سياسة عربية

تونس: ازمة الحكم تتعمق وتباشير التوافق برسم المجهول

جملة من العقبات ما زالت تحول دون تشكيل حكومة جديدة في تونس خلفاً لحكومة حمادي الجبالي المستقيلة. فكما اخفق الجبالي في تشكيل حكومة جديدة، واعلن فشله، لا يستبعد محللون ان تصطدم جهود الرئيس المكلف علي العريض الذي يشغل منصب وزير الداخلية في الحكومة المستقيلة بالعقبات عينها واهمها ضيق التحالف وعدم قدرته على استيعاب المستجدات بما في ذلك اية طروحات جديدة تستدعيها الظروف.

التحالف الذي ادار البلاد فترة من الزمن واخفق على عتبة التعاطي مع مستجدات المرحلة، كان ثنائياً. واعادة تشكيل اية حكومة استناداً الى هذا التحالف تبقى محفوفة بمخاطر الانهيار في اية لحظة، وبالتالي فإن امل النجاح معقود على فكرة توسيع اطار التحالف ليصبح خماسياً، وبحيث تكون الحكومة متكئة على تحالف واسع، ومستندة الى اغلبية مريحة، والى قاعدة فكرية اكثر شمولاً من الاطار الضيق الذي يحاول بعض التيارات فرضه ليكون الحكم لوناً واحداً، وليكون التعاطي مع المستجدات اوسع افقاً، وبعيداً عن اطار التصفيات التي حكمت الشارع مؤخراً، ودخلت في مجال التصفيات الجسدية، وتحديداً اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد.
فعملية الاغتيال، التي حاول بعض الاطياف التبرؤ منها، تحولت الى قضية جدلية، والى ملف قضائي مفتوح على كل الاحتمالات، بما في ذلك براءة التيار الحاكم، ودخول عناصر على خط التأزيم.
التطورات السياسية التي شهدتها الساحة تمثلت باعلان رئيس الوزراء التونسي حمادي الجبالي تقديم استقالته بعدما اخفق في محاولة تشكيل حكومة تكنوقراط غير حزبية لاخراج البلاد من الازمة السياسية التي تشهدها.
وقال الجبالي الذي دخل في نزاع مع حزبه الاسلامي «النهضة» عبر طرح تشكيل حكومة تكنوقراط انه يستقيل وفاء بوعده امام الشعب. كاشفاً النقاب عن «خيبة امل شعبية كبيرة بطبقته السياسية»، وداعياً الى «استعادة الثقة».
وتهدف مبادرة الجبالي المتمثلة بتشكيل حكومة تكنوقراط الى اخراج البلاد من اسوأ ازمة سياسية تعيشها منذ ثورة كانون الثاني (يناير) 2011، والتي سببتها عملية اغتيال المعارض اليساري المناهض للاسلاميين شكري بلعيد في 6 شباط (فبراير).

تباشير الحل
اما اولى تباشير الحل، فقد تمثلت بتسمية رئيس جديد للحكومة، حيث وافق الرئيس التونسي المنصف المرزوقي على ترشيح حركة النهضة الاسلامية لوزير الداخلية الحالي علي العريض لمنصب رئيس الوزراء كما اعلن الناطق باسم الرئاسة عدنان منصر. وقال منصر انه سيكون امام العريض مهلة 15 يوماً لتشكيل حكومته وتقديم برنامجه لرئيس الدولة. وعبر رئيس الدولة عن امله في ان يقوم العريض، باعتباره احد قادة حركة النهضة، بالعمل على ذلك في اسرع وقت ممكن، لان البلاد لا تتحمل الانتظار اكثر. ويفترض ان يوافق المجلس الوطني التأسيسي على تشكيلة حكومة العريض بغالبية 109 اصوات على الاقل من اصل 217 نائباً.
الى ذلك، تواصلت المفاوضات بين الاحزاب السياسية التونسية لتشكيل حكومة جديدة برئاسة علي العريّض وزير الداخلية في الحكومة المستقيلة، وعضو حركة النهضة الاسلامية التي تقود الائتلاف الحكومي الثلاثي.
ونقلت وكالة الانباء الرسمية عن راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة قوله ان الهدف من هذه المفاوضات هو توسيع الائتلاف الحكومي من ثلاثي الى خماسي.
وشكلت النهضة بعد انتخابات 23 تشرين الاول (اكتوبر) 2011 تحالفاً حكومياً مع حزبين علمانيين صغيرين هما «المؤتمر»، الذي ينتمي اليه الرئيس منصف المرزوقي، و«التكتل» الذي يرأسه مصطفى بن جعفر الرئيس الحالي للمجلس الوطني التأسيسي (البرلمان).
وقال الغنوشي ان حزب «حركة وفاء» الذي يضم منشقين عن حزب المؤتمر، والممثل في المجلس التأسيسي، وكتلة مجموعة برلمانية تطلق على نفسها اسم «الحرية والكرامة» وتضم شخصيات يقول مراقبون انها ذات توجه اسلامي، سينضمان الى الائتلاف الحكومي.
واضاف الغنوشي، انه يجري التفاوض بين هذا الائتلاف الخماسي بخصوص تشكيل الحكومة المقبلة وتحييد وزارات السيادة، وهي: «الداخلية، والخارجية، والعدل»، وايكالها الى شخصيات من خارج حركة النهضة، في حين يتولاها حالياً قياديون في النهضة.
وتابع: قد ينتهي الامر اما الى تحييد وزارات السيادة الثلاث أو جلها أو البعض منها.
وتصر المعارضة بهذا الخصوص على تحييد وزارتي العدل والداخلية اللتين يتولاهما على التوالي نور الدين البحيري وعلي العريض. كما ان حزبي المؤتمر، والتكتل، اشترطا بدورهما تحييد الوزارتين مقابل المشاركة في الحكومة الجديدة.
وفي سياق مواز، وعلى الرغم من إعلان السلطات التونسية عن وصول التحقيق إلى مرحلة «الإيقافات»، وبعد أكثر من أسبوعين على اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد، لا يزال التونسيون ينتظرون معرفة تفاصيل عملية الاغتيال التي عمّقت من أزمة سياسية تعيشها البلاد منذ أشهر.

تقدم التحقيق
فقد قتل بلعيد، وهو الامين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد (يساري راديكالي)، امام منزله في السادس من شهر شباط (فبراير) الماضي من قبل مسلح اطلق عليه ثلاث رصاصات من مسافة قريبة جداً، ثم لاذ بالفرار مع مرافق له كان ينتظره على متن دراجة نارية. وقال علي العريض، قبل ان يكلف بتشكيل الحكومة،  وبصفته وزير الداخلية والقيادي في حركة النهضة الاسلامية الحاكمة: إن الفرق المختصة في الوزارة تقدمت اشواطاً كبيرة، وانها وصلت الآن إلى مرحلة توقيف اشخاص، لكنه لم يذكر شيئاً عن مشتبه بهم مفترضين أو عن عددهم أو هوياتهم. واضاف أن التحقيقات لم تتوصل بعد الى تحديد هوية القاتل والجهة التي وراءه والاسباب والدواعي لاغتيال بلعيد. ورفض الوزير الإدلاء بمزيد من التفاصيل، مبرراً ذلك بان القضية بين يدي القضاء، ووعد بأن يطلع الرأي العام في وقت لاحق على جزء مهم من ملابسات هذه القضية. وامام التعتيم المضروب حول التحقيقات في اغتيال شكري بلعيد، تنتشر الشائعات والتكهنات في الصحافة وعلى شبكات التواصل الاجتماعي. وفي هذا السياق نسبت تقارير صحافية الى مصادر امنية  أن قاتل شكري بلعيد «مجرم سابق هارب من العدالة، ثم اصبح عضواً في مجموعة سلفية صغيرة». لكن لطفي الحيدوري المتحدث الاعلامي باسم وزارة الداخلية قال: إن هذه المعلومات «مغلوطة»، ولا اساس لها من الصحة. واضاف أن المحققين انطلقوا من فرضيات عدة، وأن التحقيقات تقدمت كثيراً، لكن لا يمكن الادلاء بتفاصيل لسرية الابحاث التي تعهد بها القضاء

تونس – «الاسبوع العربي»

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق