رئيسيلبنان

الحكومة تحوّل لبنان من «الابن المدلَّل» الى «ابن ضال»

… هل يقترب لبنان من حال «الدولة الفاشلة»؟ ليس ملف الانتخابات وحده يقود الى استنتاجات توحي بأن قرار ما في مكان ما يدفع البلاد نحو الفراغ والدولة نحو الانحلال. فالسياسة الخارجية كما الداخلية تؤشران الى تلاشي صورة الدولة… هذا ما بدا في الاجتماع الاخير لجامعة الدول العربية، وما رشح عن حال الغضب الخليجي، وهذا ما يلوح في الافق مع القبضات المرفوعة في تظاهرات هيئة التنسيق النقابية واضرابها المفتوح، وهذا ما يفوح من رائحة الحرائق الامنية «المكتومة» كالجمر تحت الرماد.

المهل الانتخابية تأكل الوقت الفاصل عن الاستحقاق الانتخابي في حزيران (يونيو) وسط تضاؤل الامل في إمكان تفاهم القوى السياسية على قانون إنتخاب توافقي يلاقي هذه المحطة المفصلية، وينقذ لبنان من خطر الانزلاق نحو الفراغ، خصوصاً ان من يعجز عن الاتفاق على قانون انتخاب لن ينجح بالضرورة في الاتفاق على الوعاء الدستوري – السياسي لـ «التمديد» للمؤسسات القائمة كالبرلمان والحكومة، مما يعاظم الخشية من السقوط في فم التنين.
وفي الطريق الى هذا  «حقل الألغام» الانتخابي يفقد لبنان، رويداً رويداً، حصاناته الداخلية والخارجية. ولعل الاعتراض الخليجي بـ «الصوت العالي» على خروج الحكومة واطراف فيها عن «النص»، وتفريطها بسياسة النأي بالنفس وإنقلابها على «إعلان بعبدا»، شكلت علامة سلبية ومدوية، بعدما كانت دول مجلس التعاون تتعاطى مع لبنان كـ «الابن المدلل» ومكّنته من الصمود على مر المحن الوطنية التي دهمته على مدى عقود.
«الإبن المدلل» تحول الى ما يشبه «الابن الضال» وهو يغرد خارج سرب الشرعية العربية عندما غنى وزير الخارجية عدنان منصور على ليلاه في الاجتماع الاخير لجامعة الدول العربية. ولم تكن رسالة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي للوزير منصور كافية لتبديد الانطباع عن وجود «لسانين» لتلك الحكومة التي تسببت في مطلع عهدها بما يشبه «المقاطعة» الخليجية للبنان، وها هي قد تتسبب بما هو ادهى مع تغطيتها لأطراف فيها تذهب بعيداً في التورط بالصراع السوري.
حكومة «اللسانين» مع شيء وضده، فها هي اقرت سلسلة الرتب والرواتب ولم تقرها. وبدت للوهلة الاولى غارقة في حفلة مزايدات شعبوية حين استعجلت إصدار «شك بلا رصيد» قبل ان تضطر الى «لحس المبرد» بـ «لحس توقيعها» عندما غرقت في حفلة وعود «ديماغوجية» في شأن عملية تمويل السلسلة، الامر الذي دفع الهيئات النقابية الى الشارع في اضراب مفتوح لم يشهده لبنان منذ زمن وكأن لا وجود لحكومة ولا لمن يحزنون.
حكومة الفريق الواحد المتصدعة وغير المتجانسة المستمرة بقرار ما من مكان ما لم تعر إهتماماً للتحذيرات الديبلوماسية ولا للتقارير التي تأتي من كل حدب وصوب حول خطر إنتقال الحريق السوري الى لبنان بسبب تورط اطراف فيها في القتال العسكري الى جانب النظام وضد الشعب، مما يولد إحتقانات في لبنان تتعزز معها مظاهر التشدد والتطرف، وتتعاظم نتيجتها الخشية من إنفجار كبير.

إضراب… انتخابي
ان التعثّر الذي يصيب مسار الوصول الى توافق على قانون الانتخاب، تجلى في ما يشبه «الإضراب» عن التقدم بطلبات الترشح للانتخابات وفق قانون الستين، حيث عكس اليوم الاول من مهلة الشهر التي حددت لتقديمها على ابوابها والتي اقفلت على «صفر مرشحين»، عزوفاً ذا دلالات انسحب على الايام اللاحقة وسط انكفاء فريقي الصراع الاساسيين عن خوض هذه «الجولة» من «المصارعة» حول القانون وبه، خشية «حرق المراكب» في ظل استمرار المساعي للبحث عن تسوية.
وهذا العزوف عن الترشح عكس التوازن السلبي الذي يحكم الاستحقاق النيابي نتيجة للصراع الضاري حول قانون الانتخاب. فقوى 8 اذار تقاطع عملية الترشح لإستنادها الى قانون الستين بعدما سبقت ان نعته سياسياً، اما قوى 14 اذار التي نأت بنفسها عن الترشح فان قسماً منها يتجنب استفزاز الخصوم والحلفاء، فيما ينسجم قسم آخر مع موقفه الرافض كلياً لقانون الستين.
وسط هذا المناخ من «توازن الرعب» السياسي، إستمرت المراوحة في البحث عن قانون إنتخاب جديد وتوافقي بين هبّة باردة وأخرى ساخنة مع شبه تسليم بان اجراء الانتخابات في موعدها بات ضرباً من المستحيلات، رافقه كلام عن سيناريوهات مختلفة لتأجيل الاستحقاق النيابي عزّزها التراجُع الكبير الذي طرأ على الجهود المبذولة للتوصل الى مشروع انتخابي توافقي الى حدود تجميد هذه الجهود تماماً. وجاءت هذه «الفرملة» بالتحديد بعد قيام رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط بزيارة رئيس مجلس النواب نبيه بري في ظل انطباع بأن هذه الحال ستستمر على الاقل حتى 21 اذار (مارس)، التاريخ المفترض لبتّ مجلس الوزراء مشكلة تشكيل هيئة الاشراف على الانتخابات التي يرفضها فريق 8 آذار من ضمن رفضه اي خطوة تنفيذية تستند الى قانون الستين.
وبدا واضحاً ان فريق 8 آذار ولا سيما الرئيس بري ربَط اي تفاوض او وساطة حول القانون المختلط بإلغاء تشكيل هذه الهيئة بما يعتبر  «دفناً نهائياً» لقانون الستين، وسط كلام بات يحضر في كواليس قوى وسطية وأخرى من  8 آذار، مفاده ان شهر نيسان (ابريل) المقبل سيشهد تزخيماً للجهود الآيلة الى تفاهُم حول مشروع توافقي كآخر فرصة متاحة امام الجميع، وان هذه الفرصة ستظلّ متاحة ما لم تحصل اي خطوة مفاجئة غير محسوبة كمثل توجيه دعوة الى عقد جلسة لمجلس النواب في الثلث الاخير من شهر اذار (مارس) للتصويت على المشروع الارثوذكسي.
وفي غمرة ارتفاع «أسهم» تأجيل الانتخابات، بدا هذا «المصير» للاستحقاق النيابي بين حدّين: إما بلوغ اتفاق انتخابي ولو متأخّر يتيح «تنظيم» إرجاء الانتخابات بغطاء قانوني وسياسي يساعد على الحد من الأضرار المترتبة على هذا المسار سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وإما حصول التأجيل خارج اي تفاهم، الامر الذي يمكن ان يُدخل لبنان في نفق فراغ قد يجرّ فراغات وربما الويلات.

المدلّل و… «الضال»
وفي ظل هذين السيناريوهين، ارتسمت ملامح «حاجة» لبقاء الحكومة «على علاّتها» حتى بتّ موعد الانتخابات، وهو الأمر الذي حتّم الضغط للجم الأزمة التي انفجرت داخلها وبدت كأنها تنزلق «بلا كوابح» لاطاحتها على خلفية الانتقادات القاسية وغير المسبوقة التي وجهها فريق 8 آذار الى ميقاتي بسبب سلوكه السلبي ازاء وزير الخارجية عدنان منصور على اثر الموقف الذي اتخذه الاخير في مجلس الجامعة العربية والذي طالب فيه بإعادة المقعد السوري في الجامعة الى نظام الرئيس بشار الأسد، وهو الموقف الذي جاء بمثابة «صب الزيت على النار» لانه أعقب رسالة التحذير التي وجهتها دول مجلس التعاون الخليجي الى لبنان على خلفية ما اعتبرته عدم التزام منه ومن أطراف في الحكومة بسياسة النأي بالنفس حيال الأزمة السورية.
كيف تدرّجت الازمة المزدوجة بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي، وبين رئيس الحكومة ووزير خارجيته؟
لم يكن عابراً ان تبادر دول مجلس التعاون الخليجي الى ايفاد الأمين العام للمجلس عبد اللطيف الزياني إلى لبنان لإبلاغ الرئيس ميشال سليمان رسالة حازمة بضرورة «الالتزام قولاً وفعلاً بإعلان بعبدا وسياسة النأي بالنفس عما يجري في سوريا»، ثم تُصدر بياناً «تحذيرياً» يتمنى ان «يبادر المسؤولون اللبنانيون الى تفادي كل ما من شأنه أن يعرّض أمن واستقرار لبنان للخطر، أو يؤثر على مصالح وسلامة الشعب اللبناني الشقيق».
ولم يكن تفصيلاً ان يأتي الردّ على مجلس التعاون بـ «لسانين»: الاول عبّر عنه الوزير منصور (غداة زيارة الزياني) في كلمته خلال تسليمه رئاسة الدورة المقبلة لجامعة الدول العربية الى وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو حين اعلن: «فلنُعد سوريا إلى حضن جامعتها العربية، ولنرفع تعليق مشاركتها في إجتماعاتنا»، متهماً الدول العربية ضمناً بإغراق سوريا بالدماء والدمار، الامر الذي ردّ عليه بقسوة رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم. والثاني قاله الرئيس نجيب ميقاتي بعيد كلام رئيس ديبلوماسيته اذ اكد في اليوم نفسه «أن الحكومة اللبنانية لا تزال ملتزمة بسياسة النأي بالنفس عن الوضع في سوريا، وهو الموقف نفسه الذي إتخذته عند صدور قرار تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية»، مشيراً الى أن «هذا القرار لا يزال ساري المفعول إنطلاقاً من «إعلان بعبدا» الذي تم التوافق عليه خلال «مؤتمر الحوار الوطني» برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان».
ومع تداخُل هذين الملفين شخصت الأنظار في بيروت على «جبهتين»: الاولى، التقارير حول التداعيات المباشرة لـ «الغضبة» الخليجية على واقع لبنان ورعاياه المنتشرين بأكثر من نصف مليون في دول الخليج، وسط شبه «استنفار» لمنع تفاقُم الأضرار ولاحتوائها، والثانية دخول هذه القضية على «خط الانقسام» اللبناني سواء داخل البيت الحكومي نفسه او بين قوى 14 آذار وحزب الله وحلفائه، ولا سيما بعدما شنّت 14 آذار والرئيس السابق للحكومة زعيم تيار المستقبل سعد الحريري اعنف هجوم على الوزير منصور واصفين اياه بـ «وزير خارجية ايران والقائم باعمال النظام السوري في لبنان»، ومتهمين اياه بانه «يتولى تنفيذ تكليف اسود  يتنافى مع ابسط قواعد التضامن العربي ويطيح كل الادعاءات المتعلقة بسياسة النأي بالنفس».

ازدواجية الحكومة
وفي الشق المتعلق بالآثار المترتبة على ترنُّح سياسة النأي بالنفس، بدا الاهتمام بجانبين:
الاول: «مضبطة الاتهام» الخليجية التي بدا لبنان ازاءها مصاباً بـ «ازدواجية» بين ما يقوله رئيس الحكومة وما يفعله وزير الخارجية، وبين «اعلان بعبدا» وما يقال عن التورط العسكري لحزب الله في القتال داخل سوريا ولا سيما في القصير وريف دمشق، من دون اغفال التقارير عن عمليات نقل «مازوت حربي» بالصهاريج الى سوريا، الامر الذي قاربته الحكومة على انه من عمل «القطاع الخاص» وسط معلومات تم تداولها عن ان هذا المازوت يُستخدم كوقود للدبابات وان هناك عملية نقل تحصل لتأمين وقود يُستعمل في الطيران، الى جانب ما نُشر حول تصدير أطنان من المتفجرات الى النظام السوري.
الثاني: ما كشفته تقارير صحافية في بيروت عن تدابير اولية بدأت دول مجلس التعاون الخليجي باتخاذها رداً على سلوك الحكومة واطراف فيها ومنها تجميد تحويل الاموال المخصصة لمساعدة النازحين السوريين المقيمين في لبنان، وإعادة النظر بالتسهيلات المعطاة للبنانيين بالنسبة الى تأشيرات الدخول والاقامة في دول مجلس التعاون.
الا ان الموقف السعودي الذي عبّر عنه النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء الأمير مقرن بن عبد العزيز والذي اكد فيه ان «لا نية لدى المملكة لسحب اي ودائع من لبنان» نافياً وجود «اي توجّه لاتخاذ إجراءات بحق اللبنانيين العاملين فيها…» شكّل اول اشارة الى ان «الأزمة» بين بيروت ودول الخليج تنحو نحو الاحتواء وعدم التصعيد.
وقد تلقّفت بيروت بارتياح كبير ما نُقل عن الامير مقرن خلال استقباله وفداً من رؤساء الهيئات الإقتصادية برئاسة الوزير السابق عدنان القصار في قصره في الرياض في زيارة بدت في اطار محاولات «سكب مياه باردة» على التوتر غير المسبوق في علاقة لبنان بدول الخليج.
وشدد الامير مقرن امام الوفد اللبناني على أن «سياسة السعودية ثابتة تجاه لبنان ولن تتبدل، لأن للبنان محبة خاصة عند السعودية، وعند الملك عبدالله بن عبد العزيز الذي سيظل داعماً للبنان ولاقتصاده، وسيظلّ على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين، لأن الإستقرار في لبنان بالنسبة الينا يشكل مدخلاً أساسياً ليظل لبنان يلعب دوره الريادي المعروف على مستوى المنطقة».
واذ أشاد بـ «الدور الذي تلعبه الهيئات الإقتصادية نظراً لما تمثله من صورة تعكس حقيقة لبنان ودوره»، طمأن الى أن «لا نية لدى السعودية، بسحب أي ودائع سعودية، سواء من المستثمرين أو من الحكومة السعودية، من المصارف اللبنانية»، مشيراً إلى «أن الأمر لا يعدو كونه شائعة، من ضمن الشائعات التي صدرت في الآونة الأخيرة».
كما نقل النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء السعودي «حرص بلاده على أفضل العلاقات مع لبنان»، نافياً «ما يشاع عن توجه السعودية لاتخاذ إجراءات بحق اللبنانيين العاملين فيها»، ومعلناً أن «السعودية حريصة على وجود الجالية اللبنانية على أراضيها، وهم دائماً موضع تقدير لدى قيادتها وعلى رأسها الملك عبدالله بن عبد العزيز».

تصدُّعات حكومية
وفي موازاة ذلك، كانت التفاعلات الداخلية لموقف وزير الخارجية في القاهرة تتخذ منحى تصعيدياً ولا سيما ان «قنبلة» منصور الديبلوماسية جاءت بعد اقل من 48 ساعة على اعلان ميقاتي عبر التلفزيون انه هو من يعبّر عن موقف الحكومة وليس منصور «واللي ما بدو مع السلامة»، قبل ان يعاود طبع قبلة على خدّ رئيس ديبلوماسيّته ومعانقته خلال جلسة لمجلس الوزراء.
واعتُبر هذا التطور انعكاساً للتصدعات داخل البيت الحكومي حيث سارع ميقاتي الى التبرؤ من موقف وزير خارجيته الذي لم يكن ليذهب الى هذا الحد لولا غطاء كامل من فريقه السياسي المتمثل بحركة امل وحزب الله الذي سارع الى تغطية منصور غداة المعلومات التي تم تداوُلها عن ان رئيس الحكومة، الذي وجّه رسالة خطية قاسية اليه، طلب منه إصدار بيان رسمي يتراجع فيه عن موقفه في القاهرة ويتعهد بالالتزام بسياسة النأي بالنفس، وفقاً لمطلب الرئيس سليمان، وذلك أمام المحافل الدولية.
وقد جاء ردّ 8 آذار عنيفاً بعد زيارة وفد من أحزابها لوزير الخارجية اذ شنّ باسمها  نائب رئيس المجلس السياسي في حزب الله محمود قماطي هجوماً حاداً على «الأصوات» التي انتقدت وزير الخارجية من دون ان يستثني (رداً على  سؤال رئيس الحكومة) داعياً اياها الى «ان تخرس وتعتبر مصلحة لبنان هي الأساس وهي العليا في ما ذهب اليه وزير خارجيته في مواقفه في الجامعة العربية» ومعتبراً ان كل من ذهب باتجاه التنديد بما قام به منصور «لا يعبّر عن سياسة لبنان».
وكان رئيس الجمهورية استقبل منصور غداة عودته من القاهرة واطلع منه على اجواء اجتماع وزراء الخارجية العرب التحضيري للقمة  العربية.
وفي ما بدا رسالة «تنبيه»، اكد سليمان امام وزير الخارجية «ان مجلس الوزراء اعتمد سياسة النأي بالنفس عن الازمة  السورية وتم التوافق في شأنها في هيئة الحوار الوطني، لذلك فان اعلان اي موقف او اقتراح من المسؤولين والوزراء، وتحديداً من وزير الخارجية، في المحافل الدولية يجب ان يعكس هذه السياسة من دون اي التباس ويستوجب التشاور المسبق في شأنه مع رئيس الجمهورية الذي يتداول بدوره هذا الموضوع مع رئيس الحكومة»، الامر الذي تمت قراءته على انه تبرؤ كامل من مضمون كلمة رئيس الديبلوماسية اللبنانية.

بدل عن ضائع
جاءت خطوة سليمان بحسب اوساط مراقبة كـ «بدل عن ضائع»، وهو عدم القدرة على اصدار موقف رسمي باسم مجلس الوزراء مجتمعاً يعبّر عما ابلغه رئيس الجمهورية الى منصور وذلك تفادياً لـ «تفجير» الحكومة من الداخل، علماً بأن رئيس الحكومة عاد واعتمد سياسة مماثلة، اذ اعلن في الجلسة الوزارية التي أعقبت مواقف قماطي والتي غاب عنها منصور (رافق رئيس الجمهورية في جولته الافريقية): «انّ ما يحدق بنا من مخاطر لا يسمح لأيّ منا بأن يبدي رأياً شخصياً من شأنه ان يشكل ثغرة ملتبسة تسمح للبعض بالتشكيك بصدقية الحكومة»، معتبراً ان «المرحلة الدقيقة في المنطقة تتوجب علينا تحييد لبنان عن سياسة المحاور والتزام سياسة النأي بالنفس واعلان بعبدا»، ولافتاً الى ان «اي رأي شخصي يبديه صاحبه لا يُلزم الحكومة التي لا تلتزم سوى سياستها المعلنة».
وبهذا الكلام رأت اوساط مراقبة ان ميقاتي «نفض يديه» امام مجلس الوزراء من موقف منصور ووضع «مسافة صُوَريّة» بين الحكومة وما يعبّر عنه وزير الخارجية، الامر الذي حاكى عبره دول الخليج، وفي الوقت نفسه تجنّب المزيد من استفزاز قوى 8 آذار ولا سيما بعدما  نُقل عن «قطب بارز» في هذه القوى قوله لرئيس الحكومة: «مهلاً دولة الرئيس، من ركَّب هذه الحكومة هو الذي يقيلها ومَن قال ان حزب الله يتمسك بها أو يرفض التخلي عنها؟ وتذكّر أن كرامتنا أكبر من كل الحقائب الوزارية والمناصب ومَن له اذنان فليسمع جيداً، والكلام المعبّر للنائب محمد رعد (دافع فيه عن منصور) كان باسم قوى 8 آذار مجتمعة»،  مشدداً على «ان منصور ليس مقطوعاً من شجرة، وإذا كان رئيس الحكومة يستطيع اقالته فليفعل وماذا ينتظر، علماً ان رد رئيس الجمهورية على هذه القضية كان أسلس وأرقى».
واعتبر القطب «ان ميقاتي ارتكب خطأ عندما وجّه رسالة الى منصور حملت ما حملته، وعليه أن يعلم انه بعد اتفاق الطائف أصبحت الصلاحيات مجتمعة في مجلس الوزراء وهو صاحب السلطة، وان لغة الرسائل ليست من قاموس الطائف والدستور، ورئيس الحكومة يتكلم باسمها في اطار متفَق عليه بين الوزراء، والايام التي كان يُقال فيها الوزير ولّت الى غير رجعة».

فؤاد اليوسف

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق