل دول العالم ثمة ما يعرف بالشواطىء العمومية. هذا ما اقرته القوانين الدولية، وما تعمل عليه حكومات هذه الدول لتحسين وتطوير الشواطىء العمومية لتكون مسرحاً يبرد فيه المواطنون اجسادهم في عز الصيف واعصابهم في كل المواسم. إلا في لبنان! فالخيار المتاح امام اللبنانيين محصور بواحد من إثنين: إما ارتياد مسبح خاص مع افراد العائلة ودفع ما لا يقل عن ثلث موازنة الشهر، أو الإستعاضة عن هذا الحق الطبيعي بالسباحة في مياه مفعمة بروائح المجارير واكياس النايلون أو التوجه نحو احدى البرك الإصطناعية.
قلتم بركة إصطناعية في موسم الشح؟ الخيارات اذا صارت شبه محسومة هذا الصيف.

مشوار بحر؟ المشروع جد طبيعي طالما اننا على ابواب الصيف لكن الكلفة غير طبيعية، أقله مع انتفاء معادلة شواطىء «السان بلاش» واحتلال المنتجعات السياحية المساحات الممتدة على طول الشاطىء اللبناني، ولكل منتجع خدماته الخاصة والكلفة المفروضة عليها بدءاً من كرسي البحر مروراً بمنشفة البحر وصولاً إلى السندويش وتوابعه. والمجموع؟ على مستوى الفرد، مقبولة. لكن ماذا لو قرر رب عائلة مؤلفة من 5 اشخاص تمضية نهار في احد المسابح الخاصة؟
 


لكل مقام بحره
الخيارات محدودة لكن هنا على الأقل يضمن رب العائلة سلامة اولاده والحد الأدنى من شروط النظافة. ولكل خدمة سعرها. فرسم الدخول للشخص الواحد يراوح بين 20 الف ليرة و50 الفاً بحسب عدد نجوم المنتجع. والمسألة لا تتوقف عند هذا الحد. فغالبية المسابح إن لم نقل جميعها تمنع على الفرد إدخال حتى قنينة مياه إلى المسبح. والجلسة على البحر تفترض اولاً شرب كميات من المياه هذا عدا عن المرطبات والسندويشات. احتسبتم المجموع؟ حتى نكون منصفين الكلفة لا تقل عن 45 الفاً للشخص الواحد أي ما يوازي 200 الف ليرة على الاقل لعائلة مؤلفة من 4 اشخاص. وبين منتجع 3 نجوم وآخر بـ 5 نجوم تصبح الكلفة اقرب إلى حلم ليلة صيف.
بعض المسابح فكر بموازنة العائلة لكن على طريقته الخاصة. فخفض رسم الدخول إلى 15 ألف ليرة في ايام الأسبوع. أما في  أيام الويك اند فيصل إلى 20 ألفاً أو 30 بحسب مكان الطاولة والشمسية المستأجرة. ولكل مقام بحره وشمسه و… طبعاً سعره!
إلى هنا تبدو الأسعار معقولة لكن مجرد ان تستحلي شيئاً من الأكشاك أو المطاعم التي استثمرت جزءاً من الشاطىء، تكتشف ان ما حاولت توفيره في المسبح الخاص سيتم صرفه هنا على الشاطىء الرملي المفترض ان يكون حقاً طبيعياً ومكتسباً للعموم.

 


اسعار تلامس الخيال
ولمسابح بيروت قصة أخرى تختلف عن باقي المناطق. هنا «باريس الشرق» بكل مظاهر البذخ والترف وأكثر، وللبحر هنا نكهة مختلفة وأسعار مختلفة أيضاً حيث يلامس الخيال الواقع وتعلو المسابح فوق الشواطىء لتحطّ على سطوح المباني. وإذا اردت ان تحقق حلمك لمرة واحدة عليك ان تدفع مبلغ  55 دولاراً كرسم دخول وهو الحد الأدنى للولوج إلى مطلق اي مسبح في بيروت هذا من دون احتساب اية خدمات أخرى! والحال نفسها باتت تنطبق على مسابح خاصة انتشرت في البترون وجبيل في الأعوام العشرة الأخيرة. وصدّق أو لا تصدق.
في المقابل هناك مسبح الرملة البيضاء. وهنا الغطسة ببلاش لكن ثمة من سبق رواد هذا الشاطىء الرملي. حتماً فهمتم اننا نتحدث عن النفايات واكياس النايلون المشلوحة هنا وهناك ومياه الصرف الصحي. تراهم أهل بيروت غير آبهين بنظافة شاطئهم أم هو ارتفاع معدل النازحين الذين يرتادون هذا الشاطىء؟
ثمة من يقول إن اللبناني يسأل عن كل قرش يصرفه إلا ما يتعلق بحبه للحياة. لكن الظاهر أن هذه الصيفية ستكون اكثر حرارة على جيبه حتى لو فكر في أن يفش خلقه بغطسة تبرد حرارة جسمه واعصابه التي تتراقص يومياً على وقع التظاهرات وأخبار سلسلة الرتب والرواتب والضرائب الجديدة التي سترهق كاهله.

 


أخر الحلول!
آخر الحلول التي وضعت على طاولة مجلس الوزراء كمورد جديد لتمويل السلسلة كان في زيادة الرسوم على مستملكي الشاطىء مما يعني زيادة جديدة على رسوم الدخول في حال إقرارها وحرمان نسبة اكبر من المواطنين من ارتياد آخر متنفس لهم في موسم الصيف.
جان بيروتي رئيس نقابة المؤسسات البحرية اعتبر ان كل ما يطرح في العلن إستفزازي. فالكلام عن عدم وجود مسابح عمومية ليس من مسؤولية المسابح الخاصة. وإذا صح ذلك عليها ان تستملك المساحات وتحولها إلى مسابح للعموم بدلاً من ان تقف وتلعن المسابح الخاصة. وكشف بيروتي عن وجود مخطط توجيهي منذ 20 عاماً كانت طرحته النقابة على الدولة لاستملاك المساحات على الشاطىء على ان تبادر المؤسسات السياحية في مساعدة الدولة في مسألة التنظيم. لكنها حتى الساعة لم تحرك ساكناً. كل ما هنالك أنها تتغنى بالمسابح العمومية التي لا يتجاوز عددها الستة ولا تفكر حتى في مراقبتها او تنظيفها من النفايات وتحويل اقنية الصرف الصحي عنها.
لا ينفي بيروتي حق المواطن في التمتع او ارتياد المسابح العمومية «في كل دول العالم هناك مسابح للعموم ونحن ايضاً لدينا مسبح الرملة البيضاء وآخر في ضبية وجونيه وجبيل وطرابلس لكن من يجرؤ على السباحة وسط اكوام النفايات وروائح مياه الصرف الصحي الناتجة عن وجود اقنية الصرف الصحي التي تصب في البحر؟ هذه ايضاً من مسؤولية المؤسسات السياحية الخاصة؟ إذا كان الهدف فقط تأليب الرأي العام فنحن مستعدون للمواجهة لكن يجب علينا ولو لمرة إعطاء حلول بدلاً من صب الأحقاد وتعمية الرأي العام عن الحقيقة».
نسال: هل بات البحر حكراً على فئة الميسورين ولماذا لا يحق لمتوسطي الدخل ارتياد المسابح الخاصة لأكثر من مرة أو مرتين شهرياً؟
ينتفض ويجيب: «هذه دعاية كاذبة. فأسعار رسم الدخول إلى المسابح الخاصة تراوح بين 5 دولارات و50 دولاراً. ويمكن لمطلق اي رب عائلة ان يختار المسبح الذي يتناسب وميزانيته الشهرية. طبعاً هناك الخدمات التي تختلف بين مسبح وآخر لكن على مستوى الرقابة والسلامة العامة والنظافة المسألة محسومة. فكل المؤسسات تخضع للرقابة من قبل وزارة السياحة والاقتصاد والصناعة والصحة، أما الأسعار، فهي محررة ولكل مؤسسة الحرية في وضع سياسة اسعارها انطلاقاً من تصنيفها في وزارة السياحة. وأنا مسؤول عن هذا الكلام».
نحمل كلام بيروتي كزوادة لنبشر بها ذوي الدخل المحدود بصيفية شبه رطبة. لكن الواقع على الأرض يختلف. فوزارة السياحة لا تتدخل بالأسعار الخيالية التي تحددها المؤسسات السياحية البحرية من حيث تعرفة الدخول وأسعار المأكولات والمشروبات. إلا أنّها تشدد على ضرورة وضع لائحة الأسعار على المدخل كي لا يفاجأ المواطن في الداخل.
الواضح أن ثمة مفاجآت كثيرة تنتظر اللبناني هذا الصيف. وقد يكون تعود على فكرة التعايش معها أو على الأقل التكيف مع كل الظروف. لكن مشوار البحر يبقى الملاذ الذي يفش خلق كل اللبنانيين. والأكيد أنه سيعج اكثر من كل الأعوام الماضية طالما ان رواده اختبروه في عز كانون. فماذا عن آب اللهاب؟
الخبر يحتاج إلى غطسة. لكن ليس في شاطىء للعموم طبعاً.

جومانا نصر

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق