افتتاحية

الناس واعون لكل شيء فلا تغشوهم

يبدو واضحاً ان الشعب قال كلمته ولن يتراجع عنها. وهو سيستمر في تحركه حتى تحقيق الاهداف التي ثار من اجلها. ولكن يبدو ايضاً ان السياسيين لم يقبضوا هذا التحرك بعد، وهم واثقون من انهم سيجهضونه، فتبقى لهم كراسيهم الوثيرة التي تدر لهم ذهباً في الليل والنهار، فكيف يمكنهم ان يتخلوا عنها؟
الدليل على صحة ما نقول ما جرى يوم الخميس الماضي، ابان جلسة مجلس الوزراء التي دعا اليها الرئيس تمام سلام، على امل ان يتمكن من معالجة بعض القضايا التي تهم الناس كل الناس فماذا حصل؟
بدل ان يتخذ السياسيون العبرة من التحركات الشعبية وادراك ابعادها اذا ما استمروا في ادارة الظهر لها، فيسارعوا الى الالتفاف حول الرئيس تمام سلام والجلوس على طاولة واحدة، هي طاولة مجلس الوزراء التي منها تنطلق كل القرارات، ويناقشوا الحلول المجدية للمشاكل المتفاقمة والتي كانت السبب في التحرك، اقدم فريق من الوزراء على مقاطعة الجلسة مصرين على السير بسياستهم التعطيلية التي شملت كل المؤسسات.
قيل ان غيابهم كان متفقاً عليه، وانه غياب ايجابي، والدليل ان جلسة مجلس الوزراء تلك اثمرت قرارات، وصفت بانها قرارات الضرورة، لانقاذ ما يمكن انقاذه. ونحن نرفض هذا القول جملة وتفصيلاً. فالتعطيل لم يكن يوماً ايجابياً، بل كان على الوزراء المقاطعين ان يحضروا ويشاركوا في القرارات الايجابية، وبذلك فقط يثبتون انهم الى جانب الناس، وانهم حريصون على مصالح هؤلاء الذين ساهموا خطأ في ايصالهم الى حيث هم اليوم.
ويبدو واضحاً ان سياسة التعطيل لن تتوقف لان اهدافها بعيدة، وهي اكبر من مطلب من هنا وتحقيق مصلحة من هناك. ان هدفهم هو الوصول الى مؤتمر تأسيسي حكي الكثير عنه في السنوات الاخيرة، بحيث في كل المناسبات يفتح هذا الملف لجس النبض ثم يعودون الى اغلاقه.
نعم سياسة التعطيل مستمرة ولن تتوقف. عطلوا رئاسة الجمهورية، واقفلوا المجلس النيابي، وهم يسعون الى شل مجلس الوزراء، اخر مؤسسة بقيت تعمل في هذا البلد، ولو بالحد الادنى، لان الحكومة تحولت بفعل هؤلاء الى حكومة تصريف اعمال، وهو اعجز عن اتخاذ قرار مهم يفيد البلد.
لقد كانت الجلسة الاخيرة مخصصة لايجاد حل لمشكلة النفايات المتفاقمة، ولكن يبدو ان الرائحة الكريهة المنبعثة عنها لم تعد تؤثر في انوفهم، لان حاسة الشم تعطلت لديهم، فمصالحهم وحصصهم من الغنائم هي فوق كل اعتبار.
واخر بدعة هي ان تعطيلهم تمدد وتوسع حتى وصل الى ساحات التجمع الوطني، فدسوا بعض ازلامهم، وامنوا لهم الحماية، واطلقوهم يعيثون خراباً وتكسيراً على امل ان تتوقف الحركة الشعبية، ويعود كل طرف الى مكانه. ولكن محاولاتهم فشلت امام اصرار الناس على متابعة المسيرة، واستمروا في تحركاتهم الاحتجاجية. ولو اردنا ان نصدق الذين قالوا انه لم يكن هناك مندسون، وان ما جرى امر طبيعي فاننا نسألهم كيف يفسرون تكسير المحلات ونهبها واقتلاع اشارات السير وزرع الخراب في كل مكان. نأمل ان تبدأ التحركات الشعبية تعطي ثمارها، وان يبدأ السياسيون بادراك مدى خطورة هذا التحرك قبل فوات الاوان.
وهنا لا بد من بعض النصائح نوجهها الى المتظاهرين لكي يأتي تحركهم ناصع البياض، لا تشوبه شائبة، فقبل ايام سئل احد المنظمين او احد المتظاهرين، اين هم الاشخاص الذين يمكن ان يحلوا مكان هؤلاء السياسيين، فعدد بعض الاسماء التي اثارت نقزة لدى المواطنين. لا يمكن ان نستبدل السيء بالسيء، وان حركة مثل هذه يجب ان تأتي نظيفة. فالناس لا يمكن ان يقبلوا مثلاً باناس ادعوا الفقر والدروشة ونصبوا انفسهم كذباً نصيراً للمظلومين، واذا بهم بعد مدة يتبين انهم تابعون لاحد الانظمة العربية الذي كانت له اليد الطولى في تخريب لبنان.
والناس لا يمكن ان تقبل باشخاص ضحوا بمستقبل مئة وخمسين الف شاب وشابة وحرموهم من شهاداتهم، دفاعاًعن مصالحهم الخاصة، ولا يمكن ان يقبلوا باناس غوغائيين، وظيفتهم الحكي والنقد دون اي ثمر. فليكف المتظاهرون عن اطلاق الاسماء، الى ان يحين الوقت المناسب، ويركزوا على المطالب الوطنية التي تهم الناس كلهم، كالنفايات والكهرباء والمياه وغير ذلك.
قال احد السياسيين لا تعمموا، ونحن نقول ان اصابع الاتهام تدل على البعض اكثر من غيرهم ولكنهم كلهم ملوثون. نعم التعميم صحيح ولا يمكن لاحد من السياسيين ان يدعي النظافة، وكل من تسول له نفسه الادعاء بالنظافة سيرى عشرات الملفات تفتح بوجهه. فالناس باتوا واعين لكل شيء فلا تحاولوا ان تغشوهم.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق