أبرز الأخبار

محطة سرية للتنصت والتجسس مركزها قبرص

لفت المراقبين، انه كلما انتقل باراك اوباما الى احد الفنادق، يسبقه فريق امنه، الى نصب خيمة في الغرفة المجاورة لغرفته. انها ليست من اجل ان تلعب ابنتاه، ولكنها مخصصة للأب الرئيس، من اجل ان يتمكن من الاتصال بمساعديه بامان. لان الخيمة تحميه من حشرية عيون انظمة تصوير وآذان انظمة تنصت محتملة. وتطلق الخيمة، في الداخل، ضوضاء، لازعاج اي تجسس قد تحاوله شرائح الكترونية للتسجيل.

 الخبر كشفته نيويورك تايمز، على صفحتها الاولى، ويشكل احد الردود على فضيحة التجسس الاميركية. فرئيس الولايات المتحدة، يعرف انه يتعرض للتجسس اينما حل. فيأخذ الاحتياطات اللازمة.
والاحتياطات مطلوبة في كل الظروف، التي تفرض سرية: «قراءة وثيقة سرية، حديث تلفوني، استعمال جهاز كومبيوتر ام مناقشة موضوع مع مساعدين. ونشرت الجريدة صورة لاوباما، داخل هذه الخيمة، في احد فنادق ريو دو جانيرو، وهو يتحدث على الهاتف  في سنة 2011، عن تطورات التدخل العسكري في ليبيا، وليست الخيمة وسيلة الحماية الوحيدة. فالرئيس الاميركي  لا يزال يستعمل جهاز بلاكبيري، قديماً، منذ عهد كان في مجلس الشيوخ، يحبه، فجرت تعميته. ويلاحظ ان سيارة ليموزين، تلحق بسيارته، حيثما تنقل، لتجنب تسلل سيارات اخرى، قد تكون مجهزة باجهزة تسجيل.
بينما يعتمد سائر المسؤولين، الذين ليس في استطاعتهم حمل خيمة معهم، على حجرة عازلة، هي اشبه بغرفة الهاتف العامة على الطريق ويمنع الجميع من استعمال هواتف خلوية خصوصاً في دول «معادية» مثل الصين وروسيا، ويتم «تطهير» كل الاجهزة، بعد الخروج من اجتماعات في مكاتب الحكومات الاجنبية.
وطالما يجري تحذير المعنيين، من الحديث في شؤون سرية، خارج مقرات السفارات الاميركية.
ويعتمد الاميركيون الحذر ذاته، عندما يقوم الاسرائيليون بحجز غرف للزوار الاميركيين في فندق الملك داود في القدس.
ويطبق الرئيس الاميركي تدبير الخيمة العازلة بالنسبة الى كل الزوار الذين يبيتون، في البيت الابيض.

محطة تنصت في قبرص
وفي البحر الابيض المتوسط، محطة تنصت، انشأتها المخابرات البريطانية، وتديرها بالاتفاق مع الاميركيين، تنشر تفاصيلها «الاسبوع العربي» استناداً الى عمل صحافي قامت به جريدة «سودويتشه تزايتونغ» الالمانية. بالتعاون مع مجلة «اسبرسو» الايطالية، وجريدة «تانيا» اليونانية، وتلفزيون «الفا» اليوناني.
المحطة مركزها جزيرة قبرص، ذات الموقع الممتاز، لمراقبة الاتصالات بين اوروبا والدول العربية والشرق الادنى واسرائيل. وتقع محطة التجسس الجماعي التي كشف عنها ادوارد سنودن، محلل المخابرات الانترنيتية الاميركية، اللاجىء الى موسكو، في آيتوس نيقولاوس، التي لا تبعد عن الخط الاخضر، الذي يقسم الجزيرة القبرصية، سوى كيلومترات قليلة وكذلك عن مدينة فماغوستا.
الصور التي تبثها «غوغل ايرث»، تظهر مجموعة من المصانع قرب مدارج المطار العسكري المتوقف عن العمل. وتبرز في هذه الصور، صحون الاتصال بالاقمار الصناعية، وفي صورة خاصة هوائي دائري ضخم، مهمته التقاط الاشارات اللاسلكية في منطقة شاسعة، ولا يقتصر التجسس الذي تتولاه هذه الانشاءات، على التخابر الفضائي. ولكنه يشمل كل المعطيات، من الاحاديث الى الرسائل اللاسلكية والهاتفية والانترنيتية، التي تمر عبر الخطوط المغمورة، التي تعبر البحر الابيض المتوسط.
وتشكل قاعدة آيوس نيكولاوس، واحدة من قاعدتين احتفظ بهما البريطانيون، بعد حصول  قبرص على الاستقلال في سنة 1960، وجرى تحويلهما، خلال العقود الماضية، الى موقع اساسي لنشاط الوكالة البريطانية التي تتولى ادارة برامج التقاط المخابرات الالكترونية.
ولم يكن من السهل تحديد موقع هذه المحطة، فان احدى الوثائق التي كشف عنها سنودن، ونشرتها جريدة واشنطن بوست، تتحدث عن مشروع للوكالة البريطانية اسمه «عملية دولينزه» وتشير الوثيقة التي تعود الى سنة 2012، الى نشاطات تتطلب «عملاً كثيراً من اشخاص ملتزمين» والى 3 مواقع اسمها: بنهال، وبيود وساوندر.
وقالت الغارديان اللندنية، ان في موقع بنهال، تقيم القيادة العامة للوكالة، واما ساوندرز، فانه اسم التغطية المعتمد لهذه القاعدة البريطانية في قبرص، وتعني الكلمة القاعدة الموجودة في الخارج. وكان ورد ذكرها في يوميات المؤرخ المتخصص في شؤون المخابرات، ماتيو آيد.

تقاسم المصاريف
وفي تسجيلات لمحادثات جرت في سنة 1988، بين رئيسي المخابرات الاميركية والبريطانية، وليام اودوم وبيتر ميري تشورش، ان محطة ساوندرز، موجودة في قبرص، وان دائرة الامن القومي الاميركية «ستتحمل قسماً من مصاريفها».
تأكيد آخر على شراكة اميركية – بريطانية في التجسس الالكتروني، وتفسير آخر لموقف  لندن من الانتقادات التي وجهت الى التصرفات الاميركية.
وتحتل المحطة القبرصية اهمية خاصة، على ضوء دور بريطانيا في مراقبة خطوط الاتصالات البحرية المصنوعة من الالياف البصرية، التي تمر عبرها، كل الاتصالات التلفونية والانترنيتية والخلوية.
وسمحت ملفات سنودن، لجريدة سودويتشه تزايتونغ، بان تكشف ان جواسيس صاحبة الجلالة يراقبون، 14 من خطوط الالياف البصرية الغائصة للاتصالات، التي تربط اميركا واوروبا بأسياد افريقيا، ولان موقع بريطانيا، يحول دون تسللها الى هذه الاوتوسترادات التخابراتية.
وجاء الجواب من قبرص، التي تدل خرائط الخطوط الهاتفية الغائصة، على انها مكان لتجمع ضخم لخطوط التواصل، تجعل منه موقعاً للتجسس على المخابرات بامتياز. فهناك خطوط تربط قبرص باسرائيل وسوريا، هي مواقع مثلى للمخابرات الاميركية والبريطانية، وهناك خطوط تربط قبرص بلبنان وتركيا واليونان واوروبا.
ويتطلب عادة، التجسس على خطوط التخابر، تعاون الشركات التي تشغلها.
ويساهم هذا العنصر، في جعل قبرص موقعاً ملائماً لهذا النوع من التجسس. فهي بقيت حتى سنة 1960 تحت الادارة البريطانية. ونص الاتفاق على استقلالها، على قيام نظام استشارة و
تعاون، بين سلطات البلدين «لضمان عمليات فاعلة في مجال الاتصالات في جزيرة قبرص». مما يفرض قانوناً، على سلطة الاتصالات السلكية واللاسلكية القبرصية «سابيروس تليكوميونيكايشن» التعاون مع الحكومة البريطانية.

 جواب غير مقنع
ورداً على سؤال من مجلة «لسبريسو» الايطالية عما اذا كانت سلطة الاتصالات القبرصية، على علم بان المخابرات البريطانية، في قاعدة آيوس نيقولاوس، تتجسس على خطوط الاتصالات الغائصة، اكتفى الناطق باسمها، لفتيريس كريستو، بالقو
ل: ان مؤسسة «سيتا» «تلتزم القوانين الاوروبية في مجال حماية معلومات الزبائن وليس لها علاقة بأية تدابير تخرق هذه القوانين».
ولكن هذا الجواب، لا يروي عطش احد، فإن قوانين الخصوصية في الاعتماد الاوروبي، «لا تطبق على العمليات المتعلقة بالسلامة العامة، والدفاع وامن الدولة».
ويقول المهندسون الخبراء في خطوط الالياف البصرية الغائصة، ان التدخل في هذا النوع من الانظمة، يتم حيث يعوم قرب نقطة التجميع وعندما يتوجه منها الى مركز تجميع المعلومات، للارتباط بالشبكة التي تربطه بخطوط اخرى.
ويعتبر الخبراء ان وكالة الامن القومي الاميركي تعتمد كثيراً على امكانات ومصادر سلطة التخابر البريطانية. ويصف احد الملفات التي وضعها ادوارد سنودن، كيف  تقوم الوكالة الاميركية بالتمويل المباشر لمشاريع الوكالة البريطانية التي يعتبرها ذات اهمية خاصة، مفيدة لنشاطها الاستخباري.
ففي سنة 2010، شاركت الوكالة الاميركية بـ 39،9 مليون استرلينية، خصوصاً في مشروع «السيطرة على انترنت» وفي تطوير موقع بيود. وروت جريدة «غارديان» ان «وكالة الامن القومي الاميركي دفعت في سنة 2011 «نصف تكاليف  احد اهم ا
نظمة التدخل في المخابرات في قبرص».

 تواجد ضباط مخابرات
وتتحدث وثيقة من سلطة التخابر البريطانية، حول مستقبل العمليات في قبرص، ان المطلوب هو المحافظة على تمويل هذه العمليات، وتجهيزها في صورة لائقة، بحيث تضمن علاقة سليمة مع الزبائن الاميركيين».
ولا يتوقف  الدور الذي مارسته الولايات المتحدة عند حدود التمويل، فان ملفاً آخر، من مجموعة سنودن، اطلعت عليه سودويتشه تزايتونغ، كشف عن تواجد عدد من ضباط المخابرات الاميركيين في القواعد البريطانية في قبرص. ويقول التقرير ان العملاء الاميركيين يتجولون في زي سياح، لان بريطانيا وعدت حكومة  قبرص بألا يعمل في هذه القواعد غير بريطانيين.
ورداً على اسئلة صحافية، حول البرامج اجابت سلطة الاتصالات البريطانية المعتمدة، بطريقة اللاجواب التقليدية «ان سياستنا تقضي بعدم الرد على اسئلة تتعلق بالمخابرات». واشار الرد، الى انه «يمكن مراقبة الاتصالات مع الوكالة البريطانية وتسجيلها لاسباب تتعلق بفعالية النظام، ولاهداف قانونية اخرى».
والمعروف ، ان الاجهزة البريطانية والاميركية، تنسق عملياتها الشرق اوسطية في مركزين مهمين للمخابرات، هما مقر سلطة التخابر البريطانية في بريطانيا ومركز وكالة الامن الاميركية الاقليمي في فورت غوردون، في جنوب ولاية جيورجيا، ويتميز المركزان بتواجد مئات المحللين الذين يجيدون لغات الشرق الاوسط، والدول المجاورة، على تواصل، بطريقة مباشرة مع تدفق المخابرات التلفونية والرسائل التي يجري اعتراضها، بواسطة التجهيزات المحلية الموزعة على بلدان هذه المنطقة من العالم.

قلق من المجهول
ولكن لم يسبق ان اشير الى قبرص قبل اليوم، كمركز مفتاح، لهذا النوع من العمليات، ولم يكشف في التالي عن اهمية تأثير هذا النوع من التجسس، انطلاقاً من قبرص، على سياسة الشرق الاوسط.
ويعتبر الصحافي الاميركي، مارك ماتزتي الذي يهتم بشؤون الامن، في جريدة نيويورك تايمز، المتخصص في شؤون المخابرات الاميركية، كما يثبت كتابه «طريقة السكين» ان الذي يجب ان يقلقنا هو «ما لم يرد في وثائق فضيحة سنودن». «فالذي لم نقرأه بعد، هو تكذيب صريح ورسمي» لقد كتبوا الكثير في اطار هذه الفضيحة، ولم يجر تكذيب سوى القليل منه. لذلك، نستطيع القول، ان الاخبار التي نشرت حول اعتراض المخابرات، مدروسة، من الطبيعي ان يكون هناك قسم من التفاصيل، غير الدقيقة ام المضخمة عن قصد ام لا. ولكن كل ما قرأناه صحيح. وستستمر الولايات المتحدة ، وسائر الدول الكبرى تتجسس.

جوزف  صفير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق