آدب

ندوة: «ادب الرحلة» كما يتصوره جورج مغامس

نظّمت «الحركة الثقافية – انطلياس» ندوة حول كتابَي الاديب جورج مغامس: «ايام في بلاد الماتروشكا»، و«فَلْسُ العودة الى منازل الغبطة»، وهما يندرجان في خانة «أدب الرحلات». في كتابه الاول يروي قصة رحلته الى روسيا، وفي الثاني قصة رحلته الى ايطاليا. وفي كل منهما، ينقل مشاهداته وانطباعاته الكثيرة… كيف لا، وهو في روسيا، بلاد القياصرة وسلالة رومانوف، ومن ثم، بلاد السوفيات بقيادة لينين وستالين وصولاً الى خروتشيف، التي امتد نفوذها – في زمن السوفيات – الى اكثر من نصف العالم… كيف لا، وهو في ايطاليا، بلاد الأباطرة الذين نشروا – في الازمنة الغابرة – اساطيلهم البحرية، الحربية، في مختلف بحار الدنيا… وما ادراك ما في روسيا، وما في ايطالياً معاً، من ثقافة وحضارة وتاريخ، ومن حروب وثورات وتحولات… لقد استطاع جورج مغامس ان يسير بعيداً في حقل ادب الرحلة، ولكنه في احيان كثيرة، نراه يبتعد عن هذا الحقل الادبي الدقيق والفريد من نوعه، ليتحول الى مؤرخ او بحاثة وكاتب سيرة، فيعود الى قراءاته وما علق في ذاكرته حول موضوعات مختلفة، ويغرق في التنظير ومحاكمة القادة والانظمة… وهو يعلم ان الحديث حول هذه القضايا طويل وطويل جداً، وقد لا تستوعبه المجلدات… وبالرغم من ذلك، فان الرحّالة جورج مغامس يضيء في نتاجه الجديد على معالم وجوانب كثيرة، سواء في روسيا او في ايطاليا، وباسلوب مختلف. وبالمناسبة، وفي معرض حديثه عن المغني الفرنسي جيلبر بيكو واغنيته الشهيرة «ناتالي» اود ان اسأل صديقي جورج مغامس، هل شاهد «كافيه بوشكين» في موسكو، التي بحث عنها الصحافي الراحل فريد ابو شهلا – صاحب مجلة «الجمهور الجديد» – من دون جدوى، وذلك كما ذكر في كتابه عن الزيارة التي قام بها الى هناك، في النصف الثاني من القرن الماضي؟ والآن، لا يسعني الا ان انقل بعض ما جاء في الندوة التي قدّمها الدكتور انطوان سيف، حول النتاج الادبي الجديد لجورج مغامس.

الدكتور ربيعة ابي فاضل لفت الى ان جورج مغامس كشف امامنا فضاءً من الامكنة والشخصيات، والتقاليد، والرموز، سواء في ايطاليا ام روسيا، محاولاً تبيان الاعماق او القمم، مشيحاً عن القشور والسطوح، الا عندما يرغب في السخرية او الضحك او اخراج المرارة من اعماقه الى اعماقنا، ومن نبض قلبه الى نبضات قلوبنا. وكان سبقه في رحلة الجمال، والحرية، والطيران، قبل ست وخمسين سنة، الاب ميخائيل معوض، عام 1985. عندما كتب رحلته الايطالية: «على دروب الجمال»، التي اشعرت فؤاد كنعان بحلاوة العذاب، «لانه من الذين يعيشون ويموتون فقراء». اما نخوة مغامس، التي حملت الينا تجارب الثقافة، فهي تركت حماسة في العقل والروح، واخبرت عن هذا اللبناني انه بالمغامرة وعشق الجمال مكتحل… ومشتعل، ومن اجله وحده، يخرج على عزلته، ويلبس الريح، «ولا بدّ دون الشّهد من إبر الريح»! او لم يستعر سعيد عقل في كلمته على رحلة معوّض، قول دوستيوفسكي: «انه بالجمال يتم انقاذ العالم»!

باحث بشغف عن زمان جديد
اعتبر ربيعة ابي فاضل ان جورج مغامس رجل احلام، وقلبه بين جنبه ما له مدى ينتهي به، واذا كانت الحسرة هزّته، وأضّنته، فلأن العمر ليس اعماراً، وهو بحنينه او بالتذكّر او بالتخييل، باحث بشغف عن زمان جديد، وعن روح ولهب، وعن انسان يُدرك، بحدسه الخلاّق، ان المحبة وحدها، هي الطريق الى حياة منتصرة. فهو لا يصف مجرد امكنة، ولا يسرد مجرد تنقلات ومشاهدات، ولا يحدّثك عن ذاته، في بعض المرّات، ليهجّر السيرة في قلب الرحلة، او الشعر في قلب النثر، او ليلعب لعبة تداخل الانواع والمعاني والمباني، بل عرف كيف ينسج بحرير ذوقه، شكلاً متكاملاً حوّله واحة تتسع لنفحات الكيان والروح، وبهتاف القلب…

الكلمة بديل الحياة…
الدكتور يوسف عيد تحدث مطولاً عن كتاب «فَلسُ العودة الى منازل الغبطة» معتبراً ان التسمية هي علاقة بين طرفين، اسميتها جدليّة لحداثة الصياغة بما يوحي باختلاف الدلالة. وبما اضيف للكتابة من ارتباط جديد بين الكلمة والمشهد، وهذا يعني قيام فضاء مشترك، فيه تمارس هذه الجدلية حركتها. على ضوء هذا المنزلق الاستبدالي، وما يُضمره من نزعة غيبيّة، بدت الكتابة عند جورج مغامس فضاءً نهائياً يدلّل على جوهر قائم بذاته…
وفي رأي يوسف عيد، ان فَلسُ العودة، فيه كل الحب، كل الحسّ والذكاء والصدق. غجري الحبر يحملنا الى منازل الغبطة، فتغدو الكلمة بديل الحياة…

رحلة عبر منابت الثقافات
الدكتورة مهى الخوري نصار استهلت كلامها قائلة ان الرحلة مع جورج مغامس في كتابَيه: «ايام في بلاد الماتروشكا» و«فَلسُ العودة الى منازل الغبطة»، لمعة ادراك، عبر مسالك الحضارات، وفسحة إشراق، عبر منابت الثقافات. رحلة عبور هي، الى الاحتلام والرؤى، تتشهى معها المكان في ندى البصمات، وتتعشق معها الزمان في صدى اللحظات. عالمي المدى هو، الى دُنى الجمال تسلّل، ومن ذُرى الثقافة الانسانية نهل، وعبر احاسيسه وتهويماته سرح، يحرضنا، ويغرينا لتأمل كشّاف، في محوري قضايا، مشدداً، على ملح حاجتنا، الى الامن والامان، والى شعلة الايمان.
واعتبرت مهى الخوري نصار ان نبض الحياة في سرده، وشمم الانفة في وصفه، من مشاهدته الحيّة يستقيه، ومن مخزونه المعرفي يجتليه، متوخياً الاشباع المعرفي، متخطياً الجزئيات والتفاصيل، نافذاً الى الروح بالخيال، معايشاً كل لحظة من لحظات التأمل في لوحات ايقونات منقطعة متصلة بذاتها، يجمعها خيط رفيع، يقوده حدس بارع خلاّق، افتتن بمواقع مآثر فجذبنا اليها، وسُحر بمعالم لآلىء فسحرنا بها.

سجلات تشهد على جزء من التاريخ
في رأيها، يجوز مغامس في رحلتيه الميل الادبي القصصي الاخباري، الجغرافي التاريخي، الافقي المسطح، ويتصدى العرض الموقعي التوثيقي، والمواكبة الكمية التسلسلية، الى تحديدات ومعطيات وتأويلات وتحليلات، تحيل الرحلة الى سجلات تشهد على جزء من تاريخ، او قل من لحظة تاريخية محورية في خدمة الثقافة الاجتماعية والدينية والسياسية والفنية والادبية، يرصد من خلالها مدى تفاعل الانسان مع مجاله الزمكاني، فيظهر كماً من المعلومات الثقافية ضمن وقفات شهادات لاحداث درامية تاريخية، ولمعطيات دينية عمرانية…

ادب الرحلات لبنان له
وفي ختام الندوة، القى الشاعر جورج شكور قصيدة عصماء، ومما ورد فيها:
هذه الكتب التي سلسلتها
عَسَلاً ذابت، ورؤيا بمنام
«أدب الرحلات» لبنان له
وله في قلب لبنان مقام
«كأمين» أنت من همت به
ورسمت الحسن علوي المقام
فشهدنا «روسيا» ماثلة
بحضارات وأعلام عظام
ترفد الشرق بعطف مغرد
لا كما يرفده لؤم اللئام.

الى ان يقول:
أنت انطقت الزمان المنقضي
فاذا التاريخ بعث وقيام
وبدت فينيتسيا ميّاسة
كعروس البحر والبدر التمام
اين من عينيك هاتيك الدنى
اين غيد تتغاوى بقوام؟
وخصور، وقصور، ورؤى
وفنون وفتون وغرام؟

فالى كلمة شكر من جورج مغامس، الى كل من نظّم، وكل من تكلم، وكل من حضر، مع توقيعه.

اسكندر داغر
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق